غزة بين الركام والإنقسام.. لماذا يتعثر طريق الإعمار رغم الهدنة؟| خبير يجيب
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
في ظل وقف إطلاق النار ما زال هشا ومهددا بالانهيار في أي لحظة، يبدأ الغزيون بخطوات مترددة على طريق طويل نحو التعافي وإعادة الحياة إلى مدنهم المنهكة بالحرب.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور جهاد أبو لحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطيني، إن تعيش غزة في مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الاعتبارات السياسية والأمنية والإنسانية، بينما يقف اتفاق شرم الشيخ عند مفترق حاسم بين الانتقال إلى التنفيذ أو الانزلاق إلى التأجيل.
وأضاف أبو لحية- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن فبعد تسليم رفات أحد الأسرى الإسرائيليين مؤخرا، ومع بقاء خمس رفات أخرى قيد المتابعة، كان متوقعا فعلا أن يبدأ تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تشكل جوهر العملية السياسية الهادفة إلى تثبيت الاستقرار والانطلاق نحو إعادة الإعمار.
وأشار أبو لحية، إلى أن غير أن هذا الانتقال تعرض للتعطيل بفعل مستجدات سياسية وأمنية أعادت خلط مسار التنفيذ وألقت بظلالها على مستقبل التفاهمات، وأوضح أنه من الناحية الميدانية، مثل تسليم الرفات إشارة إلى اكتمال معظم الترتيبات الأمنية للمرحلة الأولى، التي نصت على انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة تمهيدا لتأسيس إدارة مدنية انتقالية فلسطينية دولية وبدء إعادة الإعمار بإشراف مشترك.
وتابع: "إلا أن الواقع الميداني الأخير يشي بعكس ذلك، إذ سجلت فجر اليوم تفجيرات واسعة في مناطق متفرقة من القطاع داخل أماكن يفترض أن ينسحب منها جيش الاحتلال مع انتهاء المرحلة الأولى، وهذه الخروقات تعد إشارة خطيرة على وجود إشكالات في الالتزام بالتفاهمات، وتزيد من ضرورة توضيح آليات المساءلة والمراقبة قبل الانتقال الكامل إلى المرحلة التالية، وفي هذا المناخ أعلنت قيادة المركز المدني العسكري مؤخرا تسلمها مهام تنسيق المساعدات والإغاثة في غزة بمشاركة أكثر من أربعين دولة وهيئة دولية، منهية الدور الإسرائيلي المباشر في إدارة المعابر وتدفق المساعدات".
وأردف: "ويعد هذا التحول خطوة إجرائية مهمة تفتح نافذة لإعادة تنظيم دخول المساعدات، غير أن إجرائية التنسيق وحدها لا تغني عن الانتقال السياسي والإداري الذي ينقل بموجبه القرار إلى هياكل مدنية انتقالية فلسطينية–دولية، شرط أن تكون مشاركة الفلسطينيين فاعلة وجوهرية داخل هذه الهياكل، موازاة مع ذلك، طرحت واشنطن مشروع قرار أمام مجلس الأمن يقضي بإنشاء قوة دولية متعددة الجنسيات تكلف بفرض الأمن وضمان الاستقرار داخل غزة".
واكمل: "وتشذ هذه الصيغة المقترَحة عن جوهر الاتفاق، إذ لا تقدم قوة مراقبة محدودة المهام، بل قوة تنفيذية مخولة باستخدام القوة والتدخل المباشر في الشؤون الداخلية، وضمن صلاحيات قد تشمل مراقبة الأجهزة الأمنية المحلية ونزع سلاح الجماعات المسلحة، وهذا الطابع يجعل منها في الجوهر "قوة فرض أمن" وليست "قوة حفظ سلام" بالمعنى التقليدي، وثمة مخاطر سياسية وقانونية واضحة في هذا الاتجاه".
وتابع: "فمنح قوة دولية صلاحيات تنفيذية داخل قطاع فلسطيني يهدد مبدأ السيادة الوطنية، وقد يحول المرحلة الانتقالية من مسار تمكين وطني إلى شكل من أشكال الوصاية الأمنية، ويزداد الخطر إذا ظل الدور الفلسطيني هامشيا في صوغ مهل وأطر عمل هذه القوة أو في عضوية المجلس الذي سيشرف عليها، إذ لا يمكن أن يكتمل أي انتقال شرعي من دون مشاركة فلسطينية حقيقية في اتخاذ القرار ومراقبته".
