سواليف:
2025-12-10@03:29:59 GMT

في العمق

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT

#في_العمق د. #هاشم_غرايبه

لا شك أن صمود وبسالة المقاومة الإسلامية في غزة كان حدث القرن الأهم، الحقيقة ان ذلك يعود لعاملين أساسيين: الأول ان الدافع لانضمام المقاتل لحركة المقاومة لم يكن للحصول على وظيفة وراتب كباقي الجيوش النظامية، بل بدافع من العقيدة الإيمانية الراسخة، والثاني هو الحاضنة الشعبية الداعمة.


لم يكن ممكنا للعدو التدخل في إضعاف العامل الأول، فالإيمان يجعل العودة الى الوراء مستحيلا، لذلك انصب جهده على محاولة كشف الغطاء الشعبي عن المقاتلين، بالمبالغة في القتل والتدمير لأجل دفع الأهالي لتحميل المسؤولية فيما يصيبهم للمقاومة، لكن ذلك لم يؤثر إلا في قلة قليلة هم من قليلي الدين أصلاً، ولا تأثير لها في الرأي العام الشعبي.
السؤال: كيف تمكنت الحركة الإسلامية من بناء هذه القاعدة الشعبية العريضة والراسخة، بخلاف باقي الأنظمة العربية؟.
الإجابة نجدها ابتداء في أنها النظام السياسي الوحيد في الأمة الذي يعلن انتهاجه عقيدة مواطنيه (الإسلام)، ولا يخشى في ذلك أحدا.
لكن العامل الآخر يعود الى إخلاص الإدارة السياسية لواجبها، وغياب الفساد الذي هو سمة لازمة لباقي الأنظمة العربية الحاكمة.
الإدارة المخلصة تسلمت واقعا محبطا اقتصاديا بسبب الحصار الطويل، وواقعا اجتملعيا مفككا بسبب الإرث المريض الذي ساد القطاع بعد انسحاب قوات الاحتلال منه.
لكي نفهم ذلك الواقع سألخص المعلومات الهامة الواردة في تقرير أعده الأكاديمي النرويجي “تاج توستاد” يحلل فيه أوضاع القطاع، ونشرته “مجموعة الأزمات الدولية” قبل 15 عاما.
يبدأ التقرير بإعطاء لمحة عن الطبيعة السكانية والجغرافية للقطاع، فلكون تربته رملية صحراوية في أغلبها، فقد سكنها قديما البدو أكثر من الفلاحين الذين تركزوا في تجمعين: غزة وخانيونس، وبعد نكبة 48 جاءها 200 ألف لاجئ من جنوب يافا، ليصبح اللاجئون هم الأغلبية 75%.
حينما احتل العدو قطاع غزة عام 1967، أقلقته تلك النسبة العالية لللاجئين، كونهم يحلمون بالعودة، فلجأ الى التعامل مع السكان عبر شيوخ العشائر وكبار العائلات، من خلال اعتماد مختار لكل منطقة.
وبعد قيام سلطة أوسلو، تحسنت الظروف الاقتصادية لأبناء القطاع بتوفر الوظائف ضمن أجهزة السلطة التنفيذية والأمنية، ولتمتين سيطرتها لجأت لربط عائلات معينة بالسلطة أمنيا، كما أسست مجلسا عشائريا له 200 فرع، واستكملت نهج الاحتلال ذاته باعتماد مخاتير من بعض العائلات لضمان ولائها.
بعد الانتفاضة الثانية عام 2000 وتدمير العدو لمقار شرطة السلطة، نقلوا الأسلحة الشخصية لبيوتهم، لتصبح للعشائر قوة مسلحة، والتي أدت الى صراعات بين المخاتير وفقدان للأمن المجتمعي.
بعد نجاح الحركة الاسلامية بانتخابات عام 2006 وتسلمها الحكم، وجدت هذه الحالة من الفلتان الأمني، فكانت أول مهامها إنشاء قوة أمنية تنفيذية، شنت حملات على تجار المخدرات ولصوص السيارات والخارجين عن النظام، بالتزامن مع تنشيط دور الدعاة للحديث عن خطورة التعصب القبلي، والتنبيه للعدو الحقيقي المتمثل في الاحتلال.
ولما أن تحقق الأمن للمواطنين الذين كانوا يعانون الأمرين من العصابات المحمية من السلطة، فقد تنفسوا الصعداء، لذلك لم تنجح محاولة شيطنة الإسلاميين وتصويرهم بالإنقلابيين، قلق العدو ومعه كل معادي الإسلام في العالم، سواء الغرب أو عملائه من الأنظمة العربية المرتعدة من مطالبات جماهيرها بالعودة للإسلام، فأنشأ هؤلاء أعتى تحالف حصار عرفه التاريخ، ساهم بالدور الأكبر فيه النظام المصري، كونه المنفذ الوحيد القطاع للخارج، بعد اغلاق العدو المطار والميناء، فأحكم التحالف محاصرة القطاع براً وبحريا وجويا، بهدف دفع المواطنين للتمرد على سلطة الإسلاميين والمطالبة بعودة السلطة لحكم القطاع.
لكن سكانه صمدوا طوال السبعة عشر عاما المنقضية، بل سعوا بقدراتهم الذاتية الى بناء قاعدة تصنيعية عسكرية واقتصادية مستقلة، هي الوحيدة في المنطقة العربية الخارجة عن طاعة أمريكا، ورفضوا الانضمام الى قافلة التطبيع المخزية، وأصروا على أن النظام الإسلامي هو خيارهم.
لذلك ظل العدو يشاغلهم كل بضع سنوات باعتداء لمحاولة تدمير ما ينجزونه أولا بأول، لكان الله هداهم لما ينجيهم من شروره، فبنوا شبكة أنفاق عميقة تحمي كل ذلك وتخفيه.
لقد شكل هجوم السابع من تشرين صدمة لأركان تحالف شياطين الإنس، إذ تبين فشل حصاره المشدد، وفشل عملائه العرب (التنسيق الأمني) في رصد قدرات المقاومة، لذلك تراكض كل قادته الى الكيان اللقيط، يشدون أزره، خوفا من سقوطه الوشيك.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: في العمق

