نصية: زيارة مستشار ترامب إلى ليبيا تثير تساؤلات وتستلزم أقصى درجات الشفافية
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
نصية: زيارة مستشار ترامب إلى ليبيا تأتي في توقيت حساس وتتطلب أقصى درجات الشفافية
ليبيا – علّق عضو مجلس النواب عبد السلام نصية على زيارة مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى ليبيا، معتبرًا أنها تأتي في ظرف بالغ الحساسية محليًا وإقليميًا ودوليًا، وتفرض تساؤلات حول خلفياتها وأهدافها.
انسداد سياسي داخلي وتخوفات من خطط تهجير
وفي منشور له عبر صفحته على موقع “فيسبوك” تحت عنوان (زيارة مستشار ترامب إلى ليبيا: بين المصالح الدولية والملفات الإقليمية الشائكة)، أشار نصية إلى أن البلاد لا تزال تعاني من انسداد سياسي عميق، وانقسام مؤسساتي، وتفشي مظاهر الفساد، إلى جانب استمرار شبح النزاع المسلح في العاصمة رغم جهود مجلس النواب لتوحيد السلطة التنفيذية.
ولفت إلى إعلان بعثة الأمم المتحدة عن نيتها تقديم خارطة طريق جديدة خلال شهر أغسطس المقبل، معتبرًا أن ذلك يتزامن مع تقارير متضاربة بشأن خطة مزعومة لتهجير الفلسطينيين إلى ليبيا، وأخبار عن نية واشنطن ترحيل بعض المجرمين إلى البلاد، ما يعقّد المشهد المحلي ويثير الشكوك حول توقيت وأهداف الزيارة.
تصعيد إقليمي وتداخل مصالح دولية
وفي سياق إقليمي ودولي، رأى نصية أن محاولات تهجير الفلسطينيين مستمرة، في ظل تصاعد الحرب الإيرانية-الصهيونية، وارتفاع وتيرة التدخل الأميركي في المنطقة، إلى جانب التصعيد العسكري في غزة ومناطق من فلسطين وسوريا ولبنان، بالتوازي مع أزمات شرق المتوسط وتداخل المصالح الإقليمية والدولية.
تساؤلات حول أبعاد الزيارة وأهدافها
واعتبر نصية أن الزيارة تطرح تساؤلات مشروعة، منها: “هل تأتي في إطار مشروع سياسي دولي لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط؟ وهل تخدم المصالح الأميركية والصهيونية عبر تعزيز تهجير الفلسطينيين وفرض وقائع جديدة؟ أم أنها محاولة من إدارة ترامب لتسجيل حضور فاعل في السياسة الخارجية، واحتواء النفوذ الروسي والصيني، وضمان تدفق النفط واستقرار المتوسط؟”.
دعوة إلى الشفافية والمواقف الوطنية
أجاب نصية بأن هذه الأسئلة قد تتضح خلال اللقاءات المرتقبة في طرابلس وبنغازي، مؤكدًا في الوقت ذاته على ضرورة أن يتحلى المسؤولون الليبيون بأقصى درجات الشفافية والوضوح، نظرًا لحساسية الملفات المطروحة، والتي تمس بشكل مباشر سيادة البلاد ومستقبلها.
وشدد على أهمية أن تكون المواقف الرسمية متزنة ووطنية، بعيدة عن المكاسب السياسية قصيرة المدى، محذرًا من أن أي تنازل في هذا الظرف المفصلي قد تكون كلفته باهظة على المدى البعيد.
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: إلى لیبیا
إقرأ أيضاً:
ليبيا.. الدولة الغائبة والوعي المؤجل
في ظل مشهد مضطرب تعيشه ليبيا منذ أكثر من عقد، تتكشف حقيقة صادمة: لم تُبنَ في ليبيا دولة بالمعنى الحقيقي، رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على الاستقلال، ورغم ما توفر من ثروات وفرص. بل إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل أزمة بنيوية عميقة في الوعي والانتماء، وفي العلاقة بين المواطن والدولة.
من الاستقلال إلى التيه
استقلت ليبيا عام 1951، في تجربة رائدة على مستوى أفريقيا والعالم العربي، وكان من الممكن أن تشكّل نموذجًا للدولة الوطنية الحديثة.
وبالفعل، شهدت البلاد خلال الستينات وحتى أواخر السبعينات تقدمًا في مجالات التعليم، والصحة، والبنية التحتية، بل صُنفت حينها من بين الدول المتقدمة نسبيًا.
لكن هذا التقدم لم يكن مستندًا إلى بنية مؤسسية راسخة، بل ظل هشًا، يعتمد على مركزية القرار، وعلى النفط كمصدر وحيد للثروة، دون تنمية ثقافة العمل والإنتاج.
دولة الريع وتآكل الوعي
منذ اكتشاف النفط، تحوّلت الدولة إلى “خزانة” توزع الموارد بدل أن تبني اقتصادًا متوازنًا، فترسّخت ثقافة الاتكالية، وتراجعت قيمة العمل، وتحول المواطن إلى تابع ينتظر “العطاء”، لا شريكًا في التنمية.
