عربي21:
2025-05-20@02:26:26 GMT

رغم حجم الألم.. غزة تقلب العالم رأسا على عقب

تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT

رغم الموت والجوع والعطش.. رغم الحصار والدمار.. رغم الوجع الصعب.. رغم الخذلان والصمت الرسمي العربي.. رغم المؤامرات التي حيكت بليل، لتُطبِق على أعناق الأطفال والأجنة، والنساء الوُلَّد.. رغم شلال الدماء الزكي الذي ينزف غزيرا في شوارع غزة وأزقتها.. رغم كل هذا المسلك الصهيوني الهمجي الذي يمارس الإبادة الجماعية لشعب فلسطين الصامد في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.

. رغم كل هذه المجازر وهذا الإجرام النازي، إلا أن غزة نار تحرقهم، وتبدد جمعهم، وتوجعهم على صعد كثيرة..

لقد قلبت غزة العالم رأسا على عقب، ومزقت قلب الكيان المحتل وبعثرت أحشاءه، وأوقعت فيه هزائم مادية ومعنوية أكبر مما يتخيل كثيرون.. الكيان المحتل يعاني اليوم من تشتت كبير وخلافات لا حصر لها؛ حتى باتت العداوة بين طوائفه وطبقاته ظاهرة للعيان في أكثر من صورة ومشهد.

على صعيد جيش الاحتلال ثمة هروب من الخدمة أو تهرب منها من قبل عدد لا بأس به من الجنود، وتذمر آخرين من الإرهاق الذي يصيبهم أثناء مواجهة المقاومين، والخوف الذي يسيطر عليهم جراء ذلك، ناهيك عن عدد القتلى والمصابين بإصابات خطيرة والتي تجاوزت الـ3000 إصابة، قلبت غزة العالم رأسا على عقب، ومزقت قلب الكيان المحتل وبعثرت أحشاءه، وأوقعت فيه هزائم مادية ومعنوية أكبر مما يتخيل كثيرون.. الكيان المحتل يعاني اليوم من تشتت كبير وخلافات لا حصر لهاوعشرات القتلى والمصابين من الضباط. وبلغ مجموع قتلاه حتى الآن نحو 600 قتيل، وهذا بعض ما يعترف به جيش الاحتلال، إلا أنه يخفي الأعداد الحقيقية لقتلاه ومصابيه في سبيل رفع الروح المعنوية للجنود، لكنّ كثيرين يتوقعون أن العدد أكبر بكثير، والقادم من الأيام سيكشف الحقائق.

 وثمة خلافات بين القادة الميدانيين والقيادة المركزية، وذلك بسبب مجموعة الأخطاء التي يرتكبها القادة الميدانيون في العدوان على القطاع، ومن أبرزها قتل الأسرى الصهاينة في موقعتين تشكلان فضيحة كبرى تتعلق بفشل الجنود في تنفيذ العمليات القتالية، واستيعاب التعليمات، وذلك بسبب الخوف الذي يعتريهم عند مواجهة مقاتلي المقاومة. كذلك ثمة خلافات كبرى بين قيادات الجيش والطبقة السياسية، وعلى رأس هؤلاء نتنياهو الذي وصلت الأمور بينه وبين رئيس هيئة الأركان العامة وعضو مجلس الحرب بيني غانتس إلى ما يشبه القطيعة، على إثر رحلة الأخير إلى الولايات المتحدة، والتي ينهيها بزيارة بريطانيا، بدون موافقة نتنياهو. ولا تخفى مشكلات الأخير المتصاعدة مع وزير الأمن الداخلي يوآف غالانت، كذلك الخلافات الدائرة بين أعضاء حكومة نتنياهو و"كابينت الحرب"، والخلافات وتعالي الأصوات في الكنيست الذي يقف على فوهة بركان يكاد ينفجر.

ولا يسعني أن أمر بكل أوجه الخلافات بين أطراف القيادتين العسكرية والسياسية في الكيان، إلا أن الأخير يمر بحالة تخبط لم يشهدها من قبل، في ظل محاولات أمريكية لاستمالة السياسيين الصهاينة إلى خططها بمعزل عن نتنياهو الذي يحتكم إلى مصلحته الشخصية من جهة وإلى ضغوط اليمين المتطرف من جهة أخرى، بعيدا عن مصلحة الشعب اليهودي الذي يطالب جزء منه بوقف الحرب لاستعادة الأسرى، وجزء آخر يطالب بوقفها لوقف نزيف الدم الفلسطيني والصهيوني أو أحدهما.

