ندوة تقدم قراءات في المصادر التاريخية ومحفوظات بيوت العلم بمحافظة ظفار
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
صلالة - عادل سعيد اليافعي
أقام المنتدى الأدبي صباح اليوم بمجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة بصلالة ندوة بعنوان «مصادر ظفار.. قراءة في المصادر التاريخية» طرحت العديد من المحاور التي شارك فيها عدد من الباحثين والمختصين بتاريخ محافظة ظفار وسلطت الضوء على كل المنابع والروافد المتعلقة بالمحافظة وطرق قراءتها وتحليلها لما تمثله من كنز وإرث تاريخي مهم.
بيوت العلم
افتتحت الندوة بورقة عمل للدكتور حسين المشهور باعمر «محفوظات بيوت العلم مصدراً للتاريخ ــ ظفار أنموذجا» ناقش فيها أهمية محفوظات بيوت العلم كمصدر أصيل من مصادر كتابة التاريخ السياسي والاجتماعي والعلمي في ظفار، بوصفها ذاكرة حية حفظت جوانب الحياة الفكرية والدينية والاجتماعية منذ قرون، مبرزا الدور التاريخي لبيوت العلم في حفظ المخطوطات الفقهية والأدبية، والوثائق الوقفية، وسجلات الأنساب، والمراسلات العلمية، والمعاهدات السياسية والقبلية، وصكوك البيوع، والعتق، والهبات، والمواريث.
الرحالة العرب
وقدم الأستاذ محمد المشيخي ورقة عمل بعنوان «ظفار في كتابات الرحالة والجغرافيين العرب» ركز فيها على كتابات الرحالة والجغرافيين العرب صورة حية عن مركز محافظة ظفار العمراني والديني والحضاري، وهوية المكان وأصالة التاريخ منهم (كابن حوقل والإدريسي وياقوت الحموي) والذين عبّروا عن شهرتها بإنتاج أجود أنواع اللبان في العالم، وتطرق المشيخي إلى شبكة الموانئ والمدن التابعة لها إذ لم تكن ظفار فيما سبق مكانا معزولا، بل كانت عاصمة إقليم يضم شبكة من الموانئ النشطة مثل مرباط الميناء الرئيس لتصدير اللبان وسمهرم (خور روري) من أقدم الموانئ التاريخية وريسوتقلعة حصينة على طريق التجارة وكذلك حاسك ميناء صغير للصيد والتبادل التجاري. وقال: «تكشف كتابات الرحالة والجغرافيين أن ظفار كانت مركزاً حضارياً متكاملاً يجمع بين العمران والتجارة والدين شبكة متكاملة من المدن والموانئ تربط البر بالبحر وأنموذجا للحاضرة الإسلامية في جنوب الجزيرة العربية، ذات استمرارية تاريخية وإشعاع ثقافي وديني».
الرحالة الغربيين
وقدم الأستاذ والباحث سالم بن أحمد سالم الكثيري الورقة الأخيرة بعنوان: «ظفار في عيون الرحالة الغربيين: تمثلات المكان والإنسان» تناول فيها صورة إقليم ظفار (المكان) وأهله (الإنسان) كما وردت في كتابات وتقارير الرحالة والمستكشفين الغربيين عبر مراحل زمنية مختلفة، بدءا من العصور القديمة وصولا إلى منتصف القرن العشرين تقريبا، وهدفت الورقة إلى الكشف عن التمثلات والصور النمطية التي شكلها الغرب عن ظفار، وتحليلها في سياقاتها التاريخية والثقافية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أنسنه الآثار واستنطاق النقوش والأحجار
أمضيت مدة يومين مستمعا لمحاضرات ثقافية وأوراق علمية غنية بالمعرفة والمعلومة عن المكتشفات الأثرية في الجزيرة العربية، خلال الندوة التي نظّمتها مجلة «أثيرت» التابعة لمركز حسن بن محمد للدراسات بالعاصمة القطرية الدوحة.
تناولت أوراق العمل كافة مناطق الجزيرة العربية من العراق وبادية الشام شمالًا، إلى اليمن وعُمان جنوبًا، كما تناولت أيضا العصور الزمنية منذ العصر البرونزي حتى العصر التاريخي.
