سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي: ندعو للإصلاح وتغيير نهج المحاصصة
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
عُرف بمواقفه المناهضة للمحاصصة والفساد، وبخطاب متزن يدعو إلى الدولة المدنية والديمقراطية، كما عرف عنه عدم لهثه وراء صفقات السلطة أثناء عمله في البرلمان أو الحكومة، لكنه ظل حاضرا في المشهد السياسي العراقي كأحد القادة البارزين للحزب الشيوعي العتيد.
وُلد فهمي في بغداد مطلع خمسينيات القرن الماضي، وانخرط مبكرا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، وتعرض مثل كثير من رفاقه إلى الملاحقات، لا سيما في سبعينيات القرن الماضي، تولى عدة مواقع قيادية داخل الحزب، وهو سكرتير اللجنة المركزية وأحد الوجوه البارزة في قيادة الحزب بعد عام 2003.
شغل منصب وزير العلوم والتكنولوجيا (2010/2006)، وانتُخب نائبا في البرلمان العراقي لدورة 2018، لكنه سرعان ما استقال احتجاجا على عجز الحكومة ومجلس النواب عن تلبية مطالب ما عرفت حينها بمظاهرات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019. وحينها لفت الحزب الشيوعي الأنظار بسبب حضوره البرلماني ضمن تحالف سائرون (2018) إلى جانب التيار الصدري، في تجربة نادرة جمعت اليسار الداعي للدولة المدنية مع تيار ديني شعبوي.
حاصل على البكالوريوس والماجستير من جامعة لندن في الاقتصاد والاقتصاد الرياضي من جامعة لندن، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة في اقتصاد التنمية والاقتصاد الريعي من جامعة السوربون في فرنسا.
الجزيرة نت أجرت حوارا مع رائد فهمي عشية الانتخابات التشريعية في العراق، وسألته عن برنامجه الانتخابي وفشل الحزب الشيوعي في تحقيق نتائج تليق بتاريخه العريق الذي يمتد لعدة عقود في الدورات الانتخابية السابقة، وتحالفه مع التيار الصدري في انتخابات عام 2018 وغيرها من الأسئلة.
وفي ما يلي نص الحوار: ما أبرز ملامح برنامجكم الانتخابي؟ وما الجديد فيه؟الملمح الرئيسي لبرنامجنا الانتخابي هو أننا نعتبر أن البلد يسير على مدى أكثر من 20 عاما على نهج قائم على المحاصصة وتقاسم الدولة كغنيمة بين القوى السياسية. هذا النهج أنتج دولة ضعيفة، منقسمة، عاجزة عن مكافحة الفساد أو تقديم الخدمات، وعمّق الفوارق الاجتماعية. هذا النهج ينبغي أن نغادره وينبغي أن يحدث انعطاف في مسار العملية السياسية وفي مسار السياسات العامة. من هنا، ينطلق برنامجنا من دعوة صريحة للتغيير؛ تغيير في المنهج، قبل أي شيء آخر.. بمعنى نبتعد عن المحاصصة والطائفية السياسية كما هو متبع خلال كل هذه السنوات واعتماد نهج المواطنة وتعزيز دور الدولة، الدولة الوطنية، الدولة التي تعتمد أيضا النهج المدني وإلى جانب قضية العدالة الاجتماعية التي نوليها اهتماما خاصا لأنه خلال هذه الفترات تعمقت الفوارق الاجتماعية.
إعلانكما أن نهج المحاصصة أدى إلى استشراء الفساد وعجز الحكومات المتتالية بحكم الازمة البنيوية العامة عن التعامل مع الفساد ومعالجته كما عجزت أيضا عن بناء الدولة على أسس سليمة وتعزيز قدراتها وتوحيد كلمتها ومؤسساتها.
نسعى إلى تأكيد استقلال القرار العراقي، وهو أمر نراه مستحيلا في ظل منظومة المحاصصة التي جعلت القوى السياسية خاضعة لتأثيرات خارجية تمسّ السيادة العراقية بشكل واضح.
