سودانايل:
2025-10-15@20:43:47 GMT

شاطئ السلام

تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT

الخميس11 /يناير/2024
بقلم: د. إبراهيم عمر(صاروخ)
باحث في قضايا السلام والتنمية
*حاجةالإنسان الى الأمن ومأزق افتقاده **

يمثل الأمن أحد أهم أركان النعيم الدنيوي، بل يعتبر أولها؛ فقد فهم الإنسان منذ القدم أن أمنه الفردي هو أساس أمن أسرته التي أمنها تمثل أساس أمن المجتمع والدولة.
وقد ورد معنى الأمن في القرآن: بأنه نقيض الخوف، أما في الاصطلاح فيقصد به إحلال الشعور بالسكينة والاستقرار، وزوال الخوف الناشئ عن سيادة الحق والقانون، وضمان حقوق الفرد في المجتمع، وحرية التفكير والتعبير، وحفظ الكرامة الإنسانية، والمساواة في الفرص الحياتية.

..الخ.
وقد عرف العلماء في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية الأمن بأنه الحالة النفسية التي يوجد عليها الإنسان وما يشعر به نحو أحتياجاته التي تختلف من إنسان إلى آخر، وبالحصول عليها يستكمل مطالبه من الاستقرار وطمأنينة النفس التي تجلب وفرة الأرزاق وكثرة الثروات والرفاه الاجتماعي الذي لا يتحقق إلا بسلامة المكان(الوطن) الذي يستقر فيه الإنسان، فيقال أمن البلد أي أهله مطمئنون.
وفي هذا المنحى قال البروفيسور/ شهاب الدين سليمان أستاذ القانون الدولي الانساني بعدد من الجامعات السودانية في مقدمته عن الأسس ومبادئ الأمن الوطني: إن الأمن والخوف يعتبران حالتين لا تجتمعان في النفس، إذ يستقر أحدهما في نفس الإنسان أو الجماعة، حيث ذكر أنه في حالة الأمن يمارس الإنسان نشاطه بصورة عادية طبيعية وبلا توتر، أما في حالة الخوف وحالة الشعور بالتهديد لأمنه فإن عصبيته تثار ويظهر التوتر على أدائه ويظل كذلك حتى تزول المسببات(تهديدات الأمن) أو يواجهها ليزيلها بنفسه أو مجموعته بأي وسيلة يراها مناسبا لقدراته، أو قد يهرب بجلدته من المواجهة ويخسر ما كان يخاف عليه لعدم قدرته على الحماية وعدم إمكانيته، منقذا أمنه الشخصي في أدنى درجاته(الحياة المجردة مع قليل من الاحتياجات الأولية لو أمكن)، وعندما تتوفر له القدرات والامكانيات المناسبة فإنه قد يبادر إلى التخلص من الذي يرى فيه تهديدا لأمنه، أو قد ينشىء ملجأ محصنا يحميه من اعتداءات الآخرين، أو قد يجهز قدراته وإمكانياته ويدرب عليها ليرهب بها أعداءه فيجتنبوه، وقد يبادر هو بالاعتداء عليهم إذا ظن أنهم قد اقتربوا من قوته وأنهم ربما يفوقونه لاحقا.
في هذا الصدد يعيش مجتمعات البشرية في عالم اليوم أوضاعا مضطربة وظروفا مأساوية بالغة الخطورة من(معاناة الحروبات، والدمار وفقدان في الأنفس والأموال ...الخ)؛ لذلك برزت الحاجة إلى دراسة العلاقات الإنسانية من عدة أبعاد من منظور الحرب والسلام.
وقد أشار معالي الشيخ حسين الخشن أستاذ الدراسات العليا في مادتي: الفقه والأصول بمعهد الشرعي الإسلامي في لبنان في الحوار الذي أجراه معه مركز آفاق للدراسات والأبحاث إلى أن المآزق والاضطرابات التي يعيش فيها الإنسان اليوم نتيجة لافتقاده للأمن بكل أبعاده: عسكريا وأمنيا: الاعتقالات، والاغتيالات، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي. ووجود مليشيات ذات تنظيمات شبه عسكرية غير مسيطر عليها من قبل كثير من الدول. أما سياسيا فتتمثل في: الصراعات السياسية والانقسامات بين الجماعات الحزبية، وزيادة نفوذ جماعات الضغط على نظام الحكم، والانقلابات العسكرية، ...إلخ، بينما تكمن مظاهر أبعاده على المستوى الاجتماعي في: استفحال ظاهرة النهب المسلح، والتفكك الأسري، وضعف الروابط الإنسانية، والصراعات( القبلية والعرقية، والمذهبية...إلخ).
وعلى الصعيد الاقتصادي تتثمل: في الإضرابات، والحصار وقطع العلاقات والأزمات المالية والاقتصادية( أزمة الوقود والغذاء، والدواء...إلخ).
*ولأهمية* الأمن وحاجة الإنسان إليه في حياتة بدأ الرَسُولُ الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها). فالأمن على نفس الإنسان وعلى سلامة بدنه من العلل، والأمن على الأرزاق هو الأمن الشامل، وجعل تحقيق هذا الامن لدى الإنسان بمثابة ملك الدنيا بأسرها؛
لذا يعتبر الأمن حاجة ضرورية وأساسية للمجتمع الإنساني ومؤثر على الإستقرار والتقدم والازدهار في الوطن، بل يعتبر من أعظم نعم الله تعالى على العباد والبلاد.
وفي هذا السياق يرى المحللون الاستراتيجيون وخبراء الأمن القومي أن تحقيق أمن الفرد مقدم على تحقيق أمن الدولة؛ لأن من غاب عنه الأساس سقط عنه بنيانه ولو بعد حين.
فإذا القى الأمن بظلاله على الناس أمنوا على(رزقهم، ودينهم، وأنفسهم، وأموالهم وأعراضهم...إلخ)؛ فالحياة لا تستقيم ولا تصلح بدونه؛
لقوله تعالى:(وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ){سورة النحل: الآية 112}.
وحتى يتحرر الإنسان من الخوف والجوع...إلخ ليعيش حياة آمنة وكريمة لابد من إشباع حاجاته الأساسية والضرورية، منها الحاجات الجسمية والفسيولوجية والروحية(مأكل، مشرب، ملبس، مسكن، الأمن، الحرية، الهوية، العدالة، والانتماء...إلخ).
التي لا تدوم إلا بتوفير الأمن بكل ابعاده(العسكرية، والأمنية، والسياسية، والاقتصادية...إلخ)، المفضية الى حماية الإنسان من كل ما يهدد أمنه وكيانه، مع الدوام على شكر نعم الله وعدم حجودها، وذلك عن طريق توفير أسباب الرزق الكريم الآمن والمطمئن، واحترام حقوق الإنسان، وإرساء مبدأ سيادة القانون. وهذه أمور يعد تحقيقها دليلا على الوجود القانوني للدولة وممارسة حقها السيادي على إقليمها وشعبها، وعلى اسقلالها السياسي.
**وفي ضوء ما تقدم ذكره: هل من سبيل لتحقيق الأمن بكل أبعاده؟!!*

