دور «الإخوان» في حرب السودان!
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
نجيب يماني
«كيف تفهم الحرب في السودان؟».. تحت هذا العنوان المثير لكافة متعلّقات الاهتمام والفضول، استكناهًا لخبايا الحرب في السودان، جاء مقال الأستاذ الكاتب فيصل محمد صالح، في صحيفة الشرق الأوسط (16531)، فطالعته بلهفة الباحث عن الحقيقة، بخاصة وأن كاتبه فوق براعته الصحفية، كان وزيرًا للثقافة والإعلام في حكومة التكنوقراط، التي تولت الأمر عقب الإطاحة بنظام البشير، بما يعني بداهة أو افتراضًا، رسم صورة مدعومة بالمعلومات الموثقة لماهية هذه الحرب، ومن أطلق طلقتها الأولى، بوصفه السؤال الحائر الذي ظل طرفا النزاع يدحرجانه تجاه بعضهما على مدى سنة كاملة، لم يسكت فيها صوت الرصاص، وكانت الحصيلة هو دمار ماحق للبنية التحتية في السودان، وتشريد لمواطنيه من الأبرياء، ومراوحة مثيرة للاستغراب والدهشة في منابر البحث عن الحل، و«المراوغة» التي ظلت السمة الأبرز في هذه المفاوضات.
غير أني لم أجد بغيتي في المقال، وبدا لي أن الأستاذ فيصل استصحب الحذر في الرد على سائله، واكتفى بتزويده بروابط ليقرر بنفسه، ويفهم هذه الحرب على حقيقتها.
ومع حرصي على عدم التزيّد، بأن أكون سودانيًا أكثر من السودانيين، إلا أن أمر هذه الحرب أجلى وأوضح من أي محاولة للتحرز والاحتياط، والطرف الذي ما زال يذكي أوارها، ويعمل على استمرارها معروف ومكشوف، ودوره أكثر وضوحًا في نسف كل فرص الوصول إلى حل سواء في منبر جدة، أو المنامة، والذهاب بالملف إلى ليبيا.. ويستطيع أدنى متابع للشأن السوداني أن يشير بإصبع الاتهام الدامغ لـ«الإخوان» في هذه المأساة التي يعيشها الشعب السوداني. فاقرأ إن شئت ما كتبه الزميل مشاري الذايدي بقوله: «إنه وبعد عشرة أيام على اندلاع الحرب السودانية الداخلية لمست انحيازاً إخوانياً صريحاً مع البرهان ضد حميدتي يعزفون على شيطنته والثناء على البرهان وهذا الكلام موجود في مجلة التايمز البريطانية عندما اتهم حميدتي البرهان بانحيازه للإخوان الساعين لاستعادة السلطة، في حين نفى البرهان هذه الاتهامات وأن الادعاء بوجود كيزان في الجيش ادعاء كاذب».
كما أن صحيفة الشرق الأوسط في عددها رقم (16284) أشارت إلى أن مصادر عسكرية سودانية ذكرت أن «الإسلاميين» لهم دور خفي في الصراع، وأن الآلاف من الذين عملوا في جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني في عهد الرئيس البشير ولديهم صلات بالتيار الإسلامي يقاتلون حالياً إلى جانب الجيش. مؤكدة كذلك أن «إخوان السودان قدحوا شرارة الحرب وواصلوا تزويدها بالوقود»، مستدلين بغياب البرهان عن الاجتماع الذي رعته السعودية والإمارات وأمريكا لبحث الأزمة، فحضر الجميع بما فيهم قائد قوات الدعم السريع وغياب البرهان مما اعتبروه رفضاً للاتفاق. فيما يقول العالمون ببواطن الأمور أن تعليمات الحركة الإسلامية منعت البرهان من الحضور لتكون بداية الحرب التي يعيشها السودان اليوم في مشهد كارثي ومأساوي أقل ما يمكن أن يوصف به أنه «عبثي وسوريالي»، محصلته تدمير مستمر وماحق للسودان وتشريد لأهله واغتصاب لبناته وقتل وضحايا وجرائم تدور على ساحته وتصرفات لا مسؤولة وسلوكيات غير منضبطة، في مناظر يندى لها جبين الإنسانية التي ترفض مثل هذه الأعمال اللا إنسانية.
إن ما يدور في الساحة السودانية منذ انقلاب «الإخوان» في 30 يونيو 1989، وما تلا ذلك من متغيرات في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السودانية، يؤكد أنه لا زالت هناك طائفة تنتمي لـ«الإخوان»، تتزيا بحلّة الجيش السوداني، وتعبث به، فجاء تحركها الأخير والسودان يتهيّأ للحظة الإمضاء على «الاتفاق الإطاري»، بعد مماطلات كثيرة، وتأجيلات بلا مبرر سوى التسويف، ومحاولة عرقلة الجهود الرامية لحل الأزمة السودانية بالحوار السلمي، والجهود التي تفضي إلى إنهاء «انقلاب 25 فبراير»، واسترداد الدولة من قبضة «الجبهة الإسلامية»، بتفكيك مفاصل سلطة حكمها التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، أفقرت فيها السودان، وأدخلته في صراع مع المجتمع الدولي بتصرفات طائشة، وتوجّه «إخواني» دموي معروف للجميع.
