د. عادل القليعي يكتب: الفلسفة وقضايا العصر !
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
كثيرة هي المشكلات التي يعج بها واقعنا المعيش ، ولا يستطيع العقل الإنساني أن يكون بمنأي عن هذه القضايا لماذا ؟!، لأنه يعيش هذا الواقع بكل ما فيه من متناقضات ، بكل ما فيه من خيرية وشرية ، قبح وحسن.
ومن ثم لابد أن يكيف معه ، ولا يتم هذا التكيف إلا من خلال التفكر ، والتفكر يعني التأمل ، والتأمل يعني محاولة الاستبصار والقراءة الثاقبة لكل هذه المشكلات لا من أجل القراءة وإنما من أجل الوصول إلى حلول لها حتى يستطيع أن يمارس المرء حياة في هدوء وطمأنينة ويحقق سلامه الداخلي وسلامة الخارجي فى التعامل مع بني جلدته.
إذن فهل للفلسفة دور في إعادة بناء العقل العربي ، وهل للمشروعات الحضارية التي قدمها المفكرون العرب دور في تشكيل العقل العربي المعاصر. ؟!
سأجيبك على هذا السؤال من خلال هل للفلسفة دور في قضايانا المعاصرة
إذا ثبت هذا الدور وتحقق في واقعنا المعيش سيتم هيكلة العقل العربي الذي هو نعمة من الله تعالى وبما إنه كذلك فينبغي علينا إعماله في كل صغيرة وكبيرة.
فهل للفلسفة دور في قضايانا المعاصرة ، أي هل لها دور في معالجة قضايانا المطروحة على الساحة العقلية.
الفلسفة ليس كما كان يدعي البعض قديما أنها عديمة النفع وليست لها فائدة تعود علي الفرد وعلي المجتمع، وماهي إلا بحث عن المجهول وماهي إلا نشاط ذهني وعقلي يرهق صاحبه وقد لايصل إلي شيئ وقد يودي به إلى التيه والضلال، وأن الفيلسوف ماهو إلا إنسان يبحث عن قطة سوداء في ليلة ظلماء في حجرة مغلقة معتمة.
لكن السؤال الذي أعتقد أنه مهم، أليس كل واحد منا بداخله مفكر، حتي علي الأقل يفكر في همومه ومشاكله، أليس هذا التفكير يعبر عن رأي صاحبه في محاولة منه لإيجاد حلول لما يتعرض له من مشكلات حياتية قد تؤرق مضجعه، إذن هو يفكر، إذن هو موجود إذن هو يحاول أن يقدم حلولا، هذه المحاولات الحثيثة طريق للتفلسف فما الفلسفة إلا إثارة التساؤل، والإجابة علي هذا التساؤل هو روح التفلسف.
إذن الفلسفة هي محاولة لإيجاد حلول لما نعانيه من مشكلات.
الإنسان المفكر المتفلسف لايمكن بحال من الأحوال أن ينفصل عن واقعه، بل نجد أن المفكر الحق هو الذي يكون مهموما بقضايا مجتمعه ووطنه الذي يعيش فيه، ومهموما بقضايا واقعه المعيش.
نحن أبناء القرن الحادي والعشرين لسنا أحسن حظا من سابقينا، علي الرغم من أن عصرنا عصر التقدم التقني، وثورة المعلومات، والتحول الرقمي، والفكر الحداثي، وإتاحة الكتب والمكتبات بضغطة زر نحصل علي مانريد، وهذا كان لا يحدث قديما، لكن كل ذلك يزيد من العبء الذي يثقل كواهلنا، فانسان اليوم ليس إنسان الماضي، ولن يكون إنسان المستقبل، إلا أن لكل عصر مشكلاته وقضاياه التي إذا لم تقدم لها الحلول الناجحة المبنية علي تفكير منطقي سليم، سيحدث مالا يحمد عقباه.
