الثورة نت:
2025-11-22@04:20:36 GMT

‏( حكاية جريمة إعدام شهيد الولاء عيسى العفيري )

تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT

‏( حكاية جريمة إعدام شهيد الولاء عيسى العفيري )

 

‏( حكاية جريمة إعدام شهيد الولاء عيسى العفيري )

 

مراد راجح شلي

كانت الساعة السادسة من فجر السبت، الرابع من أكتوبر 2025.

في زنزانةٍ ضيقة غابت عنها الشمس، جلس عيسى العفيري على سجادته التي أكلها الزمن، يهمس في دعائه الأخير.

سمع وقع أقدام سجّانيه تقترب شيئًا فشيئًا، فنهض بطمأنينةٍ تشبه طمأنينة العارفين بمصيرهم، رتّب سجادته بعناية، ووضعها قرب نافذة الزنزانة الصغيرة، إلى جوار المصحف الشريف الذي رفعه واحتضنه كمن يحتضن أمَّه ووطنه ورفاقه جميعًا.

قبّله طويلاً… وكأنه يودّع من خلاله كلَّ الوجوه التي أحبّها.

دوّى صوت المفاتيح في القفل، ثم أعقبه صراخٌ قاسٍ:

– هيا أيها الرافضي… يا كافر! حان موعد تطهير الأرض من رجسك !

فتحوا الباب وركلوه بأقدامهم، فرفع عيسى رأسه إليهم، وابتسم بسخريةٍ هادئةٍ تنضح باليقين.

تدافع أربعةٌ من السجّانين نحوه واحكموا قبضتهم عليه، كبّلوا يديه خلف ظهره، وضعوا عصابةً سوداء على عينيه، وجرّوه بقسوةٍ جعلت جسده النحيل يرتطم بجدار الزنزانة الحديدي بكل عنف. سال الدم من رأسه، لكنه لم يئنّ… بل أطلق ابتسامةً مطمئنةً أربكت جلاديه.

واصلوا جره بعنفٍ للموت ، فيما كان هو يمضى الى الشهادة بروحية رفاق دربه الشهداء العظماء .

يتقدم للشهادة كما تقدم القائد الشهيد يوم واجه جلاديه ومضى وسطهم… بوجهٍ مضيءٍ وثباتٍ لا يلين.

يمضي بعظيم ولاء وثبات الشهيد عبدالقوي الجبري يمضي بعظيم صبر وثبات الشهيد توفيق طنينه

وصلوا به إلى ساحة الإعدام داخل المعتقل.

أربعةُ جلادين يقفون بأسلحتهم المذخّرة، لحاهم الكثّة تلوّثها الكراهية، وأعينهم تتّقد حقداً.

وقف ممثل النيابة قريبًا، مطأطئ الرأس، يهمس لآمر السجن البدين ذي اللحية الحمراء:

– أين أهله؟ ألا يكفي أنه أسير حربٍ بلا جريمة؟

زمجر الآمر باحتقارٍ :

– لقد ارغمناه على الاعتراف ووقّع، شئت أم أبيت! أجرِ ما يلزم إن كنت تريد النجاة بنفسك !

ارتجف الرجل الخائف، ثم بدأ قراءة حيثيات حكمٍ ظالمٍ يعرف أنه باطل.

وفيما كانت الكلمات تُتلى كطقوسٍ جريمة شيطانية كان السجّانون يجرّون عيسى إلى الأرض، أجبروه على الركوع، وأحاط به منفذو الجريمة الأربعة.

صرخ أحدهم بأقصى صوته:

– استتبَّ أيها الكافر !

رفع عيسى رأسه، تنفّس بعمقٍ من رئتيه المنهكتين، واستجمع ما تبقّى من قواه، ثم رفع يده اليمنى بكل صعوبة، وهتف بصرخة البراءة صرخة اخترقت جدران السجن …

ارتجّت الساحة كأنّ السماء صرخت معه، وكأنّ الحقَّ والأولياء ردّدوا صوته .

