وتشير المعطيات المتداولة في وسائل إعلام أمريكية وصهيونية إلى أن الخطة تعتمد على تقسيم قطاع غزة إلى منطقتين، عبر ما يسمى الخط الأصفر الذي يفصل القطاع إلى قسم شرقي تحت سيطرة قوات العدو الصهيوني، وقسم غربي يخضع للفلسطينيين، في مشهد يشبه جدار برلين الذي قسم أوروبا لعقود طويلة.

وبحسب صحيفة هآرتس الصهيونية، فإن الخط الأصفر يمثل حجر الأساس في مشروع غزة الجديدة، إذ يجري العمل على تحويله إلى حدود فعلية تفصل بين ما يُسمى “غزة الجديدة وغزة القديمة”، فيما تضغط واشنطن للمضي قدماً في تطبيق هذه الخارطة، رغم عدم إعلان أي جدول زمني رسمي للخطة.

وتشير الصحيفة إلى أن المرحلة الأولى من المشروع تبدأ من إعادة إعمار رفح بوصفها نقطة الارتكاز الأولى لإعادة تشكيل القطاع وفق الرؤية الأمريكية.

وفي سياق متصل، كشفت هآرتس أن الخطة الأمريكية حصلت على موافقة حكومة العدو الصهيوني خلال محادثات جرت بشكل سري، وبعيداً عن إطار المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار في غزة، ودون إشراك المؤسسات الأمنية الصهيونية أو العسكرية في تفاصيل المشروع.

وتؤكد الصحيفة أن الأطراف الدولية التي تلعب دور الوساطة لا تُبدي استعداداً لتولي إدارة غزة القديمة، ما يكشف حجم التواطؤ الإقليمي والدولي في تمرير المخطط بعيداً عن أي غطاء قانوني أو وطني فلسطيني.

كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين صهاينة قولهم إن الجهات الأمنية لم يُطلب منها تقديم تقييمات أو تحذيرات حول تبعات الخطوات الجذرية التي تنوي الولايات المتحدة، ومعها مصر وقطر وتركيا، تنفيذها في قطاع غزة، ما يعكس أن المشروع يتم تسييره من دوائر سياسية عليا تتجاوز حتى مؤسسات العدو الداخلية، وهو ما يكشف حجم التوظيف الأمريكي للعدو باعتباره الأداة التنفيذية للمخطط.

أما صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الصهيونية فقد أكدت أن الخطة الأمريكية تتضمن مقترحاً لنقل نحو مليون فلسطيني "أي ما يقارب نصف سكان قطاع غزة" إلى مناطق مخصصة لإعادة الإعمار شرقي الخط الأصفر، وخاصة في رفح، وذلك حتى قبل الانسحاب الكامل لقوات العدو من تلك المناطق.

ويثير هذا السيناريو مخاوف واسعة من أن يكون جوهر المخطط قائماً على التهجير القسري وإعادة توزيع السكان بما يضمن تغييرات ديمغرافية طويلة الأمد.

وفي اتجاه موازٍ، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن عمليات بناء متواصلة لتحصينات عسكرية صهيونية على طول الخط الأصفر، في خطوات تكرّس وجوداً دائماً لقوات العدو داخل القطاع، وسط إصرار أمريكي على تحويل تلك المنطقة إلى ما يشبه “حدود أمنية صلبة”، بما يعزز فرضية أن المشروع يحمل ملامح احتلال دائم للجزء الشرقي من غزة تحت غطاء دولي.

وتشير مصادر أمريكية وصهيونية إلى أن المقترحات البديلة المطروحة تتضمن إنشاء حكومة انتقالية خاضعة مباشرة للإدارة الأمريكية، تتولى إدارة غزة لعدة سنوات، إلى جانب مشاريع اقتصادية ضخمة تشمل تحويل أجزاء من القطاع إلى مدينة تكنولوجية أو سياحية، وفقا لما نقلته وكالة رويترز، بينما كشفت تسريبات عن أن الرئيس الأمريكي، المجرم ترامب، تقدّم باقتراح يقضي بإقامة إدارة أمريكية مؤقتة للقطاع، تمهد لاحقاً لمخططات إعادة الإعمار وفق رؤية سياسية مشروطة.

