همس الحروف – رسالة لكل خائن – الباقر عبد القيوم علي
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
اطلعت على المقال الذي كتبه الأستاذ الباقر عكاشة عثمان بعنوان (من أمن العقاب أساء الادب) و بحسبما ذكر الكاتب في تلخيص موجز وصف فيه تطاول خائن أمن العقاب فأساء الأدب و أستنكر كذلك تقاعس الأجهزة الأمنية التي من شأنها حماية الدولة من كيد أي متربص أو خائن أو صاحب أجندة ، و كل من له مشروع تخريبي يريد به هتك حجاب الأمن المجتمعي و فتق ستر الطمأنينه العامة ، أو كل من أراد الاعتداء صراحة أو خلسة على الشعب بأي صورة كانت في ظل هذه الظروف الاستثنائية التى تمر بها بلادنا ، و الحقيقة التي أدهشتني إلى درجة تفوق حدود الدهشة هي غرابة النص الذي عرضه الكاتب في مقدمة مقاله مستنداً عليه باعتبار أن هذا النص موثقاً عن هذا الرجل الذي أقل ما يمكن أن نوصفه به (الخيانة العظمى) ، فكيف لنا أن ندع هذا الرجل يعيش بيننا في هذه الولاية و تحديداً في مدينة دنقلا في سلم تام ، و خصوصاً ان نص منشوره كان مكتوباً بمفردات واضحة لا تحتمل اللبس أو التدليس و التي مفادها الدعم المعنوي الصريح و الترويج للعدو ، و كما نجد أن هذا الخائن قد قام بوضع النقاط على الحروف مناصراً لهذه المليشيا الخائنة التي أقل ما قامت به في حربها هذه ضد شعبنا هو تنفيذها لمؤامرة كانت عابرة للحدود بهدف (مسح الهوية السودانية عن الوجود) ، و كان من أولويات هذا المخطط هو إتلاف جميع ما يتعلق بالأرشفة المركزية المعلوماتية في كامل الدولة ، فبدأوا بحرق دار الوثائق القومية التي تحتوي على جميع المستندات و الوثائق التاريخية التي فيها وثائق تحفظ حدود بلادنا الجغرافية ، ثم بعد ذلك عرجت هذه المليشيا إلى مفوضية الحدود لتعدم كامل إرشيفها الذي تحويه أضابيرها ، ثم تلى ذلك تدمير ممنهج للسجل المدني بالحرق و الإتلاف الكامل لكل موجوداته ، و بعد ذلك قصدوا التعليم العالي و عاثوا فيه فساداً من شأنه القضاء على إرشيف التعليم العالي كاملاُ ظناً منهم لمساواة الذين لا يعلمون بالذين يعلمون و نالوا بجهدهم أرفع الشهادات ، وتم ذلك بالمزامنة مع حرق إدارات القياس والإمتحانات بوزارة التربية والتعليم ، و بعد ذلك كان المقصد الجامعات و الكليات و المعاهد العليا و أستهدفوا فيها مكاتب الشؤون العلمية التي تحتوي على المعلومات الأكاديمية للطلاب و بعد ذلك كان هدفهم محو سجلات الآراضي عن الوجود ثم إتلاف سجلات المرور ، فهذا المشروع كان يمشي بنفس الوتيرة و السرعة التي كان من شأنها إفقار الشعب و الدولة معاً في أن واحد وبصورة كانت مدروسة و محسوبة العواقب ، فهزموا الشعب بهدم البنى التحتية و بتصفير البنوك من المال و حرق مطابع النقد بعد سرقتها و تخريب الإقتصاد القومي بإتلاف المصانع وحرقها ، و نهب المخازن و إفراغها و حرق ما زاد عن حاجتهم ، و إحتلال منازل المواطنين و أخذ جميع ممتلكاتهم و التعرض لحرائرهم بكل سفالة و وقاحة ، و هذا خلاف الفاقد المادي و البشري و المعنوي للشعب و قواته المسلحة خلال العمليات الحربية .
سأعيد لكم نشر ما كتبه هذا الخائن المندس بيننا في وسائل التواصل الإجتماعي حتى يعلم الجميع بخطورة هذا الرجل الذي سخر من قوات الشعب المسلحة ، و كان شامتاً عليها و داعماً لمليشيا الدعم السريع و هذا نص ما كتبه : (لاتستطيع اية جهة حكومية او غيرها أن تحظر مواقع الدعم السريع لانها مؤسسة عسكرية قوية تدافع عن مدنية الدولة و حرية الشعب السوداني امام آلة عسكرية (و يقصد بهذا التعبير الأخير الجيش السوداني) و الذي يعمل من اجل تقويض الحريات و مدنية الدولة و هو حركة ارهابية تعمل من اجل المصالح فالدعم السريع كل يوم يزداد ويتمدد على امتداد الوطن ) .