استشاط الجلادون غضباً، انهالوا عليه ركلاً وضرباً بأعقاب بنادقهم حتى سقط جسده على الأرض، ثم أطلقوا عليه وابلًا من الرصاص .

أكثر من عشر رصاصاتٍ اخترقت جسده النحيل، لكن حين حركوه وقلبوه ليتأكدوا من موته، رأوا وجهه مضرّجاً بالدماء، تعلوه ابتسامة النصر.

ابتسامةٌ ظلت تطاردهم… وتقتلهم كلَّ حين.

 

 

 

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

جسور «السيابي».. حكاية وطن

دأب الدكتور سعيد السيابي على كتابة روايات ترتبط بالتاريخ العماني والبيئة العمانية، ولو راجعنا روايته (جبرين وشاء الهوى) الصادرة عام 2016م لوجدنا التاريخ حاضرا، رغم أنه ينفي انتصارها للتاريخ، كونها ليست أكثر من «رسم لخيال تعلّق بمكان»، وتتحدّث الرواية عن حصن جبرين الذي بناه الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي (بويع إماما سنة 1679م)، ليكون سكنه الخاص، ويتطرّق إلى أحداث تاريخية دارت في القصر، وإذا انتقلنا إلى روايته الثانية (الصيرة تحكي) سنرى أنّها تتحدّث عن الاحتلال البرتغالي لعُمان في الفترة التاريخيّة الممتدّة بين 1506 و1648م، وهي الفترة التي شهدت الاحتلال وقتال العمانيين للبرتغاليين وطردهم من أرضهم. فيما تناولت رواية (جابر: الوصيّة الأخيرة) حياة التابعي والفقيه جابر بن زيد (642ــ712م)، مبتدئا من مشهد وفاته، ليعيد سرد أحداث تاريخية شهدها في رحلة حياته.

وفي روايته الجديدة (جسور متداعية) التي صدرت عن مؤسسة شرفات الدولية - دار لبان للطباعة والنشر بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب، لم يبتعد السيّابي عن التاريخ العماني، لكنه لم يتطرّق إليه بشكل مباشر، خصوصًا أنّ معظم الأحداث تجري خارج عُمان.

فقد ترك السيّابي لبطل روايته أن يروي صفحة مضيئة من هذا التاريخ من خلال طوافه في عدّة بلدان. وفي هذا الطواف يسرد حكاية من تاريخ عمان الحديث من خلال رحلة شاب عماني إلى الخارج، هربًا من واقع لم يكن مؤهّلًا لتلبية طموحاته.

فالبطل يعلم أنّ قريته الصغيرة، التي تحمل اسمًا لا وجود له على الخارطة (جبل الأفق الشرقي)، كانت في يوم من الأيام مركزًا لصراع قوى النور والظلام. وهو خلال توغّله في أحداث الحياة اكتشف «أنّ الأحداث الغامضة ليست سوى نتاج صراع قديم بين قوى النور والظلام، وأنّ كلّ ما يحدث هو ذروة ما كان مشتركًا بينها في الماضي».

ولذا فهو يجدها تقف عائقًا بينه وبين أحلامه، كونها لم تعد تلبّي طموحات «شاب في مقتبل العمر، وهو يسمع عن فرص الحياة خارجها».

لذا غادرها إلى مسقط حاملًا بيده حقيبة صغيرة بدشداشة واحدة، ثم ركب سفينة خشبيّة توقّفت في دبي والبحرين والكويت وصولًا إلى القاهرة.

ويواجه ظروفًا صعبة في الأماكن التي يقيم فيها، فيجد نفسه قد زُجّ في صراعات داخليّة تجري في تلك العواصم، خلال أحداث الرواية التي تجري في حقبة الستينيات، حيث كانت الحركات الوطنية في المدن التي زارها في قمّة نشاطها. واعتاد، حين تتأزّم الأمور، أن ينتقل إلى عاصمة أخرى، وهكذا يحطّ الرحال في دمشق، ثم ينتقل إلى بيروت، ومنها إلى باريس وإسطنبول.

