علي جمعة: الجهل والكذب أصل كل انحراف وتخلف
تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT
في طرح فكري جديد يعكس عمق الرؤية الدينية والفكرية، أكد فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن ما نراه في عصرنا من انحرافات فكرية واضطرابات أخلاقية وسلوكية إنما يعود في جوهره إلى سببين رئيسيين هما الجهل والكذب، وهما أصل كل خلل يطال الإنسان والمجتمع.
وقال فضيلته في حديثه: "شاع في عصرنا أن نرى جهالاتٍ كثيرة، ونشهد خروجًا غير معقول عن المنطق وعن التفكير السليم، وكل ذلك يرجع إلى أمرين:الأول هو الجهل، الذي صار مع مضيّ الزمن جهلًا مركّبًا، إذ يعتقد أحدهم أنه على حق بينما هو في الحقيقة ليس على شيء.
والثاني هو الكذب، حيث يكذب الناس على أنفسهم، ويكذبون الحقَّ كذلك".
الجهل أصل كل انحراف
أوضح الدكتور علي جمعة أن كل ما نشهده من انحراف واضطراب فكري وسلوكي، أساسه الجهل، مؤكدًا أن الجاهل لا يضر نفسه فحسب، بل يُحدث خللًا في المجتمع بأسره.
وأضاف فضيلته أن العجب كل العجب أن نرى بعض الناس الذين يصلّون ويصومون ويؤدون العبادات، لكنهم أقل إدراكًا للواقع وأقل قدرة على عمارة الأرض ممن لا يؤمنون أصلًا، لأن هؤلاء الكافرين ـ رغم بعدهم عن الإيمان ـ قد فهموا قوانين الكون وتعاملوا معها بعلمٍ ودراسةٍ، أما المسلم الجاهل فقد غفل عن فهم السنن الإلهية التي تقوم عليها الحياة.
وقال فضيلته موضحًا: “الجهل والجاهلية هما وراء كلِّ تخلفٍ وانهيارٍ وفسق، بل يكشف الله لنا أنهما وراء كل كفرٍ كذلك. فالجهل بما نتعامل معه هو المشكلة الأساسية.”
العلم سبيل عمارة الدنيا
أكد الدكتور علي جمعة أن من أراد عمارة الدنيا فعليه أن يتعلم قوانينها وسنن الله الجارية فيها، ومن أراد أن يتفقه في الدين فعليه أن يتعلم الشريعة من مصادرها الصحيحة وألا يجهلها، ومن أراد الإيمان الصادق فعليه أن يفهم حقيقة الكون وقضية الوجود الكبرى.
واستشهد فضيلته بقول الله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ [يونس: 39]، مشيرًا إلى أن التكذيب بالحق نابع من القصور في الإحاطة بالعلم والمعرفة، وأن الإنسان حين يجهل ما لا يعرفه، يتسرع في الإنكار، فيرفض الحق دون فهم أو وعي.
وأوضح أن الجهل ليس فقط غياب العلم، بل هو ظنٌّ زائف بالمعرفة، حيث يظن المرء أنه يعلم بينما هو لا يعلم شيئًا، وهو ما وصفه فضيلته بـ"الجهل المركب".
التخصص.. طريق الإحاطة بالعلم
انتقل الدكتور علي جمعة إلى قضية أخرى شديدة الأهمية، وهي قضية التخصص في طلب العلم، موضحًا أن الله تعالى أمرنا بالرجوع إلى أهل الخبرة والعلم في كل مجال، كما قال في محكم التنزيل: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].
وبيّن أن هذه الآية تحمل إشارة بليغة إلى ضرورة التخصص، إذ لا يمكن للإنسان أن يحيط علمًا بكل ما في الكون، ولذلك جعل الله لكل مجال “أهلَ ذكرٍ” يعرفون دقائق تخصصهم ويتعمقون فيه.
وأضاف فضيلته: “قوله تعالى: ﴿يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ يشير إلى الإحاطة التي نسميها اليوم التخصص.
وليس المطلوب أن يكون الإنسان كمن يقطف زهرة من كل بستان، بل أن يحيط علمًا بتخصصه.”
الإحاطة بالعلم منهج حضاري
تحدث الدكتور علي جمعة عن مفهوم "الإحاطة" في العلم، موضحًا أنها تقوم على ثلاثة أسس:
1. إتقان قواعد التخصص وأصوله.
