نوفمبر.. مسيرة تتعاظم
تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
ما أن يحل نوفمبر من كل عام إلا وتحل معه مظاهر الفرح والسرور في كل شبر من أرض سلطنة عُمان الغالية، لقد ارتبط هذا الشهر بالفرح والاستبشار والاحتفالات التي تعم البلاد، هذا الشهر له ذكرى خاصة مرتبطة بباني النهضة المباركة المغفور له- بإذن الله تعالى- السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- القائد الذي وضع أساس الدولة العصرية وأرسى دعائم الدولة الحديثة وقام بنهضة شاملة في مختلف مجالات التنمية، لقد أخذ هذا القائد سلطنة عُمان إلى مستوى رفيع بفضل حنكته وحكمته ورؤيته السديدة، وبفضل من الله وحكمة القائد الخالد وصلت بلادنا إلى ما وصلت إليه من مكانة مرموقة عظيمة بين دول العالم.
وفي نوفمبر المجيد قبل 280 عامًا خرج الإمام المؤسس أحمد بن سعيد ليقود مسيرة توحيد البلاد بعد أن أنهكتها الحرب القبائلية والصراعات الداخلية التي فتحت أبواب الأطماع الخارجية، وقام بدحر المعتدين وكسر شوكتهم لتبدأ من صحار التاريخ قصة المسيرة الظافرة لدولة السادة البوسعيديين ولتكتب صفحة ناصعة البياض من صفحات تاريخ عُمان التليد، ولتكون مسيرة مستمرة من بدايتها إلى يومنا هذا، مسيرة روتها تضحيات وبطولات وانتصارات عظيمة لينتقل الحكم من همام إلى همام إلى أن أستقر للهيثم الذي اعتلى سنام الحكم ليكتب صفحات جديدة في ذاكرة التاريخ العُماني الأصيل.
عُمان قصة فريدة ما يزال تاريخها يُكتب ويُسطَّر بأحرفٍ من نور، وفي نوفمبر تتجدد الأحداث التي تروي قصة هذه البقعة التي تفردت بالتاريخ والمجد في آنٍ واحدٍ، وفي نوفمبر تبدأ رحلة جديدة نحو مجد جديد وإنجاز يضاف إلى ذاكرة هذا الوطن؛ فهذا الشهر له رونق خاص وسحر لا يعرفه إلا أبناء سلطنة عُمان، حيث تعزف سيمفونية الفرح وتنطلق شرارة الاحتفالات في كل أرجاء الوطن، ومعها نستعيد ذكريات النهضة الأولى ونستبشر بالمرحلة القادمة وفق رؤية واضحة الملامح من أجل مستقبل واعد للأجيال.
عندما أسرج الإمام المؤسس أحمد بن سعيد خيله، لم يكن يسعى لحكم بل كان يسعى لإنقاذ وطنه من الفتنة التي اشتعلت في ربوعه وتأججت بفعل الحاقدين، وأن يوقف الصراعات التي ذهبت بقوة الدولة وجعلتها هدفًا للأطماع الخارجية، وعندما أستقر أهل الحل والعقد على تنصيبه إمامًا لعُمان بعد أن دحر المعتدي وأذاقه مرارة الخسارة، كان يعلم أن المسؤولية عظيمة والمهمة كأداء والطريق وعر، ولكنه مضى بعزم الرجال المخلصين، وراح يؤسس لقيام إمبراطورية عظيمة قادمة، ويضع لبنات بناء عظيم سيشهد له التاريخ في المستقبل، وليمتد إلى خارج الحدود ويصل إلى أواسط أفريقيا، لقد كان هدفه إنقاذ وطنه فبنى تاريخ عظيم ودولة راسخة وأقام إمبراطورية يسمع العالم صداها من الجهات الأربع.
لقد امتلك العُمانيون البر والبحر، ووضعوا قواعدهم في كل مكان، ورست سفنهم من الصين شرقًا إلى الولايات المتحدة الأميركية غربًا، ولا تزال هناك شعوب تذكر فضل العُمانيين في تحريرها من الاحتلال، ومازال الشرق الأفريقي ينبض بعُمانيَّته، ولا تزال العمامة السعيدية تتوج بزخارفها قصة مجد لا ينكر؛ فالتاريخ الذي كتب فصوله الأجداد لا يمكن طمسه ولا يمكن تخطيه، فالدماء التي أريقت من أجل هذا التاريخ المجيد لن تجف وسوف نظل تحكي قصة العُماني الذي توشح سيفه ودرعه وسار ينسج المجد بكل عزم وإصرار.
لقد نشر العُمانيون الإسلام في أقطار عديدة، وأقاموا دولة الحق والعدل في كل بلد دخلوه، لقد كانت أخلاقهم عاملًا مؤثرًا وبشكل كبير في قبول الآخرين لهم، وكانت سيرتهم العطرة وأمانتهم في معاملاتهم التجارية والاجتماعية مضرب مثل، وقد تركوا إرثا وأثرًا إلى يومنا هذا، حيث مازلنا نشاهد اللباس العُماني والقلاع والحصون والعادات العمالية لدى عديد الشعوب التي كانت يومًا ما ضمن الإمبراطورية العُمانية العظيمة.
إنَّ التاريخ لا يُكتب مرتين ولا يُمحى من ذاكرة الزمن؛ فعندما كانت الشعوب ترزح تحت صراع القوى الاستعمارية، كانت عُمان بأسطولها البحري وبقيادة أسد البحار السيد سعيد بن سلطان تسيطر على طرق التجارة البحرية وكانت تفرض قانونها الخاص عليه، وكانت إمبراطورية يُحسب لها ألف حساب، ولم يعرف التاريخ دولة تصدت للقوى المُستعمِرة وذات الأطماع في المنطقة مثل عُمان التي كانت تستنجد بها الدول في أزماتها وفي التاريخ شواهد.
هكذا هي عُمان بتاريخها المجيد، هذا التاريخ الذي يجب أن يعرفه كل فرد وأن تفتخر به الأجيال، فهذه الدولة ذات سيادة وقوة على مر العصور، وكانت شوكة في حلوق الطامع والمحتل، وقد بذلت الكثير من الدماء والتضحيات لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، ولذلك يجب أن يكون نوفمبر ذاكرة وطنية لهذا التاريخ العظيم، ولابد من أن نكون على قدر كبير من المسؤولية لمواصلة مسيرة الآباء والأجداد نحو غدٍ أكثر إشراقًا بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي يُكمل مسيرة التقدم والازدهار بكل عزم وإصرار.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عاجل | مراسلة الجزيرة: غارة من مسيرة إسرائيلية على مدينة بنت جبيل جنوبي لبنان
التفاصيل بعد قليل..