جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-19@20:04:15 GMT

حين يصبح القرار عبئًا جديدًا

تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT

حين يصبح القرار عبئًا جديدًا

سعيد المالكي

لم يثر قرارُ تحديدِ ساعات العمل لعُمال وعاملات المنازل ومنحهم امتيازات جديدة جدلاً واسعًا في الوسط الاجتماعي رفضًا لمبدأ الحقوق الإنسانية؛ بل لأنَّ القرار جاء في توقيتٍ مُقلقٍ وسياقٍ غير متوازن، يعكس فجوةً متزايدة بين أولويات المؤسسات الرسمية واحتياجات المواطنين، طارحًا تساؤلات مُحيرة.

وقد نصّ القرار على تحديد ساعات عمل عمال المنازل ومن في حكمهم، بألّا تزيد على 12 ساعة يوميًا، ومنحهن راحة أسبوعية لا تقل عن يوم واحد مدفوعة الأجر، وإجازة لا تقل عن 21 يومًا عن كل عام يقضيه في الخدمة، وإجازة مرضية، إضافةً إلى مكافأة نهاية خدمة تُمنح بعد انتهاء مدة العمل.

هذا القرار، نطرحه في سياق مُقارنة قاسية، لكنها تكشف حجم المفارقة بين سرعة الإنصاف في حالاتٍ مُعينة وبطئه في قضايا تخص أبناء الوطن أنفسهم. ورغم أن هذه البنود قد تبدو من حيث المبدأ حقوقًا إنسانية مشروعة، إلّا أن تطبيقها في السياق المحلي يُثير تساؤلاتٍ منطقية حول العدالة وتوازن المصالح.

مفارقة لا يُمكن تجاهلها

المفارقة الصارخة هي أن آلاف المواطنين يعملون مقابل رواتب لا تتعدى المبلغ المطلوب للعاملات إلّا بريالات عُمانية معدودة، ويتحمّلون مسؤولية أسرٍ كاملةٍ بمنازل مستقلة لا تكفي مصاريفها حتى خمسة أضعاف هذا الراتب. ومع ذلك، تُقرَّر زيادة رواتب العاملات اللائي يعشن في منازل الأسر التي يعملن لديها، يأكلن من طعامها، ويستخدمن مرافقها، وليس عليهن أي مسؤولية عن فواتير الكهرباء أو الماء أو المعيشة اليومية.

المفارقة ليست انتقاصًا من حقوق العاملات؛ بل إشارة إلى انقطاع مُتخذ القرار عن واقع الناس، وإلى خللٍ عميقٍ في ترتيب الأولويات الوطنية.

تساؤلات منطقية عن التطبيق والواقع

هل تحديد ساعات عملٍ معدودة لعاملةٍ تعيش في نفس المنزل، ولا تتحمّل أي نفقاتٍ من مأكلٍ أو مشربٍ أو مسكن، يعني أنها تستطيع التوقف عن العمل بمجرد انتهاء الساعات الاثنتي عشرة؟ وماذا لو أن الهدف من وجودها بالمنزل هو رعاية الأطفال في غياب الوالدين أثناء عملهما؟ هل يعني ذلك أنها يمكن أن تترك الأطفال عند انتهاء "الدوام" حتى لو لم يعد الوالدان بعد؟

ثم إن تحديد ساعات العمل بهذه الصيغة يوحي وكأنَّ العاملة موظفةٌ خارجية مستقلة، فهل يُتوقّع منها إذن أن تستأجر سكنًا خاصًا بها على نفقتها، وتتحمّل مصاريف طعامها ولباسها وكل ما يرتبط بإقامتها؟ إن كان الأمر كذلك، فحينها لا يكون صاحب المنزل مسؤولًا عن مأكلها ومشربها حتى خلال ساعات العمل.

لا بد أن يتحقق العدل للطرفين؛ فهكذا تُدار قوانين العمل الحقيقية، على أساس التوازن بين الحق والواجب، لا على أساس الكفة الواحدة التي تُرجّحها اعتبارات خارجية أو صيغ غير واقعية.

لقد تجاهل القرار تمامًا خصوصية وظيفة عاملة أو عامل المنزل، فهو عملٌ قائم على المعيشة المشتركة داخل بيئةٍ أسريةٍ خاصة، لا يمكن قياسها بمعايير المكاتب والمؤسسات. ويبدو أنه ركّز على إرضاء الخارج أكثر من مراعاة الداخل، فضاعت العدالة بين إظهار النية الحسنة، ونسيان الجوهر.

وهنا يبرز سؤالٌ آخر أكثر عمقًا: هل الهدف هو الحفاظ على استمرار خدمات عاملاتٍ من بلدٍ مُحدد ولو على حساب قدرة المواطنين؟ ولماذا لم يأتِ القرار على غرار ما فعلته بعض الدول الخليجية التي رفضت الإملاءات ودعمت مواطنيها وحافظت على سيادتها الداخلية في آنٍ واحد؟

ما يثير الاستغراب أن القرار يبدو وكأنه صيغ استجابةً لضغوط خارجية أكثر من كونه نابعًا من حاجة داخلية حقيقية. فما السر وراء هذا التسارع في إصدار قراراتٍ تزيد العبء على المواطن بدل أن تخفّف عنه؟ ولماذا يُترَك مواطن آخر يعيش ضيق الحال دون معالجة حقيقية لمُعاناته، بينما تُنفَّذ المطالب الخارجية بكل سرعةٍ وامتثال؟ إننا لسنا ضد الحقوق الإنسانية؛ بل مع ترسيخها وفق رؤيةٍ عادلةٍ تُراعي واقع البلد وإمكاناته.