إنتهى كلامه
بكل تأكيد أن الأمن مسؤولية الجميع ومن هذا المنطلق يكون من الواجب على جميع أفراد الشعب السوداني أن يسهموا إسهاماً ملحوظاً يخدم مشروع الأمن القومي و خصوصاً في مثل هذه الظروف التي تتعرض فيها دولتنا لهذه المؤامرة الخارجية التي يتم تنفيذها عبر أزرع وطنية من عملاء الداخل و على رأسهم كانت مليشيا الدعم السريع بمعاونة الخونة أمثال هذا الخائن الأشر الذي منحناه الأمان وحق العيش في مدينتنا الوادعة ، و ما زال ينفث سمومه وسط مجتمعها محدثاً بذلك شرخاً عظيماً في النسيج الإجتماعي و مشككاً في وطنية قواتنا المسلحة و متهماً إياها بالعمالة و الإرتزاق و ممارسة الإرهاب ضد الشعب ، و نجده يدعم و بكل قوة مخطط الدمار الذي تقوم به المليشيا بتجنيد أو تحييد البسطاء في هذه القضية و التي تعتبر مشروع وطني من الدرجة الأولى ، كيف ما زال هذا الرجل حراً طليقاً و ما زال يسمم الأسافير مستفيداً من مساحة الحرية التي وجدها ليتفسح في المجالس بدون رادع ، فنجده داعماً و متحدثاً بتبجح و غرور أمام المواطنين ، و من هنا يجب علينا طرح سؤال مهم ، لماذا تعاملت الأجهزة الأمنية مع هذا الرجل بهذه العفوية التي أوردتنا موارد الهلاك .
والي الولاية الشمالية طالب جميع مواطني ولايته في منبر رسمي بأن يرفعوا من حسهم الأمني تجاه كل ما يتعلق بقضية الأمن القومي و خصوصاً بعد إكتظاظ الولاية بالسكان ، و أن يكون الجميع عين ساهرة من أجل حماية المصالح الكلية للدولة و شعبها ، و ألا تمر عليهم شاردة او واردة من شأنها زعزعة الأمن ، فقضية الأمن القومي قضية مصيرية تخص الجميع و يجب ألا نتركها للأجهزة النظامية وحدها و نتعاون جميعنا معها يد بيد و ساق بساق .
في بيت من بيوت الله تحدث هذا الرجل بمشروعه الهادم للدولة ، و ظل يتوعد بقدوم المليشا للولاية ، فناصحه رجل من رجال الدولة و هو منسق الولاية بالعاصمة ، و شهادتنا فيه هو رجل محترم و عاقل و واعي و متعلم و ناصح عام بسلاح الكلمة و سيف الحرف ، نجده دائماً ناصحاً للجميع عبر كتاباته المستنيرة و الهادفة و التي كانت خلال عقدين من الزمان او يزيد ، فما كان من ذاك الرجل (الخائن) كرد فعل تجاه هذه المناصحة الصامته و المؤدبة إلا و أن قام بضربه ضرباً مبرحاً أمام الناس و كان ذلك بكل وقاحة و بجاحة و تعدي سافر و اهان بذلك كل ما يتعلق بحقوق الإنسان التي يحميها القانون و يرعاها الدستور .
هذا الرجل بعد شنيع فعلته التي سلكها مع رجل الدولة أسرع كخطوة إستباقية و ذهب إلى أقرب مركز شرطة و قام بفتح بلاغ ضده علي نسق ما يقول المثل الشعبي : (ضربي و بكى و سبقني و إشتكى)، فمن الواجب علي رجل الدولة أن يستنكر مثل هذا السلوك المنحرف و يناصح في الشأن العام طالما هنالك أسباب تستدعي لمثل هذه المناصحات في مثل هذه الظروف الاستثنائية و إيقاف أي مشروع يستهدف الأمن القومي .
