أي نظام عمل هو الأجدى برأيك من بين هذه الخيارات التاريخية؟
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
مع تطور الحضارة تغيرت ظروف الحياة وتحسنت باضطراد وتقلصت ساعات العمل اليومية بعد أن كانت في العصور السابقة غير محددة وأحيانا تتجاوز العشرين ساعة.
إقرأ المزيدمنذ قرن ونصف كان العمل يتواصل في المدن والأرياف من شروق الشمس حتى غروبها، وفي وقت لاحق كانت ظروف العمل في المصانع قاسية وثقيلة ولم تكن محددة بجدول زمني موحد وبإجازات ثابتة، وكان مالك المصنع يسعى من دون ضوابط إلى تحقيق أقصى الأرباح على حساب عرق الكادحين.
كان لا بد من النضال من أجل ظروف عمل أفضل. وفي هذا السياق صاغ المعلم التشيكي الشهير يان كومينسكي في القرن السابع عشر قاعدة "الثمانيات الثلاثة"، وهي ثماني ساعات للعمل، وثماني ساعات للنوم وثماني ساعات للثقافة والتسلية.
هذه القاعدة حظيت في ذلك الوقت بدعم الطبيب الألماني كريستوف هوفلاند، الذي أثبت أن الشخص كي يكون بصحة جيدة، يجب ألا يعمل أكثر من ثماني ساعات في اليوم، وأن ينام لمدة ثماني ساعات.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر سادت أحكام تقليدية قاسية لكبار المفكرين في هذا المجال مثل آدم سميث وديفيد ريكاردو، وبموجبها كان يعتقد أن الربح يزيد كلما طالت ساعات يوم العمل، والزعم بأن تقنين يوم العمل من قبل الدولة يقوض القدرة التنافسية للاقتصاد وهو في نفس الوقت غير مفيد للعمال أنفسهم، لأنه يحد من إمكانية زيادة دخلهم.
الرقم القياسي لساعات العمل اليومية وقدره 20 ساعة ساد في مطلع القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وحينها كان العمال يأكلون وينامون بجوار الآلات.
كان يوم العمل في المصانع الفرنسية والبريطانية في عام 1840 على سبيل المثال من 14 إلى 15 ساعة، وجرى تخصيص نصف ساعة للراحة ثلاث مرات في كل نوبة، في حين أصبح العمل يوم الأحد شائعا.
الوضع تغير فقط في عام 1880، حين بدأت الكهرباء في الانتشار على نطاق واسع. عقب ذلك، تم تحديد العمل اليومي بـ 12 ساعة.
هذا الرقم كان في ذلك الوقت إنجازا كبيرا خفف من قسوة ظروفهم ومنحهم عطلة أسبوعية في يوم الأحد، وفسحة لرؤية أسرهم من وقت لآخر.
جرى تقليص فترة العمل اليومي إلى 8 ساعات لأول مرة في عام 1922. قام بذلك رجل الصناعة الأمريكي هنري فورد الذي طبق إجراءات لتسهيل الإنتاج من خلال خطوط التجميع.
في الاتحاد السوفيتي اقترح الزعيم يوسف ستالين نقل البلاد إلى يوم عمل بخمس ساعات، وأشار في كتابه "المشاكل الاقتصادية للاشتراكية في الاتحاد السوفياتي"، إلى ضرورة التحول إلى يوم عمل لمدة خمس ساعات، مفترضا إدخال نظام العمل 6 ساعات في اليوم أولا ثم تطبيق العمل لمدة 5 ساعات في اليوم، ما رأى أنه سيساعد العمال على تطوير انفسهم والرفع من مستواهم الثقافي والمساهمة في تعليم وتربية أطفالهم، وصولا إلى أن يكونوا سعداء في النهاية!
ستالين لم ينجح في تنفيذ هذه الخطة، وبعد عام توفى، فيما أهمل خليفتهنيكيتا خروتشوف المشروع، ولم يهتم بمثل هذه الأفكار.
العطلة الأسبوعية متمثلة في يومي السبت والأحد ظهرت في عام 1936 في فرنسا، وبعد عامين طبقت في الولايات المتحدة، ومنذ عام 1960 بدأت عملية سن القوانين التي تقلص ساعات العمل الإضافية ويتعزز نهج الرفع من الأجور.
