هل تمثل محاكمة الهيشري مدخلا للعدالة الدولية في ليبيا؟
تاريخ النشر: 6th, December 2025 GMT
طرابلس- فتح مثول خالد الهيشري، أحد مديري السجون في ليبيا، أمام المحكمة الجنائية الدولية، بابا واسعا من الجدل داخل البلاد وخارجها، بين من اعتبره انتصارا للضحايا وخطوة متقدمة نحو المساءلة، ومن رأى فيه مساسا بالسيادة الوطنية وتجاوزا للقضاء الليبي.
ويواجه الهيشري تهما خطيرة بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، شملت القتل والتعذيب والاغتصاب وانتهاكات واسعة النطاق بحق معتقلين.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا قد أعلنت تسلّم الهيشري -المعروف بلقب "البوطي"- في الأول من ديسمبر/كانون الأول، ليصبح أول ليبي يُحتجز فعليا لدى المحكمة منذ فتحها تحقيقا رسميا في "الوضع في ليبيا" عام 2011، وذلك بعد أن سلّمته السلطات الألمانية إلى المحكمة بعد اعتقاله في 16 يوليو/تموز من هذا العام.
وفي هذا التقرير، تستعرض الجزيرة نت خلفيات القضية والإجابات المتعلقة بأبرز الأسئلة حول هوية الهيشري، وطبيعة التهم الموجهة إليه، وعلاقته بالرئيس السابق للشرطة القضائية والمطلوب للجنائية الدولية أسامة نجيم، وما الذي تعنيه هذه الخطوة لمسار العدالة في ليبيا؟.
من هو خالد الهيشري؟يُعرف خالد محمد علي الهيشري بلقب "البوطي"، ويُعدّ أحد العناصر البارزة في "جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة" الليبي، وله صلة مباشرة بإدارة أو الإشراف على مرافق احتجاز تخضع للجهاز، وعلى رأسها سجن "معيتيقة" في طرابلس.
ارتبط اسمه بفترة شهدت احتجازات تعسفية واسعة النطاق، وممارسات اعتُبرت انتهاكات لحقوق الإنسان داخل مرافق يُفترض أنها تخضع لسلطة الدولة، وفق تقارير منظمات حقوقية.
وبحسب بيانات المحكمة الجنائية الدولية، فإن الهيشري مشتبه فيه بارتكاب جرائم تدخل ضمن اختصاصها، ويُعتقد أنها جرت داخل أماكن احتجاز تابعة لجهاز الردع خلال فترة سيطرته الفعلية أو إشرافه المباشر.
ما التهم الموجهة إليه؟ ومن وجّهها رسميا؟بحسب مذكرة التوقيف الرسمية، تضم التهم المعلنة من المحكمة الجنائية الدولية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتشمل:
إعلان التعذيب والاعتداء الجسدي على المحتجزين. الاحتجاز التعسفي. العنف الجنسي. سوء المعاملة وانتهاك الكرامة الإنسانية.وذكرت المحكمة أن هذه الجرائم يُشتبه في أنها ارتُكبت داخل سجن "معيتيقة"، وغيره من مواقع الاحتجاز التابعة لجهاز الردع، في الفترة ما بين عامي 2015 و2020.
واعتبر مكتب الادعاء العام في المحكمة أن "هذه الأفعال لم تكن انتهاكات فردية معزولة، بل نمطا متكررا ومنهجيا استهدف ليبيين وأجانب، بمن فيهم مهاجرون ولاجئون".
يُذكر أن المحكمة هي الجهة الرسمية الوحيدة التي وجّهت هذه الاتهامات، وفق نظام روما الأساسي، وهي صاحبة الولاية في التحقيق والمحاكمة في هذا الملف.
وكانت منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا قد نشرت في 18 يوليو/تموز 2025 تصريحات لأهالي الضحايا في ليبيا من بينهم من كانوا محتجزين في سجن معيتيقة معتبرين اعتقال الهيشري يعيد الكرامة لأولئك الذين تعرضوا للتعذيب المنهجي والعنف الجنسي والحبس القسري، ويدفع نحو الاعتراف العام بأن ما حدث لم يكن تجاوزات فردية، بل جرائم منهجية تستحق المساءلة الدولية حسب وصفهم.
ووثقت هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في يونيو/حزيران 2025، أن مراكز الاحتجاز في ليبيا ومن ضمنها سجن معيتيقة تشهد "احتجازا تعسفيا، تعذيبا، معاملة قاسية، اكتظاظا، غياب رقابة قضائية فعلية".
