شجرة الغريب كنز بيولوجي، وإرث ومعلم ثقافي، يروي تاريخاً عريقاً في اليمن، وأيقونة راسخة في جذور أرضه منذ أكثر من عشرين قرناً. عاصرت الأجيال والمراحل وأحداثها، فسطر اليمنيون حولها القصص والأساطير، وتغنّى بها الشعراء، واستظل تحت فيئها عابرون وعاشقون وزوار.

 

أطلق اليمنيون عليها اسم شجرة الغريب، بسبب غرابتها وضخامتها، وهي من أقدم المعالم الطبيعية في بلدهم، وتقع في مديرية الشمايتين، جنوبي مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، ويُقدّر عمرها بأكثر من ألفي عام، ويبلغ قطرها نحو ثمانية أمتار، ومحيطها نحو 35 متراً، فيما يصل ارتفاعها إلى 16 متراً.

 

تُعرف شجرة الغريب أيضاً باسم "الكولهمة"، أما اسمها العلمي فهو "أدانسونيا ديجيتاتا"، وتنتمي إلى نوع الباوباب، وتُعد من أكبر وأقدم الأشجار في شبه الجزيرة العربية. يمتاز جذعها بلون رمادي يميل إلى لون جلد الفيل، بينما توفر أوراقها الكبيرة ظلالاً واسعة، تكفي عشرات الزوار تحتها في أيام الصيف القاسية.

 

في 21 إبريل/ نيسان الماضي تفاجأ السكان بتشقق الشجرة، وسقوط جزء منها على الأرض، حيث انشقت نصفين، وظهر تجويف في وسطها. وبررت السلطات المحلية ما حصل بوجود إهمال متعمّد، وعدم ري الشجرة خلال فصل الشتاء.

 

وأعقب ذلك إطلاق الصحافي اليمني معاذ ناجي المقطري، الذي يرأس المركز اليمني للإعلام الأخضر (YGMC)، الذي يهتم بقضايا المناخ والبيئة، مبادرة لإنقاذ شجرة الغريب بعنوان: "معاً لإنقاذ حارسة الدهر"، وهو الاسم الذي أطلقه على الشجرة الشاعر السوري سليمان العيسى.

 

واستعان المركز بفريق خبراء لتحديد أسباب انشقاق الشجرة، واقترح على السلطات المحلية مجموعة حلول عاجلة لإنقاذ الشجرة المهددة بالانهيار بالكامل. وجاءت هذه الخطوة انطلاقاً من مبدأ أن الحفاظ على هذه الشجرة هو مسؤولية بيئية تقع على عاتق الجميع، فجاء التحرك لإنقاذ الشجرة وفق خطة طموحة، مبنية على منهج علمي دقيق وشراكة مجتمعية واسعة.

 

أكد تقرير الخبراء الذين عاينوا شجرة الغريب بعد انشطارها أن سبب سقوط جزء منها يعود إلى تفاعل معقد لسلسلة عوامل بيئية، والهيكلية المتراكمة عبر السنين، وأشار إلى أن الجزء الباقي من شجرة الغريب مهدد بسبب عوامل بيئية وطول عمرها.

 

ولفت التقرير إلى أن "من أبرز العوامل التي أدت إلى انشقاق الشجرة تسرّب المياه إلى التجويف الداخلي المكشوف، ما زاد سرعة التحلل الفطري والبكتيري، خاصة مع بداية موسم الأمطار، ولا يزال هبوب الرياح القوية وزيادة وزن الشجرة نتيجة تشبعها بمياه الأمطار يشكلان تهديداً مباشراً يتطلب تحركاً فورياً لإنقاذ هذا المعلم التاريخي".

 

وشدد التقرير على ضرورة اتخاذ إجراءات علاج فورية تتضمن تنظيفاً دقيقاً للأجزاء المتحللة داخل التجويف، وتطهير المنطقة بمواد آمنة، وتغطية الجروح الكبيرة بمعجون متخصص، وتقييم الحاجة إلى دعم هيكلي مؤقت وعاجل.

 

يقول المقطري لـ"العربي الجديد": "شكلنا فور انشقاق الشجرة فريقاً ميدانياً ضم خبراء بيئيين ومهندسين زراعيين حدد المشاكل الخطيرة التي يواجهها التجويف الداخلي الضخم للشجرة بتحلل فطري وبكتيري واسع يصل إلى 90% من اللب الداخلي، وتسرب المياه عبر الشقوق، ووجود مستعمرات نشطة من النمل الأبيض. وهذه العوامل أضعفت هيكل الشجرة بشكل كارثي".

