حلقات الأشجار تكشف عن تهديد الزلازل العنيفة المتعددة الصدوع
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
في فبراير/شباط الماضي، هز زلزال بقوة 7.8 درجة الحدود التركية السورية، أعقبه زلزال بنفس القوة بعد 9 ساعات تقريبا. فالصدوع الضحلة التي تقع على عمق أقل من 29 كيلومترا تحت السطح انفجرت وتسببت في حدوث هزات مركزة عنيفة أدت إلى تسوية آلاف المباني بالأرض وقتل عشرات الآلاف.
وقد انفجرت صدوع ضحلة مماثلة منذ حوالي 1000 عام في منطقة بوجيه لولاندز في غرب واشنطن، ووفقًا لبحث جديد أجرته جامعة أريزونا فقد ساعدت حلقات الأشجار في تحديد أن الحدث الزلزالي وقع في أواخر عام 923م أو أوائل عام 924م.
وتعني النتائج التي توصل الفريق البحثي إليها -والتي نشرت في دورية "ساينس أدفانسز"- أن حدثا مماثلا يمكن أن يهز المنطقة التي تضم الآن أكثر من 4 ملايين شخص مرة أخرى، بما في ذلك سياتل وتاكوما وأولمبيا.
الصدوع الضحلةكانت الزلازل القديمة إما نتيجة لانفجار جميع الصدوع الضحلة في المنطقة معا لإنتاج زلزال بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، أو كما حدث في تركيا وسوريا، زلزالان مزدوجان وقعا متتاليين بقوة تقدر بـ 7.5 و7.3 درجة. وعادة ما تؤدي الصدوع الضحلة إلى اهتزازات أكثر عنفا وتركيزا من الزلازل الناتجة عن التكوينات الجيولوجية الأخرى.
في حين أن الزلازل ليست جديدة على شمال غرب المحيط الهادئ، فقد حددت الدراسة أن الأحداث على هذه الصدوع الضحلة ترتبط ببعضها البعض بطريقة ما، إما عن طريق الاتصالات تحت الأرض وإما عن طريق نقل صدع واحد للضغط إلى صدع آخر، والنماذج الإقليمية للمخاطر، المستخدمة لتطوير التصميمات الهندسية للإنشاءات لا تعكس هذا الاحتمال حاليا، ولكن ينبغي لها ذلك.
اكتشف العلماء الصدوع الضحلة في المنطقة منذ ستينيات القرن الماضي، حيث تم اكتشاف صدع سياتل أولا، يليه صدع جبل سادل، الذي يمتد على طول السفوح الشرقية للجبال الأولمبية، وصدع تاكوما وأولمبيا.
هذه الصدوع الأربعة الضحلة كانت قد تمزقت منذ ما يقرب من 1000 عام في مجموعة من الزلازل تسمى "مجموعة الألفية"، تسببت في حدوث تسونامي محلي وانهيارات أرضية جردت سفوح الجبال من غابات بأكملها وتخلصت منها في بحيرتي واشنطن وساماميش القريبتين".
وحتى الآن، لم يكن العلماء على يقين من زمن وكيفية ظهور تلك الصدوع آخر مرة، فربما كانت قد حدثت في الوقت نفسه، أو بفارق ساعات أو بقرون، لم يكن العلماء متأكدين، لذلك التفت الفريق البحثي الذي يقوده برايان بلاك إلى الأشجار.
مع مرور كل عام، تضيف الأشجار حلقة حول جذوعها. يتم تحديد عرض الحلقة حسب المناخ الذي تعيشه. الظروف المواتية تعني حلقات أوسع والظروف غير المواتية تعني حلقات أرق. ونظرا لاختلاف المناخ من سنة إلى أخرى، فإنه يخلق أنماطا زمنية محددة مثل الرمز الشريطي (أو الباركود) في نمو الأشجار داخل المنطقة.
