صدى البلد:
2025-11-16@18:51:12 GMT

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: لغة المرآة

تاريخ النشر: 16th, November 2025 GMT

النظر للمرآة يجعل الكثير منا يعاود الاهتمام بنفسه، أو يحاول أن يجمل ما يراه من تفاصيل؛ كي يشعر بالارتياح والانشراح، أو يحرص على أن تكون وقفته خاطفة فلا يمعن النظر، وهنا تتعالى صوت الأرواح داخل الأبدان، وتحاول أن تحدث انسجامًا وتآلفًا وتعانقًا مع مكنون النفس، وما يصدر من نغمات أصواتنا وتعبيراتنا الجياشة، وتتعاطى لهفة وسط نبضات القلوب ودقاته المتوالية؛ لتشعرنا بالطمأنينة؛ حينئذ نرى جمال الحياة في تفاصيلها؛ لكنها في ذات الوقت تبحث عمن يكملها أو تكتفى بما لديها، وهذا نراه بوضوح في صورة العلاقة التي تربطنا بمن يشبهنا، مثلما نرى أنفسنا بالمرآة؛ فنكتشف الظاهر والباطن دون وجل، أو زيف، أو خداع.

ما نود أن نصدع به أن المرآة تمتلك لغات لا تراها إلا عين بصيرة؛ حيث تجد الأمن والطمأنينة في صورة من ترافقه، وعيش سخاء عطاء من يسير على دربها المفعم بالحيوية، وتتطابق مغزى الأصوات التي تصدر من كليهما؛ ومن ثم تتقابل الميول في خضم مفردات يتم الاستمتاع بها رفيقا الدرب، وتتقارب المسافات عبر تدبر، وتفكير منتج، يقوم على فلسفة الإيجابية دومًا، ونزيد دون مبالغة بأن خلجات القلوب تشعر ببعضها؛ فالتباين لا مكان ولا مساحة له، وهنا لا مجال للتبرير، ولا مساحة للتطويل نحو تصرفات أضحت يرتضيها الطرفان، وهذا يعني أن ثمة توافق كلي حول رؤى المستقبل، الذي تراه العيون مشرقًا.

العاطفة الكامنة في جنبات النفس، ويغلفها الوجدان، وتترجمها المشاعر، يصعب أن تنكرها المرآة؛ لكن دعونا لا ننكر معدلات، ومستويات، ونسب النضج لدى الإنسان، وهذا لا يشكل التباين الذي يخيفنا، بل، يترك فرصة سانحة لخوض التجربة؛ فيحدث جمال التطابق مع مرور الزمن، وهو ما يعبر بقوة عن جمال التشابه، ورقى الاختلاف، الذي لا يؤدي للتنافر؛ لكن يزيد من حالة الشجن، ويحقق التوازن؛ فتنعكس السلوكيات على إيجابية الاحتواء؛ لذا تنمو العلاقة على أرض خصبة، تملؤها السكينة، وتحميها ثوابت التفاهم، وتعضدها رصانة العقول، وتضمن استقرارها قلوب متآلفة.

المرآة الوضاءة تبرهن صورها عن حالة التجذر بين الطرفان؛ فتؤكد على الحيوية، وتدحر ماهية الذبول والفتور، وشتى مناحي السلبية؛ فلا مجال للركود، ولا مقام للتنحي؛ إنها حالة تجمع ما بين الاستقرار والفعالية، وما بين الأمان والدافعية، وما بين الانشراح والانبساط، وما بين الصفاء والإشراق؛ ومن ثم تصبح الرحلة في سبيلها للتطور، والاندماج بين الهدوء وحيوية التفاعل مداد الحب، الذي لا ينقطع فيض عطاؤه، وعند نقاط التلاقي لا يتوالد بين الطرفان الملل، ولا يضعف التواصل، ولا يغيب الشغف.

