جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-19@23:35:36 GMT

الإبادة الجماعية.. سلاح الجبناء

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

الإبادة الجماعية.. سلاح الجبناء

 

 

خالد بن أحمد الأغبري

 

ها هي الدنيا التي تحتضن هذا العالم على أرضها.. ما أشبهها بشركة قائمة على أنشطة متنوعة ومختلفة، والمنتسبون إليها هم أقوام ممن خلق الله، وجميعهم يعملون تحت مظلتها ويتنافسون في محيطها لتقديم خدماتهم في مختلف المجالات السياسية والتعليمية والمعرفية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الأنشطة، وهي قابلة للربح وللخسارة وتخضع للمحاسبة الدقيقة والشديدة عندما يقف الجميع أمام الخالق سبحانه وتعالى في "يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".

في ذلك اليوم المُنتظَر سوف يتعرف هذا الإنسان على المستويات العالية من الربح الذي حققه من خلال هذه الشراكة، بينما هناك إنسان آخر حاصره الهلع والخوف.. يقف مذهولاً على عتبة الجانب الآخر؛ حيث سيتعرف أيضًا على مدى الخسارة الكبيرة التي تعرض لها نتيجة إخفاقاته في تعاملاته وسلوكه العدائي المنحرف وعدم انضباطه في تأدية مسؤولياته وواجباته ودخوله في الكثير من الأعمال التي تخالف شريعة الله وأوامره سبحانه وتعالى، وتجاوزاته التي تثير النزاعات البينية والصراعات الأيديولوجية، فعلى الإنسان أن يدرك حجم المسؤولية ومدى تاثيرها وتفاعلها مع مختلف الحالات وفي شتى ميادين الحياة، ومن خلالها يجب عليه تحديد ملامح الطريق الذي يسلكه إما إلى نعيم مُقيم، وإما إلى عذاب مُتجدد أليم، نسأل الله اليقين بما جرت به المقادير "والعفو والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" إنه ولي كريم.

ومن منطلق هذه الحيثيات والمسارات التراكمية تتضح لهذا الإنسان تلك الخسارة الفادحة التي يواجهها في هذا العالم المضطرب الذي تتجسد منظومته في أبشع صورها الدموية التي اختلطت فيها دماء الأبرياء والشهداء من الأطفال والنساء وكبار السن والعجزة، بدماء السفاحين الصهاينة المجرمين وأعوانهم من الخونة والمنافقين في ظل سياسة مارقة وملوثة بأفكار طغاة العالم الظالمين الذين يفتقرون إلى عقول سليمة متوازنة وقادرة على استيعاب مجريات الحياة الإيجابية القائمة على الفطرة السليمة ومنهج التسامح والفضيلة التي تستجيب لنداءات النفس اللوامة، والعدول عما يجره للويل والثبور، بحيث يتمكن هذا الإنسان من الاستفادة منها بقدر كبير من المعطيات الإيجابية، وكم هناك من محروم من تلك النفوس المستيقظة والدماء النقية الطاهرة القابلة للتعايش مع الآخرين والتي تتلازم غاياتها وأهدافها مع حوكمة السمات الحسنة والسلوك المُفعم بروح الإنسانية والقيم المثلى، فتجدهم في مقابل ذلك يتواطؤون ويروّجون من أجل تشويه سمعة الإنسان وقذفه بمختلف العبارات السيئة ويقومون ببث سمومهم الخبيثة عبر الأطر الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويشعلون نار الفتنة ويعملون على تأصيل ثقافة الكراهية والقتل والفساد التي أصبحت تتشكل تلقائيا وتشكّل منعطفًا خطيرًا على حياة البشرية وحياة الكائنات بشكل عام، وذلك ضمن مجموعة من الأهداف الإجرامية والخطط اللا إنسانية التي تزدري الإنسان المسلم وتقلل من شأنه وتنتهك حقوقه المشروعة.

