في عام 2007 ومع تزايد استيراد مصر للقمح من كازاخستان، قامت اللجنة الاقتصادية في نقابة الصحفيين المصريين، والتي كنت أشرف عليها، باستضافة سفير كازاخستان في القاهرة للتعرف على أوجه التعاون الاقتصادي بين مصر وكازاخستان، في إطار العاطفة التي تتملكنا نحو الجمهوريات الإسلامية الست التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، بعد تفككه وبعد عقود من الاضطهاد السوفييتي للمسلمين في تلك الجمهوريات.



وجاء السفير ليعلن أن كازاخستان دولة علمانية، وأنها تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وفي نفس الوقت لديها سفارة لفلسطين. ولاحظنا أن أحوال المسلمين هناك أو تواصلهم مع المؤسسات الدينية في مصر خاصة الأزهر، لم ترد خلال حديثه الذي ركز على الجوانب الاقتصادية، كما لاحظنا أن خطاب الرئيس الكازاخستاني أمام البرلمان حينذاك كخطة عمل للسنوات المقبلة والذي وزعه على الحضور، لم يبدأ بالبسملة أو ينتهي بالسلام كما تعودنا في خطب الساسة لدينا، حتى المشروعات التي أعلن عن عزمه على تنفيذها في السنوات المقبلة لم ترد معها حتى الكلمات المعتادة لدينا مثل "بمشيئة الله" أو "بعون الله".

ولم يصدمني حديث السفير الخالي من المضمون الإسلامي كثيرا، حيث نبهني أحد مستوردي القمح لذلك مسبقا عندما كنت أجهّز معه القضايا الإسلامية التي سوف نطرحها في لقاء السفير؛ بقوله إن تلك القضايا لا تشغلهم كثيرا، فغالبية الشعب تهتم بالمرأة وجمالها والاستمتاع بها، ولذا يحتفلون رسميا بعيد المرأة سنويا كعيد رسمي، بينما تخلو قائمة الأعياد الرسمية من كل من عيد الفطر وعيد الأضحى، كما أن الولع بالنساء يعد السبب الرئيسي لسياحتهم إلى العديد من البلدان.

ويرتبط بذلك ما حدث قبل شهور قليلة، حينما عادت زميلة صحفية من زيارة نظمتها شركة اتصالات دولية للصحفيين في كازاخستان، حيث سألتها عن نسبة ارتداء الحجاب بين النساء بكازاخستان، ففاجأها السؤال ولترد بأنها لم تشاهد امرأة بالحجاب أصلا، وهو ما تؤكده المشاهد التي نراها في المقاطع المصورة التي يعرضها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي لزياراتهم للجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا، حين نشاهد في شوارع أذربيجان وكازاخستان وغيرهما نفس المشاهد الموجودة في الشوارع الأوروبية من حيث الملابس العارية، وانتشار تعاطى الخمور وكثرة أماكن عرضها في محلات البقالة بتلك البلدان والملاهي الليلية بما فيها من رقص وصخب.

الاستبداد والقوميات لإبعاد الإسلام

أذكر تلك الذكريات بمناسبة الإعلان الأمريكي عن قرب دخول كازاخستان لدول اتفاقات أبراهام مع إسرائيل، حيث أن تلك الجمهوريات الإسلامية الست لها علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية مع إسرائيل منذ عقود، ولم تؤثر في تلك العلاقات أحداث حرب غزة، حيث زاد التبادل التجاري خلال الحرب مثلما فعلت الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، وها هو التقرير الأخير الذي أعلن في مؤتمر التغير المناخي في البرازيل؛ أن أذربيجان وكازاخستان قد وفّرتا نسبة 70 في المائة من شحنات النفط الخام التي استوردتها إسرائيل خلال عامي الحرب مع غزة.

ويظل السؤال الرئيس: لماذا التباعد بين الجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا والقضايا الإسلامية الحيوية في العالم؟ وتأتي الإجابة في كلمة واحدة: إنها الدكتاتورية، حيث اتفق الشرق والغرب على ألا يملأ الإسلام الفراغ الذي نجم عن استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، حيث حرصت روسيا -الوريث الأكبر للاتحاد السوفييتي- على ألا تمثل تلك الجمهوريات مصدر خطر يهددها على حدودها الغربية والجنوبية، خاصة أن خمسا من تلك الجمهوريات تمثل كتلة متصلة من اليابسة، ولا يفصلها عن أذربيجان الدولة السادسة سوى بحر قزوين، ولأن الإسلام هو الذي يجمع ما بين تلك الجمهوريات الست مع ارتفاع نسبة عدد المسلمين بين السكان، فكان الحل من خلال إحياء النعرات القومية المتعددة في تلك الدول، وتولية حكام مستبدين كانوا يتولون منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعي في كل بلد قبل تفكك الاتحاد السوفييتي، للقيام بمهمة القضاء على أي إمكانية لبروز تيار إسلامي في أي منها؛ باستخدام القوة والتوسع في المحظورات والممنوعات للمظاهر الإسلامية في الحياة العامة إلى حد منع الصلاة في المساجد لمن هم أقل من 18 عاما.

