لجريدة عمان:
2025-10-19@17:51:06 GMT

مثل أصداء انكسار باكر

تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT

الأحد، 27 مايو 1990، مدينة نيويورك، ولاية نيويورك:

صداقة، و«...»، واطِّلاعات جيدة في مكتبة جامعة كولومبيا بمساعدة حاتم، وأحاديث طيبة، وشعور مَرضي بالنَّدم على كل هذا الإفراط في «...» ممزوج بسعادة للانعتاق من ربق المتطلبات الدراسيَّة «...».

كارثة أخرى: أنت شخص لا يستطيع ولا يريد أصلًا أن ينسى.

الاثنين، 28 مايو 1990، مدينة نيويورك، ولاية نيويورك:

في عصر ما بعد الحداثة هذا حيث يقترب الشِّعر من الرِّياضيات، أوجاعك تلقي بك في الحقبة الرومانسيَّة من تاريخ الأدب.

وفي العصف الذي تذروه الرِّياح في الخارج هنا ورطة كبيرة: ألمانيٌّ من أصدقاء حاتم يقول إن من الصعب وصف كافكا بـ«التراجيدي».

الأربعاء، 30 مايو 1990، مدينة نيويورك، ولاية نيويورك:

هل كان لا بد من أن يكون نص «كلاوديا» على تلك الدرجة من «التأنُّق» بحيث تبدو اللغة وكأنها خارجة من ترصُّد وعيٍ مسبق؟ سؤال صعب، لكني سأميل إلى الاعتقاد بأن الإجابة هي: نعم.

الأمر له علاقة بكلاوديا نفسها، بأنوثتها الجبروتيَّة وجسدها المُشتَغَل عليه بهندسة رفيعة وفتنة مقصودة، لذا كان لا بد لصنعة الكتابة من التضرُّع بطين الجسد فهذا هو الحد الأقصى من الحد الأدنى الذي تتيحه اللغة. لقد جاءت كلاوديا إلى ملكوتي من ملكوت أرحب وأجمل.

لكن عليَّ الاعتراف أن «كلاوديا» يبقى نصًا غير خالٍ أبدًا من الافتعال الموسيقي جِناسًا، وطِباقًا، وسجعًا (تحفَّظ عليه سركون بولص في مكالمة هاتفيَّة).

الجمعة، 8 يونيو 1990، سان دييغو، كاليفورنيا:

الليلة أقف وراء القمر، خلف السحب، أنظرُ من نافذة وحيدة وراءها نهر من ظلام. بعد قليل أرى كوخًا مضاء يشبه تمامًا كوخ إدغَر ألن بو الذي زرته مؤخرًا برفقة حاتم في نيويورك في وقائع اليقظة. أقف خلف نافذة في الكوخ، وأرى كيرستن واقفة وراء نافذة أخرى تقابلني في الدُّجى. تغمز بعينها الغجريَّة برسالة أقرب ترجمة ممكنة لها هي شيء من قبيل: «سنهرب معًا، أنا لا أحب صديقي الحميم boyfriend». ثم تقترب مني فأطوَّق خصرها بذراعيَّ وتضع رأسها على صدري، وتقبِّلني تلك القبلة البريئة على خدي كما تفعل في العادة حين نلتقي، في الحياة الفعليَّة، في الجامعة وهي تقول كعادتها في التعقيب على بعض ملاحظاتي: «عبدالله، يا لك من شاعر».

نمشي معًا في الأحراش وأصابعنا متشابكة في الحلكة، ثم تتوقف فجأة سيارة ركَّاب بيضاء ينزل منها على عجل أربعة رجال بينما يبقى السائق في السيارة خلف المقود. الرجل الذي ترجَّل من المقعد الأمامي يلف زنده بالعلم الأمريكي، فأقول في نفسي إنه أحد الوطنيّين اليمينيّين «الأمريكان» المتطرِّفين. يصرخ بنا بنبرة آمرة: «علينا أن نتحدث!»، «لا، شكرًا نحن على عجل!»، أردُّ عليه. وبالكاد أكمل هذه الجملة حتى تنتزع كيرستن أصابعها من أصابعي وتركض هاربة نحو أعماق الأحراش، بينما يبدأ الرجال الأربعة بالركض خلفنا.