أما على الصعيد الشعبي، فلا نود أن نكرر ما كنا قلناه سابقا عن النزوح الكبير لأعداد كبيرة من مستوطنات غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة، وما سبّبه هذا النزوح من مشكلات اقتصادية ونفسية وفوضى عارمة، وما سببه ذلك من اضطرابات سياسية واجتماعية في عقر الكيان؛ إلا أنه لا بد من الحديث عن مئات الآلاف الذين يتظاهرون بشكل شبه يومي من أقصى شمال فلسطين إلى أقصى جنوبها ضد حكومة نتنياهو وسياساتها؛ التي يرى المتظاهرون أنها لن تحقق أية مصلحة حقيقية لهم ولكيانهم المحتل، بل ستؤدي إلى مزيد من القتل والخوف وفقدان الأمل برجوع الأسرى سالمين.

وتزداد وتيرة العنف بين المتظاهرين وقوات الأمن من جهة، وبينهم وبين متظاهرين آخرين مؤيدين لسياسات نتنياهو، وخصوصا من اليمين المتشدد؛ ولم تتوقف التظاهرات أمام الكنيست، وأمام مقر إقامة نتنياهو، مطالبة بإسقاط الحكومة وإيقاف الحرب، وإنقاذ الأسرى.

لقد وصلت الاحتجاجات والتظاهرات أكثر من مرة إلى حد تصريح كبار الضباط في المؤسسة الأمنية بأنهم فقدوا السيطرة على الشارع، ووصل الأمر إلى تصريح أحد مسؤولي الأمن بالقول: "إن إسرائيل تنزف".. الشارع الصهيوني يغلي والحرب الأهلية ربما تنتظر خلف الأبواب المغلقة، وهو ما يقوله ساسة الكيان وليس نحن.

إلى ذلك فقد استطاعت غزة أن تقلب موازين السياسة الأمريكية، وتربكها، وتجعل البيت البيض في حالة تناقض وتخبط وعجز عن تقديم نفسه بشكل مقنع للجمهور الأمريكي الذي فقدت أعداد كبيرة منه الثقة ببايدن وحكومته التي لم تستطع إيقاف العدوان، ولم تتمكن من إقناع نتنياهو بأيّ من أطروحاتها حول مجريات الحرب ونهايتها، استطاعت غزة أن تثوّر مئات الملايين من البشر حول العالم على الكيان المحتل، أو عليه وعلى دولهم في آن معا، وأن تغير المعادلات التقليدية التي كانت تحكم المشهد العالمي في نظرته للقضية الفلسطينية؛ فقد أصبحت شعوب العالم التي كانت مخدرة بالإعلام الغربي المدعوم بإمبراطورية ميردوخ الإعلامية قادرة على وعي ما يجري في فلسطينحتى لكأنك تحس بأن بايدن رهين لإرادة نتنياهو، وليس العكس، مما دفع بايدن إلى التعامل مع أشخاص آخرين في حكومة نتنياهو ومجلس الحرب في محاولاته لزحزحة الأمور والخروج من هذه الحرب المدمرة التي هيجت الشعب الأمريكي عليه وعلى سياساته المنحازة، وفتحت عيونه على أمور ظلت خافية عليه لسنوات طويلة، مما جعل الولايات المتحدة أحد أكبر الخاسرين في هذه الحرب الهمجية.

ولا تخفى على أحد المشاهد اليومية التي تعصف ببايدن كلما اعتلى منصة ليتحدث للجماهير في الانتخابات التمهيدية؛ فيخرج له من يبهته ويصرخ في وجهه، فقد كان نتنياهو لعنة ناجزة على بايدن، وذات الأمر ينطبق على دول أخرى مثل كندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بدرجة أساسية، إضافة إلى بعض دول أوروبا.