كما نولي اهتماما خاصا بالعدالة الاجتماعية، بعد أن تفاقمت الفوارق الطبقية واتسعت رقعة الفقر، خاصة في محافظات الوسط والجنوب. وندعو إلى إصلاح اقتصادي شامل يقوم على النهوض بقطاعات الصناعة والزراعة والنشاطات الإنتاجية وتنشيط القطاع الخاص وتحريره من الابتزاز والبيروقراطية والمحسوبية، إلى جانب إصلاح المنظومة الإدارية وتطوير قدرات الدولة الإنتاجية بعيدا عن الاقتصاد الريعي.
نهتم كذلك بتمكين المرأة وتعزيز دورها في الحياة العامة، باعتبارها ركيزة أساسية في بناء مجتمع عادل ومتوازن.
الجديد في برنامجنا أنه ذو طابع وطني ومدني وديمقراطي ويؤكد على الهوية الوطنية، ويكمن في أنه لا يقتصر على إصلاحات جزئية ضمن المنظومة الحالية، بل يسعى إلى تحول جذري في طبيعة الحكم والسياسات العامة، من دولة المحاصصة إلى دولة المواطنة والمؤسسات والقانون. نرى أن إصلاح الدولة هو المدخل الحقيقي لإصلاح الاقتصاد والخدمات وتعزيز سيادة العراق ومكانته الإقليمية والدولية، فلا يمكن تحقيق أي منجز خدمي حقيقي وأي منجز على الصعيد السياسي دون إصلاح الدولة وبنائها بشكل سريع.
نحن لا نمتلك السلاح، ولا نملك النفوذ داخل مؤسسات الدولة، ولا نملك المال الذي تمتلكه القوى المتنفذة. فالمشهد السياسي في العراق اليوم تحكمه منظومة ترتكز على تحالف المال والسلطة والسلاح، وهي التي تمسك فعليا بمفاصل القرار والنفوذ، بل وتمتد هيمنتها حتى إلى قطاعات الإعلام.
في المقابل، نحن نمثل نهجا آخر مختلفا، نخوض منافسة غير متكافئة في بيئة انتخابية تهيمن عليها أدوات التأثير غير المشروعة، من المال السياسي إلى النفوذ والسلاح، فضلا عن غياب تطبيق التعليمات والمعايير التي وضعتها المفوضية العليا للانتخابات نفسها بشأن سقوف الإنفاق والدعاية الانتخابية، إضافة إلى عدم تطبيق قانون الأحزاب واستمرار مشاركة أحزاب تملك أذرعا مسلحة في العملية السياسية.
ورغم هذه الظروف الصعبة، نخوض هذه الانتخابات بمشروع وطني معارض يواجه هذه المنظومة، مشروع يسعى إلى استعادة الديمقراطية من تشوهاتها، وإعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. نحن ندرك أن هذا الصراع هو صراع سياسي بامتياز، لأننا نقدم برنامجا يقف بوضوح ضد مظاهر الفساد، والمحاصصة، وتسييس الدولة، وهي الأسباب التي قادت إلى تآكل الثقة الشعبية وابتعاد المواطن عن المشاركة السياسية.
نعتبر أن أحد عناصر قوتنا هو تمثيلنا لصوت الرفض الشعبي الصامت، ذلك الرفض الذي غالبا ما يأخذ شكل العزوف أو مقاطعة الانتخابات. والتحدي الأكبر أمامنا هو إقناع المواطنين بالمشاركة والتصويت لصوت التغيير، لأن المقاطعة تعني عمليا بقاء الحال على ما هو عليه.
إعلانوندرك أن حصولنا على عدد محدود من المقاعد لن يمنحنا أغلبية، لكننا نؤمن بأن وجودنا في البرلمان سيكون صوتا فاعلا وكاشفا لعورات المنظومة الحاكمة، ومعبّرا صادقا عن هموم الناس وتطلعاتهم. فالقوة لا تُقاس بعدد المقاعد فقط، بل بوضوح الموقف وشجاعة الكلمة وقدرتها على إحداث الوعي والتأثير في الرأي العام.