ويرى خبراء في القانون الدولي أن مشروع غزة الجديدة، بمضمونه العسكري والديمغرافي والسياسي، يندرج ضمن جرائم التهجير القسري وتغيير التركيبة السكانية بالقوة، وهي انتهاكات صريحة للقانون الدولي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

ويحذر الخبراء من أن أي إعادة انتشار للسكان أو إعادة رسم للجغرافيا تحت الاحتلال، أو في ظل وجود عسكري مفروض بالقوة، يشكل خرقاً خطيراً لاتفاقيات جنيف وميثاق روما.

ويؤكد محللون أن المخطط الأمريكي الصهيوني، المعلن منه والمخفي، يستهدف القضاء على وحدة غزة الجغرافية والسياسية، وتحويلها إلى كانتونات ضعيفة خاضعة لإدارة أمنية أمريكية إسرائيلية غير مباشرة، مع محاولة تهيئة الرأي العام العربي والإسلامي لقبول هذا الواقع عبر تسويق الخطة كـ“مشروع إعادة إعمار”، رغم أنها في حقيقتها إعادة إنتاج للاحتلال بصيغة جديدة.

وإزاء هذا المشهد تتصاعد التحذيرات الفلسطينية والإقليمية من أن غزة الجديدة ليست مشروع إعمار ولا رؤية سلام، بل هي خطوة استراتيجية لشرعنة التقسيم، ودفن القضية الفلسطينية، وتكريس الهيمنة الصهيونية عبر أدوات أمريكية ودعم عربي صامت، وهي خطوة تأتي في سياق حرب ممتدة تسعى لفرض وقائع على الأرض قبل أي مسار سياسي، وبما يخدم أجندة العدو في إعادة ترتيب غزة بما يتناسب مع أطماعه الأمنية والعسكرية.

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: الخط الأصفر غزة الجدیدة

إقرأ أيضاً:

مخاوف إسرائيلية من مشروع قرار أمريكي قد يقيد حرية الجيش في غزة

أعرب رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، ورئيس معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، الجنرال احتياط عاموس يادلين، والباحثة في الشؤون الفلسطينية نوعا شوسترمان/دفير، عن قلقهما من طرح واشنطن “برنامج ترامب” في الأمم المتحدة، بسبب ما وصفاه بـ"ثغرات في بعض البنود وغموض في أخرى"، مؤكدين أن المسودة الأمريكية المقترحة أمام مجلس الأمن تحمل في طياتها مكاسب مؤقتة لإسرائيل، لكنها تنطوي أيضا على مخاطر إستراتيجية عميقة.

وقالا في مقال مشترك نشره موقع “القناة 12 العبرية”، إن المسودة التي تروج لها الإدارة الأمريكية تهدف إلى أن تكون ركيزة مركزية لتنفيذ “برنامج ترامب” بشأن قطاع غزة، الذي انطلق منذ أيلول/سبتمبر الماضي٬ موضحين أن الخطة الأمريكية تسعى إلى منح شرعية دولية واسعة للإجراءات المطروحة، وتشمل:

تأليف حكومة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط، وإنشاء قوة استقرار دولية ومجلس سلام، تمهيدا لنقل السيطرة تدريجيا إلى السلطة الفلسطينية بعد تنفيذ إصلاحات داخلية.

ورغم ما تحمله المسودة من توافقات أمنية شكلية مع الموقف الإسرائيلي، يرى يادلين وشوسترمان أن القرار المقترح يعاني ضعفا جوهريا، إذ يتيح تنفيذ إعادة الإعمار ونزع السلاح بالتوازي، في حين طالبت الخطة الأصلية بنزع السلاح الكامل كشرط مسبق لإعادة الإعمار، الأمر الذي قد يحول نزع السلاح إلى "شعار لا إلى شرط ملزم"، وفق تعبيرهما.

