يعد 21 أكتوبر 67، تاريخ لا يمكن أن يمُحى من الذاكرة، لما قامت به البحرية المصرية من ملحمة بطولية، عندما استطاعت تدمير إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»، في ضربة تحدث عنها العالم، كشفت قدرة وكفاءة القوات البحرية، ودقة التدريبات والقدرة على تنفيذ الخطط.

ما قبل عملية تدمير المدمرة إيلات

قامت إسرائيل بشراء المدمرة من إنجلترا واسمها Zealous في يونيو عام 1956 مع مدمرة أخرى تُسمى «يافو»، اشتركت المدمرة إيلات في العدوان الثلاثي 1956.

شهدت الفترة التي تلت حرب يونيو 1967 وحتى أوائل أغسطس 1970، أنشطة قتالية بحرية بين الجانبين وكان كلاهما يهدف إلى إحداث أكبر خسائر في القوات البحرية للطرف الآخر بغرض إحراز التفوق وتحقيق السيطرة البحرية ويعرف هذا النوع من القتال البحري في فنون الحرب البحرية بالأنشطة القتالية الروتينية للقوات البحرية.

بعد انتصار إسرائيل في حرب 1967 أمرت قيادة الجيش الإسرائيلي بأن تخترق المدمرة إيلات المياه الإقليمية المصرية وتدخل المنطقة البحرية لبورسعيد، مستغلة قوة الردع المتمثلة لديها في تفوقها الجوي ومدفعيتها الرابضة على الضفة الشرقية للقناة، مهددة مدنها في انتهاك المياه الإقليمية المصرية في البحرين المتوسط والأحمر، وقد تصورت القيادة الإسرائيلية عدم قدرة القوات المصرية على منعها من ذلك.

وفي 11 يونيو 1967م ضربت المدمرة «السرب المصري» الذي كان يمر بجانب المدمرة فاشتبك معها وأغرقته المدمرة، وكان يقود «السرب المصري» الضباط عاوني عازر وممدوح شمس، واستمرت المدمرة بقيادة «إسحاق شوشان» في اختراق المياه المصرية إلى يوم 18 أكتوبر 1967م، فقررت القيادة السياسية المصرية إعطاء الأوامر للقوات البحرية بضرب المدمرة وإغراقها.

وفي يوم 21 أكتوبر 1967م صدر أمر بالاشتباك مع المدمرة وتشكّلت فرقتين للقيام بالمهمة، الفرقة الأولى كانت بقيادة النقيب أحمد شاكر ومساعده الملازم أول حسن حسني وكانا على اللنش 504، أما اللنش الثاني 501 كان يقوده النقيب لطفي جاب الله بمساعدة الملازم أول ممدوح منيع.

صورة ماكيت للمدمرة إيلات

كانت المعلومات تصل لهم أولاً بأول من قيادة بورسعيد البحرية التي كانت تتابع تحركات المدمرة، وقد استعدّت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ، ومن هذه الأعمال الاستفزازية دخول المدمرة إيلات ومعها زوارق الطوربيد من نوع جولدن، ليلة 11/12 يوليه 1967 داخل مدى المدفعية الساحلية في بورسعيد، وعندما تصدت لها زوارق الطوربيد المصرية فتحت إيلات على الزوارق وابلاً من النيران.

تنفيذ عمية ضرب المدمرة إيلات

أكد المعلومة تقرير الاستطلاع اليومي الذي اطلع عليه العميد محمود عبد الرحمن فهمي الذي يكشف التفاصيل من خلال مذكراته «صفحة من التاريخ».

وقال: «مرت إحدى المدمرتين على بعد 15 ميلاً بحرياً شمال بورسعيد ثم استدارت متجهة شرقاً، فثرت وغضبت لتلك العربدة فى مياهنا، ذهبت للواء فؤاد زكريا قائد القوات البحرية وطلبت الإذن بضرب المدمرة مؤكداً أننا نملك الإمكانيات لتنفيذ ذلك، فقال: «أنت تعلم أن الأوامر عدم فتح النيران على العدو إلا بإذن»، فطلبت الحصول على الإذن، اتصلت باللواء طلعت حسن على رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة وأبلغته بالمدمرة التى دخلت مياهنا الإقليمية، وطلبت الإذن بضربها إذا عاودت الدخول، فقال: لابد من موافقة الفريق أول محمد فوزى، وبعد ساعة أبلغنى بالتصديق بالموافقة على ضرب المدمرة إذا عادت ودخلت مياهنا الإقليمية».