لقد أثبتت التجارب السابقة أن الأصوات القليلة حين تكون صادقة وواضحة ومتصلة بالناس، يكون صداها أوسع من أعدادها. لذلك سنسعى إلى أن يكون حضورنا النيابي مؤثرا، يرفع وعي المواطنين بمواطن الخلل في السياسات القائمة، ويطرح في الوقت نفسه حلولا واقعية لكل ما يمسّ حياتهم اليومية، من العدالة الاجتماعية إلى إصلاح التعليم والصحة والسكن، مرورا بإصلاح الدولة والاقتصاد وتوفير إمكانية إنفاذ القانون.
إننا لا نمثل مجرد قائمة انتخابية، بل نمثل تطلعات الناس وآمالهم بدولة عادلة وقوية ومستقلة، وصوتنا في البرلمان سيكون صوت المجتمع الذي نعيش معه وننتمي إليه، لا صوت امتيازات أو مصالح ضيقة.
نحن لم نكن في حالة هادئة أو مستقرة خلال السنوات الماضية، ولا سيما خلال الخمسين سنة الأخيرة. لقد تعرض الحزب الشيوعي إلى قمع شديد وحملات كبيرة منذ عام 1978، لم تكن تستهدف أعضاءه جسديا فحسب، بل كان الهدف أيضا تصفية الحزب ماديا وتنظيميا ومنع الشيوعيين من ممارسة أي نشاط سياسي. في كثير من الحالات، وصل العنف إلى حد الإعدام، بالإضافة إلى قمع الفكر الشيوعي نفسه.
هذا القمع لم يقتصر على الأفراد، بل شمل العمق المجتمعي، حيث تم عسكرة المجتمع خلال الحروب، وغلق وتصفية كل مجالات العمل المدني والتنظيمات الديمقراطية، بما في ذلك النوادي العلمية والمجالات الثقافية، خاصة خلال فترة الحرب والحصار. كما شملت العسكرة الأنشطة الاقتصادية، وتحويلها لخدمة أغراض عسكرية، وبالتالي لم تعد هناك مساحات توفر بيئة مؤاتية للنشاط المدني أو الفكري.
وخلال فترة الحصار في تسعينيات القرن الماضي، تغيرت البنية المجتمعية والوعي العام بشكل كبير، حيث أصبح المجتمع العراقي مهتما بشكل رئيسي بتحقيق حاجاته الأساسية، بعيدا عن الأفكار السياسية أو التقدمية.
في ظل حكم حزب البعث قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003، كان الحزب الشيوعي موجودا بخلايا سرية محدودة داخل العراق، وكان له وجود علني محدود في مناطق مثل كردستان العراق، في ظل بيئة مالية وسياسية غير داعمة، ووسط مجتمع متأثر بالعوامل الإسلامية والطائفية التي هيمنت على الوعي العام.
إضافة إلى ذلك، بعد 2003 لم نخض انتخابات في ظروف متكافئة أو مناسبة، حيث كان قانون الانتخاب يصب في صالح القوى القائمة على السلطة والمال، وهذا عزز مواقعها داخل الدولة وأثر على الوعي العام، وجعلها قادرة على توظيف الطائفية والدين لتحقيق مصالحها.
وعلى الصعيد الداخلي، واجهت الحركات الشيوعية ملاحقات وضربات استهدفت إعادة بناء صفوفها وتنظيمها، وهذا أدى إلى محدودية قدراتها التنظيمية والسياسية. أما على الصعيد العالمي، فكانت المناخات الفكرية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تميل إلى أفكار الهوية والليبرالية، وليس إلى الفكر الشيوعي، ما زاد من صعوبة تحقيق النتائج المرجوة.
