الخرطوم- كشفت بيانات رسمية عن تصاعد معدلات الفقر والبطالة في السودان إلى مستويات قياسية في ظل غياب خطوات عملية لاحتوائها، بينما يرى مراقبون أن الكلمة المفتاحية لتخفيف المعاناة هي السلام وإسكات البنادق.

وبعد نحو 31 شهرا من اندلاع الحرب في السودان، يعاني قطاع عريض من المواطنين بعدما فقدوا سبل كسب عيشهم ومصادر دخلهم، وسط ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات وتدهور القيمة الشرائية للعملة الوطنية (الجنيه)، حيث يحتاج 30.

4 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية (64% من السكان) حسب تقديرات الأمم المتحدة.

ودفع الركود الاقتصادي البطالة إلى مستويات قياسية، مع تسريح عشرات الآلاف من العاملين في قطاعات الصناعة، والزراعة، والخدمات، وتوقفت آلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وانسحبت معظم الاستثمارات، تاركة سوق العمل في حالة شلل.

وأظهر أحدث تقديرات صندوق النقد الدولي في أغسطس/آب الماضي مواجهة السودان أعلى معدل بطالة في العالم، إذ بلغ نحو 62% من القوة العاملة.

كما نشرت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي نتائج تقييم أظهر أن 86% من الأسر تعاني من صعوبات في شراء احتياجاتها، بسبب انخفاض الدخل والتضخم واضطراب الأسواق المحلية.

خطة للتعافي

يقول وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية معتصم أحمد صالح -في حديث مع الجزيرة نت- إن الحرب خلّفت موجات واسعة من فقدان الوظائف، في القطاعين العام أو الخاص، والنشاط الاقتصادي المنظم وغير النظامي.

ويوضح أن التقديرات الميدانية تشير إلى أن معدل البطالة تجاوز 45% في بعض الولايات المتأثرة بالحرب، وبدأت وزارته في تنفيذ خطة تعافٍ واقعية تستهدف خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة عبر 3 مسارات:

برنامج تشغيل الشباب: ويستهدف 150 ألف شاب وشابة في مشروعات البنى الأساسية، وإعادة الإعمار، والخدمات العامة، والقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني. التشغيل الذاتي والتمويل الأصغر: من خلال إطلاق مبادرة تمويل 250 ألف مشروع إنتاجي عبر مصرفي الأسرة والادخار والتنمية الاجتماعية ومؤسسات التمويل الأخرى، بهدف تمكين الأسر الفقيرة والنساء والشباب من تأسيس أنشطة مدرة للدخل. التدريب من أجل التشغيل: أعد المجلس القومي للتدريب خطة لتأهيل 80 ألف متدرب في العام 2026 في مجالات مهنية وتقنية حديثة، لتلبية احتياجات سوق العمل المحلي والخارجي. إعلان

ويؤكد الوزير صالح أن وزارته لا تعتمد على الإحصاءات فقط، بل تعمل على تحويل البيانات إلى برامج تشغيل فعلية تخلق فرص عمل حقيقية وتحرك الاقتصاد من القاعدة.

وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السوداني معتصم أحمد صالح (مواقع التواصل)من الإغاثة للإنتاج

وبشأن الفقر، يقول وزير التنمية الاجتماعية إن معدل الفقر ارتفع من 21% إلى 71% نتيجة ضعف إيرادات الدولة وزيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة احتياجات الحرب وتوقف عدد من الأنشطة الاقتصادية والخدمية.

ويكشف أن خطتهم تستهدف الانتقال من المساعدات الإنسانية إلى الإنتاج من خلال محاور واضحة تشمل:

توسيع مظلة الحماية الاجتماعية عبر إدخال 300 ألف أسرة جديدة في التأمين الصحي والدعم النقدي المباشر. تمويل المشروعات الصغيرة للفئات المنتجة، من خلال بنك الأسرة وبنك الادخار ومؤسسات التمويل الأخرى، مع تبسيط شروط التمويل وخفض الضمانات. تحريك الاقتصاد المحلي عبر برامج الزكاة الإنتاجية ومشروعات المرأة الريفية والشباب. تفاهمات خارجية مع دول مثل قطر، تركيا، أذربيجان، باكستان، إندونيسيا ومصر، لدعم برامج التمويل الأصغر والتدريب المهني وبناء القدرات.

