تراجع الدولار، صعود الذهب، تفاقم الدين العالمي، وتعدد الصراعات العسكرية – جميعها علامات تثير القلق.

هل نحن على مشارف أزمة اقتصادية عالمية جديدة؟

أم أن العالم يملك بعد أوراق النجاة؟ في هذا التقرير، نغوص في عمق المشهد الدولي، نستعرض أبرز المؤشرات ونحلل آراء الخبراء، لنضع أمام القارئ الصورة الكاملة لعالم يتأرجح بين التكيف والانفجار.

مؤشرات الأسواق لا تكذب أكثر من مجرد إشارات عابرة، ما ترسله الأسواق اليوم من بيانات يحمل طابع التحذير.

فوفقًا للبنك الدولي، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.3 بالمئة فقط هذا العام – وهي أضعف وتيرة نمو منذ 17 عامًا.

وبينما يضع بنك جي بي مورغان احتمالية بنسبة 40 بالمئة لوقوع ركود عالمي، تقف الأسواق بترقب حذر.

الدولار الأميركي، الذي طالما شكل مرآة للثقة العالمية، تراجع بأكثر من 10 بالمئة خلال 6 أشهر فقط، وهو أمر لم يتكرر في التاريخ الحديث إلا أربع مرات، وفي كل منها، كانت النتيجة أزمة مالية واسعة النطاق.

في المقابل، سجلت أسعار الذهب والفضة مستويات تاريخية، حيث لامس الذهب ذروته القياسية، واقتربت الفضة من حاجز الـ40 دولارًا للأونصة – وهو ما حدث تاريخيًا فقط في فترات أزمات اقتصادية عنيفة.

ولا يمكن إغفال رقم الدين العالمي الذي تجاوز 324 تريليون دولار، وهو ما يضع عبئًا غير مسبوق على الاقتصادات الكبرى والصاعدة على حد سواء.

من الأسواق إلى الجغرافيا السياسية... العوامل تتشابك صندوق النقد الدولي وصف المرحلة الحالية بأنها من أسوأ مراحل "التفتت الجيوسياسي" في تاريخ العالم الحديث.

أكثر من 61 صراعًا مسلحًا في 36 دولة، إضافة إلى التوترات التجارية الكبرى – لا سيما بين الصين والولايات المتحدة – تكبد الاقتصاد العالمي خسائر متوقعة تتجاوز تريليون دولار في 2025 فقط.

ويحذر محمد علي ياسين، الرئيس التنفيذي لشركة مزايا الغاف من لونيت خلال حديثه الى "برنامج بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، من أننا نعيش لحظة تراكم أزمات متزامنة، ليس أقلها الضغوط التضخمية الناتجة عن سلاسل التوريد، وحروب التعرفة الجمركية، وصعود سياسات الحمائية.

في حديثه، يشير ياسين إلى أن ما يحدث "ليس عشوائيًا"، بل أقرب إلى "مخطط اقتصادي مدروس يعيد تشكيل النظام العالمي على قاعدة الصراع لا الشراكة".

الاقتصاد الأميركي... المرونة المشروطة

رغم كل المخاوف، لا تزال مؤشرات الاقتصاد الأميركي تُظهر بعض مظاهر الصمود.

كما تقول جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأميركية السابقة، فإن الاقتصاد الأميركي "مرن بشكل ملحوظ"، لكنه يواجه مستقبلًا غامضًا.

معدل النمو الأميركي المتوقع هذا العام يقارب 2.3 بالمئة، وهي نسبة ضعيفة ولكنها إيجابية نسبيًا مقارنة ببعض الاقتصادات الكبرى.

إلا أن التضخم لا يزال يشكل تهديدًا، خصوصًا مع ارتفاع أسعار بعض السلع الاستهلاكية مثل الألعاب والمستلزمات الترفيهية، كما أظهر مؤشر أسعار المستهلكين الأخير (CPI).