علاوة على انتشار نظام العمل بفضل تقنيات الكمبيوتر والإنترنت وخاصة بعد جائحة الفيروس التاجي، تدرس حكومات دول أوروبية وخاصة السويد وبريطانيا والدنمارك مسألة تخفيض ساعات العمل اليومي.
مبادرة مماثلة كانت ظهرت في روسيا قبل مدة، وهي تدور حول خيارين اثنين. الأول يتمثل في زيادة يوم عطلة أسبوعية إضافي، والثاني يقضي بتقليص ساعات العمل اليومي من ثماني ساعات إلى سبع أو حتى 5 ساعات.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف ساعات فی فی عام
إقرأ أيضاً:
ثلاثية باكستان التاريخية.. الجيش، الإقطاع السياسي، الدين
نشأت باكستان من رحم مناطق ذات غالبية مسلمة من الهند: البنجاب، السند، بلوشستان، غرب كشمير، شرق بلاد البنغال.
وفي دولة انشقت عن الهند بسرعة ودون تخطيط مسبق كاف، وجدت باكستان نفسها في مرآة الآخر (الدولة الأم)، مع ما يتطلبه ذلك من سرعة بناء دولة سيادية ذات هوية واضحة كمقابل لهُوية الآخر: الهند الهندوسية.
وكان طبيعيا في مثل الحالات التاريخية، ليس أن تهيمن النخب على السلطة الجديدة فحسب، بل الأهم والأخطر، أن طبيعة هذه النخب وصراعاتها ستسم تاريخ باكستان منذ نشأتها وحتى الآن، وسيكون لها تداعيات سلبية على تطور البلاد السياسي والاقتصادي.
الجيش
لا يمكن فصل سيرورة تطور المؤسسة العسكرية في باكستان وعقيدتها عن نشوء الدولة عام 1947 من رحم الهند، العدو المفترض والواقعي في وعي النخب الباكستانية آنذاك.
كان على الدولة الوليدة المؤلفة من أعراق متعددة (بنجال، بلوش، بنجاب، باشتون، سند)، ومناطق جغرافية مختلفة من حيث التمدن، وتشهد عمليات نزوح كبيرة من مسلمي الهند (يتكلمون لغة الأوردو الغريبة على مناطق باكستان) نحوها، أن تسرع في بناء مؤسسات الدولة.
وكان طبيعيا في تلك المرحلة أن تُولى المؤسسة العسكرية الاهتمام الأول للنخب الحاكمة، إذ أصبح ضروريا بناء جيش قوي في ظل وضع إقليمي مضطرب، خصوصا مع الهند.
لكن، بسبب التكوين الرديء والبطيء للجيش الباكستاني، كان طبيعيا أن تخسر باكستان في أول امتحان عسكري لها مقابل الهند، عندما فشلت عام 1948 في ضم إقليم كشمير إليها، ثم الهجوم الفاشل على الهند عام 1965، ثم عام 1971 عندما فشل الجيش في القضاء على عملية انفصال باكستان الشرقية (بنغلادش) بدعم من الهند التي نجحت في إلحاق هزيمة عسكرية بالجيش الباكستاني.
انعكست الهزائم العسكرية سلبا على الداخل الباكستاني، حيث تزايد الاستياء من الجيش بسبب ذلك، ومع محاولات النخب السياسية إعادة قوننة المؤسسة العسكرية، وجدت الأخيرة نفسها مضطرة للدخول في صراعات مع السياسيين.
كانت البداية عام 1958، عندما قرر قائد الجيش أيوب خان دعم غلام محمد للاستيلاء على السلطة، ثم فرض ذو الفقار علي بوتو الحكم العسكري لنحو 15 عاما.
لم تكتف المؤسسة العسكرية بالهيمنة على المجال السياسي، بل دخلت المجال الاقتصادي أيضا، فقد كانت القوات البرية تدير مؤسسة فوجي، فيما تدير القوات البحرية مؤسسة باهايا، أما القوات الجوية فتدير مؤسسة شاهين.في بداية حكمه أجرى بوتو تغيرات مهمة في هيكلية الجيش، وأنشأ قوات أمنية رديفة تابعة للسلطة السياسية، لكن في أواخر حكمه بدأ يعزز من سلطته السياسية التنفيذية من خلال التقرب من الجيش، بإنشائه رئاسة هيئة الأركان المشتركة كهيئة استشارية تساعد رئيس الجمهورية في شؤون الحرب.