وعلى الرغم من ذلك، يقوم الحزب بمراجعة نفسه منذ التسعينيات، بما يشمل تحديث الخطاب والنظام الداخلي والجوانب الفكرية والسياسية، مع مراعاة التطورات العالمية وثورة الاتصالات وتأثيرها على وعي الناس وطرق التنظيم. لقد أجرينا تطويرا في آليات العمل التنظيمية والخطاب السياسي، مع الحفاظ على الجوهر الأيديولوجي للحزب الشيوعي، مع إدراك أن النظام السياسي في ظل أزمته البنيوية العميقة وسياساته المتبعة بعد 2003 لم تثبت قدرتها على تقديم حلول حقيقية لمشاكل البلاد، أو استخدام الموارد بشكل يضمن التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إعلاننحن نؤمن أن أدوات التحليل الأيديولوجي للحزب تساعد في توجيه تطوير المواقف والسياسات، والتعامل مع المستجدات والتحديات المستمرة، لضمان الاستمرارية في الإصلاح والتنظيم والعمل المدني والسياسي.
هل تخليتم عن الطبقة العاملة التي رفعتم شعار الدفاع عنها لعقود، أم أن هذه الطبقة لم تعد ترى فيكم ممثلا حقيقيا لمصالحها؟نحن لا نتخلى عن هويتنا الفكرية والأيديولوجية الأساسية، فالحزب يسعى إلى تمثيل الطبقة العاملة والتعبير عن مصالحها ومواجهة أي شكل من أشكال الاستغلال الطبقي والاجتماعي. هذا يبقى جوهر سياستنا.
لكننا نأخذ أيضا بعين الاعتبار أن العراق خلال العقود الأخيرة شهد تدهورا كبيرا في وضع الطبقة العاملة، حيث أغلقت العديد من المصانع والمنشآت الإنتاجية والصناعية، وظلت معطلة حتى الآن. في المقابل، أصبح الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل أكبر على القطاع النفطي وتصدير النفط، بينما حصة القطاع الصناعي لا تتجاوز 1.5% من الناتج المحلي، والزراعة 5–6%، وهو ما أدى إلى تراجع الدور التقليدي للطبقة العاملة.
ونتيجة لتعطل المصانع، انتقل كثير من أفراد الطبقة العاملة إلى القطاع غير المنظم، مثل العمال والباعة على الأرصفة وعمال التوصيلات (الدليفري) والخدمات المختلفة، الذين يعانون بدورهم من أشكال مختلفة من الاستغلال المباشر وغير المباشر. لذلك، نحن نعتبر هؤلاء جزءا من الطبقة العاملة الموسّعة.
كما نلاحظ زيادة أعداد الموظفين والفئات الوسطى في الاقتصاد العراقي، وهم أيضا متضررون من السياسات المشوهة والتحالف بين رأس المال الكبير والدولة والسلاح، ما أدى إلى أن يكتسب الحكم ملامح الأوليغارشية (حكم القلة) والبلوتوقراطية (حكم الأثرياء)، إذ ظهرت إلى الوجود شرائح فاحشة الثراء تعشقت مع السلطة وتتحكم في مفاصل الاقتصاد، وتستفيد من الاحتكارات والامتيازات الخاصة بالدولة، بما في ذلك التحويلات المالية والعملة، وبعض المصارف، وصولا إلى ثراء طفيلي مرتبط بالدولة وأحيانا برأس مال خارجي.
هذا التمركز الاقتصادي والسيطرة على النشاط الاقتصادي أدى إلى تفاقم التباين الاجتماعي وزيادة الفقر والبطالة، وهو ما يوسع دائرة التضرر الاجتماعي ليشمل فئات واسعة من المجتمع.
في مشروعنا، نحن لا نركز فقط على الطبقة العاملة التقليدية، بل نسعى أيضا للتعبير عن مصالح فئات اجتماعية أوسع، تشمل المتضررين من السياسات الاقتصادية والطائفية، ومن يعانون من التمييز ضد المرأة، وتفشي البطالة، والقيود على الحقوق والحريات وانتهاكها.
نحن نسعى لإقناع الناخب بالتصرف الواعي وفق مصلحته الشخصية ومصلحة الفئة التي ينتمي إليها ومصلحة المستقبل. نرفض نهج شراء الأصوات لأنه يقلل من قيمة الناخب ويهين كرامته، بينما نحن نحترم إرادته وصوته، ونسعى لتقديم برامج ورؤى ومقترحات صادقة تعكس مصالحه الحقيقية. نعتقد أن الناخبين بدؤوا يدركون مخاطر الانصياع للمصالح الظرفية المباشرة، وبدؤوا يفهمون أن من يعتمدون على شراء الأصوات هو أنفسهم المسؤولون عن استشراء الفساد، وتكدس الثروات، وإضعاف الدولة، وزيادة الفقر والبطالة والأمية، وهؤلاء المسؤولون هم أنفسهم الذين يقفون وراء تشظي الدولة وعدم فعاليتها مقابل عدم قدرتها على حماية السيادة الوطنية والوقوف ضد التدخلات الخارجية. لذلك نلاحظ أن جزءا من الوعي الشعبي يعبر عن نفسه بالابتعاد عن العملية الانتخابية والعزوف عن التصويت، وأن الذين يحاولون إغراء الناخب بمكاسب مباشرة لم تعد حيلهم تنطلي على حوالي 80% من الناخبين. نقول إن النهج الحالي والأسلوب الانتخابي المبني على شراء الذمم والأصوات يهدد المجتمع العراقي ومستقبله، لأننا يوما بعد يوم نشهد تدهور التعليم والصحة، تمركز الثروة، زيادة الفجوة بين الأغنياء والفئات الفقيرة، ضعف الهوية الوطنية، والتركيز على الهويات الطائفية والجزئية، وهو ما يضعف الدولة العراقية ويحد من قدرتها على مواجهة الضغوط والتدخلات الخارجية وحماية سيادتها. المواطن بدأ يعي هذه المخاطر، وما زالت الصعوبة تكمن في إقناعه بأن التغيير ممكن، خصوصا مع وجود القوى المسيطرة على السلطة التي تمتلك المال والسلاح والنفوذ. لذلك، أحد أهداف المشاركة في الانتخابات هو رفع الوعي لدى المواطنين، وزرع الإيمان بأن لديهم القدرة على التغيير إذا وحدوا إرادتهم وصوتوا لمن يثقون به، ولمن لديه نزاهة وصدق ويستطيع تقديم نهج آخر يخدم مصالح البلد والمواطنين.
كثير من المراقبين يرون أن تحالفكم السابق مع التيار الصدري (سائرون) كان فرصة ضائعة وأضر بكم بدلا من نفعكم، ما تقييمكم لتلك التجربة؟ إعلانبالنسبة للتحالف مع التيار الصدري في انتخابات 2018، فإن تقييم البعض له كان ضيقا، معتبرين أنه قد يضعف الحزب الشيوعي بنهجه المدني الذي يؤكد على فصل الدين عن الدولة، بينما الطرف الآخر يرتكز على الفكر الديني. هناك ملاحظات حقيقية عن بعض الممارسات السابقة للتيار الصدري التي تركت آثارا سلبية على الوعي العام، لكنها بدأت تشهد تطورات خلال السنوات الأخيرة. هذا التحالف لقي ترحيبا واسعا داخل الحزب الشيوعي بعد استطلاعات رأي داخلية، وكان له دور إيجابي في خلق ظروف أفضل في المناطق الشعبية، حيث تمكنت القوى المدنية من التحرك بحرية أكبر، وبناء علاقات إيجابية مع جمهور التيار الصدري، خاصة من الفئات الكادحة التي تشترك معنا في التوجهات البرامجية. لقد ساهم هذا التحالف في تعزيز السلم المجتمعي وخلق مناخات أفضل، ليس فقط بين التيار الصدري والحزب الشيوعي، بل بين القوى المدنية والمجتمع بشكل عام. كما ساعد في إزالة مظاهر الاحتقان، وتعزيز القيم المدنية، ومنح المواطنين، خصوصا الشباب، حرية أكبر في التعبير والمشاركة مما كان عليه الوضع سابقا.