2. ضبط المصطلحات وفهم الأحكام والأنظمة المرتبطة به.
3. تلقي العلم عن العلماء الراسخين وأصحاب الخبرة.
وقال فضيلته: “الإحاطة لا تأتي من قراءة سطحية أو من سماع معلومة عابرة، بل من دراسة متعمقة على يد أستاذٍ متبحّرٍ في العلم، ومن متابعة منهجية للكتب والمصادر الموثوقة.”
وأشار إلى أن هذا هو المنهج الذي عرفته البشرية منذ القدم، فكانت هناك المدارس، والجامعات، والعلماء، والأساتذة، وكلها مؤسسات نشأت لتحقيق غاية واحدة، هي نقل العلم الصحيح وضمان الإحاطة به.
العلم عبادة.. والجهل آفة تهدم الأمم
واختتم الدكتور علي جمعة حديثه بالتأكيد على أن العلم عبادة، وأن طلب المعرفة هو من أعظم القربات إلى الله تعالى، لأنه سبيل الفهم الصحيح للدين والدنيا معًا، بينما الجهل آفة تهدم الأمم وتقود إلى الفتن والانقسامات والتخلف.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة الإحاطة التخصص الجهل علي جمعة الدکتور علی جمعة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: اجعلوا الرحمة نظارتكم على العالم.. منهج حياة
دعا الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إلى اعتماد "الرحمة" كمنهج شامل في قراءة العالم والنصوص الدينية والحياة اليومية.
وأكد جمعة عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك" أن على الإنسان أن يضع أمام عينيه "منظار الرحمة"، ليرى به نفسه وعلاقته بربه وبالناس وبالكون من حوله، لأن الرحمة هي جوهر العلاقة بين الخالق والمخلوق.
وأشار إلى أن أول ما بدأ الله تعالى به خطابه إلى البشر هو قوله:"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"مبينًا أن هذه الكلمات تتكرر في القرآن كله، لتؤكد أن الرحمة هي الأصل في الدين والخلق والمعاملة.
منهج الرحمة في مواجهة التشدد والعنف
وأوضح الدكتور علي جمعة أن علينا أن نحول مفهوم الرحمة إلى منهج حياة واقعي، لا مجرد شعار عاطفي، مشددًا على أن من يقرأ النصوص بروح الرحمة يجد فيها انسجامًا مع الواقع والمصالح الإنسانية والفطرة السليمة.
أما من يقرأها بعين التشدد والعنف، فإنه سرعان ما يصطدم بالواقع ويتنافى مع طبيعة الإنسان واستقراره.
وأضاف قائلاً:“النصوص بريئة، لأنها قابلة لأن تُقرأ بالرحمة، فإذا لم تُقرأ بها كان المعيب هو القارئ لا المقروء”.
النبي.. الرحمة المهداة للعالمين
وأشار عضو هيئة كبار العلماء إلى أن سيدنا محمد ﷺ وُصف في القرآن الكريم بأنه "رحمة للعالمين"، أي لجميع البشر، وليس للمسلمين فقط، قائلًا:“إن الله تعالى جعل من بداية الرسالة إلى نهايتها رحمة، ووصف بها رسوله، لتكون الرحمة هي حقيقة الدين وجوهر الرسالة.”
واستشهد بقول النبي ﷺ:“إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ”،موضحًا أن هذا يعني أن الله أهدى البشرية بهذه الرسالة رحمة شاملة تُصلح حياتهم.
الرحمة عدستان تنيران طريق الفهم
واختتم الدكتور علي جمعة حديثه قائلاً إن علينا أن نضع أمام أعيننا نظارة مكوّنة من عدستين: "الرحمن" و"الرحيم"، نقرأ بهما النصوص والواقع والسياسة والاقتصاد والفن وكل ما حولنا، فبها نرى الحقيقة بوضوح ونتجنب التشدد والانحراف.
وأكد أن الرحمة ليست ضعفاً بل قوة إنسانية، وأن الأمم التي تبني حضارتها على الرحمة والاستيعاب والعدل، هي التي تملك البقاء والاستقرار.
رحمة الله هي البداية والنهاية، والمنهج الذي يُعيد التوازن إلى الحياة. فحين نقرأ العالم بالرحمة، نقرأه بعيون الله التي تنظر إلى خلقه بحب وعدل، أما حين نقرأه بالقسوة، نفقد إنسانيتنا ونشوّه جوهر الدين.