لجريدة عمان:
2025-05-16@11:13:24 GMT

من جديد: هل ينفع الهربُ إلى المكتبة؟

تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT

من منا يستطيع أن يقوم بفعل أي شيء، دون أن تحيط به سحابة قاتمة من الشعور بالذنب. من يستطيع أن يحتفل أو يلتقي بالأصدقاء والأحبة، دون أن يبذل جهدًا كبيرًا لدفع فلسطين وما يحدث فيها إلى ما وراء ذهنه، ومع هذا ينتابه العجز الشديد جراء فعل ذلك. بالنسبة لي ولأصدقائي، ممن مثلت القراءة بالنسبة لنا، الملاذ الذي اعتمدناه كل العمر لكي لا يصبح هنالك مجال لأي شيء آخر عدا ما نقرأ، فقدنا أخيرا هذه الصلة، وإذا ما قرأنا، فإننا نتململ سريعا، وأكثرنا نجاة من عاد ليقرأ في التراث أو الأدب العربي المعاصر.

أحد الأصدقاء تأثر بأطروحة عالم الاجتماع الفرنسي هنري لوفيفر «الحق في المدينة» وقد قدم للمكتبة العربية قراءة متواشجة ومتقاطعة مع أطروحة لوفيفر والمدينة العربية، يسائل حضور لوفيفر في الكتابة النقدية العربية واستهلاكه بتطرف خلال السنوات الأخيرة. لكن الأمر تغير كثيرا بالنسبة لصديقي هذا بعد السابع من أكتوبر الماضي، ومع استمرار العدوان على غزة، وجد أنه من السخف بما كان أن ينطلق من أدبيات أوروبية في أطروحته حول المدينة العربية، لم يعد يستطيع فعل ذلك بعد الآن، لذا انكب على التراث وما زال يفعل، علّ روحه تجد ما تسلو به.

أما أنا فلقد قرأت أدبا عربيا، والكثير من الشعر العربي في الآونة الأخيرة، لكنني وجدتُ ضالتي في الأدب اللاتيني، بدا أن هذا العالم أكثر صدقا وتوافقا مع نفسه، تلقفتُ ماركيز في «خبر اختطاف» التي لم أقرأ من قبل، وكولمبيا إبان الاختطافات البابلو اسكوبارية، أتهجأ الأسماء ببطء، وأحاول حفظ الأسماء التي تستخدم لتدليل كل شخصية. أحاول اكتشاف أصولها، ومتابعة الثقافة الحية والملونة للاتينيين. قرأتُ الرواية ببطء غير مسبوق، مكتوبة كما لو أنها تقرير صحفي، إلا أن ماركيز ببصيرته النافذة وشعريته المتجاوزة، يضيء لك النص في جمل مختارة، تشفُ عما تعجز اللغة الصحفية عن الإتيان به. سرعان ما تحول الأمر لفضول أعيشه للمرة الأولى تجاه الموسيقى اللاتينية، وتعرفتُ أخيرا على Camarón de la Isla، والتفتُ لصديق بجانبي قائلة: ماذا لو أن العالم أقل قسوة مما هو عليه، أقل رعبا، وأكثر دعة، ماذا لو أن مركز العالم هم اللاتينيون أو الهنود، ماذا لو لم يكن هنالك مركز واحد؟ ثم بكيت.

وفي الوقت الذي أحار فيه ماذا أقرأ لكي أنسى وأهرب. فقد أصدقائي ممن غادروا غزة قبل سنوات مكتباتهم، بعضهم فقدها في تدمير كامل لبيوتهم، أما معظم أصدقائي فلقد شاهدوا صور كتبهم وهي تتحول لنار، يحاول أهلهم التدفئة بها أو استخدامها في الطبخ. تخيلتُ أن أفقد مكتبتي بهذه الطريقة العنيفة وعرفتُ جيدا كيف أن ما يحدث الآن لا عودة منه على الإطلاق. تماسك بعض أصدقائي الغزيين وانهار البعض الآخر منهم، ميزوا تلك الكتب التي تحرق حتى والصور التي تصلهم مترددة وشحيحة في ظل انقطاع الاتصالات المستمر في غزة، أردتُ أن أسألهم واحدا واحدا: قل لي هل هنالك كتاب وحيد أوصيت بعدم حرقه؟ ماذا سيكون؟ قبل فترة أهداني صديقي الغزي أعدادا قديمة من مجلة الكرمل، تعود للثمانينيات والتسعينيات أوصى عائلته بأن ترسلها له من مكتبته الصغيرة التي غادرها قبل أربع سنوات دون أمل قريب بالعودة، وذلك مع صديقة لنا عادت لزيارة أهلها بعد سنوات هي الأخرى. لديّ الآن في مكتبتي إذن، مشاريع نجت من الحرق، جثثٌ محتملة لتدفئة الأجساد المتجمدة من البرد القارص، لدي أعداد من مجلة الكرمل، فيها رسمت فنانة فلسطينية من غزة لا أعرف إن كانت ما زالت على قيد الحياة، رسوما بقلمها الرصاص فوق القصائد، وفوق مختارات من ديوان الغائب لبول شاؤول، الأمر الذي دفعني يومها لكي أسأل صديقي هذا، هل أحبتك هذه الرسامة؟ لابد وأنها فعلت، خصوصا وقد تركت وردة لتجف في وسط ذلك العدد من الكرمل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

رفح.. المدينة التي تحولت إلى أثرٍ بعد عين

بعد عام كامل على بدء العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لم تعد تُسمع فيها أصوات الحياة، بل حلّ محلها دويّ الانفجارات وهدير الجرافات وهي تلتهم ما تبقّى من المنازل والذكريات، مغيرة بذلك ملامح المدينة بالكامل.

تُظهر مقاطع فيديو نشرها جنود الاحتلال ووسائل إعلام عبرية حجم الدمار الكارثي الذي حلّ بأحياء سكنية كاملة؛ مبانٍ سُوِّيت بالأرض، شوارع دُمّرت بالكامل، ومعالم اندثرت كما لو أنها لم تكن يوما موجودة.

كل شيء مدمر بشكل كامل.. مشاهد تظهر حجم الدمار الذي خلفه الاحتلال في #رفح جنوب قطاع #غزة pic.twitter.com/8MzYnOuU4o

— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) May 12, 2025

أثار العديد من مقاطع الفيديو المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي صدمة وغضبا واسعين بين مغردين فلسطينيين وعرب، بعدما أظهرت حجم الدمار الواسع والكبير الذي ألحقه الاحتلال الإسرائيلي بالأحياء السكنية في مدينة رفح.

ووصف المغردون ما يحدث بأنه جريمة موثقة بكاميرات الجنود، لا تُخفى، بل تُعرض على العالم بوقاحة على أنها "إنجازات عسكرية"، في مشهد يُقلب فيه الحق باطلا، وتُروَّج فيه الإبادة كنوع من الانتصار.

وتعليقا على هذه المقاطع، قال الناشط خالد صافي إن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يوثق جريمته في مدينة رفح ويعرضها على العالم كأنها مجدٌ يُتفاخر به لا مجزرة تُدان، مشيرا إلى أن جنود الاحتلال لا يخفون أفعالهم، بل يصوّرونها بكاميراتهم، ويوثّقون الإبادة التي ارتكبوها بحق مدينة كاملة، ويجوبون أنقاضها بوجوه تتشح بالزهو لا بالخزي.

