لجريدة عمان:
2025-06-28@22:05:55 GMT

محاولة عن غسان أبو ستة

تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT

لا يسعني التفكير بسيرة غسان أبو ستة خارج معنى البطولة، مهما بدت صفة «البطل» شاقة عليه، كما هي شاقة وقاسية، بل وجائرة في المجمل على أي فلسطيني آخر في هذا الكوكب. يكفي أن نتذكر تلك الليلة الدموية التي خرج فيها بردائه الطبي الأزرق أمام وسائل الإعلام؛ ليبثَّ للعالم شهادته، وشهادة رفاقه، ومرضاه عن مجزرة المستشفى المعمداني التي ذبحت فيها الوحشية الصهيونية قرابة 500 فلسطيني دفعة واحدة ودون رفَّة جفن.

غير أن الطبيب بطل هذه القصة لا يلتحق بثورةٍ كما يليق بأطباء الأغوار والخنادق والجبهات المصنفين من صنفه، بل يرث عالمًا مفككًا بلا مشروع وطني جامع، ليس إلا عالمًا موعودًا بقتل أكثر، في إبادة مُعلنة مقصودةٍ ومقسَّطة. فقد صادفت فترة تخرجه طبيبًا من جامعة غلاسكو الاسكتلندية عام 1993 بدايةَ مرحلة أوسلو التي أعلنت انتحار المشروع الوطني الفلسطيني، بعد عقد من اقتلاع ثورة الشعب الفلسطيني من بيروت -القلعة الأخيرة-، وطردها بحرًا إلى المتاه والمجهول.

كانت نشأته في الكويت وسط عائلة مُسيسة سببًا أساسيًا لتربيته المسكونة بشؤون العمل الوطني والسياسي الذي شكَّلت بيروت بؤرته بعد الخروج من الأردن. إذ كيف لمن خُلق فلسطينيًا أن يعتزل السياسة، حتى لو كان في آخر الدنيا؟! عمه عبدالله المقتول خلال معارك «أيلول الأسود» مع الجيش الأردني كان واحدًا من قادة ثورة الثلاثينيات ضد الإنجليز، ثم واحدًا من أبرز رجال المرحلة التالية الذين كرَّسوا خبرة الثلاثينيات في تنظيم العمل الفدائي بعد النكبة، ولاحقًا بعد هزيمة 1967. كما يتذكر غسان بوفاءٍ كبير علاقة الصداقة التي جمعت عائلته بالمناضل السوري هاني الهندي أحد مؤسسي حركة القوميين العرب رفقة جورج حبش ووديع حداد، ذاك الذي قدِم إلى الكويت مبتور الذراع إثر نجاته من محاولة اغتيال نفذها الموساد في قبرص، وكان مصدر إلهام وكتبٍ بالنسبة لغسان الباحث عن فلسطينه البعيدة.

حاول أبوه صرفَه عن السياسة بتوجيهه لدراسة الطب. غضب منه حينما فكَّر الفتى في السفر إلى بريطانيا؛ ليدرس شهادة الفلسفة والسياسية والاقتصاد (PPE). لكنه لم يكن ليعلم أن ابنه سيجد في الطب أداة أكثر نجاعة للاشتباك السياسي. كان ذهابه لدراسة الطب في غلاسكو بداية لانفصاله عن مرحلة الكويت، قبل وقت قصير من الغزو العراقي الذي ترك آثاره الوخيمة على الوجود الفلسطيني في البلاد إثر موقف منظمة التحرير الفلسطينية من الغزو. هناك انضم غسان أبو ستة لجمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP)، ونظَّم المحاضرات؛ للتعريف بقضية شعبه في ذروة الانتفاضة الأولى، وجمع مع رفاقه التبرعات؛ لإنشاء العيادات في الأرض المحتلة، وجنوب لبنان.

تردد على المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتأمل كيف حوَّلت حرب المخيمات المجتمع الفلسطيني فيها «من مجتمع لاجئ مسيَّس وثوري إلى كتلة اقتصادية مهمَّشة لا ترجو سوى الخلاص والعيش وتدبير الحال». وخاض قبيل تخرجه تجربته المهمة في العراق خلال مرحلة الحصار التي أعقبت حرب الخليج؛ حيث زار المحافظات العراقية مع مجموعة من الطلاب الحقوقيين من جامعة هارفارد؛ وذلك لإجراء دراسة مسح ميدانية عن معدل وفيات الأطفال، وتدمير القطاع الصحي، والبنية التحتية.

أما غزة -بُقعة العناد العاصية والمستعصية- فستناديه دائمًا في كل حروبها القادمة بعد انسحاب الاحتلال منها عام 2005. وكان الطبيبُ المقاتل هناك دائمًا شاهدًا ومشهودًا بين الجرحى والشهداء. دخل إلى القطاع بعد 12 يومًا من بدء حرب الإبادة في وقت عجزت فيه دول ومنظمات عن المبادرة بتحريك أي ساكن. بقي هناك لأكثر من 40 يومًا ملتزمًا بمهمة الحياة والإحياء تحت شبح الموت المجاني. وبعد العملية الإرهابية التي فجَّرت أجهزة البيجر في عناصر «حزب الله» وجدناه حاضرًا في لبنان.

