كشف العلامة المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني خلال محاضرة علمية نظمتها حركة التوحيد والإصلاح بالعاصمة المغربية الرباط، مؤخرا، عن رؤية متجددة لمفهوم الأخلاق في الإسلام، مسلطًا الضوء على جوهر الدين الذي يرى أن الخلق قبل كل شيء، وأن الحق والأخلاق مرتبطان ارتباطًا جوهريًا بالإيمان والعمل.

وقد جاء هذا اللقاء، الذي أطره الدكتور الحسين الموس، تحت عنوان "كان خلقه القرآن"، وهو عنوان يعكس فهمًا عميقًا للنبي صلى الله عليه وسلم، كأنما جسد القرآن نفسه في أخلاقه وسلوكه اليومي، كما أكدت أمنا عائشة رضي الله عنها.



الأخلاق.. محور الدين وحقيقة الإنسان

افتتح الريسوني حديثه بالدعوة إلى تركيز جهود العلماء على التربية الأخلاقية للمسلمين، معتبراً أن ضعف الأخلاق يمثل خسارة للأمة على المستويين الفردي والاجتماعي. وأضاف أن هذه المهمة تحتاج إلى أن تبرز أهمية الأخلاق بين الناس، فلا يكفي الإيمان العقلي أو الالتزام العباداتي دون ممارسات أخلاقية متسقة مع الدين.

وأكد أن الحياء الحقيقي هو ما يحمل الإنسان على الحق ويمنعه عن الشر، وليس الحياء من قول الحق نفسه، مشيرًا إلى أن الدين كله خلق: فالإيمان خلق، والعبادة خلق، والشكر خلق. وهذا التأكيد يجعل الأخلاق ليست مجرد واجب تكميلي، بل الجوهر الذي ينعكس فيه الإيمان والسلوك العملي.

"كان خلقه القرآن".. جسد القرآن في سلوك الإنسان

أوضح الريسوني أن معنى عبارة "كان خلقه القرآن" أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم جسد القرآن عمليًا في كل تصرفاته وأفعاله، بحيث أصبح القرآن جزءًا من خلقه، لا مجرد نص للقراءة أو التلاوة. ومن هنا يمكن فهم الإيمان والأخلاق كوحدة متكاملة: فالتسليم للحقائق القاطعة، والاعتراف بها، هي فعل خلقي، والعكس صحيح؛ فالكفر يُنتج مكابرة، والممانعة للحق شكل من أشكال الخلق المضاد.

وذكر الريسوني أن النبي صلى الله عليه وسلم ربط بين الإيمان ومجموعة من الأخلاق العملية، مستدلاً بأحاديث مثل: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"، "الإيمان قيّد الفتك".

وتوضح هذه النصوص أن الإيمان ليس مجرد اعتقاد باطني، بل سلوك أخلاقي يترجم في أفعال ملموسة تصون الحقوق وتنهي عن الظلم.

الجهاد والمقاومة الأخلاقية

امتد الريسوني في تفسير العلاقة بين الأخلاق والالتزام الاجتماعي والسياسي، مؤكداً أن الجهاد، سواء كان عسكريًا أو مدنيًا أو حقوقيًا، هو موقف خلقي لنصرة المظلوم ومقاومة الظالم. وأوضح أن الجهاد في الإسلام فرع من فروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن القتال مشروع لمنع الظلم عن المستضعفين، استنادًا إلى قوله تعالى: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا"، "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان".

كما استحضر الريسوني حلف الفضول الذي وقع قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وبيّن أنه يمثل مثالًا تاريخيًا على الأخلاق والعدل في مواجهة الاستبداد والظلم، وقد أكده النبي صلى الله عليه وسلم وزكاه، ليصبح قاعدة شرعية لنصرة المستضعفين.

الأخلاق كإطار شامل للوعي والسلوك

يمكن اعتبار ما قدمه الريسوني دعوة صريحة إلى إعادة تأصيل الأخلاق في حياة المسلمين، عبر فهم الدين ليس فقط كمعرفة نظرية أو عبادات شكلية، بل كمنهج شامل: الأخلاق هي مقياس الإيمان والصدق، الحقوق والواجبات هي امتداد للأخلاق العملية، الجهاد والمقاومة هما تطبيق أخلاقي للعدل في المجتمع.

وهكذا، يقدم الريسوني رؤية متكاملة تربط بين النص القرآني، السنة النبوية، الفقه، والأخلاق اليومية، ليعيد الاعتبار للخلق كقاعدة أساسية في حياة الإنسان والمجتمع.