وأكد : "لذلك، فإن البديل المنطقي والشرعي يكمن في التمسك بمبدأ فصل المهام، ومنها: نشر قوة حفظ سلام دولية تعمل وفق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، تختص بمراقبة تنفيذ الاتفاق، وتيسير وصول المساعدات وحماية المدنيين دون التدخل في الشؤون الداخلية، بينما يناط بالأمن الداخلي جهاز شرطي فلسطيني تابع للسلطة الوطنية الفلسطينية، يعمل تحت إطار تنظيمي وإشرافي واضح من قِبَل مجلس السلام وبضمانات دولية".
واختتم: "وهذا التوازن يضمن احترام السيادة مع توفير الضمانات الدولية اللازمة لنجاح الانتقال، والمرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ تقاس بمدى تحويل الوعود إلى واقع، لا بمدى تكرار التصريحات، وتسليم الرفات كان مفصلا رمزيا، لكن الأهم الآن هو الاستجابة للواقع الميداني: وقف الخروقات، تمكين التمثيل الفلسطيني، وضبط الصيغة الدولية لتكون داعمة لا مهيمنة، فبدون ذلك لن تتجاوز المرحلة الانتقالية مفردات القواعد والقرارات، وستبقى غزة مسرحا لتجارب وصاية جديدة بدلا من أن تكون طريقا لاستعادة السيادة والكرامة".
وتعمل الجرافات والآليات الثقيلة منذ ساعات الصباح على فتح الطرق المدمرة، بينما تقوم فرق الإغاثة بجمع حطام الأبنية والركام والمعادن الملتوية التي خلفتها الغارات، مشكلة جبالا من الأنقاض على جانبي الشوارع.
وبين تلك الأكوام، تلوح بقايا حياة كانت تنبض يوما ما، وأجساد أنهكتها الحرب قبل أن تطوى قصصها تحت الرماد.
وفي هذا السياق، أفاد يوسف أبو كويك، مراسل القاهرة الإخبارية في غزة، بأن الساعات القليلة القادمة ستشهد تطورا ميدانيا بارزا في القطاع، يتمثل في عملية تسليم جثمان الجندي الإسرائيلي هدار جولدن، الذي أسر خلال حرب عام 2014 في المناطق الشرقية من مدينة رفح جنوبي القطاع.
وأوضح أبو كويك، خلال رسالة مباشرة على الهواء، أن المقاومة الفلسطينية، وبالتعاون مع طواقم الصليب الأحمر الدولي، تمكنت من انتشال جثمان جولدن من منطقة مخيم يبنا في رفح، إلى جانب جثامين ستة من مقاتلي كتائب القسام الذين كلفوا بحمايته أثناء المعارك في تلك الحرب.
وأضاف المراسل أن مراسم تسليم الرفات ستقام عند الساعة الثانية بعد الظهر، حيث سيقوم الصليب الأحمر بنقل الجثمان إلى الجانب الإسرائيلي عبر معبر مخصص لذلك، مشيرا إلى أن هذا التطور الميداني يفتح الباب أمام استحقاق إنساني جديد، إذ من المتوقع أن تعيد إسرائيل خلال الساعات المقبلة جثامين 15 شهيدا فلسطينيا، وذلك في إطار تفاهمات إنسانية ترعاها منظمات دولية لضمان استمرار المسار الإنساني بالتوازي مع التهدئة الميدانية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: غزة غزة اليوم قطاع غزة الاحتلال الإسرائيلي فلسطين مدينة رفح المقاومة الفلسطينية فی هذا
إقرأ أيضاً:
معاناة أهالي الشهداء في العثور على جثث ذويهم من تحت الركام
وكان أكثر من 20 فردا من عائلتين قد استشهدوا في قصف إسرائيلي استهدف حي تل الهوا جنوب غرب مدينة غزة.
ورغم مرور نحو عامين على تلك المجزرة وإعلان وقف إطلاق النار فإن ذوي الضحايا لم يتمكنوا حتى الآن من انتشال جثامين من تبقوا من شهداء العائلتين من تحت الأنقاض.
Published On 7/11/20257/11/2025|آخر تحديث: 14:25 (توقيت مكة)آخر تحديث: 14:25 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2شارِكْ
facebooktwitterwhatsappcopylinkحفظ