مع وصول عدد الموظفين في القطاع العام العراقي إلى ما يقارب 5 ملايين موظف، باتت وزارات الدولة تعاني من ترهّل وظيفي كبير يعرقل عمليات الإنتاج ويرهق خزينتها، ويستنزف أكثر من نصفها، في حين لا تحقّق مؤسساتها الصناعية والتجارية والمالية عائدات تكفي على أقل تقدير لتأمين رواتب العاملين فيها.

تحول التوظيف لـ"أداة إعالة جماعية"
كشف عضو اللجنة القانونية النيابية، النائب سالم إبراهيم العنبكي، في وقت سابق، عن وصول العراق إلى ذروة الترهل الوظيفي، وهو ما يهدد خزينة الحكومة التي تعتمد بنسبة 93 بالمئة من إيراداتها على بيع النفط الخام.

ووفق حسابات وزارة المالية ومتابعات صندوق النقد الدولي، تستهلك الرواتب والأجور أكثر من 60 بالمئة من الإنفاق الجاري، بشكل تصاعدي، وهو توزيع يُفرغ الموازنة المالية للبلاد من وظيفتها التنموية، ويحوّلها إلى أداة "إعالة جماعية".

وتتجسد في بعض مؤسسات الدولة مشاهد توصف بالـ"الدرامية" بسبب اكتظاظ الموظفين داخل الغرف، حيث إن بعض الموظفين لا يجدون مكاناً يجلسون فيه، وآخرون يتناوبون على الجلوس، فيما يضطر بعضهم إلى شراء المقاعد وجلبها للمؤسسة عقب تدوين أسمائهم عليها كي لا يشغلها سواهم.

وفي السياق نفسه، يعود إقبال المواطنين على الوظائف الحكومية لأسباب عديدة، منها تفشي البطالة وعدم وجود دعم حكومي للقطاع الخاص أو قانون ينظم عمله، إضافة إلى الراتب التقاعدي الذي تضمنه الحكومة للموظفين.

الدولة الأكبر بعدد الموظفين
في تقرير نشرته مؤسسة "عراق المستقبل" المعنية بالشؤون الاقتصادية، كشف التقرير أنّ: "العراق يعد الدولة الأكبر عددًا بالموظفين الحكوميين نسبة إلى مجمل القوى العاملة، واستنادًا إلى دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية. هذا واقع لا يُعدّ إنجازًا في حد ذاته، بل مؤشر على أزمة هيكلية في بنية الاقتصاد العام للدولة".

المستشار الاقتصادي، زياد الهاشمي، وفي تصريح خاص لـ"عربي21"، أكد بالقول إنّ: "جذر هذه المشكلة يعود لضعف دعم الحكومة العراقية لتوسع القطاع الخاص، والذي كان يمكن أن يخلق عشرات الآلاف من الوظائف التي تستقطب شريحة واسعة من الباحثين عن عمل".

وأضاف المستشار الهاشمي لـ"عربي21"، أنّ: "تطوير القطاع الخاص كان من الممكن أن يخفّف من عبء التوظيف عن الحكومة، الأمر الذي خلق طبقة وظيفية حكومية زائدة عن الحاجة، باتت تشكل إرهاقًا مزمنًا للمالية العامة للدولة، والتي تعاني أساسًا من انخفاض في مستوى العوائد نتيجة انخفاض أسعار النفط"، لافتا إلى أن العراق تجاوز كل الدول العربية في حجم التوظيف الحكومي بالنسبة لعدد السكان، في حالة مرضية مزمنة التي تضرب عمق الاقتصاد العراقي".

وبحسب تقديرات حديثة، فإنّ مؤسسات الدولة العراقية تضم أكثر من خمسة ملايين موظف حكومي، أي ما يتجاوز 11 بالمئة من مجموع السكان، في حين لا تتجاوز النسبة في مصر ذات الـ116 مليون نسمة 5 بالمئة، وتنخفض في السعودية إلى 3 بالمئة، وفي الجزائر إلى 2 بالمئة، فجوة لا تعبّر فقط عن توسّع الجهاز الإداري العراقي (المستهلك وليس المُنتج)، بل تكشف تحوّل الوظيفة العامة إلى أداة سياسية واجتماعية قبل أن تكون اقتصادية أو خدمية، وفق ما أكده الخبير الهاشمي.