كما تسعى الحكومة، وفق الوزير، إلى أن يكون الدعم الإنساني جسرا نحو الاكتفاء والإنتاج، لا مجرد إغاثة مؤقتة، وتوسيع الدعم ليشمل النازحين والفقراء الجدد الذين أفرزتهم الحرب.

الحل بالسلام

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي عبد الله الهواري أن الآثار الاقتصادية لحرب السودان عميقة ومتعددة الأوجه، وتمثل تحديا كبيرا للحكومة والمجتمع الدولي في إعادة بناء البلاد وتحقيق الاستقرار.

ويقول الباحث -في حديث مع الجزيرة نت- إن الكلمة المفتاحية في إصلاح الاقتصاد وتخفيف معاناة المواطنين هي إنهاء الحرب وتحقيق السلام، مما يفتح الباب أمام تقديم دعم دولي للإنعاش، وتمليك وسائل الإنتاج، وجذب استثمارات في المشاريع المدرة للأرباح حتى يتمكن المواطنون من استعاد توازنهم، واستئناف دورة الحياة الاقتصادية.

أما الخبير الاقتصادي هيثم فتحي فيشدد على ضرورة التنسيق بين السياستين المالية والنقدية للحد من ظاهرة الفقر، وإذا تم تنفيذ سياسة نقدية تستهدف الحفاظ على استقرار الأسعار، فإنها ستبطئ من ارتفاع معدلات التضخم، ومن ثم سيتحقق الاستقرار الاقتصادي.

وحسب فتحي، فإن كثيرا من الدراسات أثبتت أن أكثر من نسبة 90% من الائتمان المصرفي الذي تقدمه المصارف السودانية يستأثر به الأغنياء دون الفقراء، وأن أكثر من 90% من الكتلة النقدية يتم تداولها خارج الجهاز المصرفي، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الخدمة المصرفية وارتفاع نسبة تعثر الائتمان المصرفي الممنوح للقطاعات المختلفة بما فيها الشرائح الفقيرة، مما حد من قدرة المصارف على المساهمة في مكافحة الفقر والبطالة.

ويرى الخبير الاقتصادي أن ثمة دورا للتمويل الأصغر في مكافحة الفقر والبطالة، لكنه يحتاج إلى المزيد من الدعم والاهتمام، كما أن سقف التمويل الأصغر في المصارف يحتاج إلى زيادة سقفه.

ويعتقد أن الرسوم الحكومية تعد مشكلة حقيقة في مجال التمويل الأصغر، ويدعو لزيادة عدد المؤسسات التمويلية والمصرفية المتخصصة في التمويل الموجه لمكافحة الفقر والبطالة، وتشجيع ثقافة العمل الحر.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الفقر والبطالة التمویل الأصغر

إقرأ أيضاً:

الإمارات .. التزام إنساني ودبلوماسي تجاه السودان

تواصل دولة الإمارات التزامها بموقفها الثابت تجاه الحرب الأهلية السودانية التي اندلعت في أبريل 2023، من خلال رسائل استراتيجية واضحة تجمع بين الإدانة الحازمة للانتهاكات الخطيرة، والدعوة إلى وقف فوري للحرب، والدفع نحو حل سياسي يقوده المدنيون.
وشددت الإمارات منذ الأيام الأولى للأزمة، عبر بيانات رسمية صدرت تباعاً منذ مايو 2023 وحتى أكتوبر 2025، على ضرورة حماية المدنيين، ووقف استهداف الأحياء السكنية، داعية المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته تجاه ما يشهده السودان من جرائم وانتهاكات تُوثَّق يومياً.
وفي هذا السياق، أدانت دولة الإمارات في 9 يونيو 2024 الهجمات المشينة ضد المدنيين في مدينة الفاشر، ووصفتها بأنها «تصعيد خطير وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني»، مطالبة بفتح ممرات إنسانية وتأمين حماية عاجلة للمدنيين، كما أدانت في بيان نشرته وزارة الخارجية في 14 فبراير 2025 ما أوردته التقارير الأممية التي كشفت استخدام أسلحة كيميائية في مناطق غرب دارفور، معتبرة أن استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين يُعد جريمة حرب لا يمكن التغاضي عنها.
وأكدت الإمارات أن القصف العشوائي والإعدامات الميدانية والعنف الجنسي ومنع المساعدات الإنسانية وقطع الإمدادات عن السكان هي ممارسات يجب أن تتوقف فوراً، مع ضرورة محاسبة مرتكبيها.
وترى الإمارات أن جميع الأطراف المنخرطة في النزاع تتحمل مسؤولية مشتركة عن الفظائع المرتكبة منذ بدء الصراع، وأن استمرار العمليات العسكرية سيؤدي فقط إلى إطالة أمد المعاناة وتعميق الأزمة الإنسانية، وهو الموقف الذي أعادت التأكيد عليه خلال مداخلة رسمية في مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 3 مارس 2025، حيث دعت إلى وضع حد للانتهاكات بحق النساء والأطفال، وإلى ضمان حماية شاملة للمدنيين بموجب القانون الدولي الإنساني.
وتتمسك الإمارات بموقفها حيال الحرب في السودان، والذي يرى أن المسار السياسي هو الطريق الوحيد لإنهاء الأزمة، فمنذ مشاركتها في «جدة» في مايو 2023، مروراً باجتماعات «المنامة» في يونيو 2024، وجنيف في أكتوبر 2024، وواشنطن في يوليو 2025، دعت الإمارات إلى حل سياسي شامل يضع مصلحة الشعب السوداني فوق مصالح الأطراف المتحاربة، مؤكدة ضرورة إطلاق عملية انتقالية يقودها مدنيون مستقلون، بعيداً عن القوى المسلحة والمتطرفة، بهدف تشكيل حكومة مدنية خلال 9 أشهر تملك الشرعية والقدرة على استعادة مؤسسات الدولة والحفاظ على استقرار البلاد.
ورحبت الإمارات في 12 سبتمبر 2025، بالبيان الصادر عن «الرباعية» (الإمارات، والسعودية، والولايات المتحدة، ومصر)، واعتبرته اختراقاً مهماً في مسار الأزمة ونقطة تحول نحو إعادة إطلاق العملية السياسية، معلنة دعمها للبيان وذلك في إطار التزامها بتخفيف معاناة السودانيين ووقف التصعيد، والتعاون مع المجتمع الدولي لإعادة المسار السياسي إلى مساره الصحيح.
كما شددت الإمارات على ضرورة تحقيق هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، وهي مبادرة أعلنت عنها في 5 أبريل 2025، بهدف فتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية في ظل تقارير أممية أشارت إلى حاجة 25 مليون شخص داخل السودان إلى مساعدات عاجلة، بينهم أكثر من 4.5 مليون نازح منذ بداية الحرب، معتبرة أن هذه الهدنة يجب أن تمهد لوقف دائم لإطلاق النار، بما يتيح إطلاق عملية سياسية شاملة وشفافة.
وتجاوز الدعم الإماراتي حدود البيانات الدبلوماسية ليشمل وقوفاً مباشراً إلى جانب الشعب السوداني عبر مساعدات إنسانية وتنموية ضخمة، إذ قدمت الدولة خلال الفترة من 2014 إلى 2025 ما يقارب 3.9 مليار دولار من المساعدات.