واستكمالا لما تم ذكره؛ فقد استطاعت غزة أن تثوّر مئات الملايين من البشر حول العالم على الكيان المحتل، أو عليه وعلى دولهم في آن معا، وأن تغير المعادلات التقليدية التي كانت تحكم المشهد العالمي في نظرته للقضية الفلسطينية؛ فقد أصبحت شعوب العالم التي كانت مخدرة بالإعلام الغربي المدعوم بإمبراطورية ميردوخ الإعلامية قادرة على وعي ما يجري في فلسطين، بعد أن نجحت قناة الجزيرة وقنوات أخرى إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي في فضح جرائم الإبادة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في حق المدنيين بدون تمييز؛ فلا يمر يوم من دون أن نرى عشرات التظاهرات في الكثير من دول العالم، وخصوصا في أمريكا وأوروبا..

ولا يغيب عن المشهد تغير موقف كل من الصين وروسيا تجاه ما يحدث، فقد كانتا في السنوات الأخيرة تتعاملان مع القضية الفلسطينية بشيء من الحياد الواضح، إلا أنهما باتتا منحازتين للجانب الفلسطيني، وتطالبان بوقف الحرب، وتجرّمان الفيتو الأمريكي الذي يعفي الكيان من العقاب الأممي الذي طالما أوقعته أمريكا على دول أخرى طبقا لمصالحها..

الحكومات الغربية، ظلت تسمح بممارسة الحريات العامة وتدعو لممارستها إلى أن وصل الأمر لكشف عورة الكيان المحتل؛ لتتخلى عن ثوابتها ومقدساتها
كذلك فقد كشفت غزة عن كذب أنظمة الغرب في مسألة الحرية والديمقراطية، فهذه الحرية تطبق حيث المصالح السياسية، وتلجم حيث المصالح ذاتها. فالحكومات الغربية علمتها للأجيال في المناهج الدراسية، وأُشربوها كالماء، لكن هذه الحكومات لم تكن تتخيل أنه سيأتي اليوم الذي تتضرر فيها مصالحها ومصالح صنيعها، الكيان الصهيوني. واللافت هنا أن الحكومات الغربية، ظلت تسمح بممارسة الحريات العامة وتدعو لممارستها إلى أن وصل الأمر لكشف عورة الكيان المحتل؛ لتتخلى عن ثوابتها ومقدساتها للأسف.

وأخيرا فقد كشفت غزة عن الوجه القميء للأنظمة الرسمية العربية، وفضحت الخيانة والتواطؤ والارتهان والهشاشة والتفاهة التي لم تسلم دولة عربية منها جميعا أو من بعضها. وهو ما فتح عيون الشعوب على الحالة البائسة لحكام المنطقة العربية، فارتفعت وتيرة النقمة عليهم والرغبة في التخلص منهم، خصوصا أولئك الذين بدت خيانتهم وتواطؤهم ظاهرين للعيان بشكل سافر.

غزة أحدثت زلزالا أصاب كل بقعة على وجه الأرض، وهز كل ضمير حي في هذا العالم، لكن لم يهز ضمائر أبت إلا أن تظل راسفة في مستنقع الذل والعار من جيراننا وأبناء جلدتنا أو هكذا يفترض.. لكن كما قلبت غزة الطاولة على رؤوسهم، ستعيد ترتيب أوراقهم، ووضعها في المكان المناسب..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة إسرائيل أوروبا إسرائيل امريكا غزة أوروبا تحولات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان المحتل التی کانت على دول إلا أن

إقرأ أيضاً:

ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب

يلعب الإعلام دوراً مفصليا في إعادة بناء المجتمع، وتحقيق السلام، والمساهمة في التنمية. إفماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب :
أولا : تعزيز السلام والمصالحة الوطنية
و لكي يتحقق ذلك يتوجب
أ. التزام وسائل الاعلام بتغطية إخبارية متوازنة وموضوعية لما يجري ، وتجنب الرسائل المتحيزة و خطابات التحريض على الكراهية..
ب. وسائل الإعلام عليها أن تعطي مساحة مقدرة لرسائل السلام والمصالحة، بالتركيز على مبادرات السلام وجهود المصالحة الوطنية النابعة من المجتمع نفسه، ذلك أن وسائل الاعلام كثيرا ما تعد رسائل تبدو و كأنها رغبة سلطوية رسمية مما يضعف التفاعل معها..
ج. على وسائل الإعلام توفير منصة للحوار حول القضايا المهمة، وإشراك جميع الأطراف بلا اقصاء لأحد.. بمشاركة متوازنة تقدم الرأي و الرأي الآخر الموضوعي بما يهدف للوصول للمشتركات في الأفكار و الأطروحات و الحلول
ثانيا . دعم إعادة الإعمار والتنمية. من خلال :
أ. تسليط الضوء على الاحتياجات الإنسانية والمجتمعية في المناطق المتأثرة بالحرب، والاسهام في توجيه جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.
ب. متابعة المشاريع التنموية القائمة و المستحدثة في البلاد، وتسليط الضوء على الإيجابيات في هذه المشروعات..
ج. على وسائل الإعلام أن تشجع المشاركة المجتمعية في جهود إعادة الإعمار والتنمية، وإبراز قصص نجاح المواطنين و أدوارهَم في بناء مستقبل أفضل لهم و لوطنهم .
د. إحياء قيم العمل و احترام الوقت.. و تعزيز خطاب التوازن بين الحقوق و الواجبات في علاقة المواطنين و الدولة..
ذلك أنه و لفترة مضت ساد خطاب الحق على الواجب.. و آن الأوان لتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة حول موضوعات السلطة و الثروة، و كانت سببا في استمرار الصراع مما أضعف بنية الدولة و تسبب في تأخر جهود البناء و الاعمار و التقدم نحو الأفضل..
ثالثا : اعادة صياغة الخطاب الاعلامي السياسي و ضرورة تعزيز و نشر قيم الديمقراطية و الشورى، و حقوق الآخر و العناية و الدفاع عن حقوق الإنسان، وتسليط الضوء على الانتهاكات، والمطالبة بالعدالة .
ب. أن تضطلع وسائل الاعلام بدورها، في مراقبة الأداء الحكومي: و يجب عليها مراقبة أداء الحكومة ومؤسسات الدولة، وكشف الفساد وسوء الإدارة، والمساهمة في تعزيز الشفافية والمساءلة.
ج. توعية الجمهور بحقوقهم وواجباتهم، و الدور الذي يجب أن يقوموا به في بناء مجتمع قائم على احترام حقوق الإنسان.
رابعا؛ تعزيز خطاب اعلامي ينبني على الحقائق لا غيرها ومحاربة الشائعات و المعلومات المضللة والأخبار ذات الغرض..
أ. يجب على وسائل الإعلام التحقق من الحقائق قبل نشرها، والتأكد من مصداقية المصادر ، وتجنب نشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة.
ب. على وسائل الإعلام مكافحة خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وتعزيز التسامح والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع.
خامسا : بناء ثقافة السلام والتسامح.
أ. هنالك قصص كثيرة و إيجابية عن التعايش السلمي والتسامح، يمكن لوسائل الإعلام أن تسهم في نشرها وتسليط الضوء على المبادرات الفردية و الرسمية و الجهود المبذولة لتعزيز الوحدة الوطنية.
ب. حسن ادارة قضايا التنوع الثقافي و تشجيع الحوار بين الثقافات وتعزيز التفاهم المتبادل والاحترام بين جميع أفراد المجتمع.
خاتمة.. خلاصة القول أن ما نحتاجه لادارة اعلام ما بعد الحرب في السودان أننا نريده اعلاما مسؤولاً ومهنياً، تقوم رؤيته على بناء مجتمع متماسك و قوي مؤمن بوحدته و تنوعه الثقافي، يسوده السلام والعدل والمساواة.
أ. يس إبراهيم
خبير اعلامي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ‏نتنياهو: حماس لن تستطيع الوصول للمساعدات التي تدخل قطاع غزة
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • إعلام إسرائيلي: قرار إبرام صفقة أو التوجه إلى الحرب بيد نتنياهو
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. «9» الخلط بين «الإسلام والإرهاب»
  • هل يستطيع ترامب إجبار نتنياهو على وقف الحرب فى غزة؟ .. عمرو موسى يجب
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين .. نتنياهو هو “ملاك الموت” الذي يقبض أرواح الأسرى
  • «معلوف»: ترامب يريد الظهور بمظهر الرجل القوي الذي يدير شؤون العالم
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة: نُطالب نتنياهو بإنهاء الحرب فورا
  • من أعماق الأناضول إلى صروح العالم.. الحجر الذي أذهل ترامب!
  • ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب