تخبط وعجز عن اختيار بدلاء.. صراع محتدم يعيق الحوثي عن تشكيل حكومة جديدة
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
تعيش ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران حالة غير مسبوقة من الارتباك السياسي والانقسام الداخلي في صنعاء منذ مصرع رئيس حكومتها غير المعترف بها أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه في غارة إسرائيلية أواخر أغسطس الماضي؛ حيث عجزت الجماعة من تشكيل حكومة بديلة أو حسم أسماء المرشحين لشغل الحقائب الوزارية الشاغرة.
وبحسب مصادر محلية في صنعاء أن الميليشيات الحوثية تحاول إظهار قدر من التماسك السياسي والإداري أمام أنصارها إلا أن المعطيات تكشف عن أزمة عميقة داخل الصف القيادي الأول والخلافات المتصاعدة حول أسماء القائمة الجديدة وكذا انعدام الثقة ناهيك عن تفاقم الخوف من الاختراقات الأمنية بعد الضربة الإسرائيلية التي أصابت قلب سلطتها في صنعاء.
وفي أواخر أغسطس الماضي، استهدفت غارات إسرائيلية العاصمة صنعاء، ما أدى إلى مقتل رئيس حكومة الحوثيين أحمد الرهوي وتسعة وزراء من حكومته، من بينهم وزراء الخارجية والمغتربين، الشباب والرياضة، الكهرباء والطاقة والمياه، الثقافة والسياحة، الزراعة والثروة السمكية، الشؤون الاجتماعية والعمل، الإعلام، والاقتصاد والصناعة والاستثمار، إضافة إلى وزير العدل ومدير مكتب رئاسة الوزراء. وبذلك تكون الضربة قد أزاحت نحو نصف التشكيلة الحكومية الحوثية التي كانت تضم 22 وزيرًا، في واحدة من أعنف الضربات التي تتلقاها الجماعة منذ بدء الحرب.
وبعد يومين فقط من الغارة، أعلنت الميليشيا تعيين محمد مفتاح قائمًا بأعمال رئيس الوزراء خلفًا للرهوي، مؤكدة أن إعلان الحكومة الجديدة سيتم خلال "أيام قليلة"، لكن مر نحو شهرين على ذلك الوعد، دون أي إعلان رسمي، وهو ما كشف عن حالة تخبط غير مسبوقة داخل الميليشيا.
ويرجّح مراقبون أن الجماعة تواجه خلافات حادة بين أجنحتها القيادية حول توزيع الحقائب والمناصب، خصوصًا بين الجناح الأمني المقرب من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي والجناح السياسي المنتمي لحزب المؤتمر الشعبي العام المتحالف معها شكليًا، أو حتى على مستوى الأجنحة الداخلية التي يقودها "مهدي المشاط" أو "محمد علي الحوثي" وآخرين. كما تسود مخاوف كبيرة من الاختراقات الأمنية والاستخباراتية التي أدت إلى الغارة، ما جعل الاجتماعات القيادية محدودة جدًا وتحت رقابة شديدة.
مصادر سياسية في صنعاء، ربطت عجز الميليشيات الحوثية عن تشكيل حكومة جديدة يعود إلى فقدان الجماعة حالة الزخم التي كانت تحظى بها بين النخب السياسية المتحالفة معها، وسط تصاعد حالة من التوجس داخل المؤتمر الشعبي العام الذي توترت علاقته مع الحوثيين بعد سلسلة من الاعتقالات والإقامات الجبرية التي طالت قيادات بارزة فيه.
وترى المصادر أن الجماعة تواجه أزمة حقيقية في إيجاد شخصيات "مقبولة" لتولي المناصب، سواء من داخل صنعاء أو من المناطق الجنوبية، التي تبحث الميليشيا عن شخصية منها لإضفاء مظهر "التوازن الجغرافي" على حكومتها الجديدة، وهو ما لم يتحقق منذ إقالة حكومة عبد العزيز بن حبتور قبل عام.
وبحسب المصادر أن محاولات الحوثيين لتشكيل حكومة جديدة ما هي إلا محاولة للخداع السياسي والإعلامي أكثر من كونها خطوة حقيقية لإدارة الدولة. وأن الحكومة الجديدة – في حال تشكّلت – ستكون مجرد "ديكور سياسي" لتغطية فشل الجماعة في إدارة مؤسسات الدولة وانهيارها الإداري والمالي.
وأكدت المصادر إن "الهدف من هذه الحكومة الشكلية هو محاولة الحفاظ على تماسك القواعد الحوثية وإيهام الرأي العام الخارجي بأن الجماعة ما تزال تملك مؤسسات قادرة على العمل، بينما السلطة الفعلية بيد المشرفين الميدانيين".
وفي ظل الأجواء المشحونة، تؤكد التقارير أن الجماعة تواجه أزمة استخباراتية عميقة، حيث تعيش قياداتها العليا في حالة من القلق والارتياب المستمر، وتخشى عقد الاجتماعات خوفًا من رصد مواقعها. ووفق المصادر، فإن هذه التحركات المحدودة والاحتياطات الأمنية المفرطة جعلت من عملية التشكيل الحكومي "أمراً مؤجلاً إلى أجل غير مسمى".
ورغم مقتل رئيس الحكومة وتسعة من وزرائها، لم يتأثر عمل الجماعة فعليًا، إذ ما تزال السلطة الحقيقية بيد المشرفين الحوثيين الذين يديرون الوزارات والمؤسسات العامة، في استمرار للنظام الموازي الذي أقامته الجماعة منذ سيطرتها على صنعاء عام 2014.
ويقول مراقبون إن ذلك يؤكد أن الحكومة الحوثية لم تكن سوى واجهة شكلية لإضفاء طابع "الدولة" على سلطة دينية عقائدية تتحكم في كل مفاصل الإدارة والأمن والاقتصاد من خلال شبكات المشرفين التابعين لعبد الملك الحوثي.
وتكشف التطورات الأخيرة أن ميليشيا الحوثي تواجه أعمق أزمة داخلية منذ نشأتها، ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضًا الأمني والتنظيمي، إذ فقدت عدداً من أبرز وجوهها السياسية، وتواجه عزوفاً متزايداً من الشخصيات الوطنية عن الارتباط بها. وفي ظل هذا التصدع، يبدو أن الجماعة تسير نحو مزيد من العزلة الداخلية والتآكل السياسي، فيما تبقى سلطتها مرتهنة بالكامل لزعيمها الديني ومشروعها الإيراني العابر للحدود.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: أن الجماعة فی صنعاء
إقرأ أيضاً:
الحوثيون يقتحمون مقراً أممياً في صنعاء
أحمد شعبان (عدن، القاهرة)
اقتحمت عناصر من جماعة الحوثيين، أمس، مقراً تابعاً للأمم المتحدة في صنعاء، بحسب ما أفادت تقارير إعلامية. وأفادت التقارير بأن الحوثيين احتجزوا عدداً من الموظفين الأمميين وصادروا هواتفهم، مضيفة أنهم يحققون مع موظفين من مكتب المبعوث الأممي لليمن.
وفي سياق متصل، أثار تصعيد لهجة جماعة الحوثي في اليمن ضد وكالات ومنظمات الأمم المتحدة واتهامها صراحة بالمشاركة في «أنشطة تجسسية وعدوانية» مخاوف وقلقاً بين اليمنيين ومنظمات إغاثة من تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.
ويواجه الملايين في اليمن أزمة جوع وارتفاعاً في أسعار الغذاء وتضخماً حاداً، بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب التي صنعت واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وسط تحذيرات دولية ومحلية من مجاعة قد تضرب البلاد خلال 2026.
ورفضت الأمم المتحدة في وقت سابق بشكل قاطع الاتهامات، مؤكدة أن هذه المزاعم «مقلقة للغاية»، و«تعرض حياة العاملين في القطاع الإنساني للخطر».
وأدان محللون يمنيون استمرار الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها ميليشيات الحوثي ضد الشعب اليمني، واحتجاز الموظفين الأمميين، وتعطيل حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهو ما يُعد تهديداً مباشراً لمسار خريطة السلام في اليمن، مؤكدين أن الممارسات العدائية تعكس رغبة الجماعة الانقلابية في إفشال جهود الحل السياسي للأزمة اليمنية.
وشدد المحلل السياسي اليمني، الدكتور فضل الربيعي، على أن الحوثيين يعيشون حالة من التقهقر والضعف الشديد في الوقت الراهن، بسبب صراعاتهم الداخلية وتورطهم في أجندات إقليمية معقدة، موضحاً أن جماعة الحوثي حاولت استغلال حرب غزة لتقدم نفسها باعتبارها مدافعاً عن القضايا العربية، بينما كانت تسعى لإقحام اليمن في صراعات لا تمت له بأي صلة. وقال الربيعي، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن اتفاق وقف الحرب في غزة أربك حسابات الحوثيين، الذين يسعون باستمرار إلى خلق أعداء وهميين لتبرير هجماتهم، سواء ضد الدول العربية أو السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن. وأضاف أن الجماعة الانقلابية تستخدم الهجمات على خطوط الملاحة الدولية كورقة ضغط سياسية وعسكرية، ولن تتراجع عن التصعيد إلا بموقف دولي حازم، لا سيما من مجلس الأمن، لافتاً إلى أن الحوثيين اعتادوا اختلاق الذرائع لاستمرار الحرب، ولن يتوقفوا عن ذلك ما لم يُواجهوا بصرامة وحزم من قبل المجتمع الدولي.
من جانبه، أوضح المحلل السياسي اليمني، عيدروس باحشوان، أن استمرار جرائم وانتهاكات الحوثيين يأتي نتيجة تراخي التحالف الغربي، في توجيه ضربات حاسمة داخل عمق الجماعة الانقلابية، مما جعلها تتمادى في سياساتها العدائية والعدوانية، حتى شملت احتجاز الموظفين الأمميين العاملين في المنظمات الإنسانية داخل معتقلاتها، داعياً إلى تحرك دولي حازم لردع الانتهاكات الحوثية.
وذكر باحشوان، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الضربات الأميركية والبريطانية الأخيرة استهدفت قيادات حوثية في صنعاء، لكنها لم تطل مستودعات التسليح التي تُستخدم في مهاجمة السفن، مطالباً بوقفة إقليمية ودولية جادة لمواجهة التهديدات الحوثية، سواء داخل اليمن أو خارجه، وذلك لحماية حركة الملاحة الدولية.
وشدد على ضرورة دعم قوات خفر السواحل اليمنية لتمكينها من حماية الشريط البحري الممتد من باب المندب حتى المهرة وسقطرى، مشيداً بإعلان بريطانيا في أغسطس الماضي عن تقديم دعم كبير ومهم لتعزيز قدرات خفر السواحل اليمنية.