وسط تصاعد المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفي ظل أوضاع اقتصادية وصفها مختصون بالقاسية، استقبلت قطاعات واسعة من السودانيين، شهر رمضان، إذ توزعت المعاناة بين معسكرات النزوح ومواقع النزاعات، بينما لم تسلم المناطق الآمنة من تأثيرات الوضع الاقتصادي المتدهور.

ولم تتمكن آلاف الأسر السودانية من توفير السلع الأساسية الخاصة بشهر رمضان، وفق تقديرات خبراء اقتصاديين، في حين أشار ناشطون بالعمل الطوعي إلى أن “ملايين النازحين في دور الإيواء يحصلون على وجبة واحدة يوميا في أفضل الأحوال”.

وأطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تزامنا مع أول أيام رمضان نداءً جديداً “لوقف الأعمال العدائية في السودان”.

وقال غوتيريش إن “النداء الأهم الذي أوجهه هو لاحترام قيم شهر رمضان، وإسكات البنادق، ولإزالة كافة العقبات لضمان تسليم المساعدات المنقذة للحياة بالسرعة المطلوبة”.

واستمرت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعدد من المحاور القتالية، في وقت تمسك فيه الجيش بعدم الدخول في أي هدنة، ما لم تخرج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية، بحسب بيان لمساعد القائد العام للجيش، الفريق أول ياسر العطا.

ويشير عضو غرفة طوارئ أم درمان، طارق عمر، إلى أن “معظم مواطني المدينة التي يفصلها النيل عن العاصمة السودانية الخرطوم، يواجهون ضائقة اقتصادية وصعوبة في توفير احتياجات رمضان”.

وقال عمر، عبر خدمة “ستار لينك”، لموقع الحرة، إن “المواطنين يعانون من ندرة شديدة في السلع الأساسية ومن ارتفاع كبير في أسعارها، بجانب مشكلة أخرى متعلقة بعدم توفر السيولة النقدية، بسبب توقف معظم البنوك بعد الحرب”.

ولفت إلى أن “المعاناة تضاعفت بعد أن تعذر استخدام التطبيقات المصرفية، التي كان السكان يعتمدون عليها في المعاملات التجارية اليومية، بسبب قطع خدمة الاتصالات منذ 7 فبراير الماضي”.

وفي مدينة القضارف التي تستضيف آلاف السودانيين الذين فروا من القتال في ولايتي الجزيرة والخرطوم، لا يبدو الحال مختلفا، إذ يواجه الناشطون المجتمعيون صعوبة في الحصول على الدعم اللازم “لتوفير الوجبات إلى النازحين في دور الإيواء بالمدينة”.

وبحسب عضو غرفة الطوارئ بمدينة القضارف بشرق السودان، الطيب إسماعيل، فإن “كثيرا من النازحين الذين تكتظ بهم مدارس وجامعات المدينة، لا يجدون القدر الكافي من الطعام، مما يضعهم أمام مشكلة حقيقية خلال رمضان”.

وقال إسماعيل لموقع الحرة إن “التبرعات التي كانت تصل إلى لجان الخدمات من مواطني المدينة تناقصت بصورة كبيرة، خلال الشهرين الماضيين، على عكس الشهور الأولى للحرب، وذلك بسبب الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها سكان المدينة”.

وكشف عضو غرفة الطوارئ عن عراقيل، قال إن “بعض منسوبي الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني يضعونها أمام الناشطين، بتهمة التعاون مع الدعم السريع، مما أثر على عمليات توفير الخدمات إلى المحتاجين”.

ولفت إلى أن “التضييق على الناشطين يتكرر بدرجة أكبر في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بذات الدوافع المتعلقة باتهام الناشطين بالتخابر والتجسس لصالح الطرف الآخر”.

وتشكلت غرف الطوارئ من مجموعات من الناشطين، بهدف تقديم العون للنازحين والمواطنين بعد توقف معظم الوزارات والمؤسسات الخدمية عن العمل، بداعي الحرب التي اندلعت في 15 أبريل الماضي.

ووفق برنامج الأغذية العالمي، فإن أقل من “5 في المئة من السودانيين يستطيعون أن يوفروا لأنفسهم وجبة كاملة” في الوقت الراهن.

وقالت مديرة برنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، الثلاثاء، إن الحرب في السودان “قد تخلف أكبر أزمة جوع في العالم” في بلد يشهد أساسا أكبر أزمة نزوح على المستوى الدولي.
ولايات آمنة

تأثيرات الأزمة الاقتصادية لم تتوقف على النازحين، أو على المناطق التي تشهد مواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع، ووصلت إلى كثير من الأسر في مناطق خارج جغرافية القتال.

