لجريدة عمان:
2025-10-27@18:27:41 GMT

معركة ترامب مع فنزويلا انحراف عن التهديد الروسي

تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظفري

قد يحمل كتابٌ في المستقبل عنوانًا لافتًا: «لماذا نامت أمريكا؟» يدرس فيه مؤلفه كيف انصرفت إدارة ترامب عن مواجهة التهديد الروسي المتصاعد ضد أوروبا لتُركّز على شبكة عصابات مخدرات ضارّة، لكنها محدودة التأثير في فنزويلا. هذا الانحراف في الأولويات يظهر جليًّا في أداء الإدارة الأمريكية اليوم.

فقد أخرج من مكتب التحقيقات الفيدرالي أكثر عناصره خبرة في الأمن القومي، وتقلّصت ميزانيات الدفاع الإلكتروني في عدد من الوكالات، واستقال عشرات المحللين وضباط العمليات المخضرمين في وكالة الاستخبارات المركزية أو أٌجبِروا على المغادرة، وضعفت العلاقات مع أجهزة الاستخبارات الحليفة.

ورغم ذلك قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي: «سيواصل الرئيس استخدام كل عناصر القوة الأمريكية لمنع تدفّق المخدرات إلى بلادنا، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة».

وقد أعلن الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي أنه «فوّض» وكالة الاستخبارات المركزية تنفيذ عملية سرّية ضد فنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو. وعلّق قائلًا: «لدينا الكثير من المخدرات القادمة من فنزويلا».

المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية ويليام ج. بيرنز وصف هذا النهج بأنه «انتحار القوى العظمى»، في إشارة إلى الضرر الذاتي الذي يُلحقه ترامب بموارد الأمن القومي. وكتب في مقال له بمجلة ذي أتلانتيك: «لقد عرضنا شبكة تحالفاتنا وشراكاتنا، التي يحسدنا عليها خصومنا للخطر، حتى إننا قضينا على التمويل البحثي الذي يغذّي اقتصادنا».

ويثير تردّد ترامب في مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عسكريًا في الوقت الذي يطارد فيه مادورو حيرة حلفاء واشنطن في حلف الناتو؛ فقد حذّرت أجهزة الاستخبارات الألمانية في تقارير حديثة من أن «روسيا تنشط بقوة في اختراق القوات المسلحة الألمانية وتقويض استقرار الحلف»، كما كتب المحلل الدفاعي نيكو لانغه على منصة إكس الأسبوع الماضي.

وفي بيانٍ مشترك أصدره القادة الأوروبيون يوم الثلاثاء حذروا من «التهديد الروسي للقارة» مؤكدين أنّ «علينا أن نكثّف الضغط على الاقتصاد الروسي وصناعته الدفاعية إلى أن يصبح بوتين مستعدًا للسلام».

وزار الأمين العام لحلف الناتو مارك روته البيت الأبيض الأربعاء؛ ليناقش القضية نفسها. وبعد لقائهما أعلن ترامب فرض عقوبات جديدة على شركتين من أكبر شركات الطاقة الروسية قائلًا من المكتب البيضاوي: «إنها عقوبات هائلة وضخمة جدًا». لكن هذه العقوبات تظل بعيدة عن الصواريخ المجنّحة وغيرها من الخطوات العسكرية التي طالبت بها أوكرانيا. ولا يبدو أن العقوبات وحدها كفيلة بدفع بوتين إلى مائدة السلام.

واليوم يشعر الأوروبيون أنهم في مرمى النار بلا درعٍ أمريكي كافٍ؛ إذ أشار تحليل صادر عن مركز دراسة الرئاسة والكونغرس إلى أن «دولًا أوروبية عديدة تعرّضت لموجات متتالية من الهجمات السرية التي نظّمتها موسكو». وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تتعرض لهجمات مماثلة؛ فإن التقرير يحذر من أن تلك الهجمات «ستكون أسهل تنفيذًا بسبب تفكيك الوكالات الفدرالية الأمريكية التي كانت مكلّفة سابقًا برصدها ومنعها».

وفي الوقت الذي تحشد فيه الإدارة الأمريكية مواردها العسكرية والاستخباراتية في الكاريبي لمواجهة مادورو تُقلّص تمويل أولوياتٍ أمنية أكثر جوهرية. فعلى سبيل المثال؛ تراجع عدد موظفي وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية من 3300 موظف عند تولي ترامب الحكم إلى 2200 فقط؛ وفقًا لما ذكره السيناتور أنغوس كينغ من ولاية مين. وقال كينغ هذا الأسبوع: «نحن نُجرّد أنفسنا من السلاح من طرفٍ واحد في مواجهة تهديدٍ متصاعد».