رسالتي تأتي في صيغة سؤال في غاية الأهمية إلي الأجهزة الأمنية عامة و أخص بصورة خاصة الاستخبارات العسكرية ، ما هو سر التساهل مع هذا الرجل الذي نفش ريشه بحجم يفوق حجم المدينة بعشرات المرات مما جعله ينفث سمومه في اي مجتمع يقابله بدون تحفظ أو مراعاة لأي حق في قضية الشأن الوطني ، و كما لم يراعي لمشاعر الذين فقدوا كل ما يمتلكون من جراء أفعال مليشيا الدعم السريع تجاههم ، فإذا كان هذا التساهل له مبررات أمنية منطقية لا نعلمها نحن فمن الممكن أن نسكت حتى نرى نتيجة ذلك و يمكن ان يكون مبرراً مقبولاً لنا إذا كان ذلك يجري تحت الرقابة الأمنية !! ، و لكن إذا كان الأمر يقع في دائرة العفوية و إحسان الظن فهذا أمر مرفوض تماماً و لا نقبل اي تبرير فطير في هذا الشأن لأن هذا الرجل قام برفع الظن بتاكيد سوء نيته بالعمل و اليقين ، و نفي بذلك أي شبهة في إحسان الظن تجاه مشروعه التخريبي ، و من هنا لن نسمح نحن كشعب بمثل هذه الأمور ابداً و لن يمر هذا المشروع إلا على أجسادنا ، فعلى الأجهزة الأمنية أن تراجع قرارها تجاه التساهل مع هذا الخائن و ألا تتراجع عن حماية مشروع أمننا كقضية وطنية ، و من هذا المنطلق يجب أن يكون هذا الرجل في محبس حصين و مشدد حتى تضع هذه الحرب أوزارها ثم ينظر في أمره بعد ذلك و سنتابع عن كثب مجريات هذه القضية التي تمس أي شخص سوداني ، و سنكتب و نشرك الرأي العام في هذا الأمر الذي يعد تعدياً سافراً و مهدداً خطيراً لمشروع أمننا القومي .
و سنتابع بإذن الله
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: خائن الحروف رسالة لكل همس الأجهزة الأمنیة الدعم السریع الأمن القومی هذا الرجل بعد ذلک
إقرأ أيضاً:
قراءة في مجموعة «الرجل النائم إلى جوارك» شفافية الفكرة بين الانتصار للذوات ومسؤوليّة اختيارها
ندرك تماما دور العنوان كونه عتبة فنيّة إضافة إلى المشاهدات اللونيّة والشكلية على غلاف العمل الأدبي غير أن هناك عناوين كثيرة لا تستطيع أنْ تلهم العمل قلق الفكرة التي يستسلم لها التأويل، ثمة قراءات لا تعوّل كثيرا على العتبات لسبق مفرط للتوقّع أو لتأجيل فهمها إلى متن العمل.
في تجربة أسماء الشامسي القصصية يشكل العنوان بؤرة إشكاليات في الذوات بينها وبين الآخر ضمن علاقة الارتباط الاجتماعي (الزواج) باعتباره شكلا منطقيّا لضبط المسؤولية الجنسيّة والاجتماعية في المجتمع البشري عموما والمجتمع العماني خصوصا، وجرأة العمل تنشأ مع الصوت المرتفع الذي يظهر إشكاليّات الارتباط هذه بين الديمومة والاضطراب الذي يؤدي إلى طريقين؛ الإبقاء عليه مبطّنا بكثير من الانثيلات العاطفيّة والاجتماعية ضمن (النفاق الذاتي والمجتمعي) أو الخروج عنه إلى الخلاص وإنهاء الصراع.