???? العراق يتجاوز كل الدول العربية في حجم التوظيف الحكومي بالنسبة لعدد السكان، في حالة مرضية مزمنة تضرب عمق الاقتصاد العراقي!

???? حيث سجل العراق أكثر من 5 مليون موظف حكومي بنسبة تتجاوز 11% من عدد السكان في حين ان مصر سجلت 5% وهي صاحبة 116 مليون نسمة، والسعودية 3% والجزائر 2%!

????… pic.twitter.com/jsXiXeHn3l — زياد الهاشمي (@ziadalhashimi) October 23, 2025
عدد الموظفين ثلاثة أضعاف الحاجة الفعلية
وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي، أحمد الأسدي، قال إنّ: "عدد الموظفين والمتقاعدين في العراق تجاوز ثمانية ملايين شخص، في رقم غير مسبوق يعكس حجم العبء المالي على الموازنة العراقية واتساع الإنفاق التشغيلي لتغطية الرواتب والمخصصات، وفقاً لمتخصصين".

وأكد في تصريح منذ نحو عامين أنّ: "عدد الموظفين بلغ ثلاثة أضعاف الحاجة الفعلية، وهو ما يطرح التساؤل عن النسبة الحالية هذا العام؟!.".



وفي السياق ذاته، أكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، عبد الله الدردري، أنّه: "من غير المنطقي وجود 8 ملايين موظف عراقي في البلد يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة، فيما يوجد في الولايات المتحدة 2.5 مليون موظف فقط رغم الكثافة السكانية لأمريكا والتي تتجاوز الـ350 مليون نسمة".



وأضاف الدردري في لقاء له مع شبكة "سي إن إن" الاقتصادية، أنّ: "هكذا أعداد من الموظفين باتت تستنزف إيرادات العراق بدلاً من ذهابها إلى الاستثمار"، مشيرا إلى أنّ: "العراق الذي يطفو على بحر من النفط يعاني من نقص في الطاقة وتدهور في الخدمات، كما وأن السكان يشكون العطش رغم وجود نهرين فيه، مشدداً على ضرورة تحسين الإنفاق الحكومي الذي يتجاهل تطوير القطاع الخاص".

استغلال العاطلين عن العمل انتخابيًا
لطالما بدت ورقة الوظائف الحكومية هي الأكثر حضوراً في الحملات الانتخابية التي تقودها القوى السياسية المختلفة في العراق طوال العشرين عاماً الماضية، حيث أعاد الاقتصاد السياسي تعريف التوظيف العام على أنه وسيلة لشراء الولاء الحزبي، وربط شرائح واسعة من المواطنين بمصالح السلطة الحاكمة.

وأكّد الخبير الاقتصادي، زياد الهاشمي. أنّ: "موارد الدولة تُستغل ليس لتعزيز الأداء أو رفع الإنتاجية، بل لغرض التكسب الشعبي وربط أكبر عدد ممكن من الناس ببقاء المنظومة السياسية".

من جهتها، النائبة السابقة في البرلمان، شروق العبايجي، قالت إنّ: "وعود التوظيف دعاية "مضللة" للشعب العراقي، ومحاولات للكسب فقط، تُطلق للناس المحتاجين". وتابعت أن "العاطلين من الشباب يتعلقون بخيط الأمل كون موقفهم ضعيف، على الرغم من علم الجميع أن موازنة البلد، كما هو معروف، لا تتحمل الوظائف الحكومية".

وأردفت أنّ: "التوظيف بات يبنى على أسس حزبية ومحاصصة، وقد أنتج مؤسسات دولة مترهلة بسبب توزيع الوظائف بين الأحزاب التي هيمنت على المشهد السياسي".

