دمشق- أعلن القضاء الفرنسي إصدار مذكرات توقيف بحق 7 من كبار المسؤولين بالنظام السوري المخلوع، على رأسهم الرئيس بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد، ومجموعة من الضباط السابقين من بينهم علي مملوك وعلي أيوب ورفيق محمد شحادة.

وجاء هذا القرار، الثلاثاء الماضي، في ختام مسار تحقيق قضائي يتعلق بالقصف الذي استهدف حي باب عمرو بمدينة حمص في فبراير/شباط 2012، وأودى بحياة الصحفية الأميركية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك، وأدى إلى إصابة عدد من الصحفيين الآخرين.

ووصفت السلطات القضائية الفرنسية الحادثة بأنها استهداف متعمد للصحافة الأجنبية بهدف وقف التغطية الميدانية، ومنع توثيق الانتهاكات في المنطقة.

الأبعاد القضائية

وتعد هذه المذكرات خطوة جديدة في مسار الملاحقات القضائية الدولية، والتي من شأنها أن تعيد إلى الواجهة موضوع محاسبة المتورطين في أعمال العنف التي استهدفت المدنيين السوريين خلال الحرب.

ويرى الناشط الحقوقي والمحامي السوري المقيم في ألمانيا أنور البني أن هذه المذكرات نتيجة طبيعية وامتداد لقضايا تم العمل عليها حقوقيا وقانونيا لسنوات طويلة، سواء قضية الصحفيين الأجانب، أو الهجمات الكيميائية، أو القضايا الأخرى التي تم تقديمها للمحاكم الألمانية عام 2017 وصدرت عنها مذكرات توقيف أيضا.

وفي حديث للجزيرة نت، يشير البني إلى أن مذكرة توقيف جديدة -ترتبط باستخدام الأسلحة الكيميائية في عهد المخلوع- ستصدر قريبا، مؤكدا أن السوريين يحصدون اليوم نتائج عملهم القانوني لسنوات طويلة.

ويوضح أن القوة القضائية لمذكرات التوقيف الفرنسية تكمن في اتهامها الرئيس المخلوع وشقيقه ومجموعة من الضباط بشكل مباشر بجريمة قتل الصحفيين الفرنسي والأميركية، وهي مذكرات توزع على الإنتربول الدولي.

ومن جهته، يصف الباحث القانوني والسياسي فراس حاج يحيى القرار القضائي الأخير بأنه "منعطف مهم في مسار العدالة الانتقالية في سوريا" ﻷن مذكرات التوقيف تستند قانونيا إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية التي تتيح للدول محاكمة مرتكبي جرائم الحرب التي حدثت خارج حدودها.

إعلان رسالة للضحايا

وكانت باريس قد علقت في السابق مذكرات توقيف للأسد بحجة تمتعه بالحصانة المرتبطة بكونه رئيسا، بينما أزالت هذه الحصانة اليوم، وصار من الممكن ملاحقته إلى جانب كبار مسؤولي نظامه دوليا، كما يقول حاج يحيى للجزيرة نت.

وأعلنت عدة دول أوروبية أخرى من بينها ألمانيا والسويد وهولندا -خلال السنوات الماضية- عن مذكرات ومحاكمات بحق مسؤولين في النظام السابق بتهم تتعلق بالتعذيب وارتكاب جرائم حرب، استندت جميعها إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية.

ويعتبر حاج يحيى هذه المذكرات "أعمق من مجرد إجراء قضائي" ﻷنها تضع رأس النظام السابق في خانة المجرمين المطلوبين دوليا، وتحوله من رئيس حكم البلاد لعقود إلى مجرم فار من العدالة.

ويؤكد أنها رسالة للضحايا وذويهم بأن العالم يعترف بمعاناتهم ويمنحها صدى قضائيا، ويضع رؤوس النظام السابق في خانة المطلوبين بعد أن كانوا هم من يصنفون خصومهم كخارجين عن القانون.

