من أشكال العدوان الإسرائيلي على غزة هذا الثابت في السياسة الأمريكية، الذي ظل مستمرًّا من السابع من أكتوبر حتى الآن في مواجهة دولنا العربية والعالم، وهو ممارسة أقصى درجات الخداع، وأعلى منسوب للكذب يمكن أن تماريه دولة في التاريخ.
وقد وظّفتِ الإدارة الأمريكية هذا الثابت في سياستها لخلق مظلة أمان مستمرة للعدوان الإسرائيلي حتى يرتكب كل تلك الجرائم من عمليات إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم أخرى لم يصل بعدُ أساطين القانون الدولي إلى توصيفها لأنها فاقتِ الخيال الإنساني في بشاعتها.
الإدارة الأمريكية بقيادة چو بايدن، منذ اللحظات الأولى لإعلان طوفان الأقصى، تبنت رواية إسرائيل المزعومة حول قيام رجال حماس بقطع رؤوس الأطفال وحرق الجثث، وكان الرئيس الأمريكي يحكي هذه الكذبة بمرارة مصنوعة أمام الكاميرات، وكـأنه أكبر ممثل في التاريخ.
واستمرَّت لعبة الكذب والخداع لحشد العالم خلف العدوان الإجرامي الإسرائيلي، ولفتح خزائن السلاح والمال الأمريكي بلا قيود أمام العصابة الصهيونية، وللسيطرة على كل وسائل الإعلام العالمية تحت أكذوبة أن إسرائيل ضحية لجماعة إرهابية.
انخدع البعض طوعَا أو كرهًا من صُناع القرار في منطقتنا والعالم بما يروِّجه الرئيس الأمريكي الصهيوني چو بايدن، ولكن الرجل ظهر إلينا في نسخة جديدة نهاية الأسبوع الماضي، يرتدي ثوبًا إنسانيًّا، ويلقي بالاتهامات على الآخرين، وكان أبرز تلك الاتهامات ما وجهه لمصر ورئيسها مدعيًا أنه هو مَن أقنع الرئيس السيسي بفتح معبر رفح بعد أن كان رافضًا ذلك.
محاولات ضرب القادة العرب وشعوبهم، كانت إحدى وسائل الكذب والخداع التي مارسها قادة إسرائيل بالاتفاق مع قادة أمريكا بدايةً من أكاذيب أعلنها نتنياهو بنفسه حول قطر ودورها وتحريضها على السابع من أكتوبر، وأيضًا حول إبلاغ أحد المسئولين المصريين لإسرائيل بعملية السابع من أكتوبر قبل حدوثها، إضافة إلى تلك التصريحات المتتالية من نتنياهو ومسئولين في الإدارة الأمريكية والإعلام الإسرائيلي عن توافق مع عدد من زعماء عرب يساندون كل العمليات الإجرامية في غزة، ويتفقون على هدف تدمير حماس.
والكذب الأمريكي هذه المرة يبدو خدعة مركبة، حيث تدَّعي الإدارة الأمريكية -وعلى رأسها چو بايدن- أنها ضد اجتياح مدينة رفح المكتظة بسكانها والنازحين، لأن ذلك يمكن أن يتسبب في قتل أعداد كبيرة من المدنيين، ولكن في نفس الوقت توافق على عملية محدودة لقتل مَن تقول إنهم إرهابيون في صفوف هؤلاء المدنيين.. أي أن چو بايدن يريد أن يكسب أمام العالم موقفًا خداعيًّا لصورة إنسانية، بينما يمد نتنياهو بالأسلحة والذخائر والأموال والدعم السياسي والدبلوماسي، ولا يقدم مجرد تهديد واحد يربط بين الجريمة الكبرى المنتظرة وبين التهديد بالعقاب، وهو أيضًا يحاول أن يُلصق كل الجرائم البشعة التي ارتكبها مع حليفه نتنياهو بمصر، تأكيدًا لمزاعم قالها ممثل إسرائيل في محكمة العدل الدولية بأنهم غيرُ مسئولين عن وقف المساعدات لأن مصر تغلق معبر رفح.
الحقيقة المطلقة في هذا الشأن أن إسرائيل تضرب الشاحنات، وتقتل السائقين، وتقضي على المرضى، وتدمر كل شيء في أبشع مشهد إجرامي في التاريخ، ولكنها تريد أن تخرج من الحرب عائدة إلى صورتها القديمة التي روَّجها الإعلام الأمريكي والغربي عن واحة الديمقراطية وسط غابات التسلط العربي، وعن احترام القوانين الدولية وسط الجماعات العربية المتوحشة التي تأكل البشر.