 

يضيف: "بدأت إجراءات الإنقاذ فعلياً مطلع يونيو/ حزيران الجاري، وشملت التنظيف والتعقيم الشامل، من خلال إزالة كل الأخشاب المتحللة والفطريات والنمل الأبيض والآفات من التجويف، واستخدام مواد عضوية بيئية لسد الشقوق الكبيرة ومعالجة الأنسجة المصابة، والري والتغذية البيولوجية. وتتطلب العلاجات التالية توفير المياه والمغذيات الحيوية لتعزيز قوة الشجرة، وإزالة الحوض الإسمنتي لتحرير الجذور ومنحها مساحة للنمو الصحي، ورعاية الشجيرة الصغيرة التي نمت في جوار الشجرة الأم، فهي أملنا في استمرار هذه السلالة النادرة".

 

ويشدد المقطري على أن "الهدف ليس إنقاذ الشجرة فقط، بل إدراجها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والذي سيُوفر لها حماية دولية، ويساهم في تدفق دعم عالمي للمشاريع البيئية في اليمن، ويعترف بالقيمة الطبيعية والثقافية الاستثنائية لشجرة الغريب التي تستحق هذا الاعتراف، فهي ليست مجرد شجرة، بل تجسيد حي للتراث الطبيعي العالمي، وقصة صمود بيئي وتاريخي يجب أن تروى للعالم أجمع".

 

ولطالما انتشرت القصص والحكايات حول الشجرة وأصل تسميتها، كما ارتبطت بعدد من الطقوس والممارسات لدى السكان خاصة في القرى المحيطة بها، وجذبت في الوقت نفسه السياح الأجانب، خاصة في الفترة السابقة على اندلاع الحرب في البلاد، لكن أدى بدء الصراع الأهلي في البلاد إلى معاناة الشجرة خلال السنوات الماضية من الإهمال، وعدم الرعاية مما أدى إلى إصابتها بعدة آفات وأمراض عطلت نموّها.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن تعز شجرة الغريب شجرة الغریب فی الیمن

إقرأ أيضاً:

رجل الخفاش في مهمة لإنقاذ أكثر الحيوانات عرضةً للظلم على الأرض

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تحظى الخفافيش بسمعة سيئة. فالأساطير، والحكايات الشعبية، والتغطية الإعلامية السلبية غالبًا ما تجعل الناس يربطون هذه الثدييات الطائرة بمصاصي الدماء أو يلومونها على تفشي الأمراض.

لكن أعداد الخفافيش حول العالم تُسجّل تراجعًا، ومن دونها تفقد النظم البيئية فوائد رئيسية مثل مكافحة الآفات، والتلقيح، ونشر البذور.

ومن خلال التعليم والبحث والدعوة، قرر رودريغو ميديلين، أستاذ علم البيئة البارز في جامعة المكسيك، أخذ مهمة تغيير نظرة الناس إلى هذه الحيوانات، على عاتقه.

بدأ شغف ميديلين بالخفافيش عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، حين أمسك بواحدة منها لأول مرة بيديه.

وقال: "في تلك اللحظة قرّرت أن أكرّس حياتي لدراستها وحمايتها".

ومنذ ذلك الحين، أصبحت الكهوف هي مكانه المفضل.

وفقًا لمنظمة "بات كونسيرفيشن إنترناشونال"، فإن الخفاش الأبيض الهندوراسي هو أول ثديي معروف يقوم بتخزين أصباغ نباتية تُعرف باسم الكاروتينات في جلدهCredit: Jennifer Barros/Bat Conservation International

وميديلين، الذي هو جزء من مبادرة "روليكس الكوكب الدائم" وفائز بجوائز عدة على عمله، قال: "السكينة، والظلام، والصمت باستثناء صرير الخفافيش، يشعرنني بالراحة في الكهف، وكل ما أفعله هو محاولة نقل هذا الإحساس إلى من يرافقونني".

 أسّس ميديلين أيضًا "شبكة أمريكا اللاتينية لحماية الخفافيش" و"الخفافيش في الجنوب العالمي"، وهي شبكة تضم علماء خفافيش من مختلف الدول النامية.

هناك أكثر من 1,400 نوع من الخفافيش، وهو ما يشكّل حوالي خمس جميع أنواع الثدييات المعروفة على مستوى العالم.

من بين الخفافيش ذات المظهر الأكثر تفردًا، حصل الخفاش ذو الوجه المتجعد على اسمه من الطيات والتجاعيد العميقة على وجهه.Credit: Bruce D. Taubert/Bat Conservation International

وتعد الخفافيش، الثدييات الوحيدة القادرة على الطيران الحقيقي (وليس فقط الانزلاق)، ما سمح لها بالانتشار في مختلف أنحاء العالم.

وتستخدم الخفافيش نظام تحديد الموقع بواسطة الصدى المتطور للغاية للتنقل والعثور على فرائسها ليلًا، وبعضها يستطيع الإحساس بأجسام صغيرة بحجم شعرة الإنسان.

ورغم أن بعض الأنواع تعيش لأكثر من 30 عامًا، إلا أن الخفافيش تتكاثر ببطء، فعادةً ما تلد صغيرًا واحدًا فقط في السنة. وهذا يجعل من الصعب على أعدادها أن تتعافى بعد التراجع.