ما الرسالة التي توجهونها إلى الناخب المتردد، الذي لم يقرر بعد لمن يمنح صوته؟نقول للناخب المتردد إن هذه الانتخابات ينبغي أن تكون خطوة نحو خلق إمكانيات أفضل لعملية الإصلاح والتغيير. صحيح أن الانتخابات ربما لا تستطيع إحداث التغيير الكامل المنشود، وإن كان هذا الهدف مطلوبا ونسعى له، لكنها يمكن أن تكون رافعة لمسار التغيير وفتح مساحات أفضل لتعزيز القدرات والمضي في طريق الإصلاح الحقيقي.
إذا كان المواطن أو الناخب يرفض القوى الحالية أو التوجهات السائدة، فإن العمل على توجيه رفضه بطريقة إيجابية يسهم في تعزيز جبهة القوى والاتجاهات التي تدعو للتغيير. أما المقاطعة أو العزوف السلبي، فهي عمليا تخدم القوى المسيطرة على السلطة، لأنها تمتلك جمهورا ثابتا وامتيازات ومساندة من الجماعات المسلحة، وهذا يجعل الأصوات المقاطعة لا تسهم في تغيير موازين القوى لصالح التغيير.
الحزب الشيوعي لم يُنشأ من أجل الانتخابات، بل نشأ للتعبير عن مصالح قوى مجتمعية تبحث عن العدالة الاجتماعية، العيش الكريم، إزالة الظلم، وتعزيز استقلال الدولة والقدرات الوطنية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الانتخابات مهمة في الحياة السياسية، لكنها ليست معيارا لوجود الحزب، بل مؤشرا للتعلم واستخلاص الدروس لتصحيح الأخطاء ومعالجة مواطن الضعف في المجتمع. كما أنها ليست وحدها أداة التغيير، فالحزب يعمل أيضا مع القوى المدنية الديمقراطية لتعزيز الحراك الاحتجاجي وبناء حركة شعبية ضاغطة من أجل التغيير المنشود.
الحزب سيبقى مستمرا وحاضرا أمينا لأهدافه ورسالة خدمة الطبقات الكادحة، الشغيلة، الطبقة العاملة، وكل الفئات المجتمعية المتطلعة للحداثة والتقدم. يواصل الحزب نشاطه في تعزيز الديمقراطية، بناء المؤسسات الدستورية، وتطويرها، ويعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوسيع التحالفات المشتركة لتحقيق هذه الأهداف ضمن مشروع وطني ديمقراطي تقدمي. أثناء هذه الحملة الانتخابية، أتيح لنا التواصل مع قطاعات مجتمعية واسعة في مناطق جغرافية مختلفة، سواء في بغداد أو محافظات أخرى. لم نتلقَّ سوى إشارات سلبية قليلة جدا، وحيثما ذهبنا ومع أي جهة مجتمعية تواصلنا معها، لاحظنا احتراما كبيرا للحزب وتقديرا لمكانته وتاريخه ولشخصياته. الحزب الشيوعي ليس حزبا معزولا؛ وعلى العكس، عند مقارنته بالأحزاب الأخرى، نجد أن معظمهم يعتمد على تقديم العطايا المادية والخدمات والمكاسب مقابل الحصول على الأصوات، ولا يمتلكون مشروعا حقيقيا، وارتبط العديد من رموزهم بالفساد وفضائح سياسية وإخفاقات في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين. نحن نرى أن الحضور المجتمعي للحزب قوي ومستمر، وحجمه الجماعي قد يتوسع تدريجيا مع مرور الوقت، خاصة في ظل تطورات في العالم قد ينظر إلى أنها كانت مستحيلة الحدوث، لكنها حدثت وآخرها فوز المرشح الديمقراطي الاشتراكي، والمسلم من أصول هندية، زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك، وهي المركز المالي العالمي، وفيها أهم بورصة بالعالم، وهو يحمل مشروعا جذريا يصفه معارضوه ومن ضمنهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالشيوعي رغم أنه غير شيوعي، ويتميز بخطاب نال تأييدا واسعا.