أزماتنا كثيرة ومتلاحقة مجرد أن يحدث بارقة أمل لحل إحداها تلاحقنا مشكلات أخرى كثيرة، يا سيداتي وسادتي إنها الحياة التي نعيشها، والفلسفة حياة، ولكم في التفلسف حياة يا أولي الألباب، يا أصحاب العقول النيرة المستنيرة، فهل أعملنا عقولنا ووظفناها التوظيف الصحيح للخروج من هذه الأنفاق المظلمة التي باتت كقطع الليل البهيم.
أزماتنا كثيرة، منها أزمة القيم الخلقية والانسحاق القيمي ونزعات اللامبالاة والانهيار الأخلاقي، أليس للفلسفة دور في إعادة ترتيب المنظومة الأخلاقية من خلال دراسة مستفيضة ليس من أجل الدراسة وإنما للانتقال من مرحلة التنظير إلي مرحلة التطبيق.
أيضا لدينا مشكلات معاصرة مثل تجديد الخطاب الديني، ليست هذه مشكلة معاصرة، وإنما معاصرتها في الطرح وكيفية المعالجة، أليس للفلسفة دور في معالجة هذه القضية، ألم تعقد الندوات المعلنة والندوات التي تعقد في الأروقة المغلقة لمحاولة إيجاد حلول ترضي عقولنا، من المنوط به تحمل هذه المسؤولية التي سيسئل عنها أمام ضميره قبل أن يسأله التاريخ عنها.
وأكرر قضايانا كثيرة وملحة ألم تضربنا أزمة جائحة كورونا التي أوقفت العالم علي قديمه ولم تقعده إلي الآن، الكل يتباري ويتسابق لإيجاد حل لها، علي كافة المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، ما دورنا نحن ونحن أبناء الفلسفة.
وغيرها من الأزمات، أزمات المناخ والتغيرات المناخية وتغير خارطة العالم المناخية أليست هذه مشكلة تسترعي الإنتباه والاهتمام.
ثم أزمتنا الكبري أزمة الأمة بأسرها أزمة العالم، السلام العالمي، أزمة قديمة، ووسيطة ، وحديثة، ومعاصرة، أزمة حياة، تناولها الفلاسفة منذ القدم، تحدث فلاسفة الرواقية عن الإخوة العالمية، تحدث فلاسفة الإسلام ولا سيما الفارابي ومن قبله أفلاطون حكيم اليونان ومن قبلهما كونفوشيوس حكيم الصين عن الأمن والأمان والسلم والاستقرار، تحدث حديثا توماس مور، تحدث ايمانويل كانط في كتابه المشروع الدائم للسلام العالمي.
والآن كل زعماء العالم ومجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة والمؤسسات الدينية الجميع يردد نشيدا واحدا ويدعو دعاءا واحدا، التعايش السلمي بين الشعوب، وطرح العنصرية البغيضة والطائفية المرذولة، وطرح خطاب الكراهية وتحريض البعض علي البعض، وعدم الزج بالأديان في هذا المعترك، فجميعنا يعبد ربا واحدا ويدين بدين واحد، هو دين المحبة والسلام.انبذوا خطابات التحريض وليعيش الجميع في سلام ولنصلي لرب السماء في مصلانا، في مساجدنا، في كنائسنا، في أديرتنا، أطرحوا الكراهية من نفوسكم، من قلوبكم.
إذا لم يكن هذا دورنا نحن المفكرون، نحن البحاثون، فمن سيتصدي ويتصدر لمواجهة هذه الأزمات.
ولا تزال جدلية السؤال مطروحة.
أين دور العقل العربي هنا.؟!
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: العقل الإنساني العقل العربي العقل العربی
إقرأ أيضاً:
نهاية العصر العسكري لحزب الله اللبناني
لم يعد “حزب الله” اليوم هو الحزب الذي كان قائماً قبل الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023. اللحظة التي اتخذ فيها الحزب قرار “الانتحار بإسناد غزة” كانت لحظة حاسمة ونقطة تحول جذري لم تخسر فيها قيادته أفراداً فحسب، بل أدت إلى تصدع عميق في بنيته العسكرية الممتدة لأربعة عقود. هذا التورط المباشر، الذي لم يكن مخططاً له بهذا الحجم، أدى إلى تبدل المعطيات وتغير المعادلات بشكل جذري وغير قابل للإصلاح السريع.