النظر في المرآة لا يجعلنا نحدد في صورة العلاقة بعض نقاط القصور، التي يجب أن نستكملها ونستوفيها من بعضنا البعض؛ فالراحة تكمن في أن نجد من يضيف لنا؛ لكن لا متعة في أن نخرج بنسخة واحدة؛ فماهية اللذة في الحياة تقوم على أمرين، أحدهما التكامل، والآخر تذوق نعيمها في وجود الطرفان، وهنا نرصد حالة من التقابل، تجعل مساحات الترحاب ممتدة، والود متصل، والأمل والطموح قائم، وهجران الهواجس المهددة لبقاء الأركان لا وجود لها في الخلد، وهذا ما يؤكد صدق الرؤى، من خلال مرآة صادقة، تعكس حالة الإدراك، ولا تركز على عنصر المشابهة، المقوَّضة في كثير من الأحيان لماهية الاستقرار.

إذا ما أظهرت لنا المرآة تباينًا؛ فلا ننزعج؛ كي لا يصبح الاختلاف مائدة للجدال، أو طريقًا للنزاع، أو مهدًا لتكريس لغة الأنا الضارة دون شك بالذات؛ فهناك مزيد من الفرص المواتية؛ لأن نفتح مجالًا للعفوية المعبرة عما يجوش في النفس، وما تحمله الصدور، وما تعبر عنه الأحاسيس؛ ومن ثم نعزز مسارات الإعجاب، وتصبح المرآة عاكسة لمعان، يصعب أن تخرجها كلمات تطوف دلالتها في الخيال، وتقبع في الخلد، وتتبعثر في سجايا الوجدان.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

طباعة شارك الارتياح الانشراح جمال الحياة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الارتياح جمال الحياة ما بین

إقرأ أيضاً:

محمد بشاري يكتب: حروب الظلّ الجديدة.. كيف تُعيد الجماعات الدينية إنتاج الفوضى عبر الذكاء الاصطناعي والهويات الوهمية؟

في عالم تتقاطع فيه التكنولوجيا مع الأيديولوجيا، برزت الجماعات الدينية المسَيَّسة كلاعبٍ خفيّ يشنّ حروبًا ناعمة أخطر من النزاعات التقليدية. حربٌ بلا مدافع، لكنّها قادرة على نسف استقرار دول، وتفكيك مجتمعات، ودفع شعوب كاملة نحو سيناريوهات الخراب التي شهدها اليمن وليبيا وسوريا وغزة. 

إنها حروب الظلّ التي تتحرك خارج الحدود، وتستخدم منصّات رقمية، وحسابات وهمية، وتقنيات ذكاء اصطناعي، لتصنيع رأي عامٍّ مزيف ولإعادة تدوير خطاب قديم بقوالب جديدة.

اليوم لا تخوض هذه الجماعات معاركها في الميدان، بل في فضاء رقمي واسع يتيح لها التخفي الكامل خلف هويات مصطنعة، وتجنيد المتعاطفين، وتوجيه حملات التشويه ضد الدول المستقرة. التحول من “المنبر” إلى “الخادم الإلكتروني” لم يكن تطورًا طبيعيًا فحسب، بل خطة منظّمة نُسجت بعناية لخلخلة الثقة بين الشعوب ودولها، وتفكيك منظومات السلم الأهلي عبر موجات متتالية من التضليل المعلوماتي.

التجارب المريرة في الإقليم ليست ببعيدة. فاليمن، الذي كان نموذجًا لتعايش اجتماعي، تحوّل مع صعود الميليشيات إلى ساحة اقتتال بلا نهاية. وليبيا، التي هُدمت دولتها على يد الجماعات المسلّحة، أصبحت مركزًا لتجارة البشر والسلاح. وسوريا التي استبيح فيها الوعي قبل الأرض، دفعت أثمان التضليل والتحريض والاصطفاف. أمّا غزة، فقد تحولت إلى ورقة في أيدي الفاعلين الخارجيين، تُستنزف فيها حياة الأبرياء تحت شعارات تُدار من غرف مظلمة.

المعادلة لا تتوقف عند حدود الدول العربية. فالجماعات العابرة للحدود نسجت لنفسها ممراً ضخماً في قلب الصحراء الكبرى، يمتد من تندوف إلى الرڨان، مرورًا بممرات الطوارق والأزواد، وصولًا إلى ساحل إفريقيا الغربية. هناك، في تلك الجغرافيا القاسية، تُدار شبكات الإرهاب والمخدرات والتهريب، وتُجمع الأموال، وتدرَّب الخلايا، وتُبنى اقتصادات سوداء تحوّلت إلى شريان حياةٍ للجماعات التي فقدت حضورها في المدن فاتجهت إلى العراء المفتوح.