سؤال يحرج الجميع

إذا كانت تلك الدول قد فرضت ووضعت شروطًا دعمًا لمواطنيها في الخارج (وهي الطرف المحتاج للعمل)، فلماذا لا يترك قرارها لها؟ والتصرف في اتجاه دعم المواطن داخليًا؟ قد لا تريد الحكومة اتخاذ قرار وقف التعامل مع دولة بعينها فيما يخص هذا الأمر، ولكن لماذا يتم تبني ما تُريد تلك الدولة وتطبيقه داخليًا وإلزام المواطنين به؟

ومن الطبيعي أن تصون الدولة حقوق جميع من يعيش على أرضها، لكن العدالة الحقيقية لا تتحقق بتقديم طرفٍ على آخر، ولا بالاهتمام بالصورة الخارجية على حساب الداخل.

العدل يبدأ حين تنصف المؤسسات مواطنيها أولًا، وتضمن لهم مستوى معيشيًا كريمًا يوازي الجهد المبذول، ثم تمتد يد العدالة إلى غيرهم من موقع قوةٍ لا من موقع ضعفٍ.

القرار الأخير لا يمكن النظر إليه بمعزل عن سياقٍ أوسع من القرارات المتراكمة التي تزيد العبء على المواطن بدل أن تحلّ أزماته. لقد أرادت الجهة المصدِرة أن تظهر بصورةٍ إنسانية أمام الخارج، لكنها نسيت أن الإنسانية الحقيقية تبدأ من الداخل، حيث كرامة المواطن وحقه في العيش الكريم والوظيفة الملائمة.

إن من حق العاملات الحصول على بيئةٍ إنسانية عادلة، لكن من حق المواطن أيضًا أن يجد من مؤسساته عدالةً لا انتقائية فيها، ولا رضوخًا لإملاءاتٍ خارجية. فحين يختلّ ميزان العدل بين الداخل والخارج، تضيع الرسالة، ويصبح كل قرارٍ جديدٍ مجرد مرآةٍ تعكس الارتباك.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السعودية تبدأ المرحلة الثانية من توطين أربع مهن صحية

صراحة نيوز- أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالشراكة مع وزارة الصحة، بدء تنفيذ المرحلة الثانية من قرار رفع نسب التوطين في أربع مهن صحية بالقطاع الخاص، اعتبارًا من 17 أكتوبر 2025، وذلك وفقًا للتعريفات والمسميات المهنية المعتمدة.

ويهدف القرار إلى تعزيز مشاركة الكفاءات الوطنية في سوق العمل الصحي، وتوفير فرص عمل نوعية للمواطنين والمواطنات، دعمًا لأهداف استراتيجية سوق العمل وبرنامج تحول القطاع الصحي، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030.

وتشمل المهن الصحية المستهدفة:

التغذية العلاجية والعلاج الطبيعي: 80٪

المختبرات الطبية: 70٪

الأشعة: 65٪

كما حُدد الحد الأدنى للأجور بـ 7,000 ريال للأخصائي و5,000 ريال للفني، ويُطبّق القرار على جميع المنشآت الصحية في مختلف مناطق المملكة.

وأشارت الوزارة إلى أنها وفّرت عبر موقعها الإلكتروني الأدلة الإجرائية التي توضّح تفاصيل وآليات تطبيق القرار، داعية المنشآت إلى الالتزام بالتنفيذ لتجنّب العقوبات النظامية.

وأوضحت أن منشآت القطاع الخاص ستستفيد من برامج الدعم والمحفزات المقدمة من منظومة الموارد البشرية، والتي تشمل الاستقطاب والتدريب والتوظيف، إضافة إلى أولوية الاستفادة من برامج صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف).

من جانبها، أكدت وزارة الصحة متابعتها لتنفيذ القرار بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل، ضمانًا لتحقيق أهداف التوطين ورفع جودة الخدمات الصحية، في حين شددت الوزارتان على استمرار جهودهما المشتركة لتمكين الكفاءات الوطنية ورفع نسب مشاركتها في سوق العمل تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة ورؤية 2030.

مقالات مشابهة

  • متى يبدأ التوقيت الشتوي 2025 في مصر؟.. التفاصيل وطريقة ضبط الساعة
  • موسكو: نعمل على تحديد موعد مناسب للقمة العربية الروسية
  • وزير خارجية إيران لمجلس الأمن: القرار الخاص بالاتفاق النووي انتهى مفعوله
  • السعودية تبدأ المرحلة الثانية من توطين أربع مهن صحية
  • الساعة تتغير امتى 2025؟.. بدء العمل بالتوقيت الشتوي
  • بينها التغذية العلاجية.. رفع نسب التوطين لأربع مهن صحية
  • الشربيني: تحقيق العدالة المناخية مرهون بتمكين الإنسان وبناء المجتمع
  • السبكي: بـ480 جنيهًا فقط الدولة تغطي علاج المواطن مهما بلغت تكلفته
  • طوابير السيارات تجتاح محطات الوقود قبل ساعات من ارتفاع أسعار البنزين.. صور