أفقتُ والقمر يرتعش على اللحاف.

الأحد، 10 يونيو 1990، سان دييغو، كاليفورنيا:

الواحدة والنصف صباحًا، واقفًا خلف نافذة غرفة النوم وأنا أرى السَّيارات تتهادى على «جادَّة إلكاهون»، وأدخن غليوني. لا قمر في السَّماء الرماديَّة.

هطل المطر في نهار يوم أمس، وأخذ الليلة معه صديقه الذهبي. أذهب إلى السَّرير، فربما يأتي ماء السَّماء أو القمر خلال ساعة أو أكثر.

لماذا يا قمر، تعيدني إلى معسكرات الجيش في أبوظبي السَّبعينيات والثمانينيَّات التي لا ضوء فيها؟

ولماذا يا إدغَر ألن بو، وعلى الرغم من كل شيء، خرجت من الخدمة العسكريَّة بشهادة حسن سيرة وسلوك؟

ولماذا يا ماء، تُسرِّبني إلى الشاطئ حيث تعُّوب الكحَّالي مهجورًا ومحطَّمًا؟

لماذا؟

الثلاثاء، 12 يونيو 1990، سان دييغو، كاليفورنيا:

لا شيء يثيرني. لا شيء يردع يدي عن عنقي المنتصبة. لا شيء في حياتي أستدعيه. لا شيء، وأنا أكثر الأشخاص قربًا من النَّدم على هذه البسيطة الآثمة.

بعد أسبوع من صمت اللحود تحشرج الهاتف اليوم مرتين: في المرة الأولى، وكأنه كان لا بُد لحدوسي من أن تكون صائبة، لم أُجب، وتركت لحافظة الرَّسائل الهاتفيَّة أن تسجِّل المكالمة القادمة من شخص يقول إن اسمه كَفِن، وإنه في الطريق إليَّ حسب الموعد.

كل ما في الأمر أني لا أعرف شخصًا بهذا الاسم أبدًا، وأتمنى أن المدعو كَفِن هذا يكتشف في وقت ما أنه أدار رقمًا خاطئًا، وأنه في الطريق الخطأ إلى الشخص الأكثر خطأً.

أما في المرة الثانية فقد قررت أن أجيب على رنين الهاتف، لكن حين فعلت، انقطع الخط فورًا.

بعد دقائق من كتابة السُّطور أعلاه انقطع التيَّار الكهربائي، وغرقت الشقَّة في الظلام. اعتقدت للوهلة الأولى أن الأمر إنما يتعلق بانقطاع التيَّار عن الحي بأكمله، أو على الأقل عن هذه البناية، لكن الشقق المحاذية لي، وتلك التي تقابلني في الدَّورين الأول والثاني، إضافة إلى المباني المجاورة، كانت مضاءة. تسمَّرت قليلًا قبل أن أغادر شقَّتي ببطء وضجر إلى شقَّة عامل المجمَّع السَّكني الذي أحضر معدَّاته وفحص الصندوق الكهربائي العام الخاص بالبناية، ثم قال لي إن الصندوق الكهربائي الخارجي على ما يرام، وإن الخلل إنما يكمن في صندوق شقتي.

ثمَّة خلل، خلل كبير، في الصندوق الكهربائي في شقتي، فيَّ أنا، في ذكرياتي، في تفكُّراتي، وليس في أي صندوق آخر، ولا أي شخص آخر، ولا أي شيء آخر في هذا العالم.