إضافة إلى كثير مما يعود إلى هذه المنطقة الباهتة تنتصر الكاتبة في مجموعتها لمعاناة الواقع المعيش لكثير مما لا يلتفت له الأدب بأدوات الداخل الأسريّ؛ فتقرأ المعاناة بعين السّارد البطل باعتباره مركز المشاهدات الزمنيّة كما في نص (ذا برونكس عمان)؛ حيث حللت الشخصيّة الكثير من القضايا المرتبطة بحياتها وتطوّر فكرة السكنى، وتأتي رؤية أجزاء تشكيل أزمة النص من جهتها مختلفة لارتباطها برسم حركة البحث الموازية لسرد تفاصيل تشكيل عقدة القصة التي ولدت من رغبة البحث عن سلام «سكنّا الخوض لفترة طويلة في بيت جدي، وبسبب مشكلات معقّدة ونقار يوميّ قرر والدي أنْ يأوينا في بيته الخاص» ص14، وفي هذا النص والذي يليه تبدو الشخصيّة المحوريّة ذات شكلين من المسؤوليّة؛ في الأولى تعود إلى عالمها الذي تستحضره في ساعات البحث عن المسكن بحضور تحليلاتها عن الأحداث وردّات الفعل وأشكال الصراع بين الأطراف، أو بين والديها، والثانية تعود إلى المُدانة باليباس على الرغم من ظلّها، حيث تدفع ثمن البقاء مع عائلتها في موضع التهم والقسوة، فالأولى على عتبة الاختيار في ظل قسوة الواقع. «أمّا جيل التسعينيات؛ جيلي، الأبناء الصغار الفقراء، فيأخذون قروضا لبناء منزل من خلفيّة ماليّة مفلسة تعتمد على رواتبهم فقط» ص16، فنجد الخوف والقلق في الشعور بمسؤوليّة باهتة أمام ما تعيشه العائلة من شتات في البحث عن مسكن؛ إضافة إلى تعيين ملامح المستقبل الخاص، وفي النصّ الثاني هناك أنفاس تستحقها رئتا الكائن الذي يكتسحه استعباد الوظيفة لاختيار أسباب الحياة. «أمّاه لو كان بيدي لَمنحْتك كلّ شيء، لكن لم يَعُد لديّ ما يكفي، أريد أنْ أشْتري سيّارة، على الأقل سأدفع فاتورة الكهرباء لكن ليس أكثر من ذلك؛ قلت ذلك برجاء جريح «ص30». إنها اللحظة التي تبرز كثيرا من الأسئلة المطروحة على الذات المجلودة من قبل صاحبها، لماذا أنا فقط، ماذا عليّ أنْ أفعل لأحصل على بعض الرضا، وبعض الاحترام. هذه الشخصيّة لا تظهرها الكاتبة منعزلا عن العالم؛ فهي تحاكم الضعف أمام الآخر في لحظة الاختيار، وليس ما يصل إليه القارئ من المواقف هو فقط ما ترصده التجربة؛ إنه تحت مجهر متخصّصة ترصد القيمة التي تضيع أمام تحوّلات العالم في أي مجتمع صغير، فالمجهول في عمل قصصيّ شكل مختلف بظروفه في عالم آخر يعني تجزؤ القيمة البشرية في صراع الذوات، وأسماء الشّامسي تحمّل لحظات الاختيار المسؤولية الكبرى.
«أمي، ومريم، وحمد، وجدتهم جميعا يقفون أمامي مثل موجة تنطوي في هيئة مخروطيّة تتجوّف شيئا فشيئا، كان عليّ أن أندفع أكثر بقوّة، بصلادة أمامهم، كمتزلج أمواج ماهر ـــ لم أكن أحمل عُشر احترافيّته ـــ لأنجو. اندفعتْ مشاعري تجاههم كتظاهرة محتشدة... إلى آخر دفاعاتي؛ أنْ أتحوّل كوحشٍ في موقع تهديد» ص33. إن الكاتبة توظّف تشكيل المشهد هنا بكثير من الأدوات النفسيّة التي تتيحها لغة الوصف وتعيين الملامح، وباعتبار الشخصيّة المسؤولة الأولى عن النتيجة؛ ليس لكونها ضحيّة فقط بل لأنها فكرة تتعلّق بزمنيّة الاختيار وطبيعة المواجهة في محيط اختلاف الرؤى والقيم وكل ما يتعلق بوعي النظرة إلى الحياة واستحقاق الذات فيها بذاتها.
إنه جزء من التّردد منشأه تراكمات النقص والتعيين الجمعي باعتبار ثنائيّة (ذكر/ أنثى) في كفّتيْ ميزان (قويّ/ ضعيفة)، تتبعه الكاتبة في الوقائع والقصص والتجارب منطلقة من قراءتها الاجتماعيّة، وتأتي شخصيّة القصّة مجموعة من تمثّلات الاختيار والنكوص شعورا بالرغبة في النجاة أو الاستسلام أمام تراكمات الاقتناع بالضعف. «لم أدرِ ما أنا فاعلة. كنت أفكّر فعليّا في مواساة الأشياء التي لا تتحرّك... هل أتمادى؟ هل أثور؟ (ثمّ سؤال مصيريّ لحظة الشعور بالتلاشي والضياع) ماذا لو غادرت المنزل؟ بدت فكرة عظيمة وحلا نهائيّا لكل هذا العذاب... ستكونين طعاما للكلاب في الشارع لو فعلت» ص38. إن الكاتبة تشكّل محاكمة الذوات هنا باستقراء المواقف التي طالما تتكرّر أمام ثنائيّة (قويّ/ ضعيف) في وجود الشعور بتيه عاطفيّ أمام الانتماء إلى العائلة على الرغم من اختطافها حياة الفرد، أو الخروج عليها على الرغم من صعوبة الأمر في الغالب.