يُجمع الخبراء والمحللون العسكريون، على أن “حزب الله بالمفهوم العسكري انتهى”، ويستند هذا الاستنتاج الصادم إلى مجموعة من المؤشرات الميدانية والاستخباراتية التي تُظهر أن البنية العسكرية التي بناها الحزب بصبر على مدى 40 عاماً تعرضت لانهيار هيكلي لا يمكن ترميمه بسهولة تحت المراقبة المكثفة.
تؤكد تحليلات الخبراء، أن البنية العسكرية للحزب لم تعد موجودة بالصيغة التي كانت عليها. وقد تعرضت الوحدات القتالية، لا سيما “وحدات النخبة” التي تشكل العمود الفقري لقدراته الهجومية والدفاعية، إلى ضربات موجعة ومحورية. التداعيات كانت كارثية على النحو التالي:
الاختفاء والتناثر: بعض هذه الوحدات اختفى تماماً من ساحة العمليات، فيما تناثرت وحدات أخرى وأصبحت عاجزة عن إعادة التكوين والتعبئة الممنهجة التي تحتاجها أي قوة قتالية منظمة.
توقف التدريب: الأهم من الخسائر البشرية هو اختفاء عملية التدريب، القدرات القتالية للمقاتلين تحتاج إلى دورات تدريبية وتأهيل مستمر للحفاظ على المستوى العسكري والجهوزية المطلوبة، ومع تعذر إقامة مراكز تدريب أو تحرك آمن للعناصر بسبب المراقبة الإسرائيلية، تآكلت قدرات المقاتلين الحاليين وتوقفت عملية ضخ دماء جديدة مدربة.
ويضيف الخبراء أن “حزب الله اليوم لا يملك قيادة بالمعنى العسكري الاحترافي”. فقد نجحت الاستهدافات الإسرائيلية الدقيقة في تفكيك الهرم القيادي للحزب:
استهداف القيادات: تم استهداف وقتل أعداد كبيرة من القيادات العسكرية الميدانية والاستراتيجية.
غرفة العمليات الفارغة: أصبحت غرفة العمليات المركزية داخل الحزب “فارغة”، مما يدل على تشتت مركزية القرار والتنفيذ.
شلل التحركات: فقد الحزب عملياً وحدة القيادة والسيطرة، وهو بمثابة الهرم الرئيسي والعمود الفقري لأي منظومة عسكرية فاعلة .وما تبقى هو مجرد قيادة سياسية تحاول إدارة الأزمة مع “بضعة مقاتلين عاجزين عن النهوض مجدداً”، في ظل شلل كامل للتحركات على الأرض فرضته المراقبة الإسرائيلية المستمرة.
الأكثر دلالة على حجم الانهيار هو ما كشف عنه الخبراء بخصوص رأي ضباط الحرس الثوري الإيراني الذين يشرفون على الحزب. فقد توصل هؤلاء الضباط إلى نتيجة حاسمة أبلغوا بها قياداتهم في طهران، وهي أنه: “من الصعب جداً إعادة قدرات حزب الله بالطريقة التي كان عليها في السابق.”
السبب الرئيسي لهذا التشاؤم الإيراني هو المراقبة الجوية والاستخبارية الإسرائيلية التي تحول دون أي محاولة لإعادة بناء أو تحصين:
لا يمكن إنشاء مراكز تدريب جديدة.
لا يمكن تحريك عناصر مقاتلة أو لوجستية بأمان على الأراضي اللبنانية، حيث تتعرض لأي تجمع أو تحرك مكشوف إلى استهداف مباشر وفوري.
حتى الوحدة اللوجستية التي تزود المقاتلين وتحافظ على جاهزية العتاد أصبحت عاجزة عن التحرك الفعال.
هذه المعطيات مجتمعة تدل على أن الحزب يعيش أسوأ أيامه على الإطلاق من الناحية العسكرية، وبات عملياً خارج المعادلة كقوة ضاربة وكاملة التنظيم، متحولاً إلى مجرد “جيوب مقاومة” ضعيفة القدرة على المبادرة والتعويض.