الأردن ـ السويداء: عقدة «الجار السوري»
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
الأردن ـ السويداء: عقدة «الجار السوري»
المؤامرة تتسلل دوما عبر الحرمان والإقصاء والمساس بخريطة واجبات الدولة وبمكونات اجتماعية كاملة وبدون مبرر.
لا يملك الأردن الرسمي ترف الرغبة في المناورة والتأثير لا في مناطق حوله ولا في مكونات طائفية.. تلك لعبة مغامرة الأردن خبير جدا في كلفتها وتوابعها.
يجب الإجابة على سؤالين بدل الانشغال بسيناريو المؤامرة وتوزيع الاتهامات: لماذا حصل ما يحصل الآن في السويداء؟ ما أفضل صيغة وطنية للاحتواء؟
السيناريوهات العدائية والمخاصمة كالفايروسات تجد أرضا خصبة للتخطيط والتدبير عبر تلك التعليقات والتصريحات والإجراءات المغرورة باسم السلطة.
تصر مجموعة الحكم بدمشق على الضرب بأدوات عتيقة بصيغة تثبت عدم تعلم الدروس وازدراء الحراك الشعبي الذي اتخذ من البداية غطاء سؤال سياسي في السويداء.
* * *
لا شكوك بأن النظام السوري الجار مصر على عدم احترام أو إظهار التقدير اللازم لخطوات الانفتاح الذي اندفعت أردنيا نحو التقارب وبعدة لغات ولهجات.
ولا شكوك في المقابل بأن المجموعة التي تحكم الأمور في دمشق تصر على الضرب بالأدوات العتيقة بصيغة تثبت عدم استلهام الدروس، خصوصا من خلال إظهار الازدراء للحراك الشعبي الذي تغلف من البداية بغطاء سؤال سياسي في محافظة السويداء ومحيطها.
لا تحترم حكومة دمشق بوضوح لا مصالح ولا احتياجات جارها الأردني ولا تسمع أو تريد أن تصغي لنبض مكوناتها الاجتماعية وتتجاهل أصوات المتألمين الموجوعين من مكونات سورية متنوعة، على رأسها الأخوة أبناء الطائفة الدرزية وسط استرسال في وضع كتلتي عجين وطين في الأذنين.
المؤامرات والتدخلات الإقليمية والدولية تتسلل دوما عبر ازدراء مطالب الشعب الأساسية، وتلك المؤامرات التي أرهقت سوريا بكل مكوناتها وجغرافيتها تنمو وتزدهر وتنتعش مثل الطفيليات عندما يشعر مكون اجتماعي كامل بالإقصاء والعزلة. لا مبرر لإعادة التاريخ نفسه تماما.
لسنا بصدد العودة لمناقشة لا الملف السوري ولا تلك المؤامرة ولا النتائج والتداعيات.
لكن ما يجري في حاضرة السويداء وجوارها برهان قاطع وجديد على أن تجاهل المطالب الأساسية للناس واسترخاء مفاصل الدولة بالتجاوب مع الأساسيات يمكنه أن يؤسس دوما لثغرة يتسلل منها العدو وغير المحب والخصم قبل الصديق أو المتعاطف الذي يقف عند حدود الإحراج مثل جار في الجيوسياسي تكلف الكثير وتوقظ كل أوجاعه ومخاوفه تلك الحراكات المطلبية التي سرعان ما تتسيس على أكتاف خواصره الحدودية.
لا نعرف بصورة محددة ما الذي جرى على خاصرة الحدود الشرقية الوعرة بمحاذاة الأهل في السويداء.
وطبعا لا نعرف ما الذي سيحصل لاحقا.
لكن انتظار السيناريوهات ومراقبة الوجع وهو يتكثف مجددا مناسبة فعالة لتذكير المؤسسات السورية الرسمية أو ما تبقى منها بأن المؤامرة تتسلل دوما عبر الحرمان والإقصاء والمساس بخارطة واجبات الدولة وبمكونات اجتماعية كاملة وبدون مبرر.
والسيناريوهات العدائية والمخاصمة مثل الفايروسات تجد أرضا خصبة للتخطيط والتدبير عبر تلك التعليقات والتصريحات والإجراءات المغرورة باسم السلطة.