اجتمع العميد محمود عبد الرحمن - كما يقول فى مذكراته - مع العقداء: محمد على محمد ومحمد عادل هاشم وعلى جاد لتدارس كيفية استدراج مدمرة العدو إلى داخل مياهنا الإقليمية، وتم إرسال إشارة غير مشفرة باللاسلكي لقائد قاعدة بورسعيد بعدم الاشتباك مع المدمرة الموجودة أمام القاعدة، وابتلع العدو الطعم وشعر بالطمأنينة، وتم إرسال إشارة أخرى للعقيد طلعت نصر بالتليفون الأرضي بألا يلقى بالاً إلى الإشارة اللاسلكية المرسلة سابقاً، وتجهيز لنشين صواريخ من طراز كومر السوفيتية، كل لنش مُجهز بصاروخين سطح / سطح من طراز ستيكس الذى تزن رأسه المدمرة نصف الطن، ووضع باقي القطع البحرية بالقاعدة فى حالة تأهب، وابتلعت المدمرة الطعم وجاءت من شمال شرق بورسعيد، فصدر الأمر بخروج اللنشات لضربها، يبدأ الضرب باللنش رقم واحد فإذا غرقت تعود اللنشات إلى القاعدة، وإذا لم تغرق يتم الضرب باللنش الثانى، وتستعد المدفعية للمساندة إذا تطلب الأمر.

انطلق سرب لنشات الصواريخ من القاعدة لتنفيذ المهمة، اللنش الأول 504 بقيادة النقيب أحمد شاكر ومساعده الملازم أول حسن حسنى، واللنش الثانى 501 بقيادة النقيب لطفى جاد الله ومساعده الملازم أول ممدوح مصطفى، وللتضليل اتخذ السرب المسار المُتبع لخروج مراكب الصيد من الميناء، وبعد دقائق انفصل اللنش 504 وانطلق بسرعته القصوى متخذاً خط سير الإطلاق وأطلق أول صاروخ فأصاب الهدف، وأصاب الصاروخ رقم 2 الهدف أيضاً، وبعد ثوانٍ شوهد وهج شديد أرسل بعده النقيب أحمد شاكر الإشارة التى تقول: «تم الاشتباك مع الهدف وتدميره وإغراقه طبقاً للأوامر - انتهى».

وصدر الأمر بأن يظل اللنش 501 فى حالة استعدادٍ تحسباً لظهور الهدف الآخر، ووصل بعدها بلاغ يفيد بظهور هدفٍ آخر مماثل فى نفس الموقع وأصدرت الأمر بانطلاق اللنش الثاني للتعامل مع الهدف وإغراقه، وانطلق اللنش 501 لتنفيذ المهمة، وتم إصابة الهدف بصاروخين.. وظهر وهج شديد عدة مرات فى ظلام الليل تبعه انفجارات مدوية.. واقترب اللنش 501 لمسافة خمسة أميال من الهدف وأمكن رؤية الحطام المشتعل وغرق الهدف واختفى من على شاشات الرادار، غرقت المدمرة «إيلات» بطاقمها المكون من 220 فرداً و68 من طلبة السنة النهائية للكلية البحرية الإسرائيلية، وبناء على هذا الانتصار الساحق الذى أذهل العدو ومن يسانده، تم اختيار يوم 21 أكتوبر عيداً للبحرية المصرية التى رفعت الروح المعنوية بين صفوف جميع الأسلحة بهذا العمل الخارق، وها نحن نحتفل بقواتنا البحرية الباسلة فى عيدها الـ 56، وكل عام وقواتنا البحرية بخير وازدهار.

من كتاب «صفحة من التاريخ»

نتيجة تنفيذ عمية ضرب المدمرة إيلات

وتم إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات بواسطة 4 صواريخ بحرية سطح / سطح، هي الأولى من نوعها في تاريخ الحروب البحرية وبداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية واستراتيجيات القتال البحري في العالم فقد تم في هذه العملية تدمير مدمرة حربية كبيرة بلنش صواريخ للمرة الأولى في التاريخ.

وبعد نجاح المهمة صدر قرار جمهوري بمنح كل الضباط والجنود الذين شاركوا في العملية أوسمه وأنواط وأصبح غرق المدمرة إيلات في 21 أكتوبر 1967م عيد للقوات البحرية المصرية، وأشادت الدوائر العسكرية بالشجاعة النادرة لقادة اللنشات المصرية وتم تسجيل هذه المعركة ضمن أشهر المعارك البحرية في التاريخ.

اقرأ أيضاًخلال الندوة التثقيفية الـ42.. الرئيس السيسي يُكرم أبطال أكتوبر ويستعرض جهود مصر في وقف الحرب بغزة

الرئيس السيسي يقدم التحية لأبطال حرب أكتوبر خلال الندوة التثقيفية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات إيلات السرب المصري المدمرة إيلات حرب أكتوبر القوات البحریة المدمرة إیلات الملازم أول

إقرأ أيضاً:

القوات البحرية تحتفل بعيدها الـ 58.. وقائدها يتحدث عن أنظمة تسليح متطورة وتدريب نوعي

احتفلت القوات البحرية بعيدها الثامن والخمسين الذى يوافق ذكرى يوم الحادي والعشرين من شهر أكتوبر عام 1967م اليوم الذى سطر فيه رجالها واحدة من أعظم الانتصارات بإغراق المدمرة «إيلات» أمام سواحل مدينة بورسعيد الباسلة، وخلال وقائع المؤتمر الصحفي الذى عقد بمقر قيادة القوات البحرية للاحتفال بتلك المناسبة، أكد اللواء بحرى محمود عادل محمود فوزى قائد القوات البحرية أن الاحتفال بهذا اليوم الخالد الذى نستلهم من ذكراه قوة العقيدة القتالية المصرية يثبت للعالم أجمع أن قواتنا المسلحة قادرة على مواجهة أي تحديات لحماية سيادة وطننا الحبيب.

القوات البحرية تحتفل بعيدها الثامن والخمسين القوات البحرية تحتفل بعيدها الثامن والخمسين

مشيرًا إلى الرؤية الحكيمة للقيادة السياسية والقيادة العامة للقوات المسلحة بالاستمرار في تحديث وتطوير القدرات القتالية للقوات البحرية من خلال تزويدها بأحدث الوحدات ذات نظم التسليح المتطورة والارتقاء بكافة أساليب وطرق التدريب للفرد المقاتل لبناء قوة بحرية قادرة على حماية مقدرات الدولة المصرية ومياهها الإقليمية بما تحتويه من مكتسبات وثروات قومية.

واختتم كلمته بتوجيه التهنئة لرجال القوات البحرية بمناسبة الاحتفال بتلك المناسبة الجليلة، مقدماً لهم الشكر على ما يبذلونه من جهد وما يقدمونه من عطاء لمواصلة مسيرة من سبقوهم حتى تظل راية الوطن عالية خفاقة، مجدداً العهد على أن يظل مقاتلو القوات البحرية في أعلى درجات الاستعداد القتالي لتنفيذ كافة المهام التي توكل إليهم مهما كلفهم ذلك من تضحيات.

اقرأ أيضاًقائد القوات البحرية المصرية في ذكرى إغراق إيلات: نعمل 365 يومًا سنويًا ونجمع بين الردع والمبادأة

مدير الكلية البحرية: تدريبات عالمية وتحديث المنظومة الدراسية بعد إدخال أسلحة حديثة

مقالات مشابهة

  • في ذكرى إغراق إيلات.. القوات البحرية تحتفل بعيدها الـ58
  • القوات البحرية تحتفل بعيدها ال٥٨ ذكرى تدمير المدمرة ايلات
  • قائد القوات البحرية: نمتلك أحدث الوحدات في العالم لحماية السواحل المصرية
  • القوات البحرية تحتفل بعيدها الـ 58.. وقائدها يتحدث عن أنظمة تسليح متطورة وتدريب نوعي
  • قائد القوات البحرية: سواحلنا آمنة.. والبحرية المصرية تمتلك سمعة طيبة
  • اللواء أركان حرب بحري محمود عادل فوزي قائد القوات البحرية: سواحلنا آمنة.. والبحرية المصرية تمتلك سمع
  • اللواء أركان حرب بحري محمود عادل فوزي قائد القوات البحرية: سواحلنا آمنة.. والبحرية المصرية تمتلك سمعة طيبة
  • قائد القوات البحرية المصرية في ذكرى إغراق إيلات: نعمل 365 يومًا سنويًا ونجمع بين الردع والمبادأة
  • قائد القوات البحرية: نمتلك أحدث الوحدات البحرية لحماية السواحل المصرية