جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-22@18:05:13 GMT

حين تنسى المؤسسات دروسها

تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT

حين تنسى المؤسسات دروسها

 

 

 

خالد بن حمد الرواحي

في كل مؤسسةٍ قصةٌ تتكرّر بأسماءٍ مختلفة؛ قرارٌ يُعاد طرحه بعد أن فشل سابقًا، ومشروعٌ يُنفَّذ وكأن التجربة الأولى لم تكن، ولجنةٌ تبحث في قضيةٍ سبق أن حُسمت من قبل. تتبدّل الوجوه، لكن الأخطاء تبقى كما هي، لأن الذاكرة المؤسسية غائبة، والدروس تُنسى مع تعاقب المسؤولين. وحين لا تتوارث المؤسسات خبراتها، تتحوّل الدوائر إلى مسرحٍ يعيد المشهد ذاته في كل دورةٍ وظيفية، فتُهدر طاقة الوطن بين التكرار والنسيان.

ومن هنا تبرز أهمية الذاكرة المؤسسية؛ فهي ليست أرشيفًا من الملفات أو مجلداتٍ منسية، بل هي خبرةٌ متراكمة تحفظ هوية المؤسسة وتضمن تطوّرها. إنها الجسر الذي يربط الماضي بالحاضر، ويمنح صانع القرار القدرة على التعلّم لا التكرار. وحين تغيب هذه الذاكرة، تُعاد دراسة القضايا وكأنها تُطرح للمرة الأولى، ويُستبدل التعلّم من الأخطاء بإلقاء اللوم على الظروف. وهكذا تتحوّل المؤسسات التي لا توثّق تجاربها إلى بيوتٍ بلا ذاكرة، تدفع الثمن ذاته مع كل تغييرٍ إداريٍّ جديد، وتعيش في دوّامة البداية الدائمة.

ومع مرور الوقت، يتحوّل غياب الذاكرة المؤسسية إلى هدرٍ صامت؛ تُعاد صياغة الخطط القديمة بأسماءٍ جديدة، وتُشكَّل لجانٌ لمناقشة قضايا سبق بحثها، وتُصرف الموارد على حلولٍ جُرّبت من قبل. وهكذا تدور المؤسسة في حلقةٍ مفرغةٍ من التكرار الذي يُبدّد الوقت والجهد، بينما يظنّ كل مسؤولٍ جديد أنّه يبدأ من الصفر. غير أن الأخطر من ذلك، أن غياب الذاكرة لا يبدّد الخبرة فقط، بل يُضعف الثقة داخل المؤسسة؛ إذ يشعر الموظفون أن تجاربهم لا تُقدَّر، وأن صوت الخبرة يُستبدل في كل مرةٍ بصوت البداية.

وعلى المدى البعيد، لا يقتصر أثر غياب الذاكرة المؤسسية على الأداء فقط، بل يمتد ليصيب روح الإبداع والاستدامة في جوهرها. فالمؤسسة التي تتذكّر تجاربها تنمو بذكاء؛ لأنها تبني الجديد على ما تعلّمته، لا على ما نسيته. أمّا حين تُمحى الذاكرة مع كل تغييرٍ إداريٍّ، يفقد الموظفون شعورهم بالانتماء، ويتعاملون مع العمل كمرحلةٍ مؤقتة لا كرسالةٍ مستمرة. وهكذا تتحوّل بيئة العمل إلى دوائر معزولة، فيتكرّر الخطأ، وتضيع الدروس، ويصبح التقدّم انتقالًا شكليًّا لا معرفيًّا. فالإبداع لا يولد من الصدفة، بل من التراكم، ومن احترام ما بناه الآخرون قبلنا.