هكذا وجد غسان أبو ستة في ممارسة الطب ساحة من نوع جديد للنضال والاشتباك مع السياسة. وجد في طب النزاعات بوجه خاص مهنة سياسية قادرة على النفاذ إلى الصلب الاجتماعي للشعب، مهنة يمكنها أن تقود عملية التعبئة في سياق الصراع مع الاحتلال. وأهميته بالنسبة لنا تتجاوز حدود دوره كطبيب في الحروب إلى مهمة أدق وأشمل اختارها لنفسه بعناية؛ وهي قراءة الحرب الاستعمارية على بلادنا والتأريخ لها بالاعتماد على بصمات الأسلحة الفتاكة، وعلاماتها التي تخلفها في أجساد الشهداء والجرحى. فالجسد كالأرض؛ ساحة حرب موازية. والجروح والحروق على الأجساد هي وثائق سياسية كما يذكرنا أبو ستة دائمًا. وأن تكون طبيبًا يقلّب الجسد الفلسطيني المهتوك بين يديه يعني أن تدرك أن الجرح ليس في الجسد وحده، بل في التاريخ، في الخرائط، وفي كذبة العدالة التي تسوِّقها إمبراطورية القتل الأمريكية، والمنظمات التابعة لها.

غسان أبو ستة قُدوة...

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: غسان أبو ستة

إقرأ أيضاً:

وزير السياحة الفلسطيني: الاحتلال دمّر 216 موقعاً أثريا في غزة

قال هاني الحايك وزير السياحة والآثار الفلسطيني، إنّ  الاحتلال الإسرائيلي ارتكب تدميرًا واسعًا ممنهجًا للتراث الثقافي الفلسطيني في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن 216 موقعًا أثريًا من أصل 316 تم تدميرها بشكل جزئي أو كامل خلال العدوان الأخير.

وزير السياحة والأثار الفلسطيني: الاحتلال يتعمد تدمير المواقع التراثية في غزةحركة فتح: إسرائيل ترى نفسها منتصرة وخطة فلسطينية مصرية لإعادة إعمار غزةشريف عامر: جريمة جديدة تشهدها غزة خلال آخر 24 تمثلت في استشهاد 100 روح لمواطنين فلسطينيينلوقف حرب غزة .. اعتقال 4 محتجين في مظاهرة مناهضة لحكومة نتنياهو


وأضاف الحايك، في لقاء مع الدكتورة منة فاروق، عبر تطبيق zoom  على قناة "إكسترا نيوز"، أنّ من بين المواقع المدمرة متحف "قصر الباشا"، وهو متحف أثري تاريخي أسسته الوزارة ويضم آلاف القطع، وقد تم استهدافه بشكل مباشر ما أدى إلى تدميره بالكامل.

وتابع، أنّ  الاحتلال لم يكتفِ بذلك، بل تعمد استهداف مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي مثل ميناء غزة القديم ووادي غزة، مضيفًا أن هذا النهج يعكس محاولة لطمس السردية الفلسطينية ومحو الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني: "تم استهداف الكنائس والمساجد، ولم ينجُ أي معلم تراثي تقريبًا من الاستهداف، وهذا اعتداء ممنهج يهدد وجودنا التاريخي".

وأشار الحايك إلى أن الوزارة تعمل حاليًا، رغم الظروف الصعبة، على إعداد "اليوم الثاني بعد الحرب" من خلال تشكيل فرق وطنية لحصر الأضرار في غزة وتوثيق ما يمكن إنقاذه من تراث، متابعًا، أن الوزارة تواصلت مع مؤسسات دولية، على رأسها اليونسكو، لمطالبتها بتحمل مسؤوليتها في حماية المواقع الأثرية، وعلى وجه الخصوص موقع تل أم عامر أو كنيسة سانت هيلاريون.

وذكر، أن الاعتداءات على التراث لم تقتصر على غزة، بل شملت أيضًا الضفة الغربية، حيث جرى التعدي على الحرم الإبراهيمي الشريف من خلال محاولات تغيير معالمه بما يتوافق مع الطقوس التلمودية، وقد طالبت الوزارة بوقف هذه الانتهاكات فورًا عبر مراسلات مباشرة لليونسكو.

وأوضح، أنّ الورشات التدريبية التي نُظمت، ومنها ورشة في القاهرة بشهر فبراير الماضي، هدفت لتجهيز المهندسين الفلسطينيين لإعادة الترميم ما بعد الحرب.
 

طباعة شارك غزة قطاع غزة الاحتلال فلسطين اخبار التوك شو

مقالات مشابهة

  • الزميل غسان المكحل في ذمة الله
  • من هو الفلسطيني أسد الحملاوي هدف الأهلي في الانتقالات الصيفية؟
  • مصر تدين اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين وتدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته تجاه الشعب الفلسطيني
  • «البديوي» يدين استمرار الهجمات العدوانية التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الشعب الفلسطيني الأعزل
  • أمين مجلس التعاون يدين استمرار الهجمات العدوانية التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الشعب الفلسطيني
  • محاولة فاشلة لسرقة سيارة إسعاف بطنجة
  • مقتل شاب بجريمة إطلاق نار في إكسال بالداخل الفلسطيني
  • سفارة سلطنة عُمان في قبرص تحتفل بتخرُّج عدد من الأطباء العُمانيين
  • وزير السياحة الفلسطيني: الاحتلال دمّر 216 موقعاً أثريا في غزة