لجريدة عمان:
2025-11-16@13:51:24 GMT

يوميَّات: روحي تحوم فوق السَّرير

تاريخ النشر: 16th, November 2025 GMT

الإثنين، 29 إبريل 1991، سان دييغو، كاليفورنيا

اليوم، وبلا أدنى حرج، أرى الأمر بطريقة تلميذ المرحلة الإعداديَّة في فرع "التعبير" الذي كان من ضمن فروع مادة اللغة العربيَّة وامتحاناتها الجليلة المهيبة في فترة يفوعي:

--لماذا تكتب؟

--أكتب "لأعبِّر" عن عذابي.

حقَّاً، هكذا هو الأمر: العودة إلى النَّار الأولى، وكل ما يعيقك من النوم، والكف عن الانخراط غير المشروط في كل ما تقوله أقسام الفلسفة والأدب في الجامعات المرموقة.

هي العودة إلى "التعبير" كما كان يفعل أسلافنا "البدائيون" على جدران الكهوف. أما الأشياء المؤسفة التي تطورت بعد الخروج من الغابة من قبيل "إعادة خلق العالم" (وهذا، ثكلتك أمُّك، مشروع أخرق ومضجِر أصلاً)، و"تدمير الذَّات" (صه!، فهذه ليست بحاجة لمزيد من الدَّمار)، و"إيجاد معادل موضوعي للحياة" (لا بَخٍ بَخٍ!، فهذا، ويلك، تتكفَّل به الحياة نفسها؛ حياة كحياتي، في الأقل)، إلى غير هذا وذاك فهو مما يتعلَّق بمعطيات، وتبريرات، وتنظيرات الكتابة ضمن تراكمها الثقافي و"الكوني" ضمن ما أمكن كتابته من تاريخنا (لغاية الآن). لكن ذلك لا يعنيك أنت في الكتابة باعتبارك منخرطاً في الحياة والعالم بصعوبة كبيرة ولوقت لن يكون طويلاً.

من ناحية أخرى فإن راية "النَّص" ورؤيته وصلا إلى حرف مسدود؛ فقد أصبح "النَّصُّ" يكشف عن توسُّلاته على عتبة النَّوع (genre) وليس عند سلالم عذابك بشكل لا يليق بكرامة الكلمات. وهذا – كما تعترف المعرفة بالعرف – سلوك مقبول من النَّص؛ فهو يبحث عن هويَّة وهواء، لكنه مرفوض تماماً من الكاتب الذي تبحث عنه الانتماءات، وتتقاتل لأجله الأسماء والعناصر.

يجب، لهذا، أن أكون وفيَّاً للإبداع بحيث أتخَلَّق بمقدار طيب من الخسَّة يكفي للغدر بتجربة النَّص. يجب أن أكون موالياً للفن بحيث أطيح بالنَّص، ولذلك ينبغي الإقلاع فوراً عن عادة النُّصوص حفاظاً على دم الكتابة ورئة الخلق.

خطَّة الانقلاب، كما أحبكها، لا تتمترس في مؤامرة الاستقلال عمَّا يتحرر (ورغم أن ذلك ليس شعاراً استهلاكيَّاً بالنِّسبة لي فإني، إن حوكمتُ، لن أصر على نفيه حاجزاً قديماً للاغتيال).

ينبغي، إذاً، عدم إحراج مزيد من النُّصوص؛ بل يجب تجريح الكتابة بالكتابة فحسب. وإلا فالأولى عدم ترجيح كفَّتها في ميزان البوح، وذلك عبرة للعبارة واعتباراً للتَّعبير، خاصَّة وأن السِّباقات لم تعد تثير أحداً غير الموتى الذين، نفياً لكل ما تنصُّ عليه الأعراف، يتفنَّنون في قضِّ دماغ المرء بصياحهم حتى في هذا الوقت المتأخر من الليل.

لكن هذا الكلام لا معنى له، ولا يعني أحداً غيري (وقفتُ في مصدرٍ ما على أن مقولة "حياتي مهمَّة، ولكن لي وحدي فحسب" التي تُنسَبُ لغير شخص هي إعادة صياغة تنويعيَّة لشيء قاله نيكوس كازانتزاكي، وأنا واثق تماماً أنه يمكن أن يقول شيئاً من هذا القبيل).

واكتئابي الخانق حَدَثٌ وليس حديثاً.

الأحد، 5 مايو 1991، سان دييغو، كاليفورنيا

(1)

اليوم، بثروة اللغة في رقص الأطفال وثورتها، أنقضُّ على قيود الاكتئاب التي تضطهدني، وأخرج من العقاقير والواجبات الدِّراسيَّة البليدة، وأنضمُّ إليهم راقصاً في "ساحة الأزتِك" احتفالاً بذكرى الخامس من مايو (*)، ليس فقط احتفاء بهذا الحدث التَّاريخي، ولكن كذلك إجلالاً لكل حدث في التَّاريخ يقول فيه الإنسان لأخيه الحيوان: كفى، رفقاً بك!، مذكِّراً الجلاد بجدل الانتماء.

ومهما يكن من أمر ما انتهى إليه الخامس من مايو، فإن الأطفال المكسيكيين الذين رقصت معهم وأياديهم ضارعة إلى الشَّمس المُرضِعة يقولون ما يقولون.