وانطلاقًا من ذلك، جعلت رؤية "عُمان 2040" من الحوكمة المعرفية وتراكم الخبرة المؤسسية ركيزةً لبناء جهازٍ إداريٍّ فعّالٍ ومستدام. فالدولة لا تتقدّم بالخطط وحدها، بل بذاكرةٍ تحفظ ما نُفِّذ وما تحقّق، وما يجب ألّا يتكرّر. ومن هنا تبرز أهمية إنشاء قواعد بياناتٍ تُوثّق التجارب والمشروعات السابقة، وتفعيل برامج نقل المعرفة داخل المؤسسات، حتى لا تغادر الخبرة مع المتقاعدين، بل تُستثمر عبر إشراكهم كمستشارين وناقلين للتجربة. فحفظ الذاكرة المؤسسية ليس عملًا أرشيفيًّا؛ بل استثمارًا في المستقبل يختصر الطريق نحو قراراتٍ أكثر نضجًا وفاعلية.

ختامًا.. إنّ المؤسسات التي تنسى ما تعلّمته تُجبر نفسها على دفع الثمن ذاته في كل مرة؛ فالأخطاء لا تتكرّر صدفة، بل لأننا لم نحفظ دروسها كما يجب. والذاكرة المؤسسية ليست خيارًا ثانويًّا، بل ركيزةُ وعيٍ تنظيميٍّ تحمي من الهدر وتمنح القرار نضجه. وحين تُكتب الدروس وتُتداول الخبرات، تتراكم المعرفة وتترسّخ الثقة، ويغدو التغيير مسارًا للتقدّم لا حلقةً مفرغة من البدايات؛ فالأوطان التي تتذكّر تجاربها، تصنع مستقبلها بثقة، ولا تضلّ طريقها مهما تغيّرت الوجوه.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حكومة الإمارات تشارك تجاربها في الابتكار مع قيادات عالمية

دبي (الاتحاد)

شاركت حكومة دولة الإمارات تجاربها الريادية في تبني الابتكار واستشراف المستقبل، مع نخبة من القيادات العالمية، ضمن البرنامج الدولي لاستشراف مستقبل الحكومات، الذي نظّمه مكتب التبادل المعرفي الحكومي في وزارة شؤون مجلس الوزراء، بالتعاون مع أكاديمية دبي للمستقبل، التابعة لمؤسسة دبي للمستقبل.
ويهدف البرنامج إلى تعزيز تبادل الخبرات وأفضل الممارسات في تطوير العمل الحكومي، ودعم بناء نماذج مبتكرة لمستقبل الحكومات حول العالم. ويشارك في البرنامج 28 مسؤولاً حكومياً، من بينهم وزراء وأمناء عامون ومفوضون ومستشارون ومديرو عموم وقيادات واعدة، يمثلون 18 دولة شريكة في برامج التبادل المعرفي الحكومي الإماراتي، تشمل صربيا، ورومانيا، وبرمودا، وإثيوبيا، وإقليم كردستان العراق، والمالديف، ورواندا، وأذربيجان، وجمهورية الدومينيكان، وزيمبابوي، وفنلندا، وبروناي، وروسيا، وسيشل، وجورجيا، وكولومبيا، وإندونيسيا، وباربادوس.
ويعكس البرنامج جهود الإمارات المستمرة لتعزيز مكانتها مركزاً عالمياً للابتكار والحكومات الذكية، وتوسيع شبكة التعاون والمعرفة بين الدول لتطوير حلول حكومية مبتكرة ومستدامة. ويتيح البرنامج للقيادات الحكومية العالمية التعرف على دور الابتكار واستشراف المستقبل في تطوير العمل الحكومي، من خلال جلسات متخصصة، وزيارات معرفية، وحوارات مع صناع القرار والخبراء، إضافة إلى تطوير مهارات المشاركين في التخطيط بالسيناريوهات، وبناء استراتيجيات الابتكار، والقيادة الرقمية.

منصة شاملة 
وأكد عبد الله ناصر لوتاه، مساعد وزير شؤون مجلس الوزراء للتنافسية والتبادل المعرفي، أن استشراف المستقبل والابتكار يمثلان محورين أساسيين لمبادرات التبادل المعرفي الحكومي الإماراتي؛ نظراً لدورهما المهم في تشكيل معالم المستقبل، وتمكين الحكومات والمجتمعات من مواكبة التغييرات ومواجهة التحديات المتسارعة.
وقال لوتاه إن البرنامج الدولي لاستشراف مستقبل الحكومات، يمثل منصة شاملة لبناء وتعزيز قدرات القيادات الحكومية في الدول الشريكة بمبادرات التبادل المعرفي، في استشراف المستقبل وتصميم السيناريوهات وابتكار الحلول لتحديات العمل الحكومي، وتشكيل الجيل الجديد من الحكومات المستقبلية.

تصميم المستقبل 
من جهته، أكد خلفان جمعة بلهول، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، أن دولة الإمارات أصبحت من أهم دول العالم الرائدة في تصميم المستقبل والاستعداد له؛ بفضل رؤية القيادة ودعمها لتبادل الخبرات والمعرفة المستقبلية، بما يسهم في تصميم مستقبل أفضل لمجتمعات العالم كافة.
وقال خلفان بلهول: «تحرص مؤسسة دبي للمستقبل على التعاون مع الجهات الحكومية والخاصة في دولة الإمارات وحول العالم لتحديد أبرز الفرص المستقبلية الواعدة، وكيفية الاستفادة منها في تنمية مختلف القطاعات الاقتصادية والحكومية والمجتمعية، وتوظيف التقنيات الحديثة والتحولات الرقمية في إحداث تقدم مستدام، يقوم على ركائز الابتكار والجاهزية للمستقبل».

التبادل المعرفي الحكومي
يُذكر أن حكومة دولة الإمارات أطلقت برنامج التبادل المعرفي الحكومي؛ بهدف نقل أفضل الممارسات والخبرات الحكومية إلى الدول الشقيقة والصديقة، وتعزيز التعاون في مجالات التحديث والتطوير الحكومي.

أفضل الممارسات
شارك منتسبو البرنامج في فعالية نظمها «برنامج استشعار المستقبل» في أكاديمية دبي للمستقبل، على مدار 5 أيام، اطلعوا خلالها على أفضل ممارسات دولة الإمارات في الابتكار واستشراف المستقبل، وبناء مهارات الاستعداد للمستقبل، وترسيخ ثقافة الاستشراف والتفكير المستقبلي، ودور الابتكارات في تشكيل مستقبل الحكومات.

أخبار ذات صلة الإمارات تشارك في اجتماع لجنة الدستور الغذائي لإقليم الشرق الأدنى الإمارات عضواً باللجنة التوجيهية لـ«الإنتربول» العالمي للأمن الكيميائي والتهديدات الناشئة

مقالات مشابهة

  • اعرف حقوقك.. متى يمكن وقف مشروعك إداريًا طبقًا لقانون المشروعات الصغيرة؟
  • المرحلة الثانية من خطة الإنقاذ والتعافي في اليمن: من الدعم المالي إلى إعادة توازن الحكم وبناء الدولة المؤسسية
  • وظائف خالية في هذه الأماكن.. الشروط وطريقة التقديم
  • حكومة الإمارات تشارك تجاربها في الابتكار مع قيادات عالمية
  • وزارة العمل تعلن عن وظائف للشباب في شركة "LG".. التفاصيل
  • "إعلام الأسرى": الاحتلال يصدر أوامر اعتقال إداري بحق 85 معتقلًا جديدًا
  • أدوار لا تنسى.. يسرا «أيقونة السينما المصرية» تحتفل بـ 50 عاما من الإبداع
  • للزراعة المستدامة.. الريجي توسّع تجاربها في أصناف تبغ جديدة
  • علماء يابانيون يكتشفون سر الذاكرة الطويلة