وسرد أحد مواطني مدينة عطبرة، بشمال السودان، عبد الكريم الحاج، معاناته في توفير السلع الأساسية خلال شهر رمضان، مشيرا إلى أن “الأسعار باتت فوق طاقة معظم المواطنين”.

وقال الحاج لموقع الحرة، إن “مدينة عطبرة بولاية نهر النيل لا تعاني أي ندرة في السلع، لكونها استفادت من موقعها القريب من مصر، في عمليات التبادل التجاري، لكن المشكلة تكمن في الأسعار”.

وأشار عبد الكريم، وهو أب لثلاث بنات وولد، إلى أن “هناك ما يشبه الركود في أسواق ولاية نهر النيل بسبب ارتفاع الأسعار، على الرغم من أن الولاية لا تقع ضمن مناطق النزاع”.

وأوضح أن “معظم الولايات السودانية تعاني عدم استقرار بخدمات الكهرباء والمياه، بجانب انعدام تام لسلعة غاز الطهي”.

ويعاني 18 مليون سوداني من انعدام الأمن الغذائي الحاد، إذ صار 5 ملايين منهم على شفا المجاعة، بينما تواجه المنظمات صعوبات في إيصال المساعدات إلى المتضررين، بحسب وكالات الأمم المتحدة.

أرجع مختصون الضائقة الاقتصادية التي يعانيها معظم السودانيين إلى تراجع الإيرادات العامة للدولة، ولتدهور قيمة الجنيه السوداني أمام النقد الأجنبي، إذ سجل الدولار الأميركي 1400 جنيه في السوق الموازية.

وأشار الخبير الاقتصادي السوداني، محمد الناير، إلى أن “الحرب أفقدت ملايين السودانيين وظائفهم ومصادر دخلهم، بينما تعثرت الحكومة في سداد مرتبات العاملين في القطاع العام”.

وقال الناير لموقع الحرة، إن “آلاف السودانيين فقدوا سلة رمضان التي كان توفرها الحكومة للعاملين، مقابل أن يتم استقطاع قيمتها بالتجزئة من المرتبات، مما أثر على قدرة كثيرين على توفير احتياجات الشهر”.

ولفت إلى أن “انقطاع خدمات الاتصالات في عدد من الولايات السودانية أدى إلى لتوقّف مبالغ ضخمة كانت تصل من السودانيين العاملين بالخارج إلى ذويهم في السودان، مما ترتب عليه ضوائق في ميزانيات الأسر”.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن “زيادة نسبة التضخم في السودان ضاعفت معاناة المواطنين للحصول على احتياجاتهم الأساسية والضرورية، بما في ذلك احتياجات رمضان”.

وفي فبراير الماضي، أعلن الجهاز المركزي للإحصاء، أن معدل التضخم في السودان سجل 83 بالمئة، بينما أكد وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، انخفاض إيرادات البلاد بأكثر من 80 في المئة.

وأودت الحرب في السودان بحياة 13 ألف شخص على الأقل، وفق تقديرات “مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها” (أكليد).

كما تسببت في نزوح ولجوء حوالي 8 ملايين شخص، وهي “أكبر أزمة نازحين في العالم”، وفق الأمم المتحدة.

وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دعا، الجمعة، إلى وقف إطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان، مع تدهور الأوضاع في البلاد.

وأيدت 14 دولة نصا اقترحته بريطانيا، امتنعت روسيا عن التصويت عليه،

وانعقدت جلسة مجلس الأمن عقب يوم واحد من دعوات أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، لطرفي النزاع في السودان إلى “وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان”، بينما تتخذ الأزمة الإنسانية “أبعادا هائلة”.

الحرة

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدعم السریع لموقع الحرة فی السودان شهر رمضان إلى أن

إقرأ أيضاً:

البرهان يُعين “امرأة” لأول مرة محافظًا لبنك السودان المركزي

البرهان يُعين “امرأة” لأول مرة محافظًا لبنك السودان المركزي..
“آمنة ميرغني” .. وتمضي المسيرة!!
تقرير : محمد جمال قندول- الكرامة
للمرة الأولى تتقلد امرأة منصب رأس البنك المركزي، في خطوة لها دلالات عميقة وإن كان ذلك التعيين يأتي في ظل ظروف بالغة التعقيد تمر بها البلاد.
وأمس القريب، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي قراراً بتعيين آمنة ميرغني حسن محافظاً لبنك السودان.
وبرزت المعينة حديثًا كأحد أبرز الكفاءات المصرفية بالبلاد، إذ تمتلك خبرة وسيرة ذاتية فخيمة في مجالها المُزين بمحطات عديدة طافت عليها جعلتها تكون أول امرأة تعين في هذا المنصب.
لمحات
تخرجت المحافظ الجديد في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم قسم إدارة الأعمال 1985، كما نالت درجة الماجستير في مجال المحاسبة والتمويل من جامعة الجزيرة 1997، ثم تم تعيينها بمركز البحوث والاستشارات الصناعية 1985، فيما التحقت بالبنك المركزي 1986، وعملت في معظم إداراته.


