الخليج الجديد:
2024-06-12@03:42:30 GMT

الغرب يخوض حروب إسرائيل دفاعا عن هيمنة منحسرة

تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT

الغرب يخوض حروب إسرائيل دفاعا عن هيمنة منحسرة

الغرب يخوض حروب إسرائيل دفاعا عن هيمنة منحسرة

دول «الغرب الجماعي» منقادة بعمى كامل خلف الثنائي الأميركي الإسرائيلي.

لعبت أميركا دوراً كبيراً بكل حروب إسرائيل العدوانية تسليحياً واستخباراتيا وسياسيا وإعلاميا، لكن اليوم نشهد لأول مرّة استعداداً أميركياً للمشاركة في الحرب.

حرب أوكرانيا محطّة هامّة في انتقال تركيز أميركا والغرب على «عودة الصراع بين القوى الكبرى» شرق أوروبا وآسيا، والسعي لـ«تخفيض توتر» الشرق الأوسط لتأمين هذا التركيز.

ظنّ قادة الغرب، وجيوش خبرائهم، أن بالإمكان السماح لإسرائيل باستكمال التطهير العرقي وتصفية قضية فلسطين على «نار هادئة»، والاستمرار في تجويع سوريا ولبنان.

أخفقت جهود أميركا لتشكيل جبهة عربية متواطئة مع العدوان، باستثناء تواطؤ الإمارات العلني، ومعظم دول العالم غير الغربي لا تنساق خلف الأجندة الإسرائيلية الأميركية.

ربّما لا تدرك حكومات الغرب أن تورّطها في الحرب سيحوّل الإقليم برمّته إلى كتلة لهب يحرق مصالحها وجنودها حيث يتواجدون وأن النيران قد تمتدّ لعواصمها الآمنة والهانئة حتى الآن.

* * *

لا يمكن فصل التعبئة الشاملة لـ«الغرب الجماعي» إلى جانب إسرائيل، بعد الهزيمة المدوّية التي مُنيت بها الأخيرة بفضل ملحمة «طوفان الأقصى» البطولية، عبر حشد حاملات الطائرات والزوارق الحربية الأميركية والبريطانية والإيطالية، وربما غيرها في القادم من الأيام، دعماً لها، والتغطية السياسية والإعلامية الكاملة لعمليات القتل الجماعي والتدمير الواسع النطاق التي ترتكبها في غزة، بذريعة حقّها في «الدفاع عن النفس»، عن الحروب والمواجهات التي يخوضها الأول في أكثر من ساحة حفاظاً على هيمنة منحسرة ومترنّحة.

من المعروف للجميع أن أميركا كانت شريكاً دائماً لإسرائيل في حروبها العدوانية تسليحاً ومساعدة استخبارية ومساندة سياسية وإعلامية، بدءاً من عدوان حزيران 1967، مروراً بحرب تشرين الأول 1973، وبالاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، وبحرب تموز-آب 2006، وصولاً إلى الحروب المتتالية على غزة حتى 2021، إذ لعبت واشنطن دوراً كبيراً في جميع هذه الحروب في المجالات التي ذُكِرت أعلاه، لكننا اليوم نشهد للمرّة الأولى استعداداً أميركياً للمشاركة في الحرب.

هي المرّة الأولى بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لكنها ليست كذلك بالنسبة إلى بقية القوى الغربية. فعدوان السويس على مصر في عام 1956، كان بريطانياً - فرنسياً - إسرائيلياً.

صحيحٌ أن قرار الحرب آنذاك اتُّخذ أساساً في لندن وباريس عقاباً للقاهرة على تأميمها قناة السويس، وقيادتها حركة التحرر العربية ضدّ هاتين القوتَين الاستعماريتَين، لكنّ الطرف الإسرائيلي، كما كشف الأرشيف الرسمي للجهات الثلاث، كان محرّضاً على اعتماد الخيار العسكري، ونجح في تسويق دوره كـ«مخلب قطّ» للقوى الغربية ضدّ تيّار القومية العربية الصاعد، والذي بات يهدّد بقاء إمبراطورياتهما الاستعمارية.

وفي محاضرة ألقاها في «كيبوتس» عام 1955، قال شمعون بيريز، بعد اشتباك بين القوات الصهيونية والجيش المصري على أطراف غزة، إن كلّ رصاصة تُوجَّه إلى رأس جندي مصري «سترفع أسعار أسهم إسرائيل في بورصتَي باريس ولندن».

غير أن العدوان الثلاثي هُزم، وتسارع بعده انهيار السيطرة الاستعمارية الفرنسية والبريطانية على بلدان المنطقة. بطبيعة الحال، هناك اختلافات هامّة بين السياق الدولي والإقليمي الراهن، وذلك الذي ساد في تلك المرحلة، لكن أبرز وجه للتشابه بينهما هو مسار انحدار القوة أو القوى الاستعمارية المسيطرة على الإقليم، وانعكاس ذلك على موازين القوى فيه.

مسار انحسار النفوذ الأميركي في المنطقة، بدأ في الحقيقة منذ فشل «مشروع الشرق الأوسط الكبير» في العقد الأول من الألفية الثانية، وتسارَع مع تنامي دور الصين وروسيا كمنافسَين إستراتيجيين للولايات المتحدة على المستوى الدولي، إلى درجة أن الأخيرة أضحت تَجهر بنيّتها «التخفّف من أعباء الشرق الأوسط» للتفرّغ لأولوية التصدّي لهذين المنافسين.

وقد شكّلت حرب أوكرانيا محطّة هامّة في عملية انتقال التركيز الأميركي والغربي على «عودة الصراع بين القوى الكبرى» في شرق أوروبا وشرق آسيا، والسعي إلى «تخفيض التوتر» في الشرق الأوسط ليضحي مثل هذا التركيز ممكناً.

ظنّ القادة الغربيون الأفذاذ، وجيوش مستشاريهم وخبرائهم، أنه بالإمكان السماح لإسرائيل باستكمال التطهير العرقي وتصفية قضية فلسطين على «نار هادئة»، والاستمرار في تجويع سوريا ولبنان، والمضيّ في محاولات زعزعة استقرار إيران، من دون أثمان تُدفع، لكنّ «طوفان الأقصى» موضوعياً، وبشكل مباشر وغير مباشر، أغرق جميع هذه المخطّطات.

قد يكون الفارق الرئيس بين المجابهة الراهنة وعدوان تموز - آب على لبنان، أن الأخير اندرج ضمن إستراتيجية الليكوديين الأميركيين، أي المحافظين الجدد، لـ«بناء شرق أوسط جديد»، أمّا الأولى فإنها تأتي خارج إطار أيّ إستراتيجية إقليمية، وتشكّل ردّة فعل غربية مسعورة لا أكثر. سقط «الشرق الأوسط الجديد» كما أسلفنا بفعل مقاومة شعوب المنطقة ودولها الوطنية، رغم أن الظروف الدولية والإقليمية كانت مؤاتية أكثر لواشنطن من تلك القائمة حالياً.

الأُحادية الأميركية كانت في أوجها، ولم تكن واشنطن في حالة صراع مفتوح مع موسكو وبكين. والأمر نفسه ينسحب على الإقليم، حيث نجحت إدارة بوش الابن في فرزه بين دول «معتدلة وحليفة» قامت بتغطية العدوان عملياً عبر تحميل قوى المقاومة مسؤولية «اندلاع العنف»، وحركات المقاومة والدول الوطنية التي قاومته.

المشهد الراهن متمايز جذرياً لأن الدول العربية المصنّفة «معتدلة وصديقة لواشنطن» كمصر والسعودية مثلاً، رفضت الإملاءات الأميركية بتحميل المقاومة الفلسطينية وحدها مسؤولية انفجار المواجهة، وعارضت بحزم المشروع الصهيوني لتهجير أهل غزة إلى سيناء، والذي تبنّاه وزير الخارجية الصهيو-أميركي، أنتوني بلينكن، وحاول الضغط عليها لقبوله.

صحيفة «لوموند» تحدّثت عن مجابهة دبلوماسية أميركية عربية حول المشروع المشار إليه. أخفقت جهود واشنطن لتشكيل جبهة عربية متواطئة مع العدوان الصهيوني، باستثناء تواطؤ الإمارات العلني معه، والواقع نفسه ينطبق على مواقف معظم دول العالم غير الغربي التي لم تنسَق خلف الأجندة الإسرائيلية - الأميركية. أمّا دول «الغرب الجماعي»، فهي منقادة بعمى كامل خلف الثنائي الأميركي الإسرائيلي.

من المفيد لفهم هذا التوجّه، قراءة مقال «الخبير» في شؤون الإسلام السياسي، جيل كيبيل، وهو مستشار غير معلن للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وصاحب مقولة «الانفصالية الإسلامية في فرنسا» والتي روّج لها الأخير في السنوات الماضية.

اختار «الخبير» لمقاله في صحيفة «لوفيغارو»، العنوان التالي: «11 أيلول إسرائيل، النسخة الإيرانية»، ورأى أن طهران خطّطت وأشرفت على عملية «طوفان الأقصى» كجزء من مشروع هجومي يهدف إلى القضاء على إسرائيل على المدى الطويل، والإجهاز على نفوذ الغرب في الشرق الأوسط، مستغلّةً انشغال الغرب بصراعه مع روسيا والصين.

وهو أضاف أن «بوتين يهاجمنا من شمال شرق أوروبا وإيران تهاجمنا على الضفة الشرقية للمتوسط». هو يفترض فعلياً أن هذين الهجومين منسّقان، ويبغيان تحقيق الهدف نفسه على المستوى الإستراتيجي، وهو القضاء على النفوذ الغربي وتغيير الموازين في الشرق الأوسط وفي شرق أوروبا.

ضحالة مثل هذه الفرضيات لم تمنع انتشارها والترويج لها في أوساط قطاعات وازنة من النخب السياسية والإعلامية الغربية، رغم أن أوساطاً معتبَرة من الرأي العام تشكّك في وجاهتها وصدقيّتها.

المهمّ أن السياسات التي باتت تعتمدها حكومات الغرب، عبر إرسال حاملات الطائرات والسفن الحربية إلى المنطقة نصرة لإسرائيل، وعبر تجريم التضامن مع فلسطين في داخل بلدانها، كمنع رفع العلم الفلسطيني واعتقال وفرض غرامات مالية على من يفعل ذلك، وقرارات بسجن من يدافع عن حركات المقاومة لمدّة تتراوح بين 5 و7 سنوات، والتبنّي الكامل للرواية الإسرائيلية عن المعركة الدائرة، هي جميعها دلائل قطعية على رسوخ أطروحات كيبيل وأمثاله في أذهانها، وأنها تعتبر نفسها في حالة حرب على جبهة ثانية، إضافة إلى الجبهة الأوكرانية.

ربّما لا تدرك حكومات الغرب أن تورّطها في مثل هذه الحرب سيحوّل الإقليم برمّته إلى كتلة من لهب يحرق مصالحها وجنودها حيث يتواجدون، وأن نيران هذا الحريق قد تمتدّ إلى عواصمها الآمنة والهانئة حتى الآن.

*د. وليد شرارة كاتب وباحث في العلاقات الدولية.

المصدر | الأخبار

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أميركا الغرب حروب إسرائيل مشاركة في الحرب طوفان الأقصى الأحادية الأميركية حرب أوكرانيا قضية فلسطين الشرق الأوسط شرق أوروبا

إقرأ أيضاً:

بلينكن في الشرق الأوسط للمرة الثامنة.. هل ينجح في وقف إطلاق النار

يستهل بلينكن زيارته الثامنة بلقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي

يبدأ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الاثنين جولة جديدة في الشرق الأوسط بهدف الدفع قدماً بمقترح لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، في ظل صمت حركة حماس حول هذا الموضوع والاضطرابات السياسية لدى الاحتلال، مما يجعل فرص نجاحه غير مؤكدة.

اقرأ أيضاً : "أعظم خوفنا من الطائرات الإسرائيلية"... تصريحات صادمة لمحتجزين سابقين في غزة

ويستهل بلينكن جولته، التي تعد الثامنة له في المنطقة منذ بدء العدوان بعد السابع من أكتوبر، بزيارة مصر قبل أن يتوجه في وقت لاحق من اليوم نفسه إلى الأراضي المحتلة.

وتهدف هذه الزيارة إلى تعزيز مقترح لوقف إطلاق النار بين الاحتلال وحركة حماس الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن في 31 مايو.

ويكثف بايدن جهوده لوقف الحرب التي تتسبب بفقدانه الدعم الانتخابي في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر نظرا لعدد الشهداء الكبير.

ولم تعلن حركة حماس ردها الرسمي حتى الآن.

وفي القاهرة، سيجري بلينكن محادثات مع الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن الحلول التي تتيح إعادة فتح معبر رفح بين مصر وقطاع غزة، المغلق منذ شهر.

ويتهم الجيش الإسرائيلي مصر بإغلاق المعبر، فيما ترد مصر بأن سائقي الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة لا يشعرون بالأمان عند عبورهم نقاط التفتيش الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً : 248 يوما من العدوان.. غزة في مجلس الأمن مجددا وزعزعة في حكومة الاحتلال

وأدى الإغلاق إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة وزاد من المخاوف من حدوث مجاعة في القطاع المحاصر.

خلال جولته في الشرق الأوسط، سيزور بلينكن أيضاً الأردن وقطر قبل أن يتوجه إلى إيطاليا للمشاركة في قمة مجموعة السبع يوم الأربعاء.

مقالات مشابهة

  • أقوى الشركات العقارية في الشرق الأوسط لعام 2024
  • للمرة الثامنة منذ 7 أكتوبر.. «بلينكن» يبدأ جولة جديدة فى الشرق الأوسط بهدف الضغط لتنفيذ مقترح بايدن بشأن غزة
  • بلينكن يعود إلى الشرق الأوسط لبدء "المهمة الثامنة"
  • منذ 7 أكتوبر.. بلينكن يبدأ من مصر جولته الثامنة في الشرق الأوسط
  • بلينكن يعود إلى الشرق الأوسط لبدء "المهمة الثامنة"
  • زيارته الثامنة إلى الشرق الأوسط.. بلينكن في إسرائيل اليوم لبحث التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار
  • بلينكن في الشرق الأوسط للمرة الثامنة.. هل ينجح في وقف إطلاق النار
  • بلينكن يعود إلى الشرق الأوسط للترويج لهدنة في قطاع غزة
  • وزير الخارجية الأمريكي يزور الشرق الأوسط من أجل هدنة في غزة
  • العاصفة الكاملة في الشرق الأوسط