حاكم واحد أو اثنان منذ 1991

والنتيجة العملية للتوافق بين مصالح روسيا والولايات المتحدة والصين، أن دولة طاجيكستان يحكمها الرئيس إمام على رحمن منذ عام 1992 وحتى الآن، أي طوال 33 عاما، وهو يجهز ابنه رستم للحكم بعده، حيث عدل الدستور ليكون سن الترشح متوافقا مع عمره. وفي أوزبكستان لم تعرف البلاد منذ عام 1990 سوى حاكمين فقط، حيث تولى إسلام كريموف منذ عام 1990 وحتى 2016، حين حضرته الوفاة عن عمر 78 عاما قضى 26 عاما منها في الحكم، ليخلفه شوكت مير ضيايف منذ عام 2016 وحتى الآن.

وتكرر الأمر في كازاخستان التي حكمها شخصان فقط منذ عام 1991 وحتى الآن، حيث حكمها نور سلطان نزار باييف حتى 2019، حيث اضطر للاستقالة عن عمر 79 عاما قضى منها 28 عاما بالحكم، ليخلفه قاسم جومارت توكاييف منذ 2019 وحتى الآن.

أما أذربيجان فقد حكمها منذ عام 1993 وحتى الآن حاكمان فقط، أولهما حيدر علييف الذي تولى لمدة عشر سنوات، لكن المرض الشديد مع كبر سنة حال بينه وبين الاستمرار في الحكم، فورّث الحكم لابنه إلهام علييف الذي تولى الحكم بنهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2003، أي قبل وفاة والده بسبب المرض بشهرين، وها هو إلهام علييف ما يزال يحكم البلاد طوال 22 عاما وحتى الآن، كما قام عام 2017 بتعيين زوجته الطبيبة مهرييان كنائب لرئيس الجمهورية.

وتشابه الأمر في تركمنستان، حيث حكم صفر مراد نيازوف منذ عام 1990 وحتى عام 2006، حين توفي بالسكتة القلبية بعد 16 عاما في الحكم، ليتولى قربانلى بردي محمدوف، طبيب الأسنان ووزير الصحة السابق، الحكم من 2006 وحتى 2022، لمدة 15 عاما، ليورث الحكم لابنه سيردار بيردي محمدوف والمستمر في الحكم حتى الآن.

وتبقى قيرغيزستان الدولة الوحيدة التي شهدت ستة من الرؤساء منذ 1990 وحتى الآن، حيث حكم عسكر أكاييف منذ عام 1990 وحتى 2005، لمدة 15 عاما، لتقوم عليه ثورة السوسن عام 2005 وتجبره على الهرب إلى روسيا مثلما حدث مع بشار الأسد في العام الماضي، وخلفه قرمان بيك باكييف من 2005 حتى 2010، حيث أخفق في وعوده لروسيا التي أمدته بالوقود الرخيص والمنح والقروض، حين عدل عن وعده لها بإنهاء القاعدة الأمريكية في بلاده بعد رفع أمريكا المقابل المادي للقاعدة ثلاثة أضعاف، كما تلكأ في الموافقة لها على قاعدة عسكرية ثانية بخلاف القاعدة الروسية القريبة مكانيا من القاعدة الأمريكية، فساعدت المعارضة على الإطاحة به عام 2010، ليخرج هو الآخر إلى كازاخستان مع أسرته بترتيب دولي.

وساندت روسيا وزيرة سابقة للخارجية كرئيسة مؤقتة لعدة أشهر، ثم تولى ألماز بيك أتامباييف من 2011 إلى 2017، وتلاه سورنباي جنبيكون من 2017 إلى 2020، ثم تصدير جابا روف منذ 2021 وحتى الآن، ورغم تولي كل هؤلاء فما زالت البلاد من أفقر بلدان المنطقة، حيث بلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي بالعام الماضي 2150 دولارا في السنة، بالمركز 159 بين دول العالم، في حين يبلغ المتوسط العالمي 13 ألف و439 دولارا للفرد.

تلاقي المصالح الشرقية والغربية والهندية

وهكذا تلاقت مصالح روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند على بقاء تلك النظم الاستبدادية في تلك البلدان. فروسيا لم يتبق لها من دول الاتحاد السوفييتي السابق من أصل 15 دولة، سوى أربع دول شاركتها بعضوية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، من بينها كازاخستان وقيرقيزستان، كما تشترى روسيا الغاز الطبيعي من تركمنستان بسعر رخيص وتعيد بيعه للخارج بسعر أعلى.

كما تحصل الصين على قدر من احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي من دول المنطقة خاصة كازاخستان وتركمنستان، حيث يربطها بهما خطا أنابيب للحصول على الغاز الطبيعي منهما، وتحرص على علاقتها الجيدة معها حتى لا تكون معوقا لإحياء طريق الحرير البري إلى أوروبا كما تهدف الدول الغربية.