ورغم كلّ ذلك يظلّ مشدودًا إلى قريته وبلاده بحبال سرّيّة، فالجسور التي أوصلته إلى هذه المدن ستتداعى وتختفي، ومن هنا يأتي عنوان الرواية، فـ«جسور متداعية» يشير إلى أنّ تلك الجسور التي عبر من خلالها إلى العالم الخارجي كانت هشّة وضعيفة البناء.

ورغم دخول بطل الرواية في علاقات نسائيّة حاولت إخراجه من عزلته وفراغه الوجداني، وخوضه للعديد من التجارب، وانخراطه في الدراسة والعمل، يبقى ينقصه شيء كشف عنه في الصفحة الأخيرة من الرواية.

إذ يقول الراوي، الذي هو البطل: «كنتُ بحاجةٍ ماسةٍ لأن أتحرّك، لأن أستعيد تواصلي بالحياة، أن أفتح صدري للهواء الطلق من جديد، أستنشق عبق تاريخ عُمان». وهنا يتسارع الحدث، ويلقي الكاتب مفاتيح الحلّ بين يدي بطله المأزوم، ليُخرجه من ضياعه.

فيقول على لسان البطل: «وصل لمسامعي بأن عُمان دخلت في أعتاب يومٍ جديد بتفاؤلٍ أنه سيغيّر مجرى مصائر أهلها، وأن رياح الحرية التي بدأت تتنفّسها اندفعت بطمأنينةٍ وهدوء.. ووصل صداها للعالم». ليعيدنا إلى يوم النهضة في 23 يوليو 1970م، فيقرّر العودة إلى قريته، من حيث انطلق، لتتداعى كلّ الفواصل التي جعلته بعيدًا عن أرض الوطن، ليبدأ حكاية جديدة ينسج خيوطها على تراب الواقع الجديد.

لقد وضع الكاتب في أولى عتبات الرواية جملة يقول فيها: «شخصيات هذه الرواية ليست واقعية، إنما هي انعكاس لخيال تدثّر بحكمة الواقع».

وقد أراد بهذه الجملة أن يعمّم الحكاية، ولا يحصرها ضمن نطاق ضيّق، فحكاية بطل رواية (جسور متداعية) هي حكاية كلّ شاب عماني تفتّح وعيه في الستينيات، وعاش تلك الأحداث التي انتهت بإشراقة فجر جديد أطلّ على عُمان.

رواية مكتوبة بلغة فيها الكثير من السلاسة والجمل الشاعرية المبنيّة بإحكام، فتشدّ القارئ، وتجعله يتابع الأحداث حتى نهاية الرواية. فالسيّابي يحرص على مدّ جسور مع القارئ، ذات أسس متينة، وهو يروي لهم حكاية وطن.

مقالات مشابهة

  • عيسى: عمرو دياب اقترح أن تُكتب قصته في عمل أدبي وسعدت بتقديره لقيمة الرواية
  • عيسى: أول رواية أدبية عربية عن فنان وتحمل بعدًا تاريخيًا واجتماعيًا وفنيًا
  • أسماء عيسى تحصد برونزية رفع الأثقال وتختتم مشاركة الأردن بـ16 ميدالية في دورة الرياض
  • عيسى الخوري ترأس جلسة القطاعات الإنتاجية في مؤتمر بيروت واحد
  • رد العقار المغتصب بما عليه من مبانٍ في جريمة التعدي على أملاك الدولة
  • الولايات تحتفل باليوم الوطني وتجدد الولاء والعرفان
  • القبائل اليمنية بين الرهان السياسي والصمود الوطني .. دروس التاريخ وتجربة القيادة الحكيمة
  • جسور «السيابي».. حكاية وطن
  • كان يشاهد ورد النيل.. وفاة طفل علقت رأسه بين فواصل معدية فى المحلة
  • مصور يوثّق لحظة مضحكة لطائر يُمسك بطائر آخر من رأسه في النرويج