وأوضح أن لجنة الفضاء الإلكتروني التي شارك في رئاستها أصدرت تقريرًا هذا الشهر يُظهر أن نسبة التوصيات التي وُضعت عام 2020 ونُفِّذت بالكامل انخفضت من 48% إلى 35% خلال العام الماضي. وأضاف أن مشاريع الدفاع السيبراني في وزارة الخارجية وغيرها من الوكالات أُلغيت أو خُفّضت ميزانياتها بشدة.

وفي خطابٍ ألقاه الشهر الماضي حذّر السيناتور الديمقراطي مارك وورنر نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ من أن «نزاهة استخباراتنا يُضحّى بها على مذبح المصلحة الحزبية». وأشار إلى مثالٍ على ذلك وهو إقالة مسؤولَين في المجلس القومي للاستخبارات؛ بسبب تقاريرهما المبنية على أدلة خلصت إلى أن شبكة الجريمة الفنزويلية (ترين دي أراغوا) لا تُدار مباشرة من قِبل مادورو كما أرادت الإدارة أن تُصوّر. وبدلاً من قبول التقييم المهني أمرت الإدارة بإعداد تحليلٍ جديدٍ يدعم روايتها السياسية.

كما يوثّق هذا التطهير في صفوف قيادات الأمن القومي شكوىً مكونة من 68 صفحة رفعها الشهر الماضي ثلاثة من كبار مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي السابقين من بينهم براين دريسكول ضد مدير المكتب كاش باتيل وعددٍ من مسؤولي الإدارة.

ويزعم دريسكول أنه قبل تنصيب ترامب سأله أحد أعضاء فريق الانتقال الرئاسي -واسمه بول إنغراسيا- عمّا إذا كان قد صوّت لترامب، وهل ينوي معاقبة عملاء المكتب الذين شاركوا في مداهمة مقر «مارالاغو» التي عُثر خلالها على وثائق سرّية. وقد سحب إنغراسيا هذا الأسبوع ترشيحه لرئاسة مكتب المستشار الخاص؛ بسبب معارضة مجلس الشيوخ.

ويقول دريسكول في الشكوى: إنه رفض الإجابة على الأسئلة السياسية، ورفض الضغوط للانتقام. وتضيف الشكوى أن باتيل قال له في أوائل أغسطس: «إنّ مكتب التحقيقات حاول أن يزجّ بالرئيس في السجن، وهو لم ينسَ ذلك». وبعد ثلاثة أيام فُصل دريسكول من عمله.

ومع رحيل هذا العدد الكبير من قيادات الأمن القومي ومكافحة الإرهاب والاستخبارات الخارجية والدفاع السيبراني «يخشى كثيرون أن يقع هجوم كبير أو حادث ذو خسائر جماعية يعجز المكتب عن كشفه في الوقت المناسب» كما قال لي أحد خبراء الاستخبارات.

إن تسييس أجهزة الاستخبارات الأمريكية بدأ يُضعف ثقة الشركاء الدوليين. فقد قال رئيسا جهازي الاستخبارات الهولنديين لصحيفة محلية الأسبوع الماضي: إنهما قلّصا مستوى المعلومات التي يتبادلانها مع وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي الأمريكيتين.

وأوضح بيتر ريسينك رئيس الاستخبارات العسكرية قائلاً: «أحيانًا لا نخبرهم ببعض الأمور، نعم هذا صحيح». وأضاف إريك آكيربوم، رئيس جهاز التجسس المدني: «نحن حذرون جدًا من تسييس الاستخبارات ومن انتهاكات حقوق الإنسان». وعلى الرغم من أن التعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الثلاث الأخرى الناطقة بالإنجليزية في إطار تحالف العيون الخمس يُعدّ شبه مبرمج في منظومة الأمن الغربي؛ فإن بعض هذه الأجهزة بدأت -وفق تقديرات أمريكية- تتحفّظ في مشاركة المعلومات مع واشنطن.

ويشعر كبار مسؤولي الاستخبارات السابقين بالقلق؛ لأن ترامب يتردد في مواجهة الهجوم الروسي الهادف إلى إخضاع أوكرانيا وتقويض الناتو بينما يُركّز بدلاً من ذلك على شنّ عمليات عسكرية ضد عصابات المخدرات ومادورو.