يمكن للباحثين في علم تحديد أعمار الأشجار مطابقة أنماط النمو المحددة زمنيا في الأشجار الميتة مع أنماط من الأشجار الحية. وإذا كان هناك تداخل مع الأشجار الحية، فيمكن تحديد التواريخ الدقيقة التي عاشت فيها الأشجار قبل أن تموت. كان هذا هو النهج المستخدم لتحديد متى ماتت الأشجار التي قتلها الزلزال في منطقة بوجيه.
في عام 2021، سافر بلاك إلى جبال شمال غرب المحيط الهادئ للمشاركة في حصاد جذوع الأشجار التي ماتت عندما حاصر صدع جبل سادل مجرى مائيا غمر الغابة، حيث لا تزال البحيرة التي توجد فيها جذوع هذه الأشجار الغارقة قائمة حتى اليوم، حيث قفز الغواصون في الماء لقطع عينات من الأشجار التي قُتلت عندما تشكلت البحيرة من مجموعة زلازل الألفية.
كان لدى بلاك وفريقه أيضا أجزاء تم الحصول عليها من الأشجار القريبة التي قُتلت في الوقت نفسه تقريبا أثناء انهيار جليدي صخري أدى إلى احتجاز مجرى مائي غمر مجرى نهر قريب.
كما حصلوا على أجزاء من الأشجار التي تم جمعها منذ أكثر من 30 عاما، والتي غرقت في الانهيارات الأرضية في بحيرة واشنطن وبحيرة ساماميش خلال زلزال كبير وقع في سياتل.
وعندما قارن بلاك أنماط النمو، لاحظ أن الأشجار ماتت في العام نفسه بالضبط عبر صدع جبل سادل وسياتل. ولتحديد سنة تقويمية دقيقة للوفاة، بنى الفريق تسلسلا زمنيا مدته 1300 عام من الأشجار الحية ولكن القديمة للغاية -والتي عند مطابقتها مع الأشجار التي قتلها الزلزال- أظهرت أن موسم الموت الخامل كان في أواخر 923م إلى أوائل 924م.
وقالت شارلوت بيرسون، الأستاذة المساعدة في علم تأريخ الأشجار والمؤلفة المشاركة في الدراسة "كان فريقنا محظوظا أيضا بوجود عاصفة شمسية هائلة بين عامي 774م و775م، والتي تسببت في ارتفاع عالمي مفاجئ في الكربون المشع".
حيث يمكن استخدام تقلبات الكربون المشع، مثل المناخ، لتحديد تاريخ حلقات الأشجار. "لقد قمنا بقياس الكربون المشع في حلقات الأشجار التي قتلها الزلزال لإظهار أن هذا الارتفاع حدث في المكان الذي اعتقدنا أنه ينبغي أن يحدث فيه"، وأكد هذا بشكل مستقل تاريخ وقوع الزلزال.
وقال بلاك "لقد أظهرت لنا الأدلة مجتمعة أن هذه الأشجار من جميع أنحاء المنطقة ماتت معا، وكان هذا في الواقع حدثا مرتبطا". وكما يؤكد بلاك فإن دراسة فريقه أثبتت وقوع الزلزالين بفاصل زمني ضيق على هذين الصدعين.
وكما يقول فإن "الأمر يختلف إذا كانت لدينا زلازل على هذين الصدعين يفصل بينهما 100 عام أو يفصل بينهما 100 ساعة فقط. ومن ثم فإن الدراسة تؤكد أن الصدوع الضحلة يمكن أن تنفجر بشكل متزامن أو في تتابع سريع للغاية" وأن هذا يغير المفهوم المعروف عن الصدوع في المنطقة.