وهناك شواهد تثبت تحرّك قيادات «الإخوان»، وتحريضهم على إفشال الاتفاق، والدفع بقواعدهم نحو المواجهة، التي بلغت قمة حماقتها بطلب أحدهم فتوى دينية لاستباحة دم المبعوث الأممي، كونه المتولّي لعملية الحل السياسي المتوّج بـ«الاتفاق الإطاري»، فيما ظهرت قيادات أخرى منهم، وهي تتوعّد – على العلن، وقبل انتهاء الحرب – بتصفية ناشطين سياسيين في الساحة السودانية، ومؤكدين عودتهم للسلطة بشكل مطلق ينهون به حالة السلطة المستترة بقيادة البرهان.
إن هذه «الحقيقة» باتت تتكشّف يومًا بعد يوم، ولعلّ أصدق تعبير لها، قد صاغه قلم الدكتور طارق الشيخ في مقال له به بعنوان: «ما هي القوى الحقيقية وراء المشهد الدموي؟!»، حيث كتب ما نصّه: [إن ما يحدث اليوم في السودان هو انقلاب عسكري بتدبير من الإخوان المسلمين لكي يزيحوا أكبر خطر عليهم يمثّله محمد حمدان حميدتي وقواته ويجرى بدعم (وقيادة) البرهان الذي يبدو أنه يبتعد عن الإعلام، إذ ستفضحه كلماته نفسها، عدا عن أنه سيكون في أي ظهور له محاطاً بقواتٍ منتمية للحركة الإسلامية].
وتأكيداً لهذا الطرح فقد فرضت عقوبات أمريكية على وزير الخارجية السوداني السابق، والأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي لاتهامه بعرقلة التسويات لوقف إطلاق النار، ووضع حد للنزاع المدمر في السودان.
وفي مقابل هذا الرؤية يرى آخرون أنها «حركة تصحيح» من الجيش السوداني حيال «الدعم السريع» بدعوى «التمرّد»، ولا يقدمون أي حجة تشي بهذا التمرد المزعوم، بل إن خطاب التناقض يحوط هذه الرؤية، كون الدعم السريع في الأصل صنيعة الجيش نفسه، ويأتمر بأمره، وملحق تحت لافتته، وثمة اجتماع كان مقررًا بين «البرهان» و«حميدتي» لحسم قضية «الإطاري» وهو اليوم الذي جرت فيه الأحداث الدامية، بما يشير بوضوح إلى أن هناك خطأ ما وأيدياً خفية سعت إلى تحريك هذا الصراع اللامبرر بين أصدقاء الأمس ليصل الحال إلى الصورة التي عليها السودان اليوم.
وكيف ما كان الوضع، فالحاجة باتت ماسة وعاجلة إلى تدخّل عربي وإقليمي وعالمي لوقف هذا الصراع العبثي الدائر الآن، ووقف نزيف الدم السوداني أولاً، وإمضاء عملية التحوّل السياسي وفق ما خُطط لها في الإتفاق الإطاري، بما يعيد هذا البلد الشقيق إلى وضعه الذي عرفناه به على مر الحقب والسنوات؛ مصدر خير، وليس منطلق فتنة، ولا مصدر شرور لشعبه والشعوب المجاورة.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
أهداف واشنطن من اتهام الجيش باستخدام الكيماوي
صلاح شعيب
منذ أن أصدرت إدارة جو بايدن عقوباتها على البرهان والجيش في أيامها الأخيرة ظلت الولايات المتحدة صامتة تجاه الوضع في السودان. ومع استعادة ترمب السلطة توقع السودانيون أن يكون له وجهة نظره في الحرب، خصوصا أنه كان يعول على السودان كحليف، وداعم للاتفاقات الإبراهيمية.
لم يكن تجاهل ترمب السودان متعلقاً بانشغاله بموضوع أوكرانيا، وغزة، فقط كأولويتين مهمتين. فالإدارة الأميركية بطبيعتها تتقسم بمهامها، وحين ترى أهمية وضع الموضوع في صدارة جدولها فعلت عبر الخارجية، أو البيت الأبيض، أو ممثلها في الأمم المتحدة. وفي زيارة ترمب الأخيرة توقع السودانيون أن يتناول الرئيس الأميركي موضوع الحرب في السودان بالتصريح ما دام قد فصل بينه وبين خطوط النار الملتهبة مجرد بحر. ولكن انشغاله بالمكاسب المالية، وموضوع سوريا كان من الأهمية بمكان.
هناك مراقبون يرون أن الولايات المتحدة دائماً ما توكل الملفات الإقليمية الساخنة لحلفائها لتتابعهم من على البعد. وهذا يعني مثلاً أنها تتشاور مع حلفائها بين الفينة والأخرى إلى أن تتدخل في الوقت المناسب إذا رأت مصلحتها لدعم توجهاتهم في ما خص الشأن السوداني، أو أي شأن آخر.