نجدد وقوفنا ضد أي مؤامرة تستهدف الوطن السوري. ولكن نفترض بأن سلسلة من الدروس تراكمت وبأن ذلك الغرور السلطوي في دمشق تجاه مناطق بأكملها ينبغي أن يتراجع أو يتبدل وحقوق الشعب السوري ثابتة في الرخاء والكرامة والعيش بسلام وقضاء احتياجاته.
وأغلب التقدير أن الاستدراك يبدأ من رفع قيمة الإصغاء لنبض الناس واحترام مشاعرهم واحتياجاتهم حتى لا تركب أكتاف أي حراك شعبي أو مطلبي سيناريوهات مخاصمة عدوة.
ما يجري في بعض الحواضر السورية مؤلم وموجع، وسياسات القلعة الحصينة والتلويح الأمني فقط تلحق ضررا بمناطق وأبناء طائفة محترمة في السويداء طالما كانت حليفة وشريكة للنظام والدولة السورية نفسها.
وهي طائفة ينبغي أن لا يزاود عليها أحد وقدمت التضحيات والدماء في مواجهة فاتورة الانفلات وفي حماية مناطقها من كل مجموعات التشدد وأحيانا التطرف التي ادعت أنها تمثل المعارضة السورية الداخلية. ما يجري في السويداء خطير بالتأكيد ومؤذ جدا.
لكن المراجعة محورية وأساسية وباتت ملحة في دمشق بدلا من التلويح الدائم بخيارات البوليس والمواجهة الأمنية وعلى المزاودات أن تتوقف ويمكن تشكيل حالة حوارية وطنية مع أهل السويداء لنا كأردنيين، وبكل صراحة اليوم مصلحة مباشرة في تفعيلها وتنشيطها كمبادرة تبعد بعض الأشباح عن تلك الخاصرة المهمة.
يمارس بعض المسؤولين في دمشق عاداتهم القديمة في تجاهل احتياجات غيرهم وإفشال المبادرات الوسطية. يحصل ذلك مع أهل السويداء. ويحصل مع حزمة المصالح الحيوية الحدودية الأردنية في أكثر من اتجاه.
والمضحك جدا هو تلك المنابر التي تمارس شغبها الموسمي في اختراع فرية بعنوان دور أردني في تحريك أهل السويداء منذ أكثر من شهرين وفي التجاوب مع سيناريو أمريكي بدأت تتسرب تفاصيله في مناخ المنطقة والإقليم.
تلك أسطوانة مضحكة لعدة أسباب فعمان فيها ما يكفيها من انشغالات وعلاقاتها القديمة القائمة على الاحترام والتقديري برموز وزعماء الطائفة الدرزية في المنطقة كانت دوما، وقد تبقى عنصرا فاعلا في الاستقرار العام في المنطقة، خلافا لأن تلك العلاقات لن تهدف يوما لا للتحريك ولا للتدخل بقدر ما بقيت ذخيرة يمكن للنظام السوري التجاوب معها عندما يطلق مبادرات مصالحات وطنية ضرورية.
لا يملك الأردن الرسمي ترف الرغبة في المناورة والتأثير لا في مناطق حوله ولا في مكونات طائفية.. تلك لعبة مغامرة الأردن خبير جدا في كلفتها وتوابعها.
لذلك ننصح دائرة المسؤولين في دمشق التركيز على الإجابة على سؤالين بدلا من الانشغال مجددا بسيناريو المؤامرة وتوزيع الاتهامات هنا وهناك: لماذا حصل ما يحصل الآن في السويداء ؟.. ماهي أفضل صيغة وطنية للاحتواء؟
سؤالان يحتاجان إلى مؤسسة ناضجة لا تتمسك فقط بالخيار الأمني.
*بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سوريا الأردن الحراك الشعبي النظام السوري فی السویداء فی دمشق
إقرأ أيضاً:
محافظ السويداء لـعربي21: دخول الأجهزة الأمنية للمحافظة مسألة وقت
قال محافظ السويداء السورية، الدكتور مصطفى البكور، إن دخول الأجهزة الأمنية إلى داخل السويداء "مسألة وقت"، و"ستُفعّل الأجهزة الأمنية من أبناء المحافظة أنفسهم"، لافتا إلى أن الأحداث الأخيرة في صحنايا وجرمانا حالت دون ذلك.
