جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-01@16:45:02 GMT

كلنا فاسدون

تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT

كلنا فاسدون

كلنا فاسدون

د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

تداول الكثيرون خلال الأيام الماضية تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وتصدّر الخبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وتحدثت عنه مقالات الرأي، في تعليقاتٍ تعبّر عن استياء عام من مظاهر الهدر والتجاوزات المالية والإدارية، وعن رغبة صادقة في محاربة الفساد أينما كان.

ولا شك أنَّ الجميع يقف صفًا واحدًا ضد أي انحرافٍ يمس المال العام أو يخالف القوانين والأنظمة، لما يسبّبه من ضررٍ على العدالة والتنمية وثقة المجتمع بمؤسساته.

لكن في المقابل، لا ينبغي أن تحجب هذه المخالفات ما تحقق من منجزاتٍ ملموسة في بعض المؤسسات ذاتها أو في غيرها من مؤسسات الدولة. فكما يجب أن نكشف التجاوز، يجب أيضًا أن نُشيد بالإنجاز؛ لأن العدالة في التقييم تقتضي أن نمنح كل جهة حقها من النقد أو التقدير، دون أن يطغى أحدهما على الآخر. والإنصاف في الحكم هو أساس الإصلاح، والاعتدال في الرأي هو ما يصنع الفرق بين من يسعى للبناء ومن يكتفي باللوم. وما يُنجز من مشاريع تطويرية، أو خدمات عالية الجودة، أو برامج تسهم في تحسين حياة المواطنين، يجب أن يكون موضع تقدير وإشادة.

ومن المهم التأكيد على أن نشر التقارير وكشف المخالفات ليس إثارةً للضجيج، ولا تشهيرًا بالآخرين، بل هو نهجٌ حضاري تتبعه الدول الحديثة لترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة. فكل من يتعمد الإساءة للأمانة العامة أو يستغل موقعه لتحقيق منافع شخصية يستحق ما يُتخذ بحقه من إجراءاتٍ رادعة. والدولة، بما تمتلكه من أجهزة رقابية وعدلية، هي الرقيب الحقيقي والمسؤول الأول عن حماية المال العام واختيار القيادات القادرة على تحقيق تطلعات الوطن والمواطنين. فمحاربة الفساد تبدأ من أعلى السلم، لكنها لا تنتهي عنده، بل تمتد إلى كل مستوى من مستويات العمل العام، من أقسام التنفيذ وحتى الإدارة العليا.

وربما ما يدعو إلى التأمل، أنّ حديثًا يسود في المجتمع حول وجود فسادٍ سابق، مقرونًا بإصرارٍ متزايد على ضرورة محاسبة كل من استفاد أو تكسّب على حساب المال العام. وهو مطلب مشروع في جوهره، غير أنّ الخطر يكمن حين يتحوّل هذا الحديث إلى شعورٍ عام بالامتعاض، يزرع في النفوس قناعة بأنّ الفساد قدرٌ لا مفرّ منه، فيضعف بذلك الإيمان بقدرتنا على الإصلاح والتغيير. فالمحاسبة لا ينبغي أن تكون اجترارًا للماضي بقدر ما يجب أن تكون جسرًا نحو مستقبلٍ أفضل وأنقى، يرسخ الثقة بين المواطن والدولة، ويؤكد أن البناء ممكن حين تتوفر الإرادة الصادقة، وتتحلى النفوس بالمسؤولية والمصداقية.

لكن، هل الفساد محصور في أولئك الذين تتحدث عنهم التقارير؟ أليس في حياتنا اليومية مظاهر خفية من الفساد نمارسها نحن أحيانًا، عن قصدٍ أو عن غفلة؟ حين نقدّم مصالحنا الشخصية على مصلحة الوطن، أو نهدر الوقت في العمل، أو نتقاعس عن أداء واجبنا بإتقان، أو نستهين بالأنظمة حين لا يراقبنا أحد؟ كل ذلك وإن بدا بسيطًا هو صورة من صور الفساد التي تنخر في جسد الأوطان بصمت. وما يزيد الأمر خطورة أن بعض هذه الممارسات لا يراها البعض فسادًا أصلاً، بل "أمرًا عاديًا"، فتتسع دائرة الضرر بصمت وهدوء.