في هذا السياق، يشير ياسين إلى أن السياسات الجمركية التي تتبعها إدارة ترامب تسعى إلى رفع سقف التهديدات، ثم تخفيضه في المفاوضات، ما يخلق "مفاجآت إيجابية" في الأسواق، ويكسب الإدارة نقاطًا سياسية وانتخابية دون الدخول في حروب تجارية شاملة.

الصين تتكيف... واليابان تفاجئ الصين، رغم الضغوط الأميركية، حافظت على نمو قوي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.2 بالمئة خلال النصف الأول من العام.

ويشير التقرير إلى أن بكين نجحت في تنويع أسواقها بعيدًا عن الاعتماد الأحادي على الولايات المتحدة، وهو ما عزز صمودها أمام موجة الحمائية.

أما اليابان، فقد فاجأت الأسواق بارتفاع مؤشراتها رغم فرض تعريفات جمركية أمريكية. هذه المرونة عززت الاعتقاد بأن العالم بدأ يتأقلم تدريجيًا مع بيئة تجارية مشحونة، لكنها تظل بيئة خطرة.

التحديات الهيكلية... من الدولار إلى سوق السندات

أحد المؤشرات اللافتة التي استشهد بها محمد علي ياسين هو السوق الأميركية للسندات طويلة الأجل، والتي شهدت تذبذبات حادة.

انخفض العائد على السندات لأجل 30 سنة إلى ما دون 5 بالمئة مجددًا، وهو ما يعكس – وفق تحليل الخبراء – انعدام اليقين لدى المستثمرين المؤسسيين تجاه مستقبل السياسات الاقتصادية الأميركية.

في هذا السياق، يبدو أن الأسواق تكافئ إدارة ترامب على فرضها تعريفات دون الدخول في صراع مباشر، إلا أن هذا لا يمنع من أن الفقاعات الاقتصادية تتشكل تحت السطح، خصوصًا مع ارتفاعات غير مبررة في أسعار بعض الأصول والأسهم.

كيف تتفاعل دول الخليج؟ مع تراجع الدولار، تواجه دول الخليج تحديين مزدوجين:

ارتفاع كلفة الواردات، مما يعزز التضخم المحلي، وفي المقابل تحسن جاذبية أسواقها الناشئة أمام المستثمرين الأجانب الباحثين عن عوائد مرتفعة.

يشير ياسين إلى أن القطاع المصرفي الخليجي حافظ على أرباح قوية، رغم التذبذبات، بفضل مستويات فائدة مستقرة، وضرائب منخفضة، واستقرار اقتصادي نسبي.

بين العقار والأسواق... الإمارات كنموذج تحتل الإمارات مكانة خاصة في هذا المشهد، إذ يرى ياسين أن ارتفاع أعداد الوافدين الباحثين عن الاستقرار المالي والاجتماعي "تصويت ثقة" في قوة الإمارات كمركز استقطاب إقليمي.

لكن يحذر من التسرع في تفسير كل ارتفاع على أنه مستدام، خصوصًا في القطاع العقاري، حيث تباع بعض المشاريع بأسعار مبالغ فيها مقارنة بجاهزيتها أو موقعها.

من جهة أخرى، يشير إلى أن الأسواق المالية الإماراتية شهدت نشاطًا ملحوظًا في الاكتتابات العامة، مثل "ألفا داتا" "، مما يعكس عمق السيولة وثقة المستثمرين، لكن أيضًا يتطلب انتقائية في الشراء بسبب مكررات ربحية عالية في بعض القطاعات.

بين شبح الركود ونشوة الأسواق، يعيش الاقتصاد العالمي مفارقة تاريخية.