ورغم ذلك، فإن نماذج المخاطر الحالية لا تعترف حاليا بإمكانية حدوث زلازل متزامنة أو متتالية بفاصل قصير نتيجة ترابط الصدوع الضحلة، ولحسن الحظ -حسب قوله- أنه كلما كان الزلزال أكبر وأكثر شدة، قل تواتره، لذا، في حين أن الزلازل بهذا الحجم قد تكون مدمرة للمنطقة، إلا أنها غير شائعة نسبيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الأشجار التی من الأشجار
إقرأ أيضاً:
غوغل: نظام التحذير من الزلازل أخفق في إنقاذ الملايين خلال كارثة تركيا
وكالات
أقرت شركة “غوغل” بفشل نظامها للإنذار المبكر من الزلازل في تحذير ملايين الأشخاص خلال الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرق تركيا فجر يوم 6 فبراير 2023، والذي أودى بحياة أكثر من 55 ألف شخص وتسبب في إصابة أكثر من 100 ألف آخرين.
وبحسب تقرير بثته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، فقد كان من الممكن أن يتلقى قرابة 10 ملايين شخص ممن تواجدوا ضمن نطاق 98 ميلًا من مركز الزلزال تحذيرًا عالي المستوى من النظام، يمنحهم نحو 35 ثانية ثمينة للبحث عن مأوى آمن.
إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا، إذ لم يُرسل سوى 469 تحذيرًا من النوع الأعلى “اتخذ إجراءً” (Take Action)، في حين تلقى نصف مليون مستخدم فقط تنبيهًا من المستوى الأدنى، المصمم للهزات الخفيفة والذي لا يُظهر تنبيهًا صاخبًا أو واضحًا على الهاتف.
هذا الخلل، الذي وصفه تقرير “غوغل” لاحقًا بأنه “ناتج عن قيود في خوارزميات الاكتشاف”، أدى إلى تقدير خاطئ لشدة الزلزال الأول، حيث قدره النظام بين 4.5 و4.9 درجة، رغم أن قوته الحقيقية بلغت 7.8 درجة على مقياس ريختر، ما جعله من أقوى الزلازل التي شهدتها المنطقة في العصر الحديث، ولم يكن ذلك الخطأ الوحيد، إذ فشل النظام أيضًا في تقييم الزلزال الثاني الذي ضرب لاحقًا في نفس اليوم، ما أدى إلى تقليل التحذيرات مرة أخرى.
الغريب أن النظام كان يعمل بالفعل وقت وقوع الكارثة، إلا أن التحذيرات لم تصل إلى العدد المتوقع من المستخدمين، خاصة أن الزلزال الأول وقع في ساعة مبكرة من الفجر (04:17 صباحًا) حين كان معظم السكان نائمين.
وكان من الممكن أن يوقظهم تحذير “اتخذ إجراءً” بصوته العالي وشاشته التي تتجاوز وضع “عدم الإزعاج”، وربما ينقذ أرواحًا كثيرة.
وأشارت “بي بي سي” إلى أنها حاولت، على مدار أشهر، التواصل مع سكان المناطق المتضررة الذين تلقوا ذلك التحذير الأعلى، لكنها لم تتمكن من العثور على أي منهم.
وفي أعقاب الكارثة، قامت “غوغل” بإعادة محاكاة الزلزال نفسه بعد تحسين خوارزمياتها، وأظهرت النتائج الجديدة أن النظام كان بإمكانه إرسال 10 ملايين تحذير من المستوى الأعلى، و67 مليونًا من تنبيهات الهزات الخفيفة لمن هم على أطراف المنطقة المتأثرة.
وقالت الشركة في بيانها: “نواصل تحسين نظام التحذير استنادًا إلى ما نتعلمه من كل زلزال”، مؤكدة أن النظام يُعد مكملًا للأنظمة الوطنية وليس بديلًا عنها، ومع ذلك، أعرب عدد من العلماء عن قلقهم من اعتماد بعض الدول على تقنيات لم تُختبر بالكامل بعد.
يُذكر أن نظام “تنبيهات الزلازل لأندرويد” الذي تطوره “غوغل” يعتمد على استشعار الاهتزازات من خلال ملايين الهواتف العاملة بنظام أندرويد، ويُفترض أن يُشكّل “شبكة أمان عالمية”، خاصة في الدول التي لا تمتلك أنظمة إنذار متقدمة.