بوابة الوفد:
2025-10-24@18:09:24 GMT

ترامب.. أسطورة عولمة الاستبداد

تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT

صرح ستيف بانون مساعد ترامب السابق وكبير مستشاريه أثناء فترة رئاسته الأولى قائلا: 
"سيصبح ترامب رئيسًا عام 2028، وإن هناك خطة لتجاوز العقبات والموانع الدستورية التي تمنع ذاك، وعلى الجميع أن يتقبّلوا الأمر. ووصف ترامب بأنه "أداة للإرادة الإلهية".

لم يمرّ هذا التصريح مرور الكرام في واشنطن. فما إن انتشرت كلماته حتى اشتعلت الأوساط الإعلامية والسياسية بنقاش محتدم حول معناها ومغزاها.

 
شبكات الإعلام الأمريكي خصصت مقالات تحليلية تحذّر من خطورة عودة الخطاب “الترامبي – البانوني” إلى الواجهة، لا بوصفه رأيًا انتخابيًا، بل كتهديد محتمل لجوهر النظام الدستوري الأمريكي..
على وسائل التواصل الاجتماعي  وفي برامج النقاش المفتوح، تساءل المذيعون بدهشة مشوبة بالقلق:
هل نحن أمام استدعاء جديد لروح “6 يناير” 2021 وأحداث اقتحام الكونجرس؟
هل تحوّل خطاب بانون إلى محاولة لإعادة إحياء فكرة الزعيم المنقذ الذي يقف فوق الدستور؟
بينما اعتبر بعض المحافظين أن بانون مجرد “صوت هامشي”،
كونه لا يشغل منصبا رسميا في إدارة ترامب الحالية.
رأى آخرون أن تصريحاته تُعبّر عن منطق خطر يسري في عروق الشعبوية الأمريكية، منطق يرى أن ترامب يمكنه أن يهزم الدستور  وأن “الإرادة” قد تتفوّق على“المؤسسات”.
وسط هذه العاصفة: 
يمكن لنا قراءة ما بين السطور 
وأن ما يقوله بانون ليس عن ترامب وحده، بل عن فكرة الزعيم المخلّص التي تُغري الأمم عندما تفقد ثقتها بالديمقراطية.
وهنا تبرز المعضلة الجوهرية: كيف تنتقل العدوى السلطوية من خطاب سياسي محلي إلى ظاهرة عالمية؟
التاريخ السياسي حافل بلحظات تحوّلت فيها فكرة “القائد الضروري” إلى ذريعة لنسف الحدود بين القانون والشخص، ففي عشرينيات القرن الماضي، قدّم بينيتو موسوليني نفسه باعتباره “الرجل القوي” القادر على إنقاذ إيطاليا من الفوضى، قبل أن يتحول إلى رمز للفاشية. بعده بأعوام قليلة، تبنّى أدولف هتلر النغمة نفسها في ألمانيا المنهكة بعد الحرب العالمية الأولى، مدّعيًا أنه يجسّد “إرادة الأمة”، وأن الدستور يجب أن يخضع “للشعب” – أي له شخصيًا.
وهنا في الشرق الأوسط (القرنان 20 و21)، تتكرر القصة بأسماء مختلفة، حيث يُعدّل الدستور باسم “الإجماع الوطني”، ويُقدَّم الحاكم كرمز أبدي للأمن والاستقرار.
ما يجمع تلك التجارب ليس فقط العنف السياسي، بل المسار النفسي نفسه:
فقط كان دور حاشية الحاكم أن تجعل ثقة الشعب تهتز في المؤسسات، فحين تهتز ثقة الشعوب بالمؤسسات، تبحث عمن  يمنحها الأمان، وهذا ما يجعل تصريحات مثل تصريحات بانون خطيرة: فهي تُعيد إنتاج المنطق ذاته الذي مهد الطريق يومًا لصعود الطغاة عبر بوابة “الشرعية الشعبية”.
خاصة أننا شهدنا انتقال هذا الفيروس السياسي في صور متعددة. أثناء فترة رئاسة ترامب الأولى من العام 2017 حتى العام 2021 وقتها كان ستيف بانون كبير مستشاري الرئيس ترامب للشئون الاستراتيجية وكانت فكرة لا بأس أن تخرق القانون من أجل "الزعيم"  محل إعجاب ترامب المفتون جدا بنظرية الديكتاتور القوي غير القابل للعزل 
مما شجع عدة أنظمة عالمية على العبث بالدستور للبقاء في السلطة في ذلك الوقت.