إنّ الأوطان لا تُبنى بالحكومة والسلطة وحدهما؛ بل بتكامل الجهود بين الدولة والمواطن. فحين يغيب وعي المواطن بدوره، يضيع التوازن، وتتعثر المسيرة. إنّ محاربة الفساد ليست مهمة أجهزة الرقابة وحدها، بل مسؤولية جماعية تبدأ من البيت والمدرسة والمكتب والشارع، قبل أن تصل إلى المؤسسات الكبرى. فالنزاهة لا تُفرض بالقوانين وحدها، بل تُزرع بالتربية، وتُغرس بالقدوة، وتُصان بالضمير. وكلما ترسخت هذه القيم في المجتمع، تقل الحاجة إلى الرقابة الصارمة، ويصبح الإصلاح عادةً سلوكًا يوميًا لا استثناء فيه.

والفساد لا يُقضى عليه بالمحاسبة فقط؛ بل بالإصلاح المستمر، وبناء ثقافةٍ وطنيةٍ تُعلي من قيمة النزاهة والإخلاص في العمل. فكلما أخلصنا في أداء واجباتنا، وراعينا الله في مسؤولياتنا، واقتنعنا بأنّ العمل العام أمانة لا غنيمة، اقتربنا أكثر من وطنٍ نقيٍّ من الداخل قبل الخارج. إنّ الإصلاح الحقيقي يبدأ من لحظةٍ صادقةٍ يواجه فيها كل واحدٍ منا نفسه: هل أنا نزيه فعلًا؟ هل أؤدي دوري كما ينبغي؟

 في الختام فليكن سؤالنا الصادق لأنفسنا قبل أن نوجّهه لغيرنا: هل نحن حقًا أبرياء من الفساد؟ أم أننا جزءٌ منه بصمتنا أو تبريرنا أو تهاوننا؟

فمحاسبة النفس هي البداية الحقيقية لكل إصلاح، ومن دونها ستبقى المعركة مع الفساد ناقصة، مهما كثرت الشعارات وتعددت طرق البحث والمحاسبة.

إنّ الفساد لا يعيش في مؤسساتٍ ضعيفة فقط، وإنما في ضمائرٍ خامدة، وفي عقولٍ ترى في الصمت راحة، وفي المجاملة سياسة، وفي السكوت سلامة. فحين ينهض الضمير، يسقط الفساد، وحين نُصلح ذواتنا، نُصلح أوطاننا.

وأخيرًا.. "لن ينتصر الوطن على الفساد ما لم ننتصر على أنفسنا أولًا"؛ فالمعركة الحقيقية ليست في المؤسسات والهيئات؛ بل في القلب... حيث يبدأ الإصلاح أو ينتهي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الفريق الركن “صدام حفتر”يلتقي مشايخ وأعيان قبيلة المقارحة بسبها

الوطن|متابعات

التقى الفريق أول ركن “صدام حفتر”، نائب القائد العام للقوات المسلحة، بمشايخ وأعيان قبيلة المقارحة بمدينة سبها، الذين رحبوا بزيارة نائب القائد العام، مؤكدين دعمهم المستمر للقوات المسلحة، مثمنين جهودها في تعزيز الأمن والاستقرار، ودعم مسيرة التنمية والإعمار، كما أكدوا وقوفهم المطلق خلف كافة الجهود الرامية إلى خدمة الوطن وحمايته.

وأشاد الفريق أول ركن صدام حفتر بالمواقف الوطنية المشرفة لقبيلة المقارحة، مؤكدًا أنها ظلت في مقدمة الصفوف دفاعًا عن الأرض والعرض، وقدم أبناؤها التضحيات في سبيل الوطن، وكانت وما زالت جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي الليبي وركيزة مهمة في مسيرة البناء وحماية استقرار الوطن.

الوسوم#سبها القوات المسحلة صدام حفتر قبيلة المقارحة

مقالات مشابهة

  • وزير العمل: المتحف المصري الكبير أيقونة حضارية وملحمة عمل وطنية
  • الفريق الركن “صدام حفتر”يلتقي مشايخ وأعيان قبيلة المقارحة بسبها
  • المعايطه : التعليم مسؤولية مشتركة صُرحٌ يبني الإنسان وطالبٌ يصنع الوطن
  • وزير العمل يشارك في افتتاح "نادي النادي": خطوة لتعزيز البنية التحتية الرياضية
  • هيئة الرقابة الإدارية تُعزز الوعي بمكافحة الفساد في جنوب سيناء: مسؤولية مجتمعية
  • رابطة الجامعات الإسلامية تنظم مؤتمر: “دور المرأة في التواصل الحضاري”
  • لم تتعظ من حبسها السابق.. تنبيه شديد من الاقتصادية إلى سوزي الأردنية
  • بادر والصوفي والشامي يطلعون على سير تنفيذ عدد من المشاريع في مديرية قارة بحجة
  • حاصباني: سنواصل مكافحة الفساد حتى ينتظم العمل كما يستحق أهل بيروت