بيد أن الاحتجاجات الشعبية الواسعة الرافضة لنتائج الانتخابات، أدت إلى مواجهات بين الجيش والمتظاهرين، قبل أن يقرر الجيش عزل بوتو وتعيين ضياء الحق الذي أوصل الحكم العسكري إلى ذروته.
لم تكتف المؤسسة العسكرية بالهيمنة على المجال السياسي، بل دخلت المجال الاقتصادي أيضا، فقد كانت القوات البرية تدير مؤسسة فوجي، فيما تدير القوات البحرية مؤسسة باهايا، أما القوات الجوية فتدير مؤسسة شاهين.
ومنذ ذاك التاريخ وحتى اليوم، تلعب المؤسسة العسكرية دورا رئيسا في الحياة السياسية الباكستانية.
الإقطاع السياسي
تشكل إقليم البنجاب (أساس الدولة الباكستانية لاحقا) تاريخيا من أوليغارشية ـ إقطاعية ذات سمات قبلية، عمل الاستعمار البريطاني على تعزيز هذه الطبقة بغرض توفير الأمن والاستقرار.
وكون زعماء القبائل وأصحاب العقارات يشكلون قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية، صارت باكستان ملجأ للمسلمين المنتمين للطبقات المميزة الذين لا يثقون في السياسات الاقتصادية لحزب المؤتمر الهندي وزعيمه رئيس الوزراء جواهر لال نهرو.
ومنذ تأسيس باكستان، هيمنت النخب الإقطاعية على المجال السياسي التداولي الداخلي: آل خان، آل بوتو، آل حق، آل مشرف، مقسمة على حزبين رئيسيين هما: حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية.
حال هذا الوضع إلى عدم نشوء أحزاب سياسية متعددة ذات أيديولوجيات وانتماءات اجتماعية مغايرة لطبقة الإقطاع السياسي، كما حال دون نشوء مجتمع مدني قادر على ممارسة ضغوط اجتماعية نحو الأسفل وسياسية نحو الأعلى.
هيمنة سلالات سياسية على المشهد الباكستاني من عائلة بوتو وشريف، أو بسلالات حزبية عريقة وهما حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية.
وتطلب الأمر عقودا عديدة حتى تم كسر هذه المعادلة مع وصول عمران خان ـ من خارج الطبقة الإقطاعية السياسية التاريخية ـ إلى رئاسة الحكومة.
غير أن خان سرعان ما وجد نفسه ضمن تركيبة معقدة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وحتى عسكريا، ما جعل وجوده في الحكم لا يسفر عن أي تغيير سياسي، ولا حتى تعبيد الطريق أمام تحولات سياسية لاحقة.
لقد كان لطبيعة نشأة الدولة الأثر الكبير في هذه التركيبة السياسية، وتشابكاتها مع الحركات الدينية من جهة، ومع المؤسسة العسكرية من جهة أخرى.
الدين
إذا كانت العلمنة في العالم الإسلامي تقوم على هيمنة الدولة على الدين، لا الفصل بينهما كما هو الحال في الغرب الديمقراطي ـ الليبرالي، فإن باكستان تُمثل أكثر الحالات الإسلامية خصوصية في هذا المجال، ففي مجتمع ودولة نشئا كرد فعل (انسلاخ) عن دولة هندوسية لا تعطي المسلمين حقوقهم الكافية، كان طبيعيا أن يكون الدين عاملا رئيسا في هوية الدولة الوليدة، كـ أنا جمعية مقابل الآخر.
لكن خصوصية باكستان، لا تكمن في هذه النقطة، فالهُوية الدينية الإسلامية كمقابل للهُوية الهندوسية في البلد الأم، تشكل عاملا إيجابيا في تعضيد المجتمع والدولة الجديدين.