Email: ibrahimsarokh@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

سلام القبور.. وشرم الشيخ التي صمتت على بكاء غزة

ذهب اليوم ترامب إلى الكنيست، وخطب لمدة ساعة، يطلب من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو، واصفًا إياه بأنه “أعظم رجل رأيته أثناء الحرب”. ثم غادر مسرعًا إلى شرم الشيخ، حيث كانت طائرات الأمراء والرؤساء العرب مصطفة، تنتظر “الرجل الفاتح” الذي جاء ليعلن السلام، بعد سبعين ألف قتيل من الأطفال والنساء والشيوخ، وبعد أن دُمّرت غزة عن بكرة أبيها. جاء ليمنح جزار الحرب ميدالية “السلام” على أكبر إبادة شهدتها البشرية المعاصرة.

هنيئًا للأمة العربية والإسلامية بهذا اليوم “التاريخي”، وبهذا الاستقبال “الدستوري” للرجل الذي أطلق على النار اسم “السلام”. فبعد هذا اليوم سيعود نتنياهو ليعلّق من جديد خارطة “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات، وستُرفع رايات الوصاية على القدس تحت مسمى “الوصاية المسيحية الإنجيلية”، فيما تتحول القاهرة – وفق أوهامهم – إلى عاصمة الدولة العبرية الجديدة. تلك ليست خيالات سياسية، بل خرافة توراتية تتحول إلى مشروع سياسي-عسكري تدعمه العقيدة الصهيونية-الإنجيلية، التي يتبناها ترامب ومن خلفه تكتل الإنجيليين الجدد في واشنطن.

نحن لسنا ضد اليهود، ولا ضد الديانة اليهودية التي نؤمن بأنها ديانة سماوية منبعها الوحي الإلهي، وأتباعها أبناء عمومتنا في التاريخ والإيمان. ولكننا ضد المشروع الصهيوني-الإنجيلي الذي اختطف الدين ليبرر الاحتلال والقتل والتطهير العرقي. هذا المشروع لا يستهدف أرضًا فقط، بل يسعى لإلغاء هوية الأمة، ومحو إرثها الديني والحضاري، تحت خرافة “عودة المسيح” التي تتطلب – في عقيدتهم – إبادة ملايين المسلمين وهدم المسجد الأقصى لإقامة “الهيكل”.