الأرقام لا تبشّر، لكن حركة المستثمرين تلمح إلى ثقة مشروطة. ربما لا تكون الأزمة قريبة، وربما تتأجل بفعل تدخلات البنوك المركزية، لكن مزيج الدين الهائل، وتفتت العولمة، وتصاعد التوترات التجارية والعسكرية يجعل من عام 2025 عامًا مفصليًا في إعادة رسم الخريطة الاقتصادية للعالم.

فهل يكون القادم مجرد تباطؤ... أم الانفجار الكبير؟

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: إلى أن وهو ما فی هذا

إقرأ أيضاً:

ناشطة في رحلتها التاسعة لغزة: نكسر الصمت العالمي لا الحصار فقط

بينما تستمر آلة التجويع الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، اختارت المحامية والناشطة الفلسطينية الأميركية هويدا عراف أن تنحاز لكلمة "لا" في وجه الاستسلام الجماعي.

ورفعت الناشطة شعار "لا للحصار، لا للصمت، لا للاحتلال"، وجعلت من تلك الكلمة سفينة تبحر نحو ما لا يسمح بالوصول إليه، متحدية بحرا وسلطة، ومصممة على كسر الحصار المفروض على غزة منذ عام 2007.

ومنذ الأحد الماضي، تواصل سفينة "حنظلة" الإبحار باتجاه غزة، في مسعى جديد لكسر الحصار، واستكمال مسار طويل من المواجهة السلمية مع الاحتلال الإسرائيلي، دفاعا عن حق الفلسطينيين في الحياة والكرامة.

على متن هذه السفينة، لا تكون غزة مجرد جغرافيا محاصرة، بل تتحول إلى رمز تتحدى الحصار، وأمل تتشبث به شعوب لا تزال تؤمن بأن للعدالة صوتا يمكن أن يعبر البحار، فبالنسبة لهويدا وطاقم "حنظلة"، لا يقتصر دورهم على الشهادة على الظلم، بل يتعداه إلى مقاومته والمشاركة في مواجهته.

البداية من البحر

وفي حديثها للجزيرة نت من على متن سفينة "حنظلة"، استحضرت هويدا عراف محطات رحلاتها السابقة، مؤكدة أن غزة لم تكن يوما وجهة عابرة، بل كانت رمزا لمعنى العدالة حين تتخلى عنها الدول، وللكرامة حين تغيب القوانين.

وكانت هويدا من بين النشطاء الذين شاركوا في أول كسر بحري للحصار على غزة، عندما وصلت سفينتا "الحرية" و"غزة الحرة" إلى شواطئ القطاع في أغسطس/آب 2008، في خطوة أربكت الحسابات الإسرائيلية والدولية في آن.

وقالت عضو تحالف "أسطول الحرية" للجزيرة نت "تحدينا الحصار، وطلبنا من العالم أن يتحرك خلفنا، لأن ما تقوم به إسرائيل مخالف للقانون الدولي، وهو عقاب جماعي وجريمة حرب".

وتابعت: "دخلنا البحر رغم كل التحذيرات، ووصلنا إلى غزة دون إذن من إسرائيل، وبقينا هناك بضعة أيام قبل أن نغادر. كان هناك طفل صغير قطعت ساقه ويريد السفر للعلاج، لكن إسرائيل رفضت. لم يكن الحصار مجرد منع، بل كان شكلا من أشكال الموت البطيء".

إعلان

وأضافت هويدا: "لا نقبل بهذا الواقع، ولا نقبل أن يجوّع الأطفال عمدا في هذا العالم ونحن صامتون. رسالتنا إلى إسرائيل واضحة: افعلي ما تشائين، لن نتوقف. وعلى الشعوب أن تضغط على حكوماتها، لا فقط لإرسال المساعدات، بل لرفع الظلم".

لن نستسلم

الناشطة التي شاركت في تأسيس حركة التضامن العالمية، تذكرت أيضا مشاركتها في سفينة "مافي مرمرة" عام 2010، التي تعرضت لهجوم إسرائيلي أسفر عن مقتل 10 متطوعين وإصابة العشرات واختطاف نحو 700 مدني أثناء إبحار السفينة في المياه الدولية.