وأوضح البكور، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "دور الأجهزة الأمنية ما زال في مراحله الأولى، ولم يصل بعد إلى المستوى المطلوب لتلبية احتياجات المحافظة".
ومؤخرا، شهدت منطقتي جرمانا وصحنايا اللتين يقطنهما دروز في جنوب دمشق توترات أمنية، وامتدت تداعياتها إلى السويداء المدينة الوحيدة ذات الغالبية الدرزية.
وأشار البكور إلى أن "هناك تواصلا محدودا بين إسرائيل وعدد قليل جدا من العائلات الدرزية، لكننا نرفض هذا التواصل تماما إذا كان يُهدّد أمن وسيادة الدولة السورية، وذلك وفقا للقوانين الدولية لحماية الأمن القومي".
وشدّد على أن "هناك أيادٍ داخلية وخارجية تسعى لزعزعة أمن محافظة السويداء وإثارة الفتنة"، منوها إلى أن "الوضع الحالي في المحافظة لا يزال بين مدّ وجزر، حيث ما زالت التوترات قائمة، إلا أنّه يسوده بعض الهدوء النسبي".
وتسعى إسرائيل إلى إقامة "تحالفات" لجذب السكان الدروز في سوريا إلى جانبها في سياستها الهجومية والاحتلالية بالمنطقة، والتي توسعت منذ بدء عدوانها الدموي على قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وإلى نص المقابلة الخاصة:
كيف تصفون الوضع الحالي في محافظة السويداء؟
الوضع الحالي في المحافظة لا يزال بين مدّ وجزر، حيث ما زالت التوترات قائمة، إلا أنّه يسوده بعض الهدوء النسبي.
كيف تقيّمون الأسباب الأساسية للتوترات والاضطرابات الأخيرة في السويداء؟ ومَن يقف خلفها؟
الأسباب بدأت بالإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من قِبل أشخاص غير معروفين، وهناك أطراف يمكن وصفها بالطابور الخامس، تسعى لزرع الفتنة والتفرقة بين الدولة وأبناء المحافظة.
هل هناك أيادٍ بعينها تسعى لإثارة الفتنة داخل سوريا حاليا؟
نعم، هناك أيادٍ داخلية وخارجية تسعى لزعزعة أمن المحافظة وإثارة الفتنة.
برأيكم، هل تأخر مسار العدالة الانتقالية سبب وجود الاضطرابات في السويداء وغيرها من الأراضي السورية؟
لا أعتقد أن تأخّر مسار العدالة الانتقالية هو السبب، بل هناك أطراف لها مصلحة مباشرة في زعزعة الأمن والاستقرار.
كيف يمكن إسكات الأصوات المُحرّضة في السويداء برأيكم؟
من خلال تحقيق الشفافية في مختلف الملفات، وبناء الثقة، ومنح دور فعّال للمشايخ والزعامات المحلية لحل الإشكالات.
بشكل مُحدد، مَن يقف خلف الهجوم على الطائفة الدرزية؟ وهل هناك استهداف ممنهج لهم أم لا؟
ما حدث بدأ بشكل عفوي كردّة فعل دفاعية عن مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد أي عداء أو استهداف ممنهج للطائفة الدرزية أو لأي من باقي الطوائف السورية.
كيف تقيّمون دور الأجهزة الأمنية في مواجهة الأحداث التي شهدتها محافظة السويداء مؤخرا؟
دور الأجهزة الأمنية ما زال في مراحله الأولى، ولم يصل بعد إلى المستوى المطلوب لتلبية احتياجات المحافظة.
وكيف تصف العلاقة بين السلطات المحلية وأبناء الطائفة الدرزية في السويداء؟
العلاقة جيدة ومتوازنة، وهناك تنسيق قائم، وإن كانت بعض الأصوات الشاذة تخرج عن هذا السياق.
هل هناك فجوة ثقة بين الحكومة السورية وأهالي محافظة السويداء؟ وكيف يمكن معالجتها؟
نعم، هناك فجوة في الثقة، والحكومة تعمل على معالجتها من خلال تعزيز التلاحم الوطني والمشاركة الشعبية الفاعلة.