تآكلت بذلك ثقافة المسؤولية، وغاب الشعور بالملكية الجماعية للوطن، وتم استباحة المال العام، والمؤسسات، وحتى فكرة “الدولة” نفسها.
المجتمع… بين الجهوية والقبيلة
لم تتطور الهوية الوطنية الجامعة، وبقيت الانتماءات القبلية والجهوية والمناطقية هي السائدة. ليس ذلك فحسب، بل أصبحت أحيانًا أدوات صراع على السلطة والمناصب والثروة، حتى في أوساط المتعلمين والنخب. فما بالك بالمواطن البسيط الذي لم يتح له الوعي، ولا أدوات المشاركة الحقيقية؟
هذه الولاءات الضيقة ساهمت في تفكيك النسيج الاجتماعي، وأضعفت روح المواطنة، وعرقلت بناء مؤسسات وطنية مستقلة عن النفوذ العصبوي والمناطقي.
غياب ثقافة الدولة والمجتمع المدني
لم تُبنَ ثقافة الدولة لدى الأفراد. لم نُدرَّب في المدارس ولا في الإعلام ولا في المساجد على احترام القانون، وعلى أن الوطن فوق الجميع. لم تُزرع قيم العطاء والمبادرة، بل سادت ثقافة التلقّي، و”من الدولة لنا”، لا “منّا للدولة”.
كما لم يتشكل مجتمع مدني حقيقي، بل تمت محاصرته، أو تم تسليحه، أو تحريكه بالمال السياسي، ففقد دوره التوعوي والتنموي.
فشل النخب قبل فشل السلطة
من المثير للأسف أن النخب المتعلمة لم تنجُ من عدوى الانتماء الضيق، ولم تتمكن من تقديم خطاب وطني جامع. في كثير من الأحيان، تحوّلت إلى أدوات في الصراع، أو وقفت عاجزة أمام تعقيدات المشهد، فغاب المشروع، وغابت القيادة المجتمعية.
لماذا تراجعت ليبيا؟
الجواب ببساطة: لأن الدولة لم تُبنَ على قاعدة من الوعي، ولم يُبنَ الإنسان الليبي كمواطن حرّ ومسؤول، بل ظل تابعًا، هشًا، يقاد بالعاطفة، لا بالعقل.
ولهذا، حين انهارت السلطة بعد 2011، انهارت معها الدولة، لأن البناء لم يكن حقيقيًا، والمؤسسات كانت هشة، والمجتمع كان مفككًا.
نهاية الحلم وبداية الحقيقة
اليوم، لم يعد يختلف عاقلان على أن ليبيا دخلت نفقًا ضيقًا ومظلمًا، وأن الليبيين باتوا يندمون على ما آل إليه حال البلاد. فقد تبيّن أن الدولة ما قبل 2011، رغم عيوبها، كانت أكثر استقرارًا وسيادة من واقع الفوضى والانقسام الراهن، حيث كانت السلطة موحّدة، وصوت القرار واضح، وإن اختلف معه الكثيرون.
فلا يُعقل أن تُسمى “ثورة”، ثم تعود البلاد إلى فوضى شاملة، وفساد غير مسبوق، يهدد بانهيار كامل، في ظل أخطار خارجية متزايدة، تجعل ليبيا عاجزة عن الدفاع عن مصالحها أو فرض إرادتها.
ومع فشل مشروع “الديمقراطية الموعودة”، لم تعد هناك أولوية تتقدّم على استعادة القانون، وبسط النظام، وإعادة الاعتبار لفكرة الدولة نفسها.
خاتمة: وعي الإنسان قبل بناء الدولة
ليبيا ليست دولة فقيرة، ولا تفتقر إلى الثروات أو الإمكانات. لكنها افتقرت — وتفتقر — إلى وعي حقيقي بمعنى الدولة، وإلى إنسان مؤمن بقيم المواطنة والانتماء.
ولهذا، لم تُبنَ في ليبيا دولة حقيقية، بل كيان مؤجل، ينتظر من يؤمن به ويُخلِص له، ويعيد بناءه على أسس راسخة: إنسان حر، مجتمع واعٍ، ودولة عادلة.
أما إذا استمر غياب الوعي، فسوف تظل الأزمات تتوالى، والانهيارات تتكرّر، وتضيع البلاد. فالتحديات جسيمة، تبدأ من ضرورة إعادة بناء الإنسان والمجتمع، لا سيما فئة الشباب الذين يعانون البطالة، والمخدرات، وانعدام الدعم، فضلًا عن التحديات الديموغرافية المقلقة، كتراجع معدلات الخصوبة، وارتفاع العنوسة، واتساع الفجوة الاجتماعية.
لهذا، آن الأوان لأن يتحرّك الليبيون بوعي وجدية. فالشعارات لم تعد تكفي، والوقت لم يعد في صالح أحد. لا بد من سلطة وطنية واحدة وقوية، تبسط الأمن والاستقرار، وتعيد للدولة هيبتها وفاعليتها… قبل أن يفوت الأوان.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.