وتصف هويدا عراف تلك اللحظات بقولها "اقتحموا السفينة وقتلوا واختطفوا النشطاء، وكان ظن إسرائيل أن العنف سيردعنا، لكننا نظمنا أسطولا جديدا بعد ذلك بعام واحد".

وأكدت أن "الأسطول لم يكن فقط لنقل المساعدات، بل موقف سياسي وإنساني بأن الشعب الفلسطيني يستحق الحرية ورفع الحصار. لكن التحديات لم تقتصر على البحر، بل شملت الجانب السياسي أيضا، حيث بدأت إسرائيل التنسيق مع دول متوسطية لمنع السفن من الإبحار نحو غزة، وهذا مؤسف للغاية".

جريمة علنية

وتخوض هويدا عراف اليوم مشاركتها التاسعة في رحلات كسر الحصار، لكنها ترى أن "الوضع أصبح أكثر سوءا من أي وقت مضى".

وتوضح "في عام 2008، كنت أعتقد أن إسرائيل تخدع العالم، وأننا إذا فضحنا ممارساتها فإن الناس سيكتشفون الحقيقة، أما اليوم، فالعالم يرى الجريمة بعينه، لكنه يصمت".

وأضافت "الحصار انتهاك صارخ للقانون الدولي، وهو جريمة حرب تستخدم كأداة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية. إسرائيل لا تسمح حتى بإدخال حليب الأطفال إلى غزة، والإبادة تمارس علنا أمام العالم، بينما الدول تتفرج بلا خجل".

ورغم هذا الواقع القاتم، لا تفقد هويدا إيمانها بقدرة الشعوب على إحداث التغيير، قائلة: "هناك ملايين حول العالم يقفون إلى جانبنا، لكن الحكومات في أميركا وأوروبا اختارت أن تمرر هذه السياسات، وأن تجعل من القوة حقا، ومن الظلم قانونا، ومن الصمت موقفا".

وتواصل عراف حديثها بصوت تختلط فيه العاطفة بالصمود، وتقول: "أعلم أن ما نقوم به صعب، خاصة بالنسبة لي كأُم. أترك أطفالي في كل رحلة، وأدرك أنني قد لا أعود. لكن لا يمكنني أن أنظر في أعينهم وأصمت على ما يتعرض له أطفال غزة. لا يمكنني أن أطلب من أطفالي أن يعيشوا في عالم يرى المجازر ويصمت".

وفي ختام حديثها، تعود هويدا إلى البحر، حيث بدأت الحكاية "إذا تمكنا من الوصول هذه المرة، نريد أن نؤسس خطا دائما نحو غزة. لا نريد أن يبقى القطاع معزولا. هذا البحر لا تملكه إسرائيل، ولن نتركه لها".

مقالات مشابهة

  • اليمن نموذج فريد للمقاومة الاقتصادية.. لا بضائع أمريكية ولا (إسرائيلية) في الأسواق
  • «التغير المناخي»: أسواق الدولة خالية من منتج ملوث ببكتيريا السالمونيلا
  • ياسين مرعي يكشف كواليس انضمامه إلى الأهلي
  • المغرب يتوقع تسارع النمو الاقتصادي إلى 4.5% خلال 2025
  • ناشطة في رحلتها التاسعة لغزة: نكسر الصمت العالمي لا الحصار فقط
  • سعر النفط العالمي يواصل الهبوط في أسبوع.. والأسواق تنتظر توحيد التعريفة الجمركية
  • اتفاق التجارة الأميركي الياباني يجنّب الاقتصاد العالمي السيناريو الأسوأ
  • محنة غزة وانتقائية الضمير العالمي!
  • ترامب يراهن على الرسوم الجمركية.. ويربح مؤقتاً رغم مخاوف الاقتصاد العالمي