أثر التخطيط الاستراتيجي والحوكمة على فاعلية الأداء المؤسسي
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
د. أحمد بن محمد بن راشد الهنائي
اعتمد النظام السياسي العُماني منذ بداية عصر النهضة العُمانية الحديثة مبدأ التدرج في بناء منظومة الجهاز الإداري للدولة الذي اتسم بالعقلنة الإدارية ومنطقية الأسلوب وعمق رؤية الفكر السياسي في تحقيق الموازنة بين كل من: التطورات المرحلية للمجتمع والثوابت العُمانية والاستفادة من النظريات الحديثة لعلم الإدارة.
وتجدر الإشارة إلى أن الجهاز الإداري في سلطنة عُمان قد مر بالعديد من مراحل التطوير والتحديث سواء أكان على مستوى البنية المؤسساتية في إطار الهيكلة التنظيمية أو على مستوى الاختصاصات في إطار الممارسة الوظيفية، ويمكن إجمال تلك المراحل على النحو الآتي:
أولا: مرحلة التأسيس والتكوين المؤسسي:
تتمثل هذه المرحلة في وضع اللبنات الأولى للجهاز الإداري للدولة، والتي تركزت على توفير الخدمات الضرورية لبعض القطاعات كالتعليم والصحة والكهرباء والمواصلات.
ثانيًا: مرحلة قانون تنظيم الجهاز الإداري للدولة:
تعد هذه المرحلة الانطلاقة الفعلية لبناء منظومة الجهاز الإداري للدولة، وذلك وفق منهجية اتسمت بوضع أسس وقواعد ذات بعد تخطيطي.
ثالثًا: مرحلة النظام الأساسي للدولة لعام 1996:
تعتبر نقلة نوعية كبرى في مسيرة التنمية العُمانية، وذلك بصدور أول دستور للدولة، حيث أبان هذا النظام – الدستور – على النهج السياسي العُماني في تنظيم الجهاز الإداري للدولة بأسلوب عصري وحديث يتوافق مع تطور المجتمع الداخلي ويتواكب في الوقت ذاته مع متغيرات المجتمع الدولي.
رابعًا: مرحلة التعديل الدستوري لعام 2011:
شهد هذا التعديل تطور التجربة العُمانية – بشكل عام وعلى مستوى السلطة التشريعية على وجه الخصوص – من خلال التطورات التي شهدتها السلطات العامة في الدولة، الذي ترتب عليه إجراء العديد من التعديلات الدستورية على مستوى التنظيم الإداري للدولة والتوسع في منح العديد من الصلاحيات للسلطة التشريعية – مجلس عُمان – ومن أبرز ما جاء في هذه المرحلة توسيع قاعدة المشاركة المجتمعية في القرار الوطني.
خامسًا: مرحلة النظام الأساسي للدولة لعام 2021:
أتت هذه المرحلة مع تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد، وقد شهد هذا النظام تحولاً في البنية المؤسساتية والاختصاصات الوظيفية لكافة مكونات السلطات العامة للدولة. وذلك وفق رؤية تتواكب مع أهمية التحول من النظام الإداري المركزي إلى الإدارة اللامركزية، فضلاً عن إحالة العديد من النصوص الدستورية الخاصة بالسلطة التشريعية من النظام الأساسي للدولة إلى قانون عُمان، وإعادة تنظيم منظومة القضاء العُماني وفق النصوص التشريعية التي جاءت- لاحقة- تنفيذا لهذا النظام.
سادسًا: مرحلة رؤية عُمان 2040:
صاحبت هذه المرحلة المقدم السامي لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- في توليه لمقاليد الحكم، الذي عمد إلى إعادة صياغة الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري للدولة، من خلال ترشيق الجهاز الإداري للدولة، والحد من الترهل الوظيفي لهذا الجهاز، والذي أبانت عنه التعديلات التي طالت كل من: البنية المؤسساتية والصلاحيات والاختصاصات الوظيفية لوحدات الجهاز الإداري للدولة.