وبصرف النظر عن اختلال الأولويات فإن العمليات السرّية لوكالة الاستخبارات في أمريكا اللاتينية نادرًا ما كانت نهاياتها سعيدة. ويزداد الأمر سوءًا في فنزويلا حيث يدعم الجيش الفاسد نظام مادورو، وتفتقر الولايات المتحدة إلى حركات تمردٍ محلية مدرّبة يمكن الاعتماد عليها في حين يتلقى النظام دعمًا استخباراتيًا وعسكريًا قويًا من كوبا وإيران.

وحذّر جاك ديفاين الضابط البارز السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الذي أشرف على عدة عمليات سرّية في أمريكا اللاتينية من الافتراضات الساذجة بإمكانية «إشعال شرارة» تُسقط النظام. وقد قال لي: «لا تنفّذُ عملية سرّية دون دعمٍ من الكونغرس وقوة محلية قوية. وإن قررت الدخول فافعلها بحزم، لا بنصف تدخّل. وإلا فإنك تفتح صندوق باندورا».

بطبيعة الحال؛ لن يكون ترامب أول رئيسٍ يستخدم هجومًا صغيرًا للتغطية على انسحابه من أزمة أكبر. فالرئيس رونالد ريغان بعد مقتل جنود المارينز الأمريكيين في بيروت عام 1983 شنّ هجومًا على جزيرة غرينادا الصغيرة.

لكن حين ننظر إلى خريطة التهديدات في العالم يبدو أن ترامب يقلب الأولويات رأسًا على عقب.

ديفيد إغناتيوس كاتب في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست. وآخر مؤلفاته رواية (المدار الشبح).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وکالة الاستخبارات المرکزیة الأمن القومی

إقرأ أيضاً:

فنزويلا تعلن اعتقال مرتزقة “مرتبطين مباشرة” بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية

الثورة نت/وكالات أعلنت الحكومة الفنزويلية “اعتقال مجموعة من المرتزقة المرتبطين بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية”، وحذّرت من “عملية سرية يجري التخطيط لها في مياه البحر قبالة ترينيداد وتوباغو، والتي ستُستخدم ذريعةً لشن هجوم على الجمهورية” الفنزويلية. ونشرت ديلسي رودريغيز، نائبة الرئيس الفنزويلي، بيانًا عبر قناتها على تطبيق “تلغرام”، جاء فيه، وفق ما أوردته وكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء اليوم الاثنين،: “تعلن فنزويلا أنها اعتقلت مجموعة من المرتزقة بمعلومات مباشرة من وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي إيه”. تؤكد أن يتم التحضير لهجوم تحت “علم زائف” في المياه المجاورة لترينيداد وتوباغو، انطلاقًا من الأراضي الترينيدادية أو الفنزويلية، بهدف إثارة صراع عسكري شامل مع بلادنا”. وتشير الوثيقة المنشورة إلى أن “التدريبات العسكرية، التي نظمتها حكومة ترينيداد في الفترة من 26 إلى 30 أكتوبر الجاري، تجري تحت تنسيق وتمويل وسيطرة القيادة الجنوبية للولايات المتحدة، وتعتبرها كراكاس استفزازًا عدائيًا وتهديدًا خطيرًا للسلام في منطقة البحر الكاريبي”. تأتي هذه التصريحات، في الوقت الذي تجري فيه مناورات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وترينيداد وتوباغو في منطقة البحر الكاريبي. ووصفت نائبة الرئيس الفنزويلي المناورات بأنها “استفزاز عسكري” ضد فنزويلا، واتهمت الدولتين بـ”تصعيد” التوترات الإقليمية.

مقالات مشابهة

  • السلطات الأمريكية تحتجز البريطاني سامي حمدي بعد انتقاده إسرائيل
  • فنزويلا تعلن اعتقال «مرتزقة» مرتبطين بوكالة الاستخبارات الأمريكية
  • مناورات أم تمهيد للحرب؟ فنزويلا تضبط مرتزقة وتصف تحرّكات الاستخبارات الأمريكية بـ الاستفزاز
  • فنزويلا تعلن اعتقال مرتزقة “مرتبطين مباشرة” بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية
  • فنزويلا: اقتراب السفن الأمريكية استفزاز قد يؤدي إلى الحرب
  • فنزويلا: التدريبات العسكرية الأمريكية في ترينيداد وتوباغو استفزاز لبدء حرب
  • نتنياهو: إسرائيل حددت "القوات الدولية التي لا تقبلها" في غزة
  • كيف حاولت الاستخبارات الأمريكية تجنيد ونستون تشرشل في مهمة دعائية؟
  • الجواسيس المتحدون .. شكوك ترامب توحد الاستخبارات الأوروبية