من روسيا التي أعاد بوتين فيها تعريف الدستور عام 2020  ليبقى في الحكم حتى عام 2036، 
إلى الصين التي ألغت قيود فترات الرئاسة عام 2018، مما أتاح للرئيس الحالي شي جين إمكانية البقاء في السلطة لأجل غير مسمى. 
وقتها اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبادرة السلطات الصينية إلى رفع القيود المفروضة على فترات ولاية الرئيس إجراء جيدا، ودعا بلاده إلى السير على خطى بكين في هذا الاتجاه.
إلى تركيا التي غيّرت نظامها السياسي لتكريس سلطات الرئيس، فاتصل ترامب، وقدم التهنئة للرئيس التركي  أردوغان،  على هذا الإنجاز.

وفي كل تلك الحالات، كان الخطاب واحدًا: “القائد ضرورة وطنية لا يمكن للدستور أن يقيّده..
لم تكن هذه الأنظمة بحاجة إلى بانون لتتعلّم السلطوية، لكنها وجدت في الخطاب الأمريكي الترامبي غطاء وشرعية نفسية عابرة للحدود: إذا كان الغرب نفسه يُشكّك في مؤسساته، فلماذا لا نفعل نحن؟

هنا يمكن أن نستعين بالأسطورة لتفكيك اللغز .
ففي الميثولوجيا المشرقية، دوامة “الملك الذي لا يموت” تكررت في صور شتى — من جلجامش الباحث عن الخلود إلى الإسكندر الذي أراد تجاوز الزمن. 
هذه الأساطير القديمة لم تمت، بل أعادت السياسة الحديثة تدويرها في ثوب جديد.
اليوم، لا يقول القادة “نحن أبناء الآلهة”، لكن بعضهم يتصرّف كما لو أن الشرعية تسري في عروقهم لا في نصوص الدستور.

ستيف بانون – حين يتحدث عن “حتمية استمرار  ترامب”  بعد العام 2028 رغم مخالفة ذلك للدستور الأمريكي، يستدعي من اللاوعي الجمعي هذه الفكرة الأسطورية نفسها: أن الزعيم ليس سياسيًا بل قدرًا، وأن التاريخ نفسه يتواطأ ليستمر  علي  العرش.رغما عن الدستور .
حتى في الولايات المتحدة، التي قامت على فكرة “تقييد السلطة”، نرى كيف يُغري الخطاب الشعبوي الناس بتقديس الشخصية وتجاوز المؤسسات.
إنها نفس المعادلة التي عرفها الإغريق والمصريون والرومان من قبل: كلما ازداد الخوف من الفوضى، تعاظمت الحاجة إلى الإله الحاكم.

الخطر في تصريحات بانون لا يكمن في مضمونها فقط، بل في قدرتها على الانتشار.
فالعالم المعاصر مترابط إعلاميًا إلى حد يجعل أي فكرة سياسية في واشنطن قادرة على عبور القارات خلال ساعات.
ما يقوله بانون في بودكاست لا يسمعه الأمريكيون وحدهم، بل يصل إلى قادة وجماهير في بلدان تراقب أمريكا لا كمثال للحرية، بل كدليل على أن الديمقراطية نفسها يمكن التلاعب بها.
وهكذا تتحول الجملة البسيطة: “ترامب سوف يستمر ، مهما كانت القوانين” إلى إشارة رمزية تتلقفها سلطات في أماكن أخرى لتقول:
"حتى أمريكا تغيّر قواعدها حين تريد. نحن نفعل الشيء نفسه."
وهو بالفعل ما حدث أثناء فترة حكم ترامب الأولى.