إقرأ أيضاً:

بين نظامَين

بعد عامٍ على سقوط «نظام بشار الأسد»، تقف سوريا حائرة بين نظامَين، الأول لم يُغلَق تمامًا على عقود من القمع والحرب والدمار، والآخر مفتوح على مستقبلٍ غامضٍ وأكثر تعقيدًا مما كان في أيام «النظام السابق»!

اللافت أن «التغيير» لم يكن نهاية الأزمة، ليبدو المشهد ـ بعد عام واحد ـ كمرحلة انتقالية صعبة، تختلط فيها الآمال الكبيرة بالخوف من مستقبل تصنعه القوى المتزاحمة، أكثر مما يصنعه السوريون أنفسهم!

للأسف، لم يستطع «النظام الجديد» ترك أي بصمة إيجابية على الأرض، بعد أن وجد نفسه أمام إرثٍ ثقيل، وأنقاض دمار وخراب، ومؤسسات منهارة، واقتصاد مشلول، وخزائن فارغة، وأمعاء خاوية، وحدود مستباحة، مفتوحة على احتمالات الفوضى!

مشهد كارثى، في بلد موزَّع الولاءات.. بين جماعات تشكَّلت في زمن الحرب، وأخرى خرجت من رحم «الثورة»، لتتحول «إدارة الدولة» إلى مهمة مستحيلة، يتقدم فيها العجز على الوعود، وتسبق فيها الوقائع على الأرض قدرة النظام على الفعل!