«سوف يرعبك شيء واحد، أنه ما زال نائما بجوارك، كأنه يموت معك أبدا» ص43. هذا الماثل في نصّ (الرجل النائم إلى جوارك)؛ شكل من العلاقات التي تخفي أكثر أجزاء الحياة الاجتماعيّة تحوّلا، لحظات تطوّر الوعي لدى الذوات بمفهوم واحد يختزل الحياة أو يتركها؛ (الشغف)، ثمّت هي مرحلة مهمّة يشير إليها أحد الخبراء النفسيين بمؤشرات تغيّر النظرة إلى الحياة، وقد ينهار الآخر تماما بشكله وتفكيره أمام هذه التّحولات، توظّف الكاتبة التوقعات ضمن ملموسات الحياة أفكارا ونتائج، وعلى الرغم من أنها لا تجبر المشهد في تكاثفه على إعطاء فرَص الخروج؛ لكنّه ومن خلال خبرتها تشير إلى أكثر من نافذة مرتبطة بتحوّلات الذوات يمكن الاختيار عندها، أو الاكتمال باللامعنى؛ «كان الرجل النائمُ يذهب ويجيء بماضيه وحاضره ومستقبله كلّه داخلها، بينما استقبلت كل ذلك برغبة عارمة» ص50. ولهذا فصور الاعترافات في المجموعة تقابل صور حياة ملموسة في الذوات بأشكال مختلفة من القبول أو الرفض، وبمحاكمة الذوات أمام رغباتها تقيم الكاتبة تناظرا يبدو بعيدا في الداخل النفسيّ، وجرأة ما يطفح على خارج الذوات ينبني على صمت مميت تعيشه ذوات كثيرة تضحية أو تسليما.
الحياة التي لا يريد الكثيرون أن يضعوها ضمن صيرورة جنسنا البشريّ إنكارا للمتغيّر البشريّ أو للضعف الإنسانيّ في مجتمع يتمنوه ملائكيّا (باعتبار الملاك بعيدا عن الرغبة) تزأر في تفكّك الداخل البشريّ بطبيعته في الخلاص من مسكنته أو رغبة في ذاته بكل تحوّلاتها، فالذات ليست ما هي عليه وليس ما يراها عليه الآخر، وفي ملموس الواقع سطوة الاختباء أو ضريبة التّفشّي وما بينهما إظهار أو تظاهر أو مقاومة. كل ما يعني هذه المناطق في الذوات تتجلّى بصور كثيرة في النص الواحد؛ فضلا عن تعدّد صورها في المجموعة كلها بأنواع مختلفة من الإخفاقات والانتصارات على الاختباء والضعف، لكنّ محاكمة الذوات أمام اختياراتها قبل أنْ تتحوّل إلى رمادا. وما استعرضه نصّ (مدينة الرغبات) هو تمثّلات الذوات في معترك الاختيار، فكلّ شيء يقع في المتناول إلا ما يملأ الذات في المشترك، وكأن الكاتبة تدفع المشترك إلى أنْ يكون واعيا بطبيعة تحوّلات الذوات على الرغم من أنه هو نتيجة اختيارها، فالمدينة تضيق بالذوات في بحثها عن المعنى الذي ولد إثر التحولات. «مسقط مدينة رغبات، ولا أقول مدينة حبّ، فكثير عليها أنْ تكون كذلك، وعزيزٌ على الحب أنْ يُضرب به المثل عليها» ص80، المكان انعكاس الذوات، يُدرك كما يقول يوري لوتمان حسّيا بخبرة الإنسان بجسده، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل هذا الامتلاء والخواء العاطفيّ أو الجسدي بتأثير المكان، واستبداله ببعيد آخر لا يمكن أنْ يسحق الشعور بتأثيره، وفي نصي (تعبُ الحكايات، والحج إلى مسقط) يشكّل المكان مزيجا من الهرب من/ إلى الذات، وهو حاضر بثقل شعوريّ واعٍ يرتبط بتلك الرغبة في رؤية العالم من زاوية تحاول الكاتبة أنْ تختزل مساحات التّحولات في شخوص القصّة بالمسافات بينها وبين واقعها، وكما قلنا سابقا فإن ذكاء العمل في ما يطفح حقيقة على سطح واقع نحاول تجاهله.
المجموعة ترسم مساحات هذه الاعترافات بما لا يمكن الإحاطة به في هذه العجالة التي حاولت مقاربتها انطباعيّا من جهة (شفافية الفكرة).
محمود حمد شاعر عماني