الأربعاء، 13 يونيو 1990، سان دييغو، كاليفورنيا: 

تُرى، وَجْهُ من ذلك الذي سألته في رماد الفجر «المُكوبَس» -نسبة إلى الكابوس- عمَّن ماتوا في مجز الصُّغرى خلال السنوات الأربع الفائتة التي لم أعد فيها إلى عُمان، وقطعت كل اتصالاتي بمن تسميهم اللغة الجائرة «الأهل»؟ وَجْهُ من كان ذلك؟

أهو وجه أحد أموات القرية الجُدد وأنت لا تدري؟

أم هو وجهك أنت وحدك، ذلك الذي لم يغادر مقبرة كنت تختلف إليها خلسة كي تتمكن من الحديث إلى محفوظة قبل سنوات بعيدة مثل أصداء انكسار باكر؟

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: سان دییغو لا شیء

إقرأ أيضاً:

المنسق العام لإعمار غزة: حجم الركام بالقطاع يُعادل ضعفي مدينة نيويورك

كشف المهندس كريم الكسار، المنسق العام للجنة إعادة إعمار غزة، عن تقديرات صادمة لحجم الخسائر التي لحقت بقطاع غزة، مؤكدًا على الدور الريادي لمصر في أزمة غزة، مشيرًا إلى أن القاهرة استضافت في 12 أكتوبر 2014 مؤتمرًا لإعادة إعمار غزة بقيادة الرئيس السيسي، بعد حرب صيف 50 يومًا، مؤكدًا أن "هذا هو قدر مصر دائماً أن هي بتخش في عملية إعادة الإعمار".

المنسق العام لإعمار غزة: 70 مليار دولار حجم الخسائر نتيجة الدمار في القطاع

وكشف “الكسار”، خلال لقائه مع الإعلامي عمرو حافظ، ببرنامج “كل الكلام”، المذاع على قناة “الشمس”، عن الحجم التقديري للدمار الذي لحق بقطاع غزة وفقًا لتقديرات مشتركة من الأمم المتحدة (UN) والبنك الدولي، موضحًا أن حجم الخسائر الإجمالي وصل إلى 70 مليار دولار أمريكي، وحجم الركام والحطام يقدر بـ51 إلى 55 مليون طن، مؤكدًا على خطورة هذا الحجم، مشيرًا إلى أنه يعادل ضعفي مدينة نيويورك بالكامل، مشددًا على أن الأرقام تعكس حجم دمار هائل وغير مسبوق.

وقدم المنسق العام للجنة إعادة إعمار غزة تفصيلًا للخسائر المالية في البنية التحتية والقطاعات الأساسية، موضحًا أن حجم الخسائر بقطاع غزة وصل مليار دولار، منها 28 مليار دولار بقطاع الإسكان، والصحة 5 مليار دولار، والتعليم 4 مليار دولار، والتجارة 4 مليار دولار، والصناعة 4.8 مليار دولار

وأشار إلى أن حرب غزة خلفت هذه الأرقام الضخمة، مما يجعل عملية إعادة الإعمار "موضوعًا خلاص.. بتتكلم على عملية إعادة إعمار كبيرة".

وشدد على أن مصر كعادتها سيكون لها الدور الأبرز والأقوى في قيادة عملية إعادة الإعمار، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين، موضحًا أن مصر كانت قد دعت في أكتوبر الماضي، بعد أسبوعين من الأحداث، إلى مؤتمر للسلام والمطالبة بوقف إطلاق النار وبدء الإعمار.

مقالات مشابهة

  • مظاهرة في نيويورك تندد بسياسات الرئيس الأميركي تحت شعار لا ملوك
  • من نيويورك إلى سان فرانسيسكو…نحو 2600 مظاهرة في شوارع أمريكا ضد سياسات ترامب
  • مظاهرات "لا ملوك" تنطلق في نيويورك بمشاركة آلاف الأمريكيين ضد ترامب
  • المنسق العام لإعمار غزة: حجم الركام بالقطاع يُعادل ضعفي مدينة نيويورك
  • البيت الأبيض يوقف مشاريع في نيويورك وبوسطن وإدارة ترامب تعتزم تجميد مشاريع بـ11 مليار دولار
  • نيويورك تايمز: هكذا انهار نظام الأسد وفرّ رجاله تحت جنح الظلام
  • عاجل| نيويورك بوست عن ويتكوف: واثق من إعادة جميع رفات الرهائن القتلى من قطاع غزة
  • محمد أبو العينين: 30 يونيو ثورة شعب حماها الجيش
  • أبو العينين: ثورة 30 يونيو أنقذت البلد من الانهيار