ما مدى تعاون الدروز معكم كمحافظ للسويداء؟
هناك تعاون جيد وتفاعل ملموس واستعداد للتجاوب.
لماذا لا يتم السماح للأجهزة الأمنية بالدخول إلى داخل السويداء؟
كان هناك تخوّف نتيجة الأحداث الأخيرة في صحنايا وجرمانا، لكن الأمر مسألة وقت، وستُفعّل الأجهزة الأمنية من أبناء المحافظة أنفسهم.
مَن يحمي السويداء اليوم؟
حاليا، هناك وجود للشرطة وبعض الفصائل المحلية التي تتصدّر المشهد الأمني.
كم عدد المسلحين الدروز تقريبا؟
لا أملك حاليا إحصاءً دقيقا بعددهم. وإجمالا، لا بد من حصر وتنظيم السلاح بيد الدولة، وهذا واجب على الدولة ومؤسساتها المعنية؛ لأن وجود السلاح المنفلت لا يعطي الأمان ولا الاستقرار لأي محافظة سورية، وهناك خيارات كثيرة بهذا الخصوص فإما أن يُسلّم السلاح إلى الدولة أو تنضوى الفصائل المُسلحة ضمن وزارة الدفاع.
هل هناك أي مبادرات جديدة لتهدئة الأوضاع في محافظة السويداء؟
نعم، نحن نعمل على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع المشايخ وأصحاب الشأن بهدف تحقيق التهدئة. وكان من بين بنود هذا الاتفاق تفعيل الضوابط العدلية، وقوى الأمن المُتمثلة في وزارة الداخلية والشرطة، وأن يعود الاستقرار للمحافظة ويسود فيها القانون، وأن تظل السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، خاصة في ظل كثرة الشائعات الموجودة هنا وهناك.
ما هي الشروط الأساسية لنجاح أي مبادرة تهدف لاستقرار السويداء؟
تتلخص الشروط الأساسية في جدية العمل والسعي الجاد لتطبيق بنود أي مبادرة تُطرَح.
كيف تقيمون دور الزعامات الدينية والاجتماعية في تهدئة الأوضاع؟
معظم الزعامات متعاونة وتؤدي دورا إيجابيا في تهدئة الأوضاع.
كيف تنظرون لمحاولات الاستقطاب الإسرائيلي لدروز سوريا؟
جميع الدول تبحث عن مصالحها، ومحاولات الاستقطاب الإسرائيلية ليست مؤشرا إيجابيا.
ماذا تريد إسرائيل من الدروز؟
لا تعليق.
هل هناك تواصل بين إسرائيل وبعض أبناء الطائفة الدرزية أم لا؟
يوجد تواصل محدود يقتصر على عدد قليل جدا من العائلات.
وما موقفكم من هذا التواصل بين الجانبين؟
نرفض هذا التواصل تماما إذا كان يُهدّد أمن وسيادة الدولة السورية، وذلك وفقا للقوانين الدولية لحماية الأمن القومي، وكل الدول لا تسمح لأحد أن يتعرض لسيادتها وأمنها القومي، وأي تواصل يمس بسيادة الدولة يعتبر شيء خارج عن القانون، ويمكن وصفه بالخيانة الدولية، وهذا معروف في الأنظمة الدولية.
ما أبعاد الانقسامات بين مشايخ العقل في طائفة الموحدين الدروز، وخاصة في الموقف من العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي؟
هناك رفض واضح لأي علاقة مع إسرائيل، وإذا استمر التحريض فلن تستقر الأوضاع.
هل بعض الدروز في السويداء يسعون للانفصال أو الإدارة الذاتية؟
الغالبية الساحقة ترفض ذلك تماما. وعلينا جميعا أن نحافظ على وحدة سوريا، وأن تبقى البلاد موحدة بعيدا عن أي تقسيم؛ فوحدة سوريا هي أساس كل شيء.
كيف يمكن حماية السويداء من التدخلات الخارجية أو الصراعات الإقليمية؟
حماية السويداء تكون عبر بسط سيطرة الدولة على جميع المفاصل وفرض سيادة القانون.
ما هي رؤيتكم لمستقبل السويداء في ظل الوضع الراهن؟
إذا استمر الوضع الراهن على حاله، فلن نشهد استقرارا حقيقيا في المحافظة.