وأوضح ميديلين "أنها مخلوقات غامضة للغاية. الكثير من الناس يخشونها، أو يهاجمونها، أو يحتقرونها. إنها على الأرجح هي أكثر الحيوانات التي تُعامل بظلم على وجه الأرض".

وغالبًا ما يُنظر إلى الخفافيش على أنها رموز للشر والظلام، ومرد ذلك إلى ارتباطها بمصاصي الدماء وعالم ما وراء الطبيعة في الفولكلور الغربي.

وعلى مرّ التاريخ بأوروبا المسيحية، ارتبطت الخفافيش بالشيطان، والأرواح الشريرة، والساحرات.

يريد عالم البيئة المكسيكي رودريجو ميديلين أن يهتم العالم أكثر بالخفافيش.Credit: Arely Melo

أما الثقافات الشرقية، فتميل إلى النظر إليها من منظور أكثر إيجابية. فعلى سبيل المثال، تُعتبر الخفافيش في الثقافة الصينية رمزًا للحظ والسعادة.

لكن الصورة السلبية عن الخفافيش تفاقمت مع ظهور فيروس "كوفيد-19"، حيث يعتقد البعض أنه نشأ  من الخفافيش، وغالبًا ما يُنظر إليها بسلبية لارتباطها بالأمراض.

وشرح ميديلين: "الخفافيش ليست أكثر امتلاءً بالأمراض من كلبك أو قطتك. لقد تمت المبالغة في ذلك بشكل فظيع".

وبين أهم الخدمات التي تقدمها الخفافيش هي مكافحة الآفات.

يعد خفاش كاليفورنيا ذو الأنف الورقي النوع الوحيد في الولايات المتحدة الذي يتميز بأذنين كبيرتين وبنية بارزة على الأنف تُعرف بـ"ورقة الأنف"، وهي بنية لحمية على شكل رمح يُعتقد أنها تساعد الخفافيش في تحديد الموقع بالصدى.Credit: Josh Hydeman/Bat Conservation International

ولفت ميديلين إلى أن ثمة نوعًا واحدًا فقط من الخفافيش على طول الحدود الشمالية للمكسيك يصل عدده إلى 30 مليون خفاش، وهي تلتهم مجتمعةً نحو 300 طن من الحشرات كل ليلة.

لكن الخفافيش تقوم بما هو أكثر من مجرد السيطرة على الحشرات، فهي تتغذى على الفاكهة وتلعب دورًا حيويًا بنشر البذور، إذ تطير لمسافات طويلة بحثًا عن الطعام.

وشرح ميديلين أنه "من خلال إسقاط البذور بعيدًا عن الشجرة الأم، تساهم الخفافيش في تجديد الغابات، والحفاظ على تنوّع النباتات، ودعم دورات حياة عدد لا يُحصى من الكائنات الأخرى. إن استعادة الغابات تعتمد بشكل كبير على الخفافيش".

إضافة إلى ذلك، تعد الخفافيش ملقّحات رئيسية لمجموعة واسعة من النباتات، وفقًا لميديلين، ضمنًا نبات الأغاف، الذي يُستخدم في صناعة مشروب التكيلا.

ورغم أدوارها البيئية الحيوية، فإن أعداد الخفافيش في جميع أنحاء العالم تواجه العديد من التحديات، معظمها ناتج عن الأنشطة البشرية.

وتعد فقدان المواطن الطبيعية، وتوربينات الرياح، واستخدام المبيدات، وأخيرًا مرض متلازمة الأنف الأبيض، وهو مرض فطري، عوامل أثّرت بشكل خطير على هذه الكائنات.

ونتيجة لذلك، أصبحت العديد من الأنواع اليوم مهددة بالانقراض أو مصنفة كأنواع مهددة.

مقالات مشابهة

  • رجل الخفاش في مهمة لإنقاذ أكثر الحيوانات عرضةً للظلم على الأرض
  • يوم الفشخة
  • ترامب: أحترم بوتين وأسعى لإنهاء الحرب لإنقاذ الأرواح
  • المغرب يواجه «أكبر كارثة بيئية» هذا العام.. حرائق شفشاون تلتهم مئات الهكتارات
  • أستاذ علوم بيئية: البحث العلمي يمثل العقل المفكر
  • كارثة بيئية في نفق الزهراء للمشاة بأسيوط بين الإهمال والخطر
  • الشعبة : تراجع أسعار السيارات ضرورة لإنقاذ الموسم
  • بعد رسالة «محمد صلاح».. يويفا يعلن مبادرة إنسانية لإنقاذ أطفال غزة
  • لمواجهة الحرارة الشديدة.. اطلاق مبادرة لتوزيع المياه المبردة على عمال النظافة بالإسكندرية
  • تعدين أعماق البحار.. إبادة بيئية قد يحفزها الصراع على المعادن