وبالرغم من تطور الجهاز الإداري للدولة عبر مراحله المتعاقبة إلا أن الواقع العملي قد أبان على اعتماد غالبية الوحدات الإدارية التابعة له في ممارستها لاختصاصاتها الوظيفية الممنوحة لها بموجب المراسيم السلطانية المنظمة لها على السير بالنهج التقليدي في الممارسة الوظيفية وغياب واضح وجلي للتخطيط الاستراتيجي الذي يستهدف تحقيق معدلات انتاج محددة أو تقديم مبادرات تستهدف تحسين بيئة العمل مما أدى إلى تباطؤ سير العملية التنموية في الدولة وانعكاس ذلك على المستويان الاقتصادي والاجتماعي.
ولمعالجة ذلك ينبغي على كافة وحدات الجهاز الإداري للدولة القيام بوضع خطط استراتيجية في إطار صلاحياتها واختصاصاتها وما يتناسب ويتسق مع رؤية عُمان 2040، مع أهمية تطبيق نظام الحوكمة على الأداء المؤسسي. وهو النظام الي يتم بموجبه إخضاع نشاط الوحدات الحكومية إلى مجموعة من القوانين والأنظمة التي تستهدف تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة في إطار خطط ومستهدفات كل وحدة من وحدات الجهاز الإداري للدولة مع مراعاة ضبط العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء.
وغني عن البيان أن مبادئ نظام الحوكمة يمكن إجمالها في كل من: المساءلة، والمشاركة، والشفافية، ومكافحة الفساد، وسيادة القانون، والعدالة، والمسؤولية الاجتماعية. وهو ما أبان عنه النطق السامي لجلالته – أعزه الله – في خطابه المؤرخ 23/2/2020، بالقول: "من أجل توفير الأسباب الداعمة لتحقيق أهدافنا المستقبلية فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها، وسنعمل...".
ومما لا ريب فيه أن تطبيق مبادئ الحوكمة على منظومة العمل المؤسسي لوحدات الجهاز الإداري للدولة، سوف تعمل على تحسين بيئة العمل، ورفع كفاءة الأداء، وتحقيق العدالة، وتبسيط الإجراءات والخدمات المناطة بتلك الوحدات، والدفع بعجلة التنمية في كافة قطاعات ومؤسسات الدولة.
ومن نافلة القول أن إعادة النظر في هيكلة الجهاز الإداري للدولة من خلال إجراء التعديلات اللازمة على التنظيم المؤسسي للوحدات الحكومية، وما تتطلبه المرحلتين الحالية والمستقبلية من توافق واتساق يجمع بين دراسة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع العُماني ومستهدفات رؤية عُمان 2040، يتطلب دراسة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وكذا وجوب استحضار الخطط والبرامج الاستراتيجية للوحدات الحكومية، بغية إحداث تنمية حقيقية شاملة في إطار زمني محدد، وذلك بما يتوافق مع رؤية "عُمان 2040"، دون إغفال لما قد يطرأ من مستجدات في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي الذي قد يتطلب معه التسارع في الإنجاز وخلق المزيد من الابتكار والتحديث في منظومة العمل الإداري داخل وحدات الجهاز الإداري للدولة، دون المساس بالاختصاصات الوظيفية أو التحييد عن تحقيق أهدف الرؤية العُمانية.
والتخطيط الاستراتيجي يستوجب أن يشتمل على محورين أساسيين، هما:
1- التخطيط من حيث مضامين الاستراتيجية ومحتوياتها ومراحلها المتمثلة في التخطيط والتنظيم والتنفيذ والرقابة.
2- الإدارة بكافة مستوياتها وقطاعاتها ووسائل ممارسة وظائفها واختصاصاتها.
ولا مندوحة عن أن نظام الحوكمة المنشود لا يقتصر على أداء سير العمل التقليدي لتلك الوحدات؛ بل يتعدى ذلك ليشمل الحوكمة الالكترونية من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطويعها لتحسين بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات الإدارية في المرافق الخدمية وتجويد منظومة تدبير الشؤون العامة. ولا مناص أن نظام الحوكمة الإلكتروني يساهم بشكل كبير في تطوير بيئة الأعمال ذات الطابع المعلوماتي الذي لا غنى عنه في كافة الوحدات والمؤسسات في الدولة بقطاعيها العام والخاص.
