جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-18@16:44:35 GMT

ماذا ينتظر "حماس"؟!

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

ماذا ينتظر 'حماس'؟!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

يعيشُ الضمير الإنساني الحُرُّ هذه الأيام محنةً وأزمةً ومأساة إنسانية غير مسبوقة، لم تشهدها البشرية عبر تاريخها الطويل، إنها مذابح وجرائم قادة إسرائيل للأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين المُحتلة، والتي تنقلها شاشات التلفزيون وعلى الهواء مباشرة بلا رحمة، وبمساندة مطلقة من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، التي قدمت القنابل المحرمة دوليًا والدبابات والطائرات بمختلف أنواعها، والتعويض عن الخسائر المالية لهذا الكيان الغاصب الذي أصبح منبوذًا أكثر من أي وقت مضى.

ولعل الطلب المرفوع من جمهورية جنوب أفريقيا وعدد من دول العالم الحُر، مطالبين بإجراء محاكمة دولية لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وعصابته الإجرامية، لهو خير دليل على ذلك التوجه الشجاع، كما إن المظاهرات الحاشدة في العواصم الغربية خاصة لندن وواشنطن، تُشير إلى صحوة وتحول جذري في مواقف هذه الشعوب ووقوفها مع غزة المنكوبة؛ مما يشكل ضغطًا على الحكومات الإمبريالية المصاصة لدماء الأبرياء في تلك العواصم.

من هنا يجب التأكيد على أن انتصار المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها في أرض الرباط حتمي ومؤكد، فقد قال الله- عز وجل- في محكم كتابه العزيز "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم: 47). ومن وسط ركام منازل غزة الصامدة التي تدمرت على رؤوس ساكنيها بنسبة 50 بالمائة من البيوت في هذا الجزء الغالي من أرض فلسطين؛ مخلفة أكثر من 14 ألف شهيدٍ، معظمهم من الأطفال والنساء، سيتجددُ الجهاد وتبدأ حرب تحرير المسجد الأقصى أولًا، ثم فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر؛ كل فلسطين التاريخية. لما لا، وقد سطَّر المجاهدون من كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس ملحمةً تاريخية تُكتب بماء الذهب يوم 7 أكتوبر 2023؛ حيث أنهوا أسطورة إسرائيل التي أرهبت الجميع، خلال أكثر من 75 سنة من عمر هذا الكيان الغاصب في قلب الوطن العربي، على الرغم من الحصار المضروب على القطاع منذ 17 سنة.

انكشفت حقيقة حكام إسرائيل وضعفهم؛ فلم يكونوا على مستوى الحدث؛ حيث أصابهم الخوف والهلع والصدمة والذل إلى هذه الساعة، على الرغم من مرور عدة أسابيع على هذا الفتح المبين للأمة في عمق القواعد العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وإرسال آلاف الجنود إلى غزة كانت مغامرة غير محسوبة ونكسة جديدة للجيش الإسرائيلي الذي يتعرض لحرب شوارع واستنزاف لأفراده الذين تحولوا إلى صيد سهل للمجاهدين المتحصنين في الأنفاق والمباني العالية؛ حيث يخسر يوميًا العشرات من جنوده وضباطه بين قتيل وجريح.

غزة أصبحت مقبرة للصهاينة، إنها بحق هدية قدمت على طبق من ذهب للمقاومة، ومن المفارقات العجيبة عدم قدرة هذا الجيش على الخروج من دبابات (الميركافا) التي يتحصنون فيها خوفًا من الموت، فإعادة الأسرى أصبح هدفاً بعيد المنال، فعقد صفقات التبادل مع حماس أصبح في مراحله الأخيرة.

السؤال المطروح الآن: هل سيحقق هذا الجيش المنهار معنوياً- والذي أصبح سجينا في المدرعات والمجنزرات- الأهداف التي وضعها مجلس الحرب في إسرائيل والمتمثلة في تدمير حماس وإزالتها من المشهد السياسي؟

في واقع الأمر تلك أماني وأحلام قادة إسرائيل ومن بعدهم الإدارة الأمريكية التي لا تنظر إلى قضية فلسطين العادلة إلا بعين واحدة هي عين إسرائيل. فقد أجمع معظم الخبراء في الدراسات الإستراتيجية على استحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية مهما استمرت هذه الحرب؛ فالمقاومة الإسلامية المتمثلة في كتائب عز الدين القسام تحارب على أرضها وتدافع عن قضية عادلة ومجاهدوها غايتهم الشهادة في سبيل الله وقبل ذلك كله قد أعدوا مسبقا لهذه المعركة، فلا توجد قوة معتدية ومحتلة عبر التاريخ استطاعت أن تهزم من يرفع راية النضال في سبيل تحرير الأرض، ولعل هروب الجيوش الأمريكية والغربية من أفغانسان وقبل ذلك من فيتنام من الأدلة الدامغة على انتصار أصحاب الأرض.

لا شك أن دولة إسرائيل العنصرية ستنتهي في القريب العاجل حسب توقعات اليهود أنفسهم؛ فانهيار دولة إسرائيل- التي أقامتها الدول الاستعمارية سنة 1948 على أرض فلسطين التاريخية- لم يكن بالأمر الجديد أو المُستغرب؛ بل تنبأ بذلك العديد من المفكرين والمؤرخين اليهود، خلال العقود الماضية؛ إذ توقع هؤلاء نهاية حتمية لهذه الدولة التي تمَّ زرعها في قلب الوطن العربي، والتي قامت بتشريد وتهجير الملايين من أصحاب الأرض الأصليين من الشعب الفلسطيني؛ بل وإبادتهم في كثير من الأحيان؛ فهناك سجل أسود لقادة إسرائيل، فأياديهم ملطخة بدماء الأطفال والنساء والمُسنين من العرب والفلسطينيين، ابتداءًا من بن جوريون الذي تولى الرئاسة في أول حكومة صهيونية، مرورًا بشمعون بيريز ووصولًا إلى رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي يقوم حاليًا باستهداف المستشفيات وارتكاب المجازر والإبادة الجماعية وتجويع سكان غزة.

فقد تنبأ المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس بهجرة يهودية عكسية للإسرائيليين إلى أمريكا وأوروبا، وذلك خلال السنوات القليلة المُقبلة، بينما توقع الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس قبل استشهاده، زوال إسرائيل عام 2027. وبالفعل كل الموشرات تدل على نهاية دولة الاحتلال قريبا، فكما قيل في سابق الأيام "دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة" فأسرائيل اليوم تستشعر الزوال والهزيمة من منظور كتبهم الدينية، فمملكة داود وسليمان- عليهما السلام- لم تصمد اكثر من 80 عامًا؛ فهي الدولة اليهودية الأولى، بينما الدولة الثانية لليهود وهي (مملكة الحشمونائيم) انتهت في عقدها الثامن أيضًا.

وفي الختام.. لقد كشفت حرب غزة عدم قدرة الأنظمة العربية في المجمل على اتخاذ قرارات تُعبِّر عن الرأي العام العربي وتواكب طموحات الجماهير، فكسر حصار غزة لم يكن أكثر من وهم لم يتحقق، كما أن منع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني ووقف إطلاق النار كان هدفًا صعب المنال من منظور العرب، وذلك لعدم وجود إرادة حقيقية لوقف المجازر.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عربات جدعون .. ماذا تعرف عن خطة الاحتلال الأكثر بشاعة في غزة؟

أقرّ المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغّر (الكابينت) خطة تصعيد جديدة في قطاع غزة تحمل اسم "عربات جدعون"، وتستند إلى سياسة التجويع الممنهج، وشنّ مجازر كثيفة، ومنع إدخال الغذاء والدواء، بهدف إعادة تقسيم القطاع إلى معازل صغيرة تدفع بالفلسطينيين نحو منطقة محددة تُعرف بـ"غزة الصغرى"، تمهيدًا لتهجيرهم القسري خارج القطاع.

لكن ما هي خطة "عربات جدعون"؟ وكيف يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تنفيذها في ظلّ التفاقم المتسارع للأزمة الإنسانية في غزة؟

مكونات خطة "عربات جدعون" وأهدافها
وافقت حكومة الاحتلال رسميًا، في السادس من أيار/ مايو الماضي٬ على الخطة التي تهدف إلى القضاء على حركة "حماس"، وترسيخ واقع أمني جديد في غزة يضمن استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي، مع تحقيق ما تسميه "عودة الرهائن". 

وتوصف الخطة بأنها متكاملة، وتستند إلى مزيج من الضغط العسكري، والدبلوماسي، والإعلامي، لتحقيق الأهداف المعلنة.

ومع أن الاحتلال الإسرائيلي لم يقدّم تصورًا واضحًا لمرحلة ما بعد الحرب، بسبب الخلافات الداخلية وضعف التنسيق مع واشنطن، فإنها تشترط لمرحلة "اليوم التالي" القضاء التام على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وفرض سيطرة عسكرية دائمة على القطاع.

وفي هذا السياق، شدد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على أن "تحقيق النصر" يتطلب احتلالًا مباشرًا، ونزع سلاح غزة، وتفكيك سلطة "حماس"، ونقل السكان إلى جنوب القطاع لتوزيع المساعدات هناك، مع وضع إطلاق سراح الأسرى في أسفل قائمة الأولويات.


ثلاث مراحل للتنفيذ
تُنفَّذ خطة "عربات جدعون" عبر ثلاث مراحل رئيسية

المرحلة الأولى: الاستعداد اللوجستي والنفسي
بدأت بالفعل وانتهت مع موعد انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة وتشمل:
- التحضير لتهجير السكان إلى جنوب القطاع، وخصوصًا إلى المنطقة بين محوري موراغ وفيلادلفيا.
- إنشاء "مراكز لوجستية" لتوزيع الغذاء والمياه والأدوية بإشراف شركة أمريكية.
- تدمير الأنفاق التي تربط رفح بخانيونس والمناطق الوسطى، بهدف عزل المناطق وقطع خطوط التهريب والتنقل.

المرحلة الثانية: القصف التمهيدي والتهجير القسري
وهي الأخطر إنسانيًا، وتشمل:
- تنفيذ قصف جوي وبري مكثف في أنحاء القطاع.
- تهجير السكان إلى مناطق محددة في رفح عبر التهديد أو التوجيه بواسطة منشورات ورسائل.
- إقامة "نقاط تصفية أمنية" يشرف عليها الجيش والشاباك لمنع تسلل المقاومين.

المرحلة الثالثة: الاجتياح والتفكيك العسكري
تبدأ بعد إخلاء المدنيين، وتشمل:
- اجتياح تدريجي للمناطق المُخلاة شمالًا.
- تدمير شامل للبنية التحتية العسكرية لحماس، بما في ذلك الأنفاق والمقرات.
- تمركز طويل الأمد للجيش الإسرائيلي لمنع إعادة بناء القدرات العسكرية للفصائل.


أدوات الضغط المرافقة
يعتمد المخطط الإسرائيلي على خمس "روافع ضغط" لتحقيق أهدافه:
- الاحتلال والسيطرة الميدانية.
- فصل السكان عن المقاومة عبر نقاط تفتيش تُعرف بـ"المصارف".
- منع وصول المساعدات إلى حماس.
- الفصل بين حماس والمدنيين.
- الرافعة المعرفية، وتشمل الحرب النفسية والاستخباراتية للضغط على القيادة الفلسطينية.

ويسعى الاحتلال الإسرائيلي، عبر هذه الإجراءات، إلى خلق بيئة تُفضي إلى ما تسميه "هجرة طوعية" للفلسطينيين، سواء إلى سيناء أو عبر البحر، في ظلّ مفاوضات سرية مع دول أجنبية لاستيعاب لاجئين فلسطينيين، بحسب ما ورد في تقارير إعلامية.

تهجير قسري تحت غطاء المساعدات
وصدرت تصريحات إسرائيلية عديدة تؤكد أهداف الخطة، أبرزها ما قاله وزير المالية المتطرف وعضو مجلس الحرب بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا علنًا إلى إعادة احتلال القطاع لخمسين عامًا، وتدميره بالكامل، ودفع سكانه إلى الهجرة الجماعية.

وقال سموتريتش وفق ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن "صورة النصر" تتحقق عندما يُحشر سكان غزة جنوب محور موراغ، ويُدفعون إلى مغادرة القطاع نهائيًا. 