ما زال المجرم يوثق جريمته..
ويعرضها على العالم كأنها مَجدٌ يُتفاخر به لا مجزرة تُدان.
جنود الاحتلال لا يخفون أفعالهم، بل يصوّرونها بكاميراتهم، يوثقون الإبادة التي ارتكبوها بحق مدينة كاملة، ويجوبون أنقاضها بوجوهٍ تتشح بالزهو لا بالخزي.
فيديو نشره أحد الجنود يكشف ما لا يحتاج إلى… pic.twitter.com/sfF0ZgMRn5

— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) May 12, 2025

إعلان

ورأى مغردون أن ما يحدث في رفح ليس مجرد احتلال أو اجتياح، بل "إزالة جغرافية كاملة" لإحدى محافظات القطاع الخمس، التي كانت تُشكّل بوابته الوحيدة نحو العالم، ونقطة اتصاله بالجغرافيا العربية.

كما أشاروا إلى أن هذا المسح لا يعني دمارا آنيا فقط، بل يُمثّل تعقيدا هائلا لأي محاولة مستقبلية لإعادة إعمارها، إن انتهت الحرب وسُمح بذلك أصلا.

وأكد آخرون أن رفح لم تُهدم فقط، بل أُعدِمت هويتها بالكامل، في ظل مواصلة الآليات الإسرائيلية تدمير أحيائها بشكل ممنهج وسريع، بعيدا عن الأضواء، وخارج نطاق التغطية الإعلامية.

شركات مدنية اسرائيلية تهدم ما تبقى في رفح pic.twitter.com/gJJ6Y73gQ9

— alam_mohaier83 (@alam_mohaier83) April 23, 2025

وأوضح عدد من المغردين أن رفح قد انتهت، ولم يبقَ من اسمها إلا "جنوب محور موراغ"، كما تسميها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وكأن رفح بتاريخها وأحيائها ومآذنها وأسواقها ومساجدها وذكريات أهلها لم تكن أبدا.

وعلّق أحد النشطاء قائلا: "مدينة كاملة مُسحت، بيوت سُوِّيت بالأرض، شوارع دُكّت، أرواح صعدت بلا وداع، ومعالم اندثرت في صمت عالمي مخزٍ".

أما آخرون، فقد وصفوا رفح بـ"المدينة المنسية على هامش الخريطة"، حيث صمت الشوارع أبلغ من كل صراخ، وحيث يُدفن الحلم قبل أن يولد. بين أنقاضها تنكسر الأرواح كما تنكسر الحجارة تحت أقدام العابرين.

واعتبر مدونون أن رفح اليوم ليست مجرد مدينة أُزيلت عن الخارطة، بل شاهد على جريمة إبادة، جريمة محو جغرافي وتطهير عرقي كامل.

وتساءل مدونون آخرون: "هل نسينا أن مدينة تُباد أمام أعيننا؟ هل فقد الإعلام العالمي حسّه الإنساني إلى هذا الحد؟".

مقالات مشابهة

  • آثار اقتصادية فورية.. هل يستطيع ترامب رفع العقوبات عن سوريا؟
  • ضبط سائق توك أنهى حياة شاب رمياً بالرصاص فى المحلة
  • صريح جدا / هذه هي الرياضة التي يفضلها الأولياء الجزائريون لأبنائهم
  • الميثاق الوطني : لجنة الثقافة الحزبية والوطنية تزور المكتبة الوطنية
  • الحرب التي أجهزت على السلام كله
  • العراق بين الغياب والحضور… ماذا سيجني من القمة العربية بعد قمة الرياض
  • وزير المالية الدكتور محمد يسر برنية لـ سانا: نشكر أشقاءنا وأصدقاءنا، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية تركيا، وغيرهم، الذين وقفوا وساهموا في القرار الأمريكي، كما نشكر الإدارة الأمريكية على تفهمها للتحديات التي تواجهنا، والشكر موصول ل
  • وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني: أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية قيادةً وحكومةً وشعباً، على الجهود الصادقة التي بذلتها في دعم مساعي رفع العقوبات الجائرة عن سوريا، هذه الخطوة تمثل انتصاراً للحق وتأكيداً على وحدة الصف العربي
  • هُويَّتنا التي نحنو عليها
  • رفح.. المدينة التي تحولت إلى أثرٍ بعد عين