إنهم يمارسون علينا أبشع محاولات الإذلال والتنكيل، يذبحون أطفالنا، ويسحقون شبابنا ورجالنا ونساءنا، ويستخدمون كل الأسلحة المحرمة دوليًّا، ثم يحمِّلوننا كل تلك الجرائم، لأننا في نظرهم لا نجرؤ على الرد خوفًا من هذا الجنون الأعمى الذي يلوحون به مع كل ساعة.
والحقيقة أن حماس نجحت في توجيه أكبر ضربة لأوكار الكذب والخداع التي أسستها أمريكا في فلسطين منذ عام 1948، وحماس ليست جيشًا من الملايين، وليست من بين الدول الكبرى في المنطقة، وكتائبها في القسام لم يأتوا من كل فلسطين، ولكنهم جاءوا فقط من غزة المحاصَرة الجائعة المحبوسة تحت الأرض.. إنهم أقل مجموعة عربية من حيث العدد والعُدة، ولكنهم أكثر مجموعات العرب معرفة بأن هذا الكيان الغاصب أكذوبة، وأن العرب لو عادوا لعقولهم ساعةً بدلًا من سكرات الخوف لانتهت تلك العصابة التي تمثل الشيطان في الأرض.
ويبقى أن كلَّ مَنِ اعتقد بعد تصريحات بايدن الأخيرة أن الرجل قد عاد إلى رشده وإلى إنسانيته، وأنه ضد إبادة شعبنا في فلسطين، عليه أن يراجع طبيبه النفسي كي يتأكد من سلامة عقله، ويعود إلى الله كي يتأكد من سلامة ضميره وقلبه.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإدارة الأمریکیة
إقرأ أيضاً:
عضو الحزب الجمهوري الأمريكي: استمرارية النزاعات الإسرائيلية تضر بالمصالح الأمريكية
علقت جينجر تشابمان عضو الحزب الجمهوري الأمريكي، على إعلان إذاعة جيش الاحتلال بأن من أبرز مؤشرات تدهور العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو قرار ترامب بقطع الاتصالات مع نتنياهو. جاء ذلك بعد أن أبلغ مقربون من ترامب بأن نتنياهو كان يتلاعب به.
وقالت خلال تصريحات مع الإعلامية مارينا المصري، مقدمة برنامج "مطروح للنقاش"، عبر قناة "القاهرة الإخبارية": "هذه الخطوة تشير إلى تطور الخلافات بين البلدين، مشيرًا إلى أن هذا الوضع ينعكس بشكل واضح على تدهور العلاقات بين واشنطن وتل أبيب".
وأضافت تشابمان أن ما يحدث في العلاقات بين ترامب ونتنياهو يشير إلى أزمة أكبر، حيث نوه إلى العديد من المؤشرات التي توضح هذا التوتر. على سبيل المثال، لفت إلى إقالة مايك وتز، الذي كان يعمل خلف الكواليس مع نتنياهو لتنفيذ خطط لضرب إيران.
وأوضحت تشابمان أن هذا التحرك يعكس عدم رغبة الولايات المتحدة في الدخول في نزاع مع إيران بناءً على مصالح إسرائيلية، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد المواجهات على مستوى عالمي.
من جهة أخرى، أشارت تشابمان إلى أن ترامب بدأ في اتخاذ خطوات لتخفيف التوترات في مناطق أخرى، مثل اليمن، حيث كان يتفاوض على وقف إطلاق النار مع الحوثيين. وهذه الخطوة، وفقًا لتشابمان، تعد بمثابة محاولة لعزل نفسه عن سياسة نتنياهو العسكرية في المنطقة، خاصة في ظل التباين الكبير بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية، متابعًا، أن ترامب يبدو وكأنه يسعى لتحجيم التدخل الأمريكي في النزاعات التي لا تخدم مصلحة الولايات المتحدة.
وشددت تشابمان على أن الوضع الحالي يكشف عن حقيقة مريرة، وهي أن استمرار إسرائيل في نزاعاتها الإقليمية يتسبب في تآكل الموارد العسكرية الأمريكية، حيث إن الولايات المتحدة قد أنفقت أكثر من مليار دولار الشهر الماضي فقط في محاولة للتعامل مع الحوثيين في اليمن، مما يعكس تأثير هذا النزاع على الميزانية العسكرية ويزيد من الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة، حيث يرى الشعب الأمريكي أن مصلحة إسرائيل لم تعد تتماشى مع مصلحة بلاده.