واستفادت الولايات المتحدة من تلك الدول كقواعد ارتكاز خلال حربها في أفغانستان، وكذلك في تطويق كل من روسيا والصين بإقامة قواعد عسكرية. وتسعى الدول الأوروبية للحصول منها على الطاقة كبديل لروسيا، حيث تربطها خط أنابيب للغاز مع أذربيجان، كما تكون حاجزا أمام تمدد نفوذ روسيا.

ودخلت الهند على الخط لتمارس فيها نفوذها الإقليمي وتستفيد من توفر الطاقة فيها في ظل الظمأ الكبير للطاقة في الهند، كما توجد مصالح لكل من تركيا وإيران في المنطقة، حيث انضمت ثلاث دول منها لمنظمة الدول التركية وواحدة كمراقب.

ومن أجل تلك المصالح الجيوسياسية والاقتصادية تغاضت كل تلك الدول عن الانتخابات المزورة التي تخطت نسب الفوز فيها التسعين في المائة، والتنكيل بالمعارضين خاصة من الإسلاميين، والتعذيب داخل السجون، واحتكار وسائل الإعلام، وانتشار الفساد وكبر حجم الثروات التي كونها رؤساء تلك الجمهوريات وأفراد أسرهم.

x.com/mamdouh_alwaly

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إسرائيل الاستبداد إسرائيل استبداد اسلام آسيا الوسطى مقالات مقالات مقالات رياضة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد السوفییتی الإسلامیة فی مع إسرائیل منذ عام 1990 وحتى الآن فی الحکم حتى الآن فی تلک

إقرأ أيضاً:

شاهد.. أول روبوت روسي يسقط على المسرح بعد الكشف عنه

تعثر الروبوت الروسي "آيدول" على خشبة المسرح الذي كان يجب أن يشهد الكشف الأول عنه، وذلك رغم أن الشركة هيأت كافة الأجواء الحماسية لتشعل حماس الجمهور ووسط حضور 50 صحفيا من مختلف المؤسسات الصحفية داخل البلاد وخارجها، وذلك وفق تقرير "نيويورك تايمز".

وبعد أن لوح الروبوت للجمهور، اختل توازنه ليسقط مباشرة على وجهه خلال ثوان من دخوله الأول للمسرح، بالطبع هرع الفريق التقني للشركة للإمساك بالروبوت وإسدال الستار مبكرا على حلم الروبوتات الروسية.

ويعد روبوت "آيدول" الذي يأتي من الشركة التي تحمل الاسم ذاته باكورة الإنتاج الروسي من الروبوتات، وهو إنتاج تأخر نسبيا عن بقية الدول.

ويصف ديمتري فيلونوف المحرر المسؤول عن وكالة "إيدينوروغ ميديا" اللحظات التي تلت سقوط الروبوت بأنها كانت ثقيلة وصامتة في البداية، ولكن لاحقا بدأ الحضور في التصفيق لدعم الشركة الناشئة ومشروعها.

وقال فيلونوف في تدوينة من حسابه في "صبستاك" (Substack): "تواجه معظم شركات الروبوتات متاعب في تحريك الروبوت، لذا كان متوقعا أن يواجه "آيدول" هذه التحديات"، مضيفا أن الشركة أنفقت كثيرا من الوقت والمال في تطوير وجه للروبوت بعكس المنافسين.

ومن جانبه، أوضح فلاديمير فيتوخين المدير التنفيذي لوكالة الأنباء الروسية الرسمية "تاس" أن الروبوت الخاص بهم ما زال في طور التعلم ولم ينته تطويره بعد، مضيفا أنه يأمل أن تكون هذه تجربة يتعلم منها الروبوت.

ورغم تصريحات فيتوخين، فإن الشركة المطورة التي تحمل اسم الروبوت ذاته أكدت في الموقع الرسمي أنه قادر على السير والتعامل مع الجمهور وحتى الإمساك بالأشياء المختلفة، مشيرة إلى إمكانية استخدامه في عدة قطاعات مختلفة من بينها صناعة السيارات والمخازن وحتى صناعة الدواء.

مقالات مشابهة

  • رئيس أوزبكستان يقترح إنشاء تكتل لدول آسيا الوسطى
  • رؤساء دول «آسيا الوسطى» تتبنى رؤية استراتيجية للأمن والتنمية حتى 2035
  • تأجيل محاكمة 20 متهمًا بخلية «الهيكل الإداري بأوسيم» لجلسة 19 يناير 2026
  • دول آسيا الوسطى تعتمد مفهوما للأمن الإقليمي والتنمية المستدامة
  • مدرسة النجاح الإسلامية- 95 عاماً من الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية في مواجهة المشروع الثقافي الفرنسي
  • كازاخستان تؤجل تأهل بلجيكا إلى «مونديال 2026»
  • طقس فلسطين بدءاً من هذه الليلة وحتى الثلاثاء المقبل
  • لماذا انضمت كازاخستان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية؟
  • شاهد.. أول روبوت روسي يسقط على المسرح بعد الكشف عنه