تحت غطاء “النضال الرقمي” تُطلق هذه الجماعات موجات تضليل تستهدف الدول التي تبني الاستقرار والتنمية، وفي مقدمتها الإمارات، التي باتت نموذجًا ملهِمًا في المنطقة، ومصدر إزعاج للمشاريع الهدّامة. فاستقرار الإمارات، ونجاح نموذجها التنموي، وبناءها لدبلوماسية سلام نشطة، جعلها هدفًا لحملات منظمة تستعمل أدوات الذكاء الاصطناعي، وحسابات وهمية، وصفحات مأجورة، بهدف خلق توازنات إعلامية مصطنعة توحي بوجود “رأي مخالف” يخدم أجندات خارجية.

ما يزعج الجماعات ليس خطاب الإمارات، بل قدرتها على الفعل:
قدرتها على بناء نموذج حداثي عربي متوازن، وعلى حماية أمنها، وعلى إدارة تحولات عالمية معقدة دون الوقوع في فخ الفوضى. ولذلك أصبحت الدولة هدفًا لعمليات تشويه رقمي، تُدار من بلدان تبني استراتيجيتها على إضعاف الدول العربية واستنزاف مقدراتها.

لكنّ الحرب الرقمية ليست قدرًا محتومًا. فالإمارات، بما تملكه من بنية أمنية رقمية متقدمة، ووعي شعبي صلب، وقدرة مؤسسية على إدارة الفضاء المعلوماتي، نجحت في كشف مصادر الحملات، وتعرية أساليبها، وتعزيز مناعة المجتمع ضد التضليل. النموذج الإماراتي اليوم ليس نجاحًا اقتصاديًا أو دبلوماسيًا فقط، بل نجاحٌ في صناعة الوعي وفي تطويق الحروب غير التقليدية قبل أن تتسلل إلى النسيج الاجتماعي.

لقد دخلت المنطقة مرحلة تتراجع فيها الحروب التقليدية، وتتصاعد فيها حروب الوعي. حروبٌ تُدار بالخداع لا بالبندقية، وبالهويات الرقمية لا بالجيوش، وبالتحريض الشبكي لا بالمواجهات. وفي هذا العصر الجديد، تصبح الدولة القادرة على حماية فضائها الرقمي، وتحصين مجتمعها، وفهم جغرافيا التهديدات العابرة للحدود، هي الدولة المؤهلة للعبور نحو المستقبل.

هذه ليست معركة على المعلومة فقط، بل معركة على مستقبل المنطقة:
بين مشروع يقود الشعوب إلى الفوضى والدمار، ومشروع يضع أولوية السلم والاستقرار والتنمية. والإمارات، في قلب هذا المشهد، تمثل صوتًا واضحًا:
لا مكان للفوضى… ولا مساومة على استقرار الدول.

طباعة شارك الذكاء الاصطناعي ai مقالات صدى البلد المقالات

مقالات مشابهة

  • د.محمد عسكر يكتب: الحروب الهجينة سلاح إسرائيل لتفكيك الدول وإخضاع المنطقة
  • سرقة لحن شيرين.. قضية جديدة تواجه عصام صاصا أمام المحكمة الاقتصادية
  • نجم الزمالك: محمد صبري كان متواضعًا .. وهذا وقت التكاتف مع أسرته
  • أحمد رمزي: محمد صبري كان متواضع..وهذا وقت التكاتف مع أسرته
  • بعد الهزيمة أمام أوزبكستان.. ناقد رياضي يكشف أزمات المنتخب ويطالب بتصحيح المسار
  • محمد عصام: أداء الفراعنة أمام أوزبكستان بلا هوية فنية..والدفاع في أسوأ حالاته
  • د.محمد عسكر يكتب: إستهلاك بلا إبداع... حكايتنا مع التكنولوجيا
  • محمد مندور يكتب: بدور القاسمي وأسرار ملكة مليحة
  • محمد بشاري يكتب: حروب الظلّ الجديدة.. كيف تُعيد الجماعات الدينية إنتاج الفوضى عبر الذكاء الاصطناعي والهويات الوهمية؟