وفي مقابلات أجرتها منظمة العفو الدولية مع عشرات مهاجرين/لاجئين سابقين احتجزوا في مراكز منها معيتيقة، ونقلوا أن الاحتجاز تخلّله ضرب واعتداءات جسدية، تهديد، إهمال طبي، وهي أنماط من الانتهاكات التي تتقاطع مع التهم الموجهة الآن للهيشري أمام المحكمة.
ما علاقة الهيشري بأسامة نجيم؟يرتبط اسم خالد الهيشري باسم أسامة نجيم ارتباطا وثيقا من حيث البنية القيادية والوظيفية، ويعدّ نجيم من الشخصيات البارزة في "جهاز الردع" كذلك، وقد شغل مناصب قيادية فيه، وكان اسمه حاضرا في تقارير حقوقية عديدة تتعلّق بالاعتقال والتعذيب في مرافق الجهاز.
ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية طلبت رسميا تسليم أسامة نجيم أيضا، على خلفية اتهامات مشابهة، إلا أن وضعه القانوني لا يزال محل جدل دولي وقانوني بعد قيام سلطات إيطاليا بترحيله إلى ليبيا، بدلا من تسليمه إلى لاهاي، ما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوقية اعتبرت ذلك تجاوزا للعدالة الدولية.
وبالتالي، يمكن القول إن الهيشري ونجيم تجمعهما عوامل مشتركة، حيث عملا ضمن نفس الجهاز وارتبطت أسماؤهما بمواقع الاحتجاز ذاتها، وشملتهما تقارير متشابهة من منظمات دولية، كما صدر بحقهما اهتمام مباشر من المحكمة الجنائية، لكن الفرق أن الهيشري أصبح الآن في قبضة المحكمة، بينما لا يزال وضع نجيم غير محسوم قضائيا ودوليا.
ما "جهاز الردع"؟تأسس "جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة" بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، واتخذ من قاعدة "معيتيقة" الجوية مقرا رئيسيا له.
وقاد الجهاز عبد الرؤوف كارة، المعروف بانتمائه للتيار السلفي المدخلي، وبدأ في الأصل كقوة تابعة للمجلس العسكري في سوق الجمعة، ثم جرى تحويله إلى قوة تتبع وزارة الداخلية، قبل أن يُعاد تنظيمه بقرار من المجلس الرئاسي في 2018، ليُمنح سلطة أمنية رسمية وصفة الضبط القضائي.
إعلانورغم أن هذا القرار منح الجهاز غطاء قانونيا نظريا، إلا أن تقارير من منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" وبعثة تقصي الحقائق للأمم المتحدة أشارت إلى وقوع ممارسات اعتُبرت انتهاكات لحقوق السجناء في معتقلاته، بما في ذلك سجن "معيتيقة"، إضافة إلى صعوبة وصول النيابة العامة للرقابة المنتظمة.
كيف كانت ردود الفعل على اعتقال الهيشري؟شهدت هذه الخطوة ترحيبا واسعا من قبل منظمات حقوقية مثل: منظمة العفو الدولية، ومنظمة رصد الجرائم في ليبيا، والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، واعتبرت أن تسليم الهيشري يمثل "نقطة تحوّل في كسر دائرة الإفلات من العقاب في ليبيا".
وفي بيان مشترك لمنظمة رصد الجرائم في ليبيا نشرته يوم 3 ديسمبر/كانون الأول 2025 وعدد من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، رحّبوا فيه بتسلّم المحكمة الجنائية الدولية للهيشري، معتبرين أن نقله يمثل "نقطة تحول" في مسار مساءلة الانتهاكات في ليبيا.
من أبرز المنظمات الموقّعة على البيان هي الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، وهيومن رايتس ووتش، وبعض منظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق المهاجرين واللاجئين.
وشدد البيان على أن هذا الحدث هو الأول من نوعه منذ 2011 وأن خالد هو أول مشتبه به ليبي يُحال فعليا إلى لاهاي، وأن هذا التطور يعطي رجاء للضحايا والمجتمع المدني بأن الإفلات من العقاب في الانتهاكات الجسيمة لن يستمر، ودعوا السلطات الليبية إلى التعاون التام مع المحكمة وتسهيل مشاركة الضحايا والشهود بأمان.
في المقابل، أصدرت جهات محلية -أبرزها المجلس الاجتماعي في سوق الجمعة- بيانات مناهضة لتسليمه، معتبرة أن "عملية التسليم قد تمس السيادة الوطنية وتتجاوز صلاحيات القضاء الليبي" وفق رؤيتها.