لقد ازداد المشهد تعقيدًا مع تمدد الاحتلالات المتعددة، سياسيًّا وعسكريًّا، فكل قوة خارجية وجدت في سقوط «بشار»، فرصة لتثبيت قدمٍ إضافية على الأرض السورية، بذريعة حماية المصالح، أو ردع التهديدات، أو المشاركة في رسم خريطة جديدة للمنطقة!

إذن، مع مرور الوقت، أصبح «الاحتلال» المتعدد، جزءًا أساسيًّا من شكل الخارطة الجديدة، يتحرك بثقة أكبر مما يجب، ويتعامل مع سوريا كأنها ساحة نفوذ، لا دولة تستعيد سيادتها.. وهكذا تكرست مناطق النفوذ، وتعدَّدت الرايات، وتحول العام الأول إلى اختبارٍ قاسٍ لفكرة الدولة نفسها!

وفي عمق ذلك المشهد المرير، يظل الإنسان السوري هو الطرف الأكثر بؤسًا وإنهاكًا، حيث يجد ملايين النازحين طرق عودتهم إلى بيوتهم موصدة، بما تبقى من خراب ودمار، أو بما استجد من خطوط تماسٍ جديدة، مع تضاعُفَ الفقر، وانعدام الخدمات!

بكل أسف، بعد مرور عام، يجد الجيل الجديد نفسه، يخطو أولى سنوات ما بعد «نظام بشار»، في دولة غير مستقرة ـ أو كما يراها البعض ـ «منزوعة السيادة»، مع وجود قوى إقليمية وخارجية تتصارع على مستقبله، فوق ركام ماضيه!

لكن آمال السوريين لم تنطفئ تمامًا في بناء وطنهم، رغم تمدد الاحتلال «الصهيوني»، ونزعات الانفصال المتزايدة، والخضوع لـ«إملاءات» الخارج، فلا يزال الشعور السائد بأن سقوط «بشار»، كان ضروريًّا، وأن إعادة بناء الدولة ـ مهما كانت التكلفة ـ أفضل من استمرار الانهيار الممتد لعقود طويلة!

أخيرًا.. هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن الطريق إلى إعادة الإعمار، وتثبيت دعائم الاستقرار، ليس سهلًا، بل سيكون طويلًا وشاقًّا، وأن العام الأول لم يكن سوى الفصل الأول في معركة استعادة الوطن، دولة وأرضًا وشعبًا وقرارًا.

فصل الخطاب:

يقول «نيلسون مانديلا»: «لا يوجد طريق إلى الحرية خالٍ من الألم، لكن الشعوب التي تصر على النهوض هي وحدها القادرة على صناعة فجر جديد».

 

[email protected]

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو.. شيخ بدران يقدم محاضرة دينية لجنود المليشيا بعنوان “العرق دساس”: (الزواج ما قسمة ونصيب لذلك تزوجوا النساء الجميلات وأبعدوا من الفلوليات وربنا وصف الأشاوس بالجمال)
  • زيلنسكي: مستعدون لهدنة في مجال الطاقة إن كانت روسيا مستعدة لذلك
  • بين نظامَين
  • كيف أرى النبي فى المنام؟.. داعية: المحافظة على هذه الأدعية يوصلك لذلك
  • "العربية لحقوق الإنسان": اقتحام الاحتلال لمقر الأونروا في القدس تصعيد خطير يهدد النظام الدولي
  • بهدف تطوير القطاع في الوطن العربي.. المنظمة العربية للسياحة تطلق مبادرة “المقاصد السياحية الشاملة والمستدامة 2030”
  • احتفالات بسقوط النظام في حي المزة بالعاصمة دمشق
  • "مسافة السُلطة"
  • هيئة البترول بغزة: العدو يستخدم سياسة “التنقيط” في إدخال غاز الطهي
  • مصدر أمني بغزة: العدو الإسرائيلي يستغل المعابر والطائرات المسيّرة لتهريب المخدرات