وأرسلت الإمارات خلال الفترة من مايو 2023 حتى ديسمبر 2024، أكثر من 122 طائرة شحن إلى بورتسودان ودارفور محملة بإجمالي 8300 طن من المواد الغذائية والطبية ومستلزمات الإيواء.
وأولت الإمارات أهمية كبرى للجانب الصحي في دعم الأشقاء السودانيين، إذ شيّدت مستشفييْن ميدانيّيْن في مدينتي أمدجراس وأبشي في تشاد لتوفير الخدمات الطبية للاجئين السودانيين في دول الجوار، كما افتتحت مستشفى في منطقة مادول في ولاية بحر الغزال في جنوب السودان، فضلاً عن تقديم الدعم إلى ما يزيد على 127 منشأة صحية في 14 ولاية.
وقدمت الإمارات مساعدات مباشرة لما يزيد على 650 ألف شخص داخل السودان، بما في ذلك توفير مولدات كهرباء للمستشفيات المتضررة، وإعادة تأهيل عدد من مراكز المياه، وتوفير إمدادات غذائية لنحو 180 ألف أسرة، وفي نوفمبر 2024 أطلقت الدولة حملة طارئة لتوفير 100 ألف سلة غذائية لسكان ولايتي الجزيرة وكسلا، ضمن جسر جوي شمل 14 رحلة خلال أسبوع واحد.
وأكدت الإمارات مراراً على أن دعمها للشعب السوداني ليس مرتبطاً بظروف النزاع فقط، بل يأتي ضمن التزام إنساني طويل الأمد تجاه السودان، وشاركت الدولة في جهود إعادة الإعمار والمشاريع التنموية قبل اندلاع الحرب، بما في ذلك دعم برامج التعليم والصحة والبنية التحتية في الفترة بين 2016 و2022.
وفي مواجهة حملات التضليل الإعلامي التي رافقت النزاع السوداني منذ منتصف 2024، أعربت الإمارات عن قلقها من محاولات تشويه الحقائق وصرف الانتباه عن الجهود الإنسانية والدبلوماسية، وأكدت في بيان رسمي صادر بتاريخ 7 سبتمبر 2025، أن التضليل الإعلامي يُطيل أمد الحرب ويزيد معاناة المدنيين، داعية إلى مواجهة خطاب الكراهية والدعاية المضللة، ودعم الإعلام المسؤول الذي ينقل الحقائق، ويسهم في تعزيز مسار السلام.
وحذرت الإمارات من خطر تنامي الجماعات المتطرفة والإرهابية داخل السودان، مشيرة في اجتماع أمني دولي في يوليو 2025، إلى أن انتشار هذه الجماعات يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، ودعت إلى تعاون دولي لمحاصرة منابع الإرهاب ومنع تمدده.
وتجسد هذه المواقف المتتابعة رؤية إماراتية واضحة تقوم على دعم الشعب السوداني، ورفض الحرب، وحماية المدنيين، والدفع نحو حلول سياسية مستدامة، كما تؤكد مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لضمان وقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وتعزيز المسار الانتقالي بقيادة مدنية، بما يساعد السودان على تجاوز واحدة من أكثر أزماته تعقيداً في تاريخه الحديث.

أخبار ذات صلة الإمارات والعراق.. صحوة «الأبيض» ومفاجأة «الأسود» إطلاق برنامج «مسار البطل الرياضي» لدعم جيل جديد في الإمارات المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • جمال الخضري اليوسف.. رجل أعمال وطني يجمع بين الطموح الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية ويدعم جهود التنمية
  • بالفيديو .. الجيش السوداني يستعيد السيطرة على مناطق “ام دم حاج احمد وكازقيل” شمال كردفان من قبضة قوات الدعم السريع
  • رئيسة مكتب أطباء لحقوق الإنسان: الجزء الأكبر من التمويل المتاح للسودان يتجه إلى التسليح وإدارة الحرب
  • السودان.. بين هدنة الحرب واستراحة التاريخ
  • «التمويل الذكي».. ضرورة لإعادة بناء الشرق الأوسط بعد الحرب
  • أرض الذهب والمقابر الجماعية أو في سيرة الفاشر والفجيعة
  • الجيش السوداني يستعيد السيطرة على إحدى المناطق بولاية شمال كردفان
  • البرهان يعلن التعبئة العامة واستمرار الحرب في السودان
  • الإمارات .. التزام إنساني ودبلوماسي تجاه السودان