وعلى الصعيد العالمي، نلاحظ أن الأنظمة المالية التقليدية والرأسمالية لم تعد تجذب جماهير واسعة، كما أنها باتت مسؤولة عن كثير من الحروب والجرائم، كما حدث في فلسطين. هذا يشير إلى تحولات في الوعي العالمي والوعي في العراق أيضا، ما يمنحنا الثقة والأمل في مستقبل عملنا وفي قدرتنا على مواصلة نشاطنا بشكل متصاعد، مستجيبا للواقع المجتمعي واحتياجاته. نعمل على تطوير أساليب العمل التنظيمي والخطاب وطرق التواصل مع الناس، لتحقيق أهداف تصب في صالحهم، مثل رفع مستوى المعيشة، وتحسين الصحة والتعليم والسكن والبيئة، وحتى مستويات الدخل ومواجهة تراجع القدرة الشرائية الناتجة عن الرسوم والضرائب والرشاوى، والدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وكلها عوامل تؤثر على حياة المواطنين اليومية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات العدالة الاجتماعیة الطبقة العاملة الحزب الشیوعی التیار الصدری الوعی العام فی البرلمان على الصعید عن مصالح أدى إلى کثیر من لم تعد
إقرأ أيضاً:
كنيس فخر إسرائيل.. رمز للتهويد وتغيير معالم القدس
كنيس "فخر إسرائيل" أقيم في سبعينيات القرن الـ19 على أرض وقفية إسلامية داخل البلدة القديمة في القدس. هدمه المقاومون الفلسطينيون والعرب في نكبة 1948، ثم أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارا بإعادة بنائه عام 2014، فأصبح بشكله الجديد ثاني أعلى كنيس داخل أسوار القدس القديمة.
الموقعيقع كنيس "فخر إسرائيل" في البلدة القديمة بالقدس على مسافة لا تتجاوز 200 متر غرب المسجد الأقصى المبارك، وبالتحديد في حارة الشرف التي استولى عليها الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة 1967 وأطلق عليها اسم "حارة اليهود"، ويقطنها نحو 6 آلاف مستوطن.
ويبعد الكنيس أقل من 100 متر عن كنيس "الخراب"، أضخم المعابد اليهودية داخل البلدة القديمة، والذي افتتحه الاحتلال عام 2010.
سبب التسميةينسب اسم كنيس "فخر إسرائيل" إلى الحاخام يسرائيل بيك، الذي أشرف على بنائه في منتصف القرن الـ19.
وأطلق عليه وصف "الفخر" في محاولة رمزية لتعزيز مشاعر المجد لدى اليهود حول العالم، تزامنا مع بداية موجات هجرتهم إلى القدس، التي يزعمون أنها أرض الميعاد.
تاريخ البناءتزعم الرواية الإسرائيلية أن الحاخام يسرائيل بيك، أحد أبرز قادة اليهود في المدينة المقدسة آنذاك، أشرف على شراء أرض في حارة الشرف لبناء تجمع يهودي عليها في سبعينيات القرن الـ19، تزامنا مع تصاعد هجرتهم إلى المدينة.
فبني الكنيس على أنقاض قبر وضريح الولي المسلم الشيخ أبو شوش. واتخذت عصابات الهاغاناه الصهيونية المسلحة من المبنى ثكنة عسكرية في نكبة 1948 بسبب موقعه الإستراتيجي، واستغلته لتخزين السلاح واستهداف المقاومين، وهذا دفعهم إلى تفجيره بالمدافع.
وبقي المبنى ركاما حتى وافقت بلدية الاحتلال في القدس على مشروع إعادة بنائه، ثم في 27 مايو/أيار 2014 وضع حجر الأساس إيذانا ببدء أعمال الإنشاء.
وتطور المشروع بسرعة تحت إشراف "شركة تطوير الحي اليهودي"، بدعم من حكومة الاحتلال، إلى جانب القطاع الخاص ومتبرعين من أثرياء اليهود حول العالم، وبلغت تكلفته نحو 50 مليون شيكل (نحو 14 مليون دولا).