الأحاديث المسربة عن سعي إقليمي دولي لحل الحرب تفاوضياً محكومة بالتحقق على أرض الواقع عاجلاً أم آجلا . وإلى ذلك الحين تظل المعلومات شحيحة فيما يكثر لدى المتحدثين التحليل الموضوعي، والرغائبي.
وفي هذا المناخ تخرج الولايات المتحدة فجأة لتثير موضوع استخدام الجيش السلاح الكيماوي في توقيت ربما يتزامن مع مساعي الحل المزعومة هذي حتى يتسنى الضغط على البرهان من خانة هذا الاتهام الغليظ الذي نوهت واشنطن أنه سيرفق بعقوبات، وفقا لتحليلات رائجة.
عموماً هكذا هي السياسة الاميركية. إذ تأتي دائماً باللفة كما نقول في دارجيتنا حتى إذا اكتملت الخطة ظهرت للعلن بمواقف ضاغطة لا فكاك منها.
الرفض المستمر للجيش في التفاوض – وكان آخره في جنيف حين دعت له إدارة بايدن – ربما يصطدم بتلك المساعي للحل التفاوضي. ولكن قد لاحظنا أن مصر والسعودية، وهما أكبر داعمين للجيش، وحليفان موثوقان لواشنطن أبدتا حرصا على التسوية التفاوضية. وجاءت تصريحات البلدين على أعلى مستوى ممثلة في ولي العهد محمد بن سلمان، والرئيس عبد الفتاح السيسي. وحتى الإمارات المتهمة بدعم الدعم السريع – وهي أهم حليف لترمب – صرحت هي الأخرى بضرورة جلوس الطرفين لإنهاء الأزمة. إذن فالأطراف الإقليمية المتورطة في الحرب قد حددت مواقفها التي ربما لن تخالفها واشنطن في خلاصاتها.
إذا تصورنا أن الترغيب والترهيب الإقليمي والدولي لحمل الجيش للجلوس مع الدعم السريع قد بدأ، ويسير نحو المزيد من التحقق العياني البياني في شكل تصريحات ومواقف قادمة، فإن أمام البرهان القليل من الوقت، والمناورة، لحزم أمره مقابل تأثير واشنطن.
فاستخدام الولايات المتحدة لقناعتها التامة، والموثقة، بأن الجيش استخدم السلاح الكيماوي له آثار سلبية خطيرة على مستقبل حركته كقائد للجيش قارياً، وإقليمياً، ودولياً. أضافة إلى ذلك فإن هذا الاتهام الغليظ سيضع حلفاء واشنطن المؤيدين للجيش في موقف حرج، هذا إذا افترضنا أنها لم تستشرهم قبل سعيها لإيقاع العقوبات على سلطة بورتسودان.
الاتهام الأميركي الجديد، والتلويح بعقوبات تجاه سلطة بورتسودان، هو من نوع سياسة العصا التي تعقب سياسة الجزرة. واعتقد أنها أكبر رد فعل لرفض مفاوضات جنيف التي حاولت بها الولايات المتحدة تأكيد تأثيرها الدبلوماسي، ولكن البرهان تحدى الأميركان، وأصر على مواصلة الحرب.
لا شك أن واشنطن تدرك أن وراء الجيش تكمن عصبة أيديولوجية داعمة له، وأن العديد من خصوم حلفائها في المنطقة ينشطون بهدف تحقيق أهداف في مرمى الولايات المتحدة. ولذلك يأتي الاتهام الاميركي كرد فعل لتحجيم دور إيران، وروسيا، والصين، وتركيا، ضف إلى ذلك أن واشنطن ترى أن داعمي البرهان المؤدلجين يناوءون خطها الذي أعلنته بقوة لدعم التوجهات الديمقراطية لثورة ديسمبر التي سن لها الكونغرس قانوناً خاصاً بالتحول الديمقراطي. ولا ننسى أن الولايات المتحدة ساهمت بشكل كبير في الأمم المتحدة بدعم حكومة عبدالله حمدوك فيما عيّنت أكثر من مبعوث للسودان، ورفعت تمثيلها الدبلوماسي إلى مستوى السفير.
الخبر السعيد للبرهان هو أن سياسة الولايات المتحدة تتيح دائماً مجالاً للعودة إلى قلائد إحسانها من بعد الوقوع في سلاسل امتحانها. ذلك في حال ضغطها الشديد على المسؤولين في بلدانهم، وآخر تجليات هذه السياسة ما بدا في موقفها من الرئيس السوري الذي تحول من مجرم مطلوب للعدالة الأميريكية إلى أحد الحلفاء المحتملين لواشنطن.
والسؤال المهم المتروك لإجابة القاريء هو هل يقع البرهان في حبائل الجزرة والعصا الذي سيقدمها له ترمب أم أنه يفضل السير مع قادة الحركة الإسلامية الرافضين للتفاوض، وبالتالي يفقد دعم الحليف الأكبر لداعميه في الحرب؟