حين تلمع الأرقام ويبهت الواقع
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
خالد بن حمد الرواحي
في كل عام، تُعلن بعض المؤسسات أرقامًا برَّاقة عن منجزاتها؛ تُغري المتلقي بعناوينها وتُدهشه بتفاصيلها، لكن خلف هذا الوهج تقف أحيانًا حقيقةٌ أكثر هدوءًا وأقل بريقًا: واقعٌ لا يشبه ما يُكتب في التقارير. فما قيمة الأرقام إن لم تترك أثرًا في حياة الناس؟ وحين تتحوّل الأرقام من وسيلةٍ لتقييم الأداء إلى أداةٍ لتجميله، تفقد معناها الحقيقي، وتتحوّل من مرآةٍ تعكس الواقع إلى ستارٍ يُخفيه.
يتضخّم الإنجاز على الورق، بينما تتضاءل نتائجه في الميدان. تُعرض المشاريع الصغيرة كتحوّلاتٍ كبرى، وتُقدَّم النجاحات الجزئية كقصص اكتمالٍ شامل. تُصمَّم المؤشرات لتقول ما يُرضي، لا ما يُعبّر، وتُجمَّل البيانات لتبدو الأمور على خير ما يُرام. وهكذا تتحوّل التقارير إلى مسرحٍ للأرقام المُنتقاة، تُرفع فيه النسب بقدر ما يُخفَض فيه الصدق. غير أنّ خلف تلك اللوحات الإحصائية مجتمعًا يراقب ويسأل بصمت: لماذا لا تشبه الأرقام الواقع؟ إنها اللحظة التي يتبدّل فيها معنى التقييم من مساءلةٍ إلى مجاملة، ومن تطويرٍ إلى استعراضٍ للأداء.
ومع مرور الوقت، تتآكل ثقة الناس بما يُعلَن، لأنهم يرون بأعينهم ما لا يجدونه في البيانات الرسمية. فالمواطن الذي ينتظر خدمةً أو مشروعًا لا يعنيه عدد التقارير التي أُعدّت؛ بل حجم النتائج التي تحقّقت. والمؤسسة التي تكتفي بتضخيم منجزاتها تُسهم – من حيث لا تشعر – في إضعاف رأس مالها الأهم: الثقة. فالثقة لا تُبنى بالتصريحات؛ بل بالواقع الذي يصدّقها. ومتى ما تحوّلت التقارير إلى غايةٍ في ذاتها، ضاع الهدف الأصيل منها: التطوير.
وعلى الصعيد الإداري، لا يكمن الخطر الأكبر في تجميل الأرقام؛ بل في القرارات التي تُبنى عليها. فحين تعتمد القيادة على تقاريرٍ منمّقة لا تعكس الواقع بدقّة، تُصبح الخطط قائمةً على وهمٍ جميلٍ بدل حقيقةٍ مؤلمة. وحين تُضلَّل البوصلة بالأرقام المزيّنة، تضيع الأولويات، ويُهدر المال العام في مشروعاتٍ تُصمَّم لمعالجة مشكلاتٍ غير موجودة، بينما تبقى القضايا الجوهرية بلا حل. والأسوأ أنّ غياب الصدق في التقارير يُربك الجهات الرقابية نفسها، فتفقد القدرة على التقييم العادل واتخاذ القرار الصائب. إنها دائرة "الإنجاز الورقي" التي تُنتج "إخفاقًا عمليًا" في ثوبٍ منمّق.
إصلاح هذه الظاهرة لا يحتاج إلى لوائح جديدة، بقدر ما يحتاج إلى ثقافةٍ إداريةٍ صادقة، تعترف بالقصور قبل أن تتغنّى بالإنجاز. فالمؤسسة التي تجرؤ على قول الحقيقة هي الأقدر على التطوير، لأنها تتعامل مع الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يبدو. تبدأ الخطوة الأولى من إعادة تعريف النجاح: ليس بما يُكتب في التقارير؛ بل بما يُلمس في الميدان. وهنا يأتي دور القادة في ترسيخ بيئةٍ تحترم الشفافية، وتكافئ الصدق، وتحوّل التقارير من وسيلةٍ للتجميل إلى مرآةٍ للتقويم. فالمعلومة الدقيقة، وإن كانت مؤلمة، تفتح باب الإصلاح، أمّا المعلومة المزيّفة فتغلقه بإحكام، لتترك المؤسسة تدور حول ذاتها في وهمٍ جميلٍ لا يغيّر من الواقع شيئًا.
ختامًا، لا تُقاس قوة المؤسسات بما تُجيده من تزيين الأرقام؛ بل بما تمتلكه من شجاعةٍ في مواجهة الحقيقة. فالثقة لا تُبنى على الدهاء الإداري؛ بل على الصدق مع الذات والناس. والمؤسسة التي تتصالح مع واقعها- مهما كان صعبًا- تضع أولى خطواتها على طريق التطوير الحقيقي. أمّا التي تكتفي بالتصفيق لتقاريرها، فإنها تسير بثقةٍ نحو المجهول. فالتاريخ لا يدوّن ما قيل في الاجتماعات؛ بل ما تحقق على أرض الواقع. والصدق، وإن أوجع اليوم، يبني غدًا لا يُوجِع أحدًا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سامسونج تطلق نظارة Galaxy XR الجديدة رسمياً وتستعرض مزايا الواقع المختلط
كشفت سامسونج اليوم رسمياً عن نظارتها الجديدة Galaxy XR، في حدث تقني لاقى صدى واسعاً بين أوساط المهتمين بالواقع الافتراضي والمزج بين العالمين الفيزيائي والرقمي.
وتأتي هذه الخطوة في إطار استراتيجية الشركة لاقتحام سوق الواقع المختلط ومنافسة عمالقة مثل آبل وميتا.
مزايا Galaxy XR: تكنولوجيا متقدمة وتجربة حسية جديدةتزود نظارة Galaxy XR بعدد من التقنيات الحديثة، أهمها شاشات عرض عالية الدقة وعدسات تفاعلية تدمج محيط المستخدم الرقمي بالحقيقي بسلاسة فائقة.
وتتيح النظارة واجهات ثلاثية الأبعاد وأدوات تواصل سمعية وبصرية متقدمة، مع حساسات للحركة تتعرف على إيماءات اليد والرأس لتقديم استجابة فورية واستخدام مريح في مختلف البيئات.
التركيز على الإنتاجية والترفيهتركز سامسونج في رؤيتها للواقع المختلط على الاستخدامات العملية والترفيهية في آن واحد.
تستهدف النظارة تطبيقات التعليم عن بعد، الاجتماعات الافتراضية، الألعاب الغامرة، وعروض التصميم الهندسي التي تتطلب استعراض النماذج ثلاثية الأبعاد بدقة عالية وتنقل سريع بين عوالم رقمية وواقعية.
دعمت الشركة إطلاق النظارة بتحالفات مع كبرى شركات البرمجيات والألعاب لتقديم محتوى مخصص وتجارب مبتكرة، مع تطوير أنظمة حماية وخصوصية متقدمة تضمن أمن بيانات المستخدمين وتمنحهم السيطرة الكاملة على تفاعلاتهم الافتراضية.
وأشارت سامسونج إلى أن Galaxy XR ستدعم تقنيات الاتصال السريع عبر شبكات الجيل الخامس، وتتكامل مع باقي أجهزة سامسونج الذكية.
توقعات السوق وآفاق المستقبليتوقع المحللون أن تشهد سوق أجهزة الواقع المختلط قفزة كبيرة عقب إطلاق Galaxy XR، لا سيما مع الاهتمام المتزايد بتقنيات التعليم والترفيه عن بعد.
وتُعد إمكانية الدمج السلس بين العالمين الحقيقي والافتراضي عاملاً حاسماً في جذب المستخدمين، فيما تعد سامسونج بتحديثات مستمرة ودعم قوي للتطبيقات وبرمجيات التطوير.