لماذا يعتبر هذا الحدث مفصليا؟اعتُبر توقيف الهيشري أول اختبار حقيقي لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا، ولحظة فارقة في مسار العدالة الليبية الحديثة، حيث إنها تفتح الباب لملفات أخرى داخل سجون ليبية، وتضع مسؤولين آخرين تحت دائرة الضوء، وتعيد طرح سؤال العدالة الانتقالية بقوة، وقد تشكل بارقة أمل للضحايا وذويهم في إمكانية إنصافهم ومحاسبة المسؤولين.
في الوقت نفسه، يثير التوقيف مخاوف بشأن تأثير النفوذ السياسي على مجريات القضية، حيث إنه يحمل مخاطر متعلقة بالرفض السياسي الداخلي، واحتمالية تعرض الشهود والضحايا للتهديد أو الابتزاز السياسي، مما يعزز ضرورة أن يكون تعاون السلطات الليبية مع المحكمة مستقلا ونزيها، لضمان سير العدالة بشفافية.
ويرى المحلل السياسي فيصل الشريف أن ولاية المحكمة الجنائية الدولية على الحالة الليبية تستند إلى إحالة رسمية من مجلس الأمن، ما يمنحها شرعية قانونية دوليا رغم أن ليبيا ليست طرفا في نظام روما الأساسي. ويشير إلى أن الأصل كان أن يتولى القضاء الليبي ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلا أن الانقسام المؤسساتي والصراع على الشرعية أضعفا قدرة القضاء على أداء هذا الدور.
ويؤكد الشريف أنه لا يرى في تسليم خالد الهيشري بعدا سياسيا مباشرا، لا سيما أن التسليم تم عبر ألمانيا، معتبرا أن الرسالة الأبرز تكمن في طمأنة الضحايا بأن الإفلات من العقاب لن يدوم.
كما يلفت إلى ضعف تعاطي السلطات الليبية مع الملف، في ظل العجز عن تنفيذ مذكرات التوقيف أو فتح محاكمات جادة، ما يجعل اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية حلا مرحليا إلى حين استعادة استقرار الدولة وقدرة مؤسساتها القضائية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات المحکمة الجنائیة الدولیة جهاز الردع فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
المحكمة الجزائية بالأمانة تبدأ محاكمة جواسيس وكالة المخابرات الأمريكية
الثورة نت /..
بدأت المحكمة الجزائية المتخصصة بأمانة العاصمة اليوم، أولى جلسات محاكمة 13 متهمًا بالتخابر مع العدو، ضمن شبكة تجسس تابعة لوكالة المخابرات الأمريكيةCIA) ).
وفي الجلسة التي عقدت برئاسة رئيس المحكمة القاضي يحيى المنصور، وبحضور رئيس النيابة القاضي عبدالله زهرة، ووكيل النيابة القاضي صارم الدين مفضل، وأعضاء النيابة القاضي خالد عمر، والقاضي صلاح الشهاري، والقاضي عبدالملك إسحاق، والقاضي حمزة الآنسي وعدد من المحامين، تم مواجهة المتهمين بقرار الاتهام واستعرضت النيابة قائمة أدلة الإثبات في القضية.
واستمعت المحكمة إلى رد المتهمين وطلباتهم بتمكينهم من صور ملفات القضايا، وكذلك تعقيب النيابة عليها وطلباتها، وقررت استكمال استعراض قائمة الأدلة في الجلسة القادمة وفقًا للقانون.
وتضمّن قرار الاتهام أنّ المتهمين، خلال الفترة من 1987 حتى 2024م، تخابروا مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني عبر ضباط المخابرات الأمريكية، وأداروا أنشطتهم من داخل اليمن وخارجه.
ونُسب إليهم جمع معلومات في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تحت غطاء مشاريع تنموية وإنسانية، بما يمس مصالح الجمهورية اليمنية، كما عملوا على استقطاب وتجنيد أفراد ومسؤولين لصالح تلك الأجهزة، وقدموا مقترحات تخدم العدو الأمريكي والإسرائيلي.
وأثبت القرار مشاركتهم في الاعتداء على استقلال اليمن ووحدته وسلامة أراضيه، وإضعاف قدراته الدفاعية، ومعاونة العدو السعودي وتحالفه، إضافة إلى تلقيهم تدريبات في بناء الخلايا الاستخبارية وتجنيد العملاء وإدارتهم.