المفارقة أن ذات اليوم الذي اصطف فيه الزعماء في شرم الشيخ لرسم خارطة “السلام”، كان هو نفسه اليوم الذي مات فيه أطفال غزة جوعًا تحت الأنقاض. “آمنة”، و“علي”، و“أيمن” وغيرهم من أطفال غزة، لفظوا أنفاسهم الأخيرة بينما كانت الأضواء تلمع في قاعة الاستقبال، وعدسات الكاميرات تلتقط ابتسامات القادة. أي سلام هذا الذي يُرسم على موائد الدم؟ وأي شرعية أخلاقية يمكن أن يحملها اتفاق تُوقع أوراقه على أنقاض البراءة؟

لقد انقلب مفهوم “السلام” في القانون الدولي إلى أداة تبرير لهيمنة الأقوياء. فبدل أن يكون وسيلة لحماية المدنيين، صار وسيلة لشرعنة القتل وتجميل الاحتلال. المبدأ القانوني القائل بأن “العدالة أساس السلام” تم استبداله بسياسة “السلام مقابل الصمت”، في تناقض صارخ مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة الذي نصّ على “حظر استخدام القوة ضد سلامة أراضي الدول”. واليوم يُكافأ المعتدي ويُعاقَب الضحية، ويُسدل الستار على جريمة الإبادة باسم “السلام الشامل”.

من الناحية القانونية، ما جرى ويجري في غزة لا يندرج إلا تحت مفهوم جرائم الحرب والإبادة الجماعية المنصوص عليهما في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، وخاصة المادتين 6 و8 منه. أما الصمت العربي والدولي فهو مشاركة ضمنية في الجريمة، لأن القانون الدولي لا يعترف بـ“الحياد” في مواجهة الإبادة. إن الامتناع عن إنقاذ المدنيين، أو دعم من يرتكب الجريمة، يشكل مشاركة غير مباشرة في الفعل المجرّم.

لكن أخطر ما في المشهد ليس القتل ذاته، بل تحويل القتلة إلى “صنّاع سلام” والمجرمين إلى “أبطال دبلوماسية”. إن العالم اليوم يعيش انقلابًا أخلاقيًا حقيقيًا، حين تُمنح الميداليات على أنقاض الطفولة، ويُكرم السفاح باسم الإنسانية. والأنكى أن بعض الحكومات العربية باتت تُصفق لذلك بدعوى الواقعية السياسية أو المصالح الاستراتيجية، متناسية أن القانون الدولي ذاته قام على فكرة أن “الحق لا يسقط بالتقادم، وأن دماء الأبرياء لا تُقايض بالصفقات”.

إن ما يجري اليوم ليس مجرد انحراف سياسي، بل انهيار لمفهوم العدالة في العلاقات الدولية. لقد سقطت الأقنعة، وسقطت معها هيبة القانون، حين أصبحت شرم الشيخ مسرحًا لتكريم المجرمين بدل محاكمتهم، وحين صار الصمت هو الثمن الذي يُدفع لقاء البقاء في مقاعد السلطة.

سلام بلا عدالة هو سلام القبور، وسلام بلا كرامة هو هدنة الجبناء. ولعنة الله على سلام الزعماء حين يُبنى على موت الأطفال، وعلى كل يد صافحت الجزار بينما يداه ما زالتا ملطختين بدماء غزة. فالتاريخ لا ينسى، والقانون لا يُدفن، والضمير الإنساني – مهما خُدر – سيستيقظ يومًا ليحاكم الجميع.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • «التحديات التي تواجه الشباب وكيفية التغلب عليها ».. ندوة توعوية لوحدة السكان في البحيرة
  • تيتيه: ليبيا لا تحتمل تأخير خارطة الطريق… وحوارٌ شامل في نوفمبر
  • المقاومة: الجثة الذي لم يتعرف عليها الاحتلال لجندي أسر بغزة
  • ندوة في ذمار تناقش الإجراءات التي تضمنها قانونًا الإجراءات الجزائية والشرطة
  • سلام القبور.. وشرم الشيخ التي صمتت على بكاء غزة
  • شقيقه يتعاطى الشابو.. كشف غموض جثة عثر عليها الأمن بزراعات نجع حمادى
  • غزة.. صمود الإنسان فوق الرماد والنصر الذي لا يُقاس بالخراب
  • وقع عليها قادة مصر وأمريكا وقطر وتركيا.. وثيقة شاملة لوقف الحرب في غزة
  • مجلس كنائس مصر يهنئ العالم باتفاق السلام الذي ينهى الحرب في غزة
  • خبراء: قمة شرم الشيخ تؤكد على الأمن الذي تتمتع به مصر وستنعش حركة السياحة