في حين يرى الحقوقي البني أن مذكرات التوقيف الفرنسية تحمل بعدا رمزيا كبيرا، خاصة وأن "بشار الأسد صار مطلوبا للعدالة، وهذا واقع لا تستطيع أي دولة الآن تجاوزه بحجة الحصانة الرئاسية".

ورغم أنه لا يمكن محاكمة الأسد على جميع جرائمه ﻷن الأمر يحتاج عقودا من الزمن لفتح ملفات الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة والتعذيب بالسجون والتغييب القسري -حسب البني- لكن من المهم أن تتم محاكمته "على مسؤوليته عن آلة القتل الجهنمية التي فتكت بالسوريين والسوريات طوال عقود".

العدالة الانتقالية

ويؤكد البني ضرورة فتح محاكمة واسعة من دمشق ضد الرئيس المخلوع، حتى تُذكر جميع الحقائق المرتبطة بمنظومة القمع والقتل، وهو ما سيحدث مع تحرك هيئة العدالة الانتقالية وتولي مهامها كما يجب، مشيرا إلى أن ملف العدالة الانتقالية في سوريا لا يتوقف عند محاكمة المجرمين، وإنما يشمل جبر الضرر للضحايا، وكشف الحقائق، وإرساء السلم الأهلي.

في حين يرى الباحث حاج يحيى أن هذه المذكرات يمكن أن تكون ركيزة للعمل القانوني والسياسي في سوريا عبر:

أولا: الدفع نحو تضمين نصوص واضحة في الدستور السوري الجديد تلغي الحصانات وتتيح محاكمة كبار المسؤولين عن الجرائم الكبرى. ثانيا: تعزيز التعاون مع الآليات الدولية القائمة التي جُمعت، وتواصل جمع الأدلة حول جرائم الحرب في سوريا، ومع المنظمات الحقوقية لرفع دعوى وطنية من قبل المدعي العام ضد بشار وإصدار مذكرات توقيف صادرة عن القضاء الوطني.

ويختم حديثه -مع الجزيرة نت- بالإشارة إلى أن تنسيق الجهود الحقوقية بين الأفراد والضحايا والمنظمات الحقوقية يبقي هذه الملفات مفتوحة بالخارج، ويسهم في ترسيخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب، ويعتبره عنصرا أساسيا للمضي قدما في مسار العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الحقيقية.

وكان رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في سوريا عبد الباسط عبد اللطيف قد أعلن، الشهر الماضي، عن نية إعداد ملفات الادعاء والتعاون مع الهيئات الدولية في المستقبل لاستصدار مذكرات توقيف قضائية، ومحاسبة المتورطين بدماء السوريين طوال الـ54 عاما الماضية.

إعلان

وتم الإعلان عن تشكيل هذه الهيئة في المرسوم الرئاسي رقم 20 الذي أصدره الرئيس أحمد الشرع في 17 مايو/أيار الماضي، حدد وظائفها بالكشف عن الانتهاكات الجسيمة في عهد النظام السابق، ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وتحقيق المصالحة الوطنية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات العدالة الانتقالیة مذکرات التوقیف النظام السابق مذکرات توقیف هذه المذکرات فی سوریا

إقرأ أيضاً:

مذكرات سجين.. ساركوزي يستعد لنشر كتابه عن أيامه العشرين وراء القضبان

أعلن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أنه سيصدر الشهر المقبل كتابًا جديدًا يروي فيه تجربته خلال عشرين يومًا قضاها في السجن أثناء محاكمته في قضية تمويل حملته الانتخابية.

يستعد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لنشر كتاب الشهر المقبل بعنوان "مذكرات سجين" يروي فيه تجربته خلال الأيام العشرين التي قضاها في السجن.

ويأتي الإعلان بعد 11 يوما من إطلاق سراحه بينما يستأنف الحكم الصادر بإدانته بتهمة التآمرالجنائي في قضية تمويل حملته الانتخابية من نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.

الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي يغادر سيارته لدى وصوله إلى منزله بعد إطلاق سراحه من السجن، يوم الاثنين 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 في باريس. Christophe Ena/Copyright 2025 The AP. All rights reserved. تأملات من زنزانة انفرادية

ويشير مقتطف من الكتاب إلى أن العمل يتضمن تأملات شخصية داخل زنزانته الانفرادية أكثر من كونه فصلا عن واقع السجون الفرنسية المكتظة.

وكتب ساركوزي: "في السجن لا يوجد ما يُرى ولا ما يُفعل"، مضيفا: "الصمت غير موجود في لا سانتيه… الضجيج مستمر، لكن كما في الصحراء، تتعمّق الحياة الداخلية للإنسان".

Related ساركوزي يغادر السجن بعد أمر قضائي بالإفراج عنه لعنة القذافي تلاحق ساركوزي.. الرئيس الأسبق يدخل السجن اليوم ففي أي زنزانة سيُودع؟ساركوزي يبدأ تنفيذ عقوبة السجن في قضية تمويل غير قانوني لحملته الانتخابية شهادة ساركوزي في جلسة طلب الإفراج

وخلال جلسة طلب الإفراج، ظهر ساركوزي عبر الفيديو من داخل السجن، واصفا تجربته بأنها "كابوس" ومشيدا بإنسانية موظفي السجون. وقال: "لم أتخيل يوما أنه في سن السبعين سأكون في السجن… إنها محنة صعبة جدا وتترك أثرا في أي سجين".

أول رئيس فرنسي يدخل السجن

ويُعد ساركوزي، الذي شغل منصب الرئاسة بين 2007 و2012، أول رئيس فرنسي بعد الحرب العالمية الثانية وأول رئيس سابق لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي يقضي عقوبة سجن. وكان قد أعلن قبل دخوله السجن أنه سيستغل الفترة لكتابة كتاب، لكن ليس معروفا ما إذا كان قرأ الكتب الثلاثة التي أخذها معه، بينها "الكونت دي مونت كريستو".

وكان ساركوزي محتجزا في زنزانة انفرادية مساحتها نحو تسعة أمتار مربعة مع حمام ومرحاض خاصين، بينما شغل حارسان شخصيان زنزانة مجاورة. وذكرت مجلة "لو بوان" أنه تناول اللبن فقط خوفا من العبث بالطعام، وأنه رفض استخدام تجهيزات الطهو المخصصة له.

تهديدات بالقتل وحوادث ليلية

وخلال جلسة طلب الإفراج، قال محاميه كريستوف إينغران إن موكله تلقى تهديدات بالقتل، وسمع صرخات ليلية وتدخلا عاجلا في زنزانة قريبة بعد محاولة انتحار، معتبرا أن وجوده خارج السجن أكثر أمانا له.

ودخل ساركوزي السجن في 21 تشرين الأول/أكتوبر بعد حكم بالسجن خمس سنوات في قضية تمويل حملته الرئاسية لعام 2007. وهو ينفي التهم المنسوبة إليه، واستأنف الحكم، على أن تُعقد محاكمة جديدة في الربيع المقبل.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • وزير لبناني: سوريا تتجاوب بشأن معلومات عن اغتيالات في عهد النظام المخلوع
  • إعلام عبري: ترامب لا يتوقع انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها جنوب سوريا
  • مذكرات سجين.. ساركوزي يستعد لنشر كتابه عن أيامه العشرين وراء القضبان
  • الجيش الإسرائيلي يكشف وثائق تربط حماس بنظام الأسد
  • توقيف ضابط من النظام السوري المخلوع بتهمة ارتكاب انتهاكات جسيمة
  • توضيح رسمي سوري حول منع السفر بسبب فيش في عهد نظام الأسد
  • ألمانيا تحاكم 5 متهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا
  • النيابة الفرنسية لمكافحة الإرهاب أخفت مذكرات توقيف للأسد وشقيقه
  • النعامة.. توقيف 10 أشخاص بينهم مغربي وضبط 116 كلغ من الكيف 
  • سوريا تبدأ بدء محاكمة المتهمين في أحداث الساحل