كما برزت كمدير عام إدارة الأسواق المالية حتى العام 2023، فيما توجهت ووصلت قمة العطاء إبان تقلدها منصب مدير عام مطابع العملة حتى 2022، وشغلت كذلك موقع مساعد مدير عام بمصرف الساحل والصحراء.
ووجد تعيين آمنة ارتياحا عاما من المصارف السودانية إذ تتمتع بعلاقة متميزة مع اتحاد المصارف السودانى من واقع اللجان المشتركة، والمحافظ وهي كذلك علي علم تام بموظفي البنك المركزي من خلال توليها ادارة الموارد البشرية لفترة خلال عملها بالبنك..
ويعد تعيين “آمنة” في هذا الموقع المرموق انتصارا للمرأة، حيث شهدت الأشهر الأخيرة التي شهدت تعيين أول نائب عام مولانا انتصار، وكذلك تعيين الوزير الأول بمجلس الوزراء د. لمياء عبد الغفار.
وتخوض القادمة الجديدة تجربة قيادة مؤسسة كبيرة في توقيت سيجعلها تحت مجهر الإعلام وأعين الرأي العام الشعبي، خاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية وتدهور أسعار العملات الأجنبية.
التطور
ويقول الكاتب الصحفي والإعلامي المصرفي محمد خير عوض الله إنّ تعيين آمنة ميرغني حسن التوم محافظاً لبنك السودان المركزي يعد انتصاراً طبيعياً لحركة التطور في السودان، رغم الظرف السياسي والأمني والعسكري الذي يمر به.
تابع: فقد عرف السودان قيمة المرأة، ومنحها المكانة اللائقة بها، منذ بزوغ فجر الحركة الوطنية، بل قبل ذلك، حين نهض المجتمع من تلقاء نفسه يؤسس لتعليم المرأة منذ وقت مبكر جداً.
وأكمل خير قائلاً: شغلت المرأة في السودان مواقع قيادية متقدمة، نائب رئيس البرلمان، ووزيرة، وسفيرة، وحاكم إقليم (والية)، ومدير عام، فضلاً عن كل الوظائف ما دون ذلك.
ويسترجع الإعلامي المصرفي الذاكرة للخلف قليلاً ويقول: إنه بالأمس القريب تم تعيين امرأة في منصب النائب العام وهو بمثابة محامي دولة السودان، ومسؤولة عن كل مداخل تحقيق العدالة في هذا الوطن الكبير، وهو منصب كبير وخطير تتولاه امرأة لأول مرة في تاريخ السودان.
واعتبر محدّثي بتعيين امرأة محافظاً لبنك السودان المركزي، لتكون المسؤولة عن كل البنوك وكل النظام المصرفي في السودان، ومسؤولة عن السياسات النقدية وإنفاذها، والرقابة وما يتصل بالصادرات واحتياطيات النقد من الذهب، وغيرها، اعتبر أن ذلك يؤكد أن ذلك تطور طبيعي لجهد مشكور مبرور بدأ منذ عقود على يد رائدات النهضة النسائية في بلد مارس التطور التشريعي والقانوني والسياسي والإداري، قبل معظم الدول من حوله في الإقليم، لكن تخنقه أحابيل السياسة، وترف التعاطي والصراع السياسي.
ويرى محمد خير بأن السيرة الذاتية للسيدة آمنة ميرغني، تجعلنا نتفاءل في أن تنتصر للسودان وشعبه عامة، وللمرأة خاصة، لتتواصل مسيرة التطور الطبيعي في ترقية المرأة ومنحها مكتسباتها كاملة بما يعزز الاستقرار فهي نصف المجتمع، وبتأثيرها تمثل كل المجتمع.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السودان بين مستنقع الميليشيات ومأزق الدولة المنهكة
  • الجيش السوداني: دمرنا راجمة تابعة لميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر
  • انفجارات تهز أم درمان وسط تصدي الجيش السوداني لمسيرات تابعة للدعم السريع
  • البرهان يُعين “امرأة” لأول مرة محافظًا لبنك السودان المركزي
  • الدعم السريع تقصف بالمسيرات والجيش السوداني يصد هجوما بالفاشر
  • الأمم المتحدة تُـدين استهداف الدعم السريع “المتكرر والمتعمد” للمدنيين في الفاشر
  • السودان.. مسيرتان للدعم السريع تستهدفان منطقة عد بابكر شرقي الخرطوم
  • ما هي “قلادة النيل” التي قرر السيسي منحها لترامب؟
  • الصدر:مشاركة السوداني في اجتماع شرم الشيخ “وصمة عار”
  • السوداني:من لم يشارك في الانتخابات “خاسر”