وأشارا إلى أن تل أبيب ما تزال ترى أهداف حربها واضحة: تجريد حركة “حماس” من سلاحها، وضمان ألا يشكل القطاع تهديدا أمنيا مستقبلا، لكن هذه الأهداف – بحسب المقال – قد تخفف كثيرا في قرار مجلس الأمن إذا ما أقر بصيغته الحالية.

تحذيرات من “قرار مخفف” 
ويحذر الباحثان من أن القرار المرتقب قد لا يعكس روح “خطة ترامب” الأصلية التي وقعت بين الولايات المتحدة وتركيا وقطر ومصر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إذ يتطلب تمريره تصويتا في مجلس الأمن المؤلف من 15 دولة، بينها باكستان والجزائر، مع احتمال أن تعترض عليه دول دائمة العضوية مثل روسيا أو الصين. ويقولان إن هذه الدينامية تجعل المسودة الحالية اقتراحا مخففا يحاول تطبيق المرحلة الثانية من الخطة دون معالجة شاملة للأهداف الإسرائيلية.

وفي ما يتعلق بالشق الأمني، أوضح يادلين وشوسترمان أن المسودة تمنح الاحتلال شرعية دولية أوسع لمطلب نزع سلاح غزة وإنشاء قوة استقرار دولية بتعاون وثيق مع مصر، لكنها في الوقت ذاته تعاني من غموض عملي شديد، إذ لا تحدد الجهة المسؤولة عن تنفيذ نزع السلاح في حال رفضت “حماس” الالتزام طوعا، كما لا تبين حدود صلاحيات الشرطة الفلسطينية المقترحة.

وأشارا إلى أن غياب الربط بين إعادة الإعمار ونزع السلاح الكامل يفتح الباب أمام “حماس” لاستغلال المساعدات الإنسانية والاقتصادية لإعادة بناء بنيتها العسكرية، مضيفين أن المسودة لا تذكر صراحة الأنفاق أو البنى الداعمة لإنتاج السلاح، بخلاف خطة ترامب الأصلية.


مخاوف من فقدان السيطرة الميدانية
وحول الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة، أبدى الكاتبان قلقهما من أن المسودة لا تحدد خريطة انسحاب واضحة للجيش الإسرائيلي، ولا تمنحه وضعا قانونيا واضحا على الأرض، ما قد يفسر كتقييد لحرية الحركة العملياتية.

وقالا إن "خطة ترامب" الأصلية تحدثت عن “الخط الأصفر” و“الخط الأحمر” والمحيط الأمني، لكن المسودة الجديدة تتجاهل هذه التفاصيل، ما يخلق "فجوة إستراتيجية خطرة"، خصوصا إذا أسند مجلس الأمن دورا إشرافيا على العمليات الميدانية.

ويضيفان أن النتيجة المحتملة قد تكون نشر قوات أجنبية في مناطق لا تزال تضم مقاتلين من “حماس”، وسط شكوك حول استعداد هذه القوات لنزع سلاح الحركة فعليا.

حكومة انتقالية ومجلس سلام
وبحسب المقال، تهدف الخطة إلى إنشاء مجلس سلام وحكومة تكنوقراط فلسطينية خاضعة للرقابة، لمنع عودة “حماس” وضمان الاستقرار، لكن المسودة تمنح المجلس صلاحيات شبه مطلقة في تحديد موعد استيفاء السلطة الفلسطينية للشروط المطلوبة.

ورغم أن ترامب سيقود المجلس، إلا أنه سيضم تمثيلا عربيا ودوليا، ما قد يجعل اتخاذ القرار خارج السيطرة الإسرائيلية.

