راشد بن حميد الراشدي- إعلامي وعضو جمعية الصحفيين العمانية
أكدت حرب غزة صحة المقولة الشهيرة "الحرب خدعة"، لأن ما تحصده المقاومة الفلسطينية من انتصارات عسكرية متتالية في ظل غفلة العدو المتغطرس خير دليل على ذلك، إذ تنفذ هذه الفصائل كمائن متتالية تثبت قدرتها العسكرية على صد هذا العدوان الغاشم، كما أن عملية طوفان الأقصى كانت نقطة تحول للقضية الفلسطينية وفخرا للإسلام والمسلمين.
لقد تمت عملية طوفان الأقصى بتخطيط محكم وبخداع أذاق العدو ويلات الحروب ومرارة الكأس والسم الزعاف، وكبدته خسائر لم تخطر على بال أحد، وألجمت لسانه الذي يدعي به التفوق العسكري، فالعدو رغم كل حيله وكذبه وأساليب خداعه لم يستطع مجاراة خدع الحق واليقين بالله التي أتت بالنصر والتمكين وفضحت جبن العدو الظالم، فمثله كمثل موسى وسحرة فرعون الذين أرهبوا البلاد والعباد بعصيهم وحبالهم التي كانوا يستخدمونها لإخافة الناس منهم، وتعزيزاً لمكانة فرعون بين رعيته، ولكن عصا الحق واليقين ألجمت الجميع وألجمت فرعون وسحرته عندما تلقفت تلك الحبال والعصي وأبادتها عن بكرة أبيها، فظهر الحق وزهُق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.
لقد صدم طوفان الأقصى الصهاينة الغاصبين وكسر شوكتهم، وانبهر العالم بأسلوب المقاومة البسيط تجاه عملاق الحروب الذي يدعي بقوة العدة والعتاد في المنطقة بأكملها، وذلك من خلال خداعٍ كسر حاجز الخوف منهم ومن طغيانهم الذي استمدوا منه قوة الغطرسة الظالمة التي كانت تبيد العباد بغير حساب ولا عقاب.
الحربُ خدعة.. فما يحدث الآن من كر وفر في الميدان لم تنجح أساليبه إلا لدى المجاهدين الشجعان الذين وضعوا خططاً وكمائن لم تخطر على بال أحد من قادة الحرب، فأوقعوا خسائر في أرواح العدو وجعلوا غزة مقبرة للطغاة، واليوم يدخل حزب الله ليفاجئ الجميع برصد المواقع الحساسة لدى العدو أمام سمعه وبصره وأجهزته وقوته وتجهيزاته ولم يرصد أحدا تلك الطائرات المسيرة في سماء فلسطين المحتلة.. فالحرب خدعة ومكيدة.
لاتزال الحرب مستمرة في ميدانها ولايزال التفوق الحربي لصالح المقاومة الباسلة رغم قلة عتادهم، لكن إرادة الله وبالإيمان الصادق وبفكر قادة المقاومة وتجهيزاتهم وخططهم الناجعة، ستكون هي الفيصل نحو النصر ونحو تحرير فلسطين والأقصى الجريح قريبا بإذن الله.
الحرب خدعة.. وقد عاصرتها الشعوب من قبل وبها زلزلت أقوى امبراطوريات الأرض في صدر الاسلام حتى خضعت أقطار الأرض للأمة الإسلامية بسبب قوة اليقين وحسن التخطيط وتنفيذ الكمائن التي مزقت العدو، فالحرب خدعة لا يتقنها سوى المؤمن الصادق الواثق بنصر الله.
فاللهم انصر الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين وشردهم في البلاد، وأعد الأقصى وفلسطين إلى عبادك الصالحين.. للهم عليك باليهود الغاصبين ومن شايعهم يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الحرب خدعة
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان.. الودق الذي يُطفئ الحروب
د. أحمد بن علي العمري
سلطنة عُمان… بلد الأمن