إلى ذلك، إنّْ الاستخدام السياسي للوظيفة قد أنتج ما يُعرف بالبطالة المقنّعة، حيث يشغل آلاف الموظفين مناصب بلا مهام فعلية، أو بأدوار مكرّرة داخل دوائر متضخمة إداريًا. تقديرات وزارة التخطيط نفسها تفيد بأن أكثر من نصف الوظائف العامة لا تُسهم في الناتج المحلي بصورة مباشرة، فيما كشفت دراسة أجرتها كلية اقتصاديات الأعمال في جامعة النهرين العراقية أنّ: "الإنتاجية الفعلية للموظف في العراق لا تتجاوز الـ17 دقيقة يوميًا، ما يجعل الإنفاق التشغيلي في العراق واحدًا من الأعلى في المنطقة مقارنة بحجم الناتج".

ومنذ عام 2004، أي بعد عام على الغزو الأمريكي للعراق وحتى عام 2019، بلغت نسبة الزيادة في موظفي الدولة العراقية 400 في المئة، وفق تصريح لرئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، مشيرًا إلى أنّ: "القطاع العام يشكّل ثلثي الموازنة العراقية، وتشرح مها قطّاع، منسقة العراق في منظمة العمل الدولية، بالقول إن ذلك يجعل من النسيج الاقتصادي هشًا في بلد يوظف فيه القطاع العام إحدى أعلى النسب في العالم من السكان الناشطين اقتصاديًا".


تضخم الدين وعجز الموازنة
توسّع الجهاز الوظيفي في العراق ترافق مع تضخم الدين العام وعجزٍ مزمن في الموازنة، وتشير بيانات رسمية إلى أن الديون الداخلية بلغت نحو 97 تريليون دينار، فيما تجاوزت الديون الخارجية 34 مليار دولار، جزء كبير منها مرتبط بتمويل الرواتب والمتقاعدين.

وفي إجابة على سؤال نيابي، كشف البنك المركزي العراقي أن ديون العراق الداخلية تجاوزت 91 تريليون دينار، وأوضح أنّ: "تغطية عجز الموازنة عن طريق القروض وإصدار السندات يعد غير ممكن، لكون قانون الموازنة قد أجاز لوزارة المالية إصدار سندات بسقف 5 تريليونات دينار".

أما بالنسبة للدين الخارجي، وفق الوثيقة المنشورة في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، فقال إنّ: "حجم الدين الخارجي يبلغ 54.957 مليار دولار أمريكي، بينما بلغت "قيمة السندات التي اشتراها العراق في الولايات المتحدة الأمريكية 11 مليار دولار"، حسب وثائق المركزي.



جردة حسابات أثارت لغطًا ومخاوف من تدهور الوضع الاقتصادي، مع إخفاق حكومة محمد السوداني في إرسال جداول موازنة العام 2025، الذي شارف على الانتهاء، ويرى اقتصاديون أن الدولة باتت رهينة لكتلة الرواتب، وأن أي انخفاض في أسعار النفط يهدد قدرتها على تسديدها، ما يضع الاستقرار المالي في دائرة الخطر الدائم.

يختصر زياد الهاشمي جوهر الأزمة بقوله إنّ: "الكلفة المترتبة على هذا المسار هائلة ومرهقة لمالية الحكومة، وهي السبب الرئيس في خلق العجز المالي وتوسع الدين العام"، وهذا الوصف يتجاوز الاقتصاد إلى السياسة نفسها؛ فحين تصبح الوظيفة العامة وسيلة لتوزيع النفوذ، لا أداة لبناء الدولة، تتحول كل موازنة إلى مرآةٍ للشلل الإداري.