وأضاف: "حينها ندرك أن لا أمل لديهم، وأن لا شيء ينتظرهم في غزة، ويبدأون البحث عن حياة جديدة في أماكن أخرى"، مشددًا على أن إسرائيل ستفرض سيطرتها الكاملة على القطاع لعقود قادمة.


لن تجدي نفعا مع حماس
وبحسب الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في "وكالة الأمن الإسرائيلية"٬ نعومي نيومان٬ فالخطة التي ترفع شعار "إزالة حماس" من غزة وتحظى بإجماع سياسي واسع يكتنفها الغموض حول المآل النهائي. فخطة "عربات جدعون"، لن تفلح في تغيير موقف حركة "حماس" أو دفعها نحو القبول بتسوية تبدو محدودة. 

وترى الباحثة في التحليل الذي نشرته في معهد واشنطن٬ تبعاً لهوية "حماس" كحركة مقاومة إسلامية، يصعب تصور قبولها بالاستسلام للاحتلال الإسرائيلي، سواء على المستوى السياسي أو العقائدي. بل إن إطالة أمد الاحتلال واستمرار الإدارة العسكرية – سواء كانت صريحة أو ضمنية – قد يمنح الحركة فرصة لإعادة تموضعها وتعزيز شعبيتها، لا سيما في ظل تنامي الغضب الشعبي داخل غزة والضفة الغربية، واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية.

وتقول "رغم ما قد تبديه "حماس" من مرونة تكتيكية في ظل تصاعد الضغط العسكري الإسرائيلي، كتقديم تنازلات جزئية تتعلق بملف الرهائن أو قبول هدنة مؤقتة، إلا أن من غير المرجح أن توافق على تسوية شاملة دون ضمانات دولية راسخة، تشمل وقفاً لإطلاق النار يمتد لسنوات، وانسحاباً تدريجياً من القطاع، وإنشاء سلطة فلسطينية مدنية تدير شؤونه، مع حرص الحركة على الاحتفاظ بتأثير داخل هذه السلطة ولو بشكل غير مباشر".

وتضيف "عملياً قد يؤدي تنفيذ الخطة الإسرائيلية إلى إضعاف القدرات العسكرية للحركة على المدى القريب، وتفكيك بنيتها القيادية، لكنه لن يضمن زوالها ككيان فكري وتنظيمي. كما أن محدودية الأولوية التي توليها الخطة لقضية الرهائن، تطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية للعملية، ومدى التزام الحكومة الإسرائيلية تجاه مواطنيها".

وتؤكد أن نجاح الخطة أو فشلها سيظل مرهوناً بعوامل عدة،  أبرزها "موقف الولايات المتحدة والدول الإقليمية، واستعدادهما لممارسة ضغوط فعلية على طرفي النزاع. أما في حال غياب هذا التدخل، فإن الخطة مرشحة لتعميق الانقسام وتغذية التطرف، بل وقد تُفضي إلى احتلال طويل الأمد للقطاع، يقابله تمرد متواصل تقوده "حماس"، مع ما يحمله ذلك من تداعيات إنسانية وسياسية وأمنية خطيرة، قد تُعيق الأجندات الأمريكية الأوسع في المنطقة، ومنها تلك التي تحاول زيارة ترامب ترسيخها".

مقالات مشابهة

  • من هو منشد حزب الله الذي تجسس لصالح إسرائيل وأطاح برؤوس حزب الله؟
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • بعد سلسلة من محاولات الاغتيال الفاشلة.. من هو محمد السنوار الذي عُثر على جثته داخل نفق خان يونس؟
  • توزيع الجوائز المالية في «أبطال آسيا 2».. ماذا ينتظر الشارقة؟
  • عربات جدعون .. ماذا تعرف عن خطة الاحتلال الأكثر بشاعة في غزة؟
  • تقرير عبري يدعي انتشار معاداة السامية في هارفارد.. ماذا عن تأييد فلسطين؟
  • المخرجة مي عودة: الوضع أصبح أكثر تحديا لصناع الأفلام الفلسطينيين
  • الجميّل: هذا هو المرشّح الشيعي الذي تحالفنا معه في زحلة
  • ما الذي قاله السفير الأمريكي في “إسرائيل” بعد خروجه من الملجأ
  • هذه الشركات التي ألغت رحلاتها إلى إسرائيل خشية صواريخ الحوثي