وبالبناء على ما تقدم نخلص إلى أن تحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040" يتطلب تفعيل دور وحدات الجهاز الإداري للدولة، وذلك من خلال التراتبية الآتية:
1- إعادة النظر في هيكلة الجهاز الإداري للدولة بما يتناسب مع المرحلتين الحالية والمستقبلية، ويحقق متطلبات التنمية الشاملة في القطاعين العام والخاص.
2- وجوب قيام كافة وحدات الجهاز الإداري للدولة بوضع الخطط الاستراتيجية الفعالة في إطار اختصاصات كل وحدة ومستهدفات رؤية "عُمان 2040".
3- أهمية وجود نظام حوكمة رشيد يعمل بالتوازي مع تنفيذ استراتيجية الوحدة الإدارية بغية رفع معدل الإنتاج وتحقيق التنمية المستدامة وزيادة فاعلية الأداء المؤسسي لوحدات الجهاز الإداري للدولة.
4- إجراء تقييم مرحلي لمنظومة الجهاز الإداري للدولة وفق عناصر شاملة في كافة المجالات، مع تقييم الطبيعة العلائقية- من حيث التعاون والتوازن- لمنظومة عمل السلطات العامة الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وذلك في إطار زمني محدد، بغية تقويم الجهاز الإداري للدولة في مختلف مراحل التنمية، بما يؤدي إلى تجويد العمل المؤسسي في القطاع العام.
** دكتوراة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، رئيس مركز البحوث والدراسات الجامعية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مدرب كريستال بالاس: علينا أن نكون أكثر فاعلية أمام مرمى أرسنال
لندن «د.ب.أ»: يعتقد أوليفر جلاسنر، المدير الفني لفريق كريستال بالاس الإنجليزي لكرة القدم، أن تحسين الفاعلية أمام المرمى أمر حاسم إذا أراد فريقه الفوز على أرسنال، متصدر جدول ترتيب أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، عندما يلتقيان غدًا الأحد.
وذكرت وكالة الأنباء البريطانية "بي أيه ميديا" أن أرسنال تلقى ثلاثة أهداف فقط حتى الآن هذا الموسم، فيما يعاني كريستال بالاس من عدم استغلال الفرص رغم تصدره ترتيب "الأهداف المتوقعة" وفقا لبيانات شركة "أوبتا" للإحصاءات.
وظهر غياب اللمسة الحاسمة بوضوح يوم الخميس الماضي في ملعب سيلهرست بارك، حين خسر حامل لقب كأس الاتحاد الإنجليزي بهدف أمام فريق أيك لارنكا القبرصي في دوري المؤتمر الأوروبي.
وقال جلاسنر :"أرسنال لديه نقاط قوة كثيرة، ولكن على الجانب الآخر، وسيكون هذا مهما هناك، وربما يحدث ذلك في ملعب الإمارات، يجب أن تكون لدينا فاعلية، نحصل على فرصة أو فرصتين ونسجل هدفا أو هدفين".
وأضاف :" لا أتوقع أن تتاح لنا سبع أو ثماني فرص كبيرة، ولكن آمل أن أكون على خطأ".
ويرى المدرب النمساوي أنه من الضروري أن يظل لاعبوه متحدين بعد خيبة الأمل في دوري المؤتمر، خاصة مع الجدول المزدحم بالمباريات في الفترة المقبلة.
وأضاف :"هذا جزء من الحياة، جزء من كرة القدم، ورأيت أنهم حاولوا كل شيء حتى النهاية. مرة أخرى، لم تكن لدينا فاعلية كافية".
وأكد :"ولكن بالنسبة لي، في هذه الفترة، يحتاج اللاعبون للدعم لأنهم أشخاص رائعين".