كما أنها تنتهك القوانين الدولية المتمثلة في قوانين حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وفي الكثير من القوانين التي أصبحت مهمشة وغير فاعلة في ظل العنجهية القائمة على الفوضى والتمرد على شريعة الله ومنهجه الكريم، وقد حلّت محلها شرعنة قوانين الغابة التي تتفجر من خلالها حروب الإبادة الجماعية وطمس معالم الحياة ونسف البيوت والمباني السكنية على رؤوس سكانها والقتل المتعمد وتجويع وتهجير المستضعفين وفي مقدمتهم الأطفال والنساء وكبار السن، وترويع الآمنين ومحاصرتهم ومنع الغذاء والدواء عنهم وفرض جميع القيود من أجل تعميق ومضاعفة معاناتهم حتى لا يتنفسوا الصعداء، والدفع بهم إلى مستنقع الموت البطيء في مختلف جوانبه وأشكاله وصوره. وكل ذلك يتم خارج نطاق المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية لا لأي شيء سوى أنهم مسلمون، وكل هذا يتم تحت غطاء إعلاميا محكما صنعته وشكلته العقول النازية الفاشية التي ترتكب جرائمها حبًا للسلطة والغطرسة والسيطرة ولتحقيق مصالحها على حساب مصالح الآخرين دون حسيب ولا رقيب، وهو ما يمثل مختلف عناصر جرائم حرب الإبادة متكاملة الأركان.

من المؤكد أنه ما يثير القلق لدى محبي السلام ورعاته والداعمين له.. مواقف بعض الدول التي انحرفت عن طريق الاستقامة والعقلانية واختارت طريقًا مغايرًا لمبادئها وقيمها وأصبحت تهرول وراء ذلك الفكر النازي الذي يهدد البشرية بمواقفه العدائية الملطخة بدماء الأبرياء؛ وذلك على خلفية ما تقوم به الصهيونية الحمقاء وأعوانها الفاسدين الذين أصابهم داء العظمة والجبروت وأصبحت دولهم تحتضن تلك الدولة الصهيونية المارقة وتدافع عنها دون حياء ومن ثمَّ تمدها بالمالي والقوة والغذاء والسلاح والجنود في صورة بشعة وظالمة ومخزية يندى لها جبين الأحرار وكل ذلك من أجل مرضاة أولئك الحاقدين والمتكبرين الذين يخططون بكل جدية لاقتلاع شريعة الكون من جذورها ولكي يتم القضاء على القيم والمبادئ الإسلامية الحميدة.

لقد تعفنت الروح الإنسانية وتحللت مظاهر الديمقراطية وطمرت الحرية وتلاشت الشهامة وتطايرت الكرامة في زمن قست فيه القلوب وتحجرت فيه العقول وانكشفت فيه الأقنعة وتبعثرت فيه القيم وانصهرت فيه المبادئ.. فلم يعد للإنسان فيه قيمة حقيقية ولم يعد للعروبة والإسلام مرجعية تحميها من فساد المفسدين ولم يعد لهما مكانة في ساحة المتنفذين، بقدر ما هي صور متلاحقة من صولات المجرمين وعنجهية الفاسدين وضجيج المنافقين من ذوي العقول الميتة والنفوس المنحطة..

فسلام على تلك الحياة التي همشت فيها العدالة وظهرت فيها قوى الظلم والظالمين وتعددت فيها بؤر البغي والفساد، نسأل الله النصر والتمكين لعباده المجاهدين، ولله عاقبة الأمور.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء

بقلم : سمير السعد ..

في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:

“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”

ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:

“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”

هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.

تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:

“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”

هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:

“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”

فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:

“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”

في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.

ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:

“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”

فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:

“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”

بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:

“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”

لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:

“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”

وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:

“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”

ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.

غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.

شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.

في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.

سمير السعد

مقالات مشابهة

  • انتبهوا للإبادة الجماعية القادمة بعد غزة
  • مظاهرات عربية وعالمية تطالب بوقف الإبادة الجماعية في غزة
  • الأورومتوسطي .. إسرائيل صعدّت الإبادة الجماعية في غزة عقب الإفراج عن “عيدان ألكساندر”
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • حشد: استمرار الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب المجازر إمعان في مواصلة الإبادة الجماعية
  • رئيس وزراء العراق: الإبادة الجماعية بلغت ما لم تشهده صراعات التاريخ
  • رئيس وزراء العراق: الإبادة الجماعية في غزة لم يشهد التاريخ مثلها
  • رئيس الوزراء العراقي: الإبادة الجماعية في غزة تجاوزت كل أفعال التاريخ
  • "غروك" يثير الجدل: هل تروّج أداة إيلون ماسك لرواية "الإبادة الجماعية للبيض" في جنوب إفريقيا؟
  • نجوم من هوليوود ينضمون إلى رسالة تدين الصمت حيال الإبادة الجماعية في غزة