يقدم هذا التحليل للخطاب الأخلاقي للريسوني إعادة تأسيس العلاقة بين المعرفة والسلوك، بين الإيمان والعمل، بين الفرد والمجتمع. وهو يطرح أمام الأمة الإسلامية تحديًا حقيقيًا: أن تعيد النظر في أولوياتها، فلا تقتصر جهودها على المعرفة النظرية أو الطقوس الدينية، بل تجعل الأخلاق حجر الأساس لكل مشروع فردي وجماعي.

من هذا المنطلق، تصبح الدعوة إلى التربية الأخلاقية مسؤولية حيوية للعالم والمجتمع، فالخير والعدل ليسا اختيارًا، بل الأساس الذي يقوم عليه الدين والحياة الإنسانية المستقرة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب الذاكرة السياسية تقارير تقارير الأخلاق القرآن القرآن رأي أخلاق مكانة تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

عالم أزهري: الغيرة على الدين لا تعني الاندفاع والتهور

قال الدكتور أحمد نبوي، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، إنّ الغيرة على الدين ليست اندفاعًا ولا تهورًا، وإنما هي غيرة منضبطة تقوم على العلم والحساب ومعرفة حدود الموقف، موضحًا أن هذا هو الدرس الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه للأمة في الموقف الذي وقع فيه الصحابي الجليل أسامة بن زيد رضي الله عنه.

وأوضح الدكتور نبوي خلال لقاء تلفزيوني، اليوم الخميس، أنّ بعض الناس تظن أن أي تصرف مبني على الحماسة يُعدّ غيرة على الدين، وهذا غير صحيح؛ فالغيرة الحقيقية "تحتاج إلى علم، وإدراك، وحسن تقدير للموقف، وأن تكون مبنية على معلومات صحيحة"، لا على الطيش أو التسرع أو الاعتداء على ما في قلوب الناس، لأن القلوب لا يعلم ما فيها إلا الله سبحانه وتعالى.

أيمن أبو عمر : الرشوة جريمة مركّبة تهدم العدل وتطيح بثقة المجتمعأيمن أبو عمر: الإسلام يعلّمنا ألا نحكم إلا بالظاهر ونجعل الباطن لله وحدهوزير الأوقاف يعتمد حركة تكليفات جديدة لمديري عموم الدعوة والبر بعدد من المديرياتالحرم الذكي يدخل كليات جامعة الأزهر | تفاصيل

وأشار إلى أنّ التذرع بفكرة الغيرة على الدين لتبرير التصرفات الخاطئة لا يقرّه الدين ولا يحبه الله ولا رسوله، مؤكدًا أنّ الغيرة المحمودة هي تلك التي تدفع الإنسان لأن يتصرف تصرفًا يقرّه الشرع ويستند إلى ظاهر ثابت وواضح.

وبيّن أن من أهم الدروس التي نتعلمها من هذا الموقف النبوي أنّ على الإنسان أن يترك مساحة لـ التمس الأعذار، قائلًا: "التماس العذر أول بند نتعلمه، لأن الإنسان بطبيعته لن يرضى عن جميع تصرفات من حوله، ولذلك قالوا: التمس لأخيك المؤمن ولو سبعين عذرًا". وأضاف أن كثيرًا من الناس اليوم لا يلتمسون حتى عذرًا واحدًا.

وأضاف أن الخطأ الشائع عند البعض هو تفسير التصرف الصحيح على أنه خطأ، والتصرف الخطأ على أنه موقف صحيح، مع أن الأصل في التعامل أن يكون الحكم على ظاهر الفعل لا على الظنون أو ما يُتوهَّم في الباطن.

وأكد على أنه "إن لم نستطع حمل تصرفات الناس على محامل حسنة، فنتعامل وفق الظاهر، والله يتولى السرائر"، معتبرًا ذلك من أعظم القواعد التي تضبط الغيرة المحمودة في الدين وتمنع الانحراف بها نحو التعصب أو الاندفاع غير المقبول.

طباعة شارك الهوجاء الغيرة أستاذ أزهري التماس أزهري

مقالات مشابهة

  • أطلق عليه الرصاص وضربه بضهر المسدس..اعترافات المتهم بإنهاء حياة موظف الإسكندرية
  • القرآن أساس الوعي واستعادة استقلال الأمة .. قراءة عميقة للسيد القائد كشف عنها في العام 1438هـ
  • سـيد الـضـبع يكتب: الهوية المصرية بين ماضي الفراعنة وحاضر الإيمان
  • عالم أزهري: الغيرة على الدين لا تعني الاندفاع والتهور
  • التحذير من ترك صلاة الجمعة لمن وجبت عليه
  • القرآن الكريم .. منهج هداية وتحصين للأمة في مواجهة العدو
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي
  • عمل مذكور في القرآن لسعة الرزق والذرية الصالحة.. داوم عليه سترى العجب
  • أذكار الصباح حصن المسلم.. رددها واحفظ نفسك من الشياطين