كشف المتحدثون عن العديد من الكشوفات الأثرية المتعلقة بالحيوانات، أهمها المصائد الصحراوية وأشكالها وطريقة بنائها في بطون الأودية، كما قدّم الباحثون تفاصيل مهمة عن الحيوانات في شبه الجزيرة العربية مثل الوعول والثيران والخيول في النقوش الصخرية.
ونظرًا للمكانة الاقتصادية والدينية لتلك الحيوانات، وما مثلته من قيمة معنوية لدى مالكيها، فقد خُصّصت لها مدافن ومقابر خاصة بها، إذ كشفت العديد من الدراسات عن وجود مقابر للخيول والإبل في عدة مناطق من شبه الجزيرة.
كما استعرضت بعض الأوراق المنشآت الحجرية في عدد من المواقع الأثرية، أهمها منطقة العلا في المملكة العربية السعودية، حيث تمتد الأشكال الحجرية إلى عشرات الكيلومترات.
كدّرتنا بعض المداخلات التي أظهرت آثار الحروب والأزمات السياسية على الآثار، إذ أدّت الحروب في العراق واليمن إلى تحطيم بعض التماثيل، كما حدث عند دخول تنظيم داعش إلى الموصل وتحطيم متحف المدينة، إضافة إلى تهريب الآثار والحفر في المواقع الأثرية. فالحروب لا تؤذي البشر فحسب، بل الحجر أيضًا.
قدّمت ورقة بعنوان «الحيوانات في ظفار: دراسة لغوية وأنثروبولوجية»، استعرضت فيها الحيوانات الأسطورية في الميثولوجيا مثل: فهدت، شِرك، جُوش، سِيلول، جِذوب، بعفيرور، إضافةً إلى ورود الحيوانات الناطقة في الحكايات القديمة، إذ سُردت القصص على ألسنة الحيوانات، أبرزها الثعالب والضباع والحمير والأرانب.
كما عرضت بعض الأمثلة على أهمية الحيوانات في ظفار، وفي مقدمتها الإبل التي شكّلت العمود الفقري للنقل والحركة في ظفار. ونظرًا لتلك المكانة لدى أصحابها، فقد قُبرت الإبل في مناطق تُسمّى «بقور أييت» أي قبر الناقة، كما يُحتفظ بجماجمها في الكهوف. ولا تزال الإبل مؤثرة في الحياة الاجتماعية والثقافية في ظفار، والدليل على ذلك عادة الخطلة، التي تُمارس في جبال ظفار بداية كل موسم الصرب، إذ تنطلق قطعان الإبل من السهول إلى المراعي والغابات والمعاطن المتعارف عليها منذ القدم.
أشرتُ قبل استعراض الورقة إلى وجود مكتشفات حديثة لحيوانات منقرضة في عُمان تعود إلى ملايين السنين، مثل عظم الفك المتحجّر الذي عُثر عليه في محافظة ظفار بمنطقة عيدم عام 2018، حيث يعود العظم إلى نوع من الفيلة البدائية الضخمة يُدعى (عُمانيثيريوم ظفارينسِس)، التي عاشت على أرض عُمان قبل حوالي 35 مليون عام. كانت هذه الفيلة من أوائل الثدييات ذات الخراطيم التي ظهرت على سطح الأرض، وهي قريبة الصلة بالماموث والماستودون.
يُعرض الفك الحجري في متحف عُمان عبر الزمان، الذي يوجد به أيضا نسخة مطابقة لقبر جمل على شكل دائري، مما يدل على أن عادة قبر الجمال كانت موجودة في عُمان.
إن ما يُميّز ندوات الآثار والنقوش القديمة أنها تحاول أنسنة الجماد والمناطق الأثرية، وإعادة الاعتبار للإنسان المثقف الذي لجأ إلى الفن لتسجيل قرابينه الطقسية ومعتقداته الدينية، تلك الآثار والشواهد التي تُغري بالمشاهدة والتفرج والاطلاع عليها، إضافةً إلى كونها مادة ثقافية يمكن استثمارها بطرق عدة.
ونظرًا لوجود مكتشفات حديثة حول الحيوانات المنقرضة في سلطنة عمان، فإننا نأمل إبراز هذه المكتشفات عبر الندوات والمؤتمرات الدولية، واستضافة علماء الآثار والخبراء للاطلاع على المكتشفات العُمانية، لتُشكّل عناصر جذب سياحية وثقافية لسلطنة عمان.
محمد الشحري كاتب وروائي عُماني