كما يلفت الكاتبان إلى أن المسودة تحدد مدة عمل لا تقل عن عامين دون مؤشرات قياس أو معايير لتحديد النجاح والفشل، الأمر الذي قد يجعل مجلس السلام يتحول إلى وسيط غير متعاطف مع إسرائيل، في وقت تستفيد فيه حكومة نتنياهو من تأخير عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.

إنجاز هش وتوازنات دولية
ويرى الباحثان أن المسودة الحالية تعد إنجازا مؤقتا للسردية الإسرائيلية، لأنها لا تشير إلى قرارات الأمم المتحدة السابقة أو فكرة الدولة الفلسطينية، لكنها تبقى إنجازا هشا، إذ من المتوقع أن تطلب فرنسا إدخال تعديل يربط القرار بـ“إعلان نيويورك”، ما قد يعيد فكرة حل الدولتين إلى الطاولة.

أما على الصعيد الدولي، فيتوقع يادلين وشوسترمان أن تفرض روسيا والصين والجزائر وباكستان تعديلات على النص في حال التصويت، قد تشمل المطالبة بانسحاب إسرائيلي كامل، أو إخضاع مجلس السلام وقوة الاستقرار لإشراف أممي مباشر، وهو ما تعتبره تل أبيب تحويلا للخطة من دعم سياسي إلى قيد إستراتيجي.


وفي خلاصة مقالهما، يقول الباحثان إن المسودة الأمريكية تمثل “سيفا ذا حدين”، إذ تمنح إسرائيل شرعية لمبادئ نزع السلاح وإدارة التكنوقراط، لكنها لا توفر ضمانات أمنية كافية، وقد تجعل السيطرة على غزة شأنا دوليا مفتوحا تشارك فيه أطراف عديدة.

ويضيفان أن إقرار القرار سيجعل تل أبيب طرفا ثانويا في إدارة القطاع، لكنه في الوقت نفسه يتيح لها فرصة لتخفيف الأعباء الميدانية وإعادة الإعمار الداخلي وتجديد قدراتها العسكرية.

ويختتمان بدعوة تل أبيب إلى التوصل لتفاهم جانبي مع واشنطن يضمن استمرار حرية عملها العسكري داخل غزة، في حال فشل برنامج ترامب أو تقاعست قوة الاستقرار عن أداء مهامها، مشيرين إلى ضرورة تثبيت شروط واضحة للانسحاب، وتحديد مدد زمنية واعتبار عدم تسليم “حماس” للجثامين خرقا جسيما يبرر الرد العسكري المباشر.

ورغم التحذيرات، يرى الكاتبان أن الظرف الإقليمي الراهن يشكل فرصة فريدة لإشراك جهات عربية معتدلة في إدارة غزة، بما يخدم المصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل ويفتح الباب أمام اندماج إقليمي أوسع في حال استغلت المبادرة “بشكل صحيح”.

مقالات مشابهة

  • بيان أمريكي عربي إسلامي يدعم قرار مجلس الأمن بشأن قطاع غزة
  • بيان أمريكي عربي إسلامي مشترك يدعم مشروع قرار بشأن غزة في مجلس الأمن (عاجل)
  • بيان أمريكي عربي إسلامي يدعم قرار بمجلس الأمن بشأن قطاع غزة
  • مسؤول في حزب الله: العدو الصهيوني يواصل استهدافاته للبنان بدعم ومشاركة أمريكية
  • «طاقة للخدمات» و«سديرة» تطلقان مشروع إعادة تأهيل المباني في مدينة أريام بآيكاد
  • إيكونوميست: الخطط الأمريكية والعربية البديلة لإعمار غزة غير واقعية ولن تنجح
  • مخاوف إسرائيلية من مشروع قرار أمريكي قد يقيد حرية الجيش في غزة
  • انخفاض أسعار النفط مع ترقب الأسواق إعادة فتح الحكومة الأمريكية
  • تقرير: خطة أمريكية سرية بمشاركة مصر