ومع قطاع خاص شبه مشلول، وبلد بات مستهلكًا وليس مُنتجًا، بالتزامن مع ارتفاع عدد الخريجين إلى أكثر من 250 ألف خريج سنويًا، يتعثر 74 بالمئة منهم بالبطالة، أصبحت الحكومة بين قبضتي كماشة: أزمات مالية دفعتها لإيقاف التعيينات لـ 3 سنوات، وبين غضب يسود الشارع نتيجة ارتفاع نسب الفقر وعدم شعور شريحة الشباب بالاستقرار،

خاصة وأنه وفق جُملة من التقارير، المتفرّقة، إنّ: "الحكومة ما عادت قادرة على مواصلة الاقتراض لتأمين زيادة النفقات، حيث ما زال التصنيف الائتماني في العراق ضمن منطقة (الخطر المرتفع) وبدرجة واحدة عن منطقة التعثر المالي، رغم ما قيل عن تحركات رسمية عراقية لإصلاح النظام المصرفي والاقتصادي، تصنيف يطيح على المدى القريب بآمال كسب ثقة المستثمرين لتأمين تدفق المشاريع نحو البلاد، وعليه سيبقى العراق رهين مصدر تمويل واحد وهو النفط الخاضع لمتغيرات السياسة الدولية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية العراقي الموازنة العراقية العراق موازنة العراق موظفو العراق المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عدد الموظفین ملیون نسمة بالمئة من فی العراق أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

أكثر من 52 ألف جندي مفقود في الحرب العراقية الإيرانية

22 أكتوبر، 2025

بغداد/المسلة: أفادت اللجنة الدوليَّة للصليب الأحمر في العراق، الأربعاء، بأن أكثر من (52) ألف جنديٍّ من العراق وإيران في عداد المفقودين.

وأكّدت المتحدِّث الرسميُّ للجنة الدوليَّة للصليب الأحمر في العراق، هبة عدنان، في تصريح، أنَّ عمليات تبادل الرفات تتمّ ضمن الآليَّة الثلاثيَّة التي أُنشئتْ عام (2008) بموجب مذكرة تفاهمٍ في جنيف، والتي تُتيح التعاون بين العراق وإيران لتحديد هويَّة الرفات وإعادة تسليمها إلى الجهات المختصَّة.

وأضافتْ أنَّ آخر عمليَّة تبادلٍ جرتْ في الخامس من تشرين الأول الحاليّ، إذ تمّ تسليم جثمان (70) جنديّاً عراقيّاً و(48) جنديّاً إيرانيّاً فُقدوا خلال الحرب في ثمانينيات القرن الماضي، بعد استكمال الإجراءات القانونيَّة والفنيَّة اللازمة للتثبّت من هويتهم.

وأوضحتْ عدنان أنَّ الفرق الميدانيَّة تُواجه ظروفاً صعبةً ومعقدةً بسبب وقوع مواقع الدفن في مناطق نائيةٍ أو ملوَّثةٍ بالمخلّفات الحربيَّة، فضلاً عن غياب قاعدة بياناتٍ مركزيَّةٍ موحَّدةٍ، ما يُصعِّب مطابقة المعلومات والتعرّف على الهويات بدقّة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • تنظيم الاتصالات: إنتاج أكثر من 6 ملايين هاتف محليًا حتى الآن
  • أكثر من 300 ألف دولار .. سيني جونة لدعم إنتاج الأفلام يعلن الفائزين بجوائز نسخته الثامنة
  • الحكومة: انخفاض أسعار المشتقات النفطية عالميا
  • مصر.. إنتاج السجائر الشعبية يرتفع رغم التهريب وضعف الطلب.. ما القصة؟
  • رئيس الوزراء: الدولة تدعم المواد البترولية في الموازنة بـ 75 مليار جنيه
  • أكثر من 52 ألف جندي مفقود في الحرب العراقية الإيرانية
  • العراق وسوريا.. إحباط تهريب أكثر من مليون حبة كبتاغون واعتقال مطلوبين دولياً
  • اليوم ..المواجهة بين العراق والسعودية ضمن التصفيات المؤهلة لكأس آسيا للصالات
  • المالية النيابية:الحكومة الجديدة هي تعد موازنة 2026 وليس حكومة السوداني