بعد الرَّقص احتضنت بعضهم باكياً، وفي مكان قريب رفعت نخباً للحريَّة الطَّارئة.

(2)

هناك، في المنطقة الأكثر براءة في البحر، يتلثَّم المثلَّث الأكثر رعباً وأمانة للسِّر في الماء. هناك، قرب الرَّمل الرَّطِب، يتكسَّر البريق المائي الباهت في شحوب قرية منقبضة لكآبة الغروب. هناك، في مجز الصُّغرى النائية عن الأرض كنجوم قارَّة لم تكتشف بعد، أمام بيت الأب، على بعد قطرات من الزُّرقة الواسعة مثل نقاهة عروس البحر. هناك، على بياض الأصداف الجليلة وخضرة الطَّحالب الَّلزجة حيث، منذ سنوات بعيدة كما غيبوبة، لعبت معي محفوظة التي ماتت وهي تبتسم لي، فدفنوها في المقبرة الجرداء، ولعبتُ، بعد سنوات من ذلك، مع قطَّتي التي ماتت بدورها فدفنتها مُكَفَّنة في الخطِّ الذي يلتقي فيه الماء بالتراب.

هناك، وقفت وحدي في شجن غروب قرية مهجورة أشهد الهول: حافلة ركَّاب حمراء، سقفها أبيض وعجلاتها كالحة، مليئة بأموات أعرفهم، وآخرين لا أعرفهم، يَتَطوفَنُ [من "الطُّوفان"] عليها الموج ميمنة وميسرة (في البال، بكل تأكيد، المشهد الافتتاحي من فيلم "ملِكا الطريق" لفِم فندرس). الرُّكاب يصرخون، فيردُّ عليهم صراخهم مرتطماً بالبيوت المهدَّمة على الشاطئ.

هناك، وأنا معدوم الحيلة أرقب الحافلة تناور الموج عبثاً، وتروح وتجيء كسمكة مطحونة قبل أن تغوص إلى العتمة، ثم يطوِّح بها البحر إلى الشَّاطىء خاوية، مكسورة النَّوافذ، ملطَّخة بالطِّين.

هناك، وأنا الشَّاهد على الكارثة، على عكس ما حَدَثَ في "أناشيد مالدورور" للوتريامون، أغرق في قسوة أن ليس لديَّ بندقيَّة أطلق منها الرَّحمة عليَّ وحدي عوضاً عن إطلاق النار على النَّاجين.

هناك، لم يكن من ناجين ينافسونني على الغياب.

حدث ذلك في طوفان الليلة الفائتة وروحي تحوم فوق السَّرير.

---------------------------------------------------------------

(*): الخامس من مايو (Cinco de Mayo): احتفال شعبيٌّ، وثقافي، وسياسيٌّ سنويٌّ بذكرى الانتصار المكسيكي على جيش الإمبراطورية الفرنسيَّة الثانية الأكثر عدداً وأقوى عُدَّة بما لا يقارَن، وذلك في العام 1862 (حاشية أضيفت إلى المتن في يوم الأربعاء، 13 مارس 2025، مسقط).

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

102 شكوى سجلت خلال يومي الاقتراعين العام والخاص

15 نونبر، 2025

بغداد/المسلة: أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، اليوم السبت، أن عدد الشكاوى المسجلة في يومي الاقتراع العام والخاص بلغ 102 شكوى.

وذكر بيان للمفوضية ورد لـ المسلة، أن عدد شكاوى التصويت العام بلغ 59، فيما بلغ عدد شكاوى التصويت الخاص 43، مبيناً أن قسم الشكاوى والطعون شرع بتصنيفها، وأن أغلبها شكاوى صفراء، والقليل منها خضراء.

وأوضح البيان، أن الشكاوى الصفراء هي التي تفتقر إلى شروطها الشكلية أو الموضوعية، مما يقتضي ردها ابتداءً، أما الشكاوى الخضراء فهي التي تتضمن ادعاء بوجود مخالفات مرتكبة من قبل موظفي المفوضية، أو الادعاء بوجود دعاية انتخابية في يوم الاقتراع، أو تسجيل مخالفة للتعليمات من أحد العناصر الأمنية المكلفين بحماية المركز، من دون أن يكون لها تأثير على نتائج الانتخابات.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • كاتس: لن تكون هناك دولة فلسطينية
  • ظلال الحرب تحوم.. مادورو يعلق على عملية "الرمح الجنوبي"
  • 102 شكوى سجلت خلال يومي الاقتراعين العام والخاص
  • مايو والشعب والفتح يفوزون في ملحق الثانية
  • وزارة الأوقاف: انطلاق دولة التلاوة عبر الفضائيات يومي الجمعة والسبت
  • حسام هيبة: أول منطقة استثمارية مخصصة للسياحة العلاجية تبدأ العمل مايو المقبل
  • كيفية التخلص من التوتر والقلق بشكل فعال يوميًا
  • أول منطقة استثمارية مخصصة للسياحة العلاجية تبدأ العمل مايو المقبل
  • أسقف الدول الإسكندنافية في لقاء روحي مع الخريجين بعزبة النخل.. صور