إذا كانت العلمنة في العالم الإسلامي تقوم على هيمنة الدولة على الدين، لا الفصل بينهما كما هو الحال في الغرب الديمقراطي ـ الليبرالي، فإن باكستان تُمثل أكثر الحالات الإسلامية خصوصية في هذا المجال، ففي مجتمع ودولة نشئا كرد فعل (انسلاخ) عن دولة هندوسية لا تعطي المسلمين حقوقهم الكافية، كان طبيعيا أن يكون الدين عاملا رئيسا في هوية الدولة الوليدة، كـ أنا جمعية مقابل الآخر.تكمن المشكلة السياسية للنخب الحاكمة في باكستان غداة الاستقلال، في أن المجتمع الجديد مفعم ليس بالهُوية الإسلامية فحسب، بل والأخطر ذو نزعة تشددية ناجمة عن أسباب تاريخية متعلقة بالعلاقة مع محيط معادي للإسلام في الهند الام.
ولد أغلب زعماء الحزب الحاكم "العصبة المسلمة" بزعامة مؤسس باكستان محمد جناح علي وترعرعوا في محافظات ظلت تابعة للهند، وبالتالي لم يكن لهم قاعدة سياسية في بلادهم الجديدة، وقد أثار هذا حفيظة أبناء الأرض وعجل كما يؤكد سيد فالي رضا نصر بوقوع توترات عرقية عقدت عملية تشكيل الدولة، ومع مرور الوقت شجع هذا الوضع زعماء الدولة على التحول إلى الإسلام من أجل تجاوز الخلافات بين أبناء الأرض والمهاجرين.
لذلك، فالتوجه الإسلامي للسلطة السياسية نحو الدين ليس إلا تعبيرا عن اندفاع السلطة نحو إرساء هيمنتها على المجتمع وتوسيع نفوذها وسيطرتها، مع ما يعني ذلك من اعتماد خطاب ديني متشدد من أجل تمكينها أو قطع الطريق أمام أية محاولة مجتمعية للمزاودة على الدولة.
وهذا ما يفسر الاضطراب المستمر بين المتشددين الإسلاميين والدولة ذات الهُوية الدينية، اضطراب بدأ مبكرا من عمر الدولة عام 1958، حين أجرى الجيش بقيادة محمد أيوب خان انقلابا تسلم السلطة بموجبه، في خطوة لقطع الطريق أمام الامتداد الإسلامي.
ومنذ ذلك الحين، بدأت عملية إدخال شخصيات متأنكلزة في الحكم، وبدأت معها عملية إظهار وجه علماني للدولة يتناقض تماما مع سلوكياتها الداخلية.
لكن العلاقة المتوترة بين الجانبين بلغت ذروتها عام 1977، حين واجهت باكستان حراكا إسلاميا قويا عبرت عنه حركة نظام المصطفى التي أدت إلى سقوط حكومة ذو الفقار علي بوتو فقط، وهددت بإسقاط الدولة برمتها.
واكتمل التحدي الإسلامي بتصاعد التوترات الإثنية في بلاد السند وإقليم بلوشستان وجنوب البنجاب طوال فترة حكم ضياء الحق بين عامي، 1977 ـ 1988، ومنذ ذاك التاريخ تراجعت أيديولوجيا اليسار لصالح الأيديولوجية الإسلامية على صعيدي الدولة والمجتمع.
في عام 2011 اغتيل حاكم البنجاب، سلمان تيسير، ووزير الأقليات الباكستانية شاهباز بهاتي، لأنهما تحدثا ضد القوانين الإسلامية للدولة.
وفي مرحلة حكومة حركة الإنصاف المفترض أنها علمانية، عمد رئيس الوزراء عمران خان إلى تشجيع مشاركة أكبر للإسلام في كل مجالات الحياة، وخلال وجودها في الحكم تصرفت حركة الإنصاف كحزب ديني كحزب سياسي علماني.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل شهدت السنوات الأخيرة تزايد ظاهرة التجديف الديني، حيث تم اتهام مسلمين من الطائفة الأحمدية ومسيحيين وهندوس بالتجديف.
باختصار، كان للعامل الديني المتشدد دورا رئيسا في نشوء تحالفات بين السلطة والدين أدت في أحد جوانبها الرئيسية في منع نشوء أحزاب وتيارات سياسية ليبرالية علمانية مع المحافظة على الهُوية الإسلامية، وهو ما انعكس سلبا على الدمقرطة في باكستان.