إعلانوشهدت مراسم وضع حجر الأساس احتفالا رسميا شارك فيه عدد من قيادات الاحتلال، بينهم رئيس بلدية الاحتلال في القدس "نير بركات" ووزير الاستيطان والإسكان "أوري أريئيل".
وأجرت سلطات الاحتلال حفريات عميقة في موقع الكنيس، وادعت أنها قادتها إلى اكتشاف آثار تشير إلى وجود "الهيكل" المزعوم، إلى جانب شواهد تعود للفترات البيزنطية والمملوكية والعثمانية.
التصميم الهندسييشغل كنيس فخر إسرائيل -ذو الهيئة المربعة- مساحة بناء تبلغ نحو 1400 متر مربع، رغم أن مساحة قطعة الأرض المخصصة له لا تتجاوز 378 مترا مربعا، إذ وظف أسلوبا معماريا يسمح بتكديس المساحات بشكل مكثف ضمن حدود الأرض نفسها.
ويرتفع المبنى 4 طوابق فوق سطح الأرض بما يفوق 24 مترا، إلى جانب طابقين تحت الأرض، وتعلوه قبة ضخمة.
وواجه المشروع مشاكل عدة قبل اعتماده بسبب مواصفاته الخارقة للمعايير، إذ يعادل ارتفاعه 3 مرات ارتفاع سور القدس القديم، بينما تفوق مساحته البنائية الفعلية مساحة الأرض المخصصة له بأكثر من 5 مرات.
ويضم الكنيس قاعات لأداء الصلوات اليهودية وبعضها معد خصيصا للنساء، إضافة إلى معرض لقطع أثرية يدعي الاحتلال أنها تعود إلى فترة "الهيكل" المزعوم.
كما يحتوي المبنى على مكتبة ومطلات زجاجية في الطابق العلوي تشرف على القدس القديمة، إلى جانب مرافق خدماتية أخرى.
تهويد المدينة المقدسةومنذ سيطرة إسرائيل على القدس عام 1967 حتى نهاية 2024، زرع الاحتلال 106 كنس يهودية في محيط المدينة، وكان آخرها كنيس "فخر إسرائيل"، الذي احتل المرتبة الثانية من ناحية الضخامة والارتفاع داخل السور القديم، بعد كنيس الخراب القائم في الحي ذاته.
ويقع الكنيس في حارة الشرف التي سيطر عليها الاحتلال بعد النكسة وهجر سكانها الفلسطينيين، مقابل إحلال أكثر من 6 آلاف مستوطن.
كما يتموضع في الزاوية الجنوبية الغربية لساحة البراق، وهي منطقة تعتبرها قرارات الأمم المتحدة وقفا إسلاميا، وهذا يجعل إقامة الكنيس عليها مخالفة للقانون الدولي.
ويشكل ارتفاعه -الذي يتجاوز سور القدس القديمة ويقارب علو مسجد قبة الصخرة- تغييرا في معالم المدينة.
كما أن تصميمه بالقباب يسعى إلى منح المبنى سمة قديمة مستحدثة تحاكي العمارة التاريخية في القدس، وهذا يغير طابع المدينة ويعزز رواية الاحتلال التوراتية في أذهان السياح الأجانب على وجه الخصوص.
إضافة إلى ذلك، فإن موقعه الإستراتيجي وارتفاعه الاستثنائي يجعلان منه نقطة مراقبة تطل على المسجد الأقصى وسكان القدس، ولا سيما من طوابقه العليا.
نفذت "سلطة الآثار" التابعة للاحتلال حفريات واسعة في منطقة الكنيس، بحجة التنقيب عن آثار تلمودية، كما خططت لإدخال تعديلات في فنائه، تتضمن نصب استراحات مظللة للزوار.
ويندرج ما سبق ضمن مخططات الاحتلال الأكبر في مشروع التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، إذ يشكل استحداث "كنيس الفخر" -إلى جانب كنيسي الخراب في الحي ذاته وخيمة إسحاق في شارع الواد داخل البلدة القديمة- وسيلة لبناء "الهيكل" المزعوم على أنقاض المعالم الإسلامية للمدينة.