لا تبدأ الحروب بين عشية وضحاها، فالحرب أولها كلام، وتتصاعد وتيرة الشحن حتى يصل الأمر إلى المواجهة العسكرية المباشرة. وفي الحالة الألمانية فإن المواجهة السياسية والكلامية بين برلين وموسكو بدأت منذ فترة، وهي في تصاعد كبير الآن تتوه ملامحه مع أخبار غزة والسودان المفزعة. وهنا يتجاوز الموضوع الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية للحديث عن حرب مباشرة بين البلدين.
فقد انتقل الحديث في ألمانيا عن مخاوف الحرب مع روسيا إلى الاستعدادات الفعلية، حيث نشرت وكالة رويترز للأنباء قبل أسابيع أن القوات المسلحة الألمانية تجري تدريبات للاستعداد في حال شنت القوات الروسية هجوما على البلاد، وتتوقع أن تصل حصيلة الضحايا إلى ألف جريح في اليوم. كما تسابق السلطات الألمانية الزمن لتأمين ملاجئ تكفي السكان في البلاد في حال اندلعت الحرب، بعد أن خرجت معظم الملاجئ القديمة من الخدمة والتي كان عددها نحو ألفي ملجأ.
الأمر ليس تخمينات ولكن تخوفات حقيقة، إذ يرى السياسيون الألمان أن الحرب الروسية بدأت بالفعل، ولكن في إطار ما أسموه الحرب الهجينة والتي تشمل هجمات سيبرانية وعمليات استخباراتية وتجسس وتخريب لبعض المرافق واختراق مسيّرات روسية، هذا بالإضافة لحملات تضليل. ولهذا فإن استطلاعات الرأي في ألمانيا تشير إلى أن أكثر من 60 في المئة من الشعب يشعرون بتهديد حقيقي باحتمال نشوب الحرب. وتتحدث الصحف الألمانية عن أن السلطات تتوقع أن يكون تاريخ الحرب بعد نحو ثلاث سنوات في عام 2029، حيث تكون روسيا قد استكملت ترسانتها العسكرية.
وفي الحقيقة فإن الموقف الرسمي الألماني لا يكشف عن حقيقة الوضع السياسي في البلاد، وإنما يكشف عن نظرة قصيرة الأمد تتعامل مع المتغيرات الوقتية وليس مع خطط استراتيجية طويلة الأمد. فالتخبط هو شعار الدبلوماسية الألمانية بشكل عام في عدة قضايا، على رأسها العلاقة مع روسيا ومع اللاجئين وأخيرا وليس آخرا الموقف من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
فقد كشفت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أن بولندا ودول البلطيق قد عرقلتا حوارا مع موسكو لإيجاد حل للأزمة السياسية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا قبل الحرب الأوكرانية. وكانت الخطة أن تبدأ هي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حوارا مباشرا مع الرئيس الروسي الروسي فلاديمير بوتين. وهو ما ينسجم مع ما طرحه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن الغرب لا يسعى لحل دبلوماسي وسياسي لأزمة الحرب في أوكرانيا، ويكشف عن مدى انصياع الموقف الأوروبي الكامل للولايات المتحدة ولو على حساب مصالح الأمن القومي الألماني.
إن الشعب الألماني يطلق على المستشارة الألمانية السابقة "دي موتا" أو الأم باللغة الألمانية، اعترافا بحكمتها وحزمها. وهذا ليس غريبا عليها، فقد اعتادت أن تغرد خارج سرب السياسيين الألمان لما ترى فيه مصلحة بلادهاوإن تعارض مع الهوس في الرأي العام. فقد تحملت كل الهجوم عليها بعد أن فتحت أبواب ألمانيا على مصراعيها أمام اللاجئين السوريين قبل سنوات، وأثبت الأيام صحة قرارها وكيف أن هذه الخطوة قد أنقذت الاقتصاد الألماني.
إن ألمانيا دوله مركزية كبيرة في الاتحاد الأوروبي وفي القارة الأوروبية بشكل عام، وعلاقتها مع روسيا هي علاقة بين قوتين كبيرين في العالم، فإذا حدث أي خلل مميت في هذه العلاقة فإن التداعيات لن تكون محصورة جغرافيا في نطاق محدود كما هو الحال في الحرب الروسية الأوكرانية.
وألمانيا الحالية لا تزال تدفع فاتورة هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وتبعيتها للولايات المتحدة وهو وضع غير طبيعي تمر به دولة أقيمت على أطلال امبراطورية سابقة كانت دائما تلعب دور البطولة على المسرح الأوروبي والدولي.
x.com/HanyBeshr
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الحرب روسيا المانيا روسيا أوروبا حرب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب الروسیة
إقرأ أيضاً:
الصادرات الألمانية تنتعش بعد 5 أشهر من التراجع بفضل اتفاق تجاري مع واشنطن
سجّلت الصادرات الألمانية ارتفاعًا يفوق التوقعات خلال سبتمبر الماضي، مدفوعة بانتعاش قوي في التجارة مع الولايات المتحدة عقب التوصل إلى اتفاق جمركي جديد بين الاتحاد الأوروبي وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفق ما أفادت به صحيفة وول ستريت جورنال.
وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني (ديستاتيس) أن الصادرات ارتفعت بنسبة 1.4% على أساس شهري، متجاوزة تقديرات المحللين التي لم تتجاوز 0.5%، في حين قفزت الواردات بنسبة 3.1% بعد احتساب العوامل الموسمية، ما أدى إلى تقلص الفائض التجاري إلى 15.3 مليار يورو (نحو 17.7 مليار دولار)، وهو أدنى مستوى منذ أكتوبر 2024.
وأوضحت الصحيفة أن الصادرات إلى الولايات المتحدة زادت بنسبة 12% خلال سبتمبر، لتسجّل أول نمو بعد خمسة أشهر متتالية من التراجع، مستفيدة من خفض الاتحاد الأوروبي التعرفة الجمركية على السلع المصدّرة لأميركا من 20% إلى 15%. ومع ذلك، لا تزال الصادرات إلى السوق الأميركية أقل بنحو 14% عن مستويات العام الماضي.
كما واصلت الصادرات إلى دول الاتحاد الأوروبي أداءها القوي مرتفعةً بنسبة 2.5%، بينما ظلت الصادرات إلى الصين مستقرة دون تحسّن يُذكر وسط ضعف الطلب الصناعي هناك. في المقابل، ارتفعت الواردات الألمانية من الصين بنسبة 6.1%، وفق بيانات رويترز.
وقال كارستن بريزسكي، كبير الاقتصاديين في بنك "آي إن جي"، إن البيانات تشير إلى "انتعاش محدود في الاقتصاد الألماني بعد صيف صعب"، مضيفًا أن تحسّن الإنتاج الصناعي والطلبيات الجديدة يعطي إشارات إيجابية، لكنه حذّر من أن التحديات لا تزال قائمة، خاصة مع احتمال عودة تأثير الرسوم الأميركية خلال الأشهر المقبلة.
وتوقعت مؤسسات اقتصادية أن يشهد الاقتصاد الألماني تحسّنًا تدريجيًا بنهاية 2025، مدعومًا بخطط حكومية لضخ استثمارات في الدفاع والبنية التحتية، غير أن التباطؤ العالمي واضطرابات سلاسل الإمداد ما زالا يشكلان تهديدًا لاستدامة نمو الصادرات الألمانية.