ولا شك أنه سوف يتكرر مرة في عدة دول خلال العهد الحالي لترامب. 
بهذا المعنى، فإن بانون لا يتحدث إلى الأمريكيين فقط، بل إلى العالم أجمع، يُرسل رسالة مفادها أن “الدستور ليس إلا أداة يمكن تعديلها باسم إرادة الشعب، وهي الجملة التي تُستخدم اليوم لتبرير تمديد الحكم، قمع المعارضة، واحتكار السلطة باسم “الاستقرار”.
تُظهر التجارب التاريخية والأساطير معًا أن الطغيان يبدأ دائمًا بخطاب لا يبدو خطيرًا.
كلمة واحدة تُبرر التمديد، شعار واحد يُقدّس القائد، فتبدأ السلسلة التي تنتهي بإلغاء الحدود بين الدولة والحاكم، لذا فحين يتكلم بانون، رسول ترامب الشعبوي  وصوت ظله المؤثر ترتجف الدساتير .
فالعالم اليوم يعيش في شبكة متصلة، إنها عولمة جديدة، لكن ليست عولمة الأسواق — بل عولمة الاستبداد.
فحين تضعف الثقة في العقد الاجتماعي، تعود الأساطير القديمة في ثياب جديدة:
فرعون يرتدي بدلة مدنية، وقيصر يطلّ عبر شاشات التلفاز.
في النهاية، يبقى الدرس واحدًا:
الديمقراطية لا تموت بالانقلابات وحدها، بل بكلمة تُقال دون أن تُواجَه.
فمع وصول ترامب إلى البيت الأبيض عام 2017، بدأ يزرع خطاب الشك في المؤسسات: الإعلام “عدو الشعب”، القضاء “مسيس”، والانتخابات “مزورة”.
ثم جاء ذروة الانحدار في يناير 2021 حين رفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات  امام  جو بايدن .
وأشعل بخطابه انصاره الذين  اقتحموا مبنى الكابيتول.محاولين إبقاء ترامب في الحكم بالقوة الشعبوية..
لم يعد الخطر هنا سياسيًا فحسب، بل نموذجيًا: إذا كانت الولايات المتحدة، مهد الديمقراطية الحديثة، تهتز بهذه السهولة، فما الذي يمنع غيرها من فعل المثل؟
وحينها، تصبح كلمات بانون نصا مقدسا. 
الزعيم فوق النص، والشرعية تُستمد من الخوف لا من الدستور...
إوذا كانت “العدوى السلطوية” تنتقل عبر الخطاب والإعلام، فإن علاجها لا يكون إلا ببناء مناعة فكرية ومؤسساتية داخل المجتمعات.
التاريخ يعلّمنا أن الديمقراطية لا تُحمى بالقوة فقط، بل بالوعي العام الذي يدرك خطورة الانجراف وراء الأصوات التي تخلط بين “الزعامة” و“القدر”.
أول هذه المناعات هي التربية المدنية — أي إعادة ترسيخ فكرة أن الدستور ليس نصًا جامدًا، بل عقدًا بين المواطن والدولة، وأن “الإرادة الشعبية” لا تُمارس إلا عبر القانون لا ضده.
وثانيها الإعلام المستقل، الذي يُعيد التوازن إلى الفضاء العام ويكسر هيمنة الخطاب الشعبوي الذي يُقدّم الزعيم على المؤسسة.
أما ثالثها فهي المجتمع المدني الواعي، الذي يحرس الحريات الصغيرة قبل أن تضيع الكبرى.
لا يكفي أن ندين التصريحات التي تدعو لخلود الحاكم.

 بل يجب أن نفهم بنيتها العاطفية والنفسية: لماذا تنجح في الإقناع؟
ولماذا يجد الناس في “القائد المنقذ” ما لا يجدونه في المؤسسات؟
من دون هذا الفهم، سنظل نُطارد أعراض السلطوية بينما أصل الداء باقٍ في بنية الوعي السياسي نفسه.

في النهاية، تظل كلمات بانون اختبارًا لصلابة القيم الديمقراطية في العالم كله.
فإن كان “الزعيم” يستطيع أن يعيد تعريف الدستور بإشارة منه 
فالمشكلة ليست فيه وحده، بل في جمهورٍ نسي أن الديمقراطية لا تقوم على الأبطال، بل على القواعد.
وعندما تتوازن الكفتان — بين الحاكم  والقانون — فقط حينها يمكن أن نقول إن العدوى قد انحسرت، وأن العالم بدأ يستعيد مناعته من جديد.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: النظام الدستوري الأمريكي ترامب الذی ی التی ت

إقرأ أيضاً:

أبرز الولايات التي نشر فيها ترامب قوات الحرس الوطني

وفي كل حالة، تحدى معارضة شديدة من عمداء المدن الديمقراطيين وحكام الولايات، الذين يقولون إن مزاعم ترامب عن الفوضى والعنف لا تعكس الواقع. في هذا العرض نتعرف على أبرز الولايات التي نشر فيها ترامب قوات حرس وطني وردود الفعل المقابلة.

Published On 23/10/202523/10/2025|آخر تحديث: 12:38 (توقيت مكة)آخر تحديث: 12:38 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • مستشار ترامب السابق يتهم الـCIA بالتواطؤ مع الموساد.. كذبوا بشأن حماس (شاهد)
  • ماذا نعرف عن جون بريسلو الذي رشحه ترامب ليكون سفير الولايات المتحدة لدى قبرص؟
  • أبرز الولايات التي نشر فيها ترامب قوات الحرس الوطني
  • تحليل.. من يقود غزة في الوقت الذي يقوم ترامب برعاية نتنياهو؟
  • الرئيس الكولومبي يعلن أنه سيدافع عن نفسه قانونيا ضد ترامب في الولايات المتحدة
  • الرئيس الأوكراني: فكرة ترامب بشأن التوقف عند خطوط القتال الحالية تسوية جيدة
  • مديحة حمدي: سميحة أيوب كانت صندوقي الأسود واحترم الزعيم عادل إمام
  • الكيان الذي يلتهم نفسه.. مرآة الخوف في مجتمعٍ بلا روح
  • بعد انتخابه.. تعرف على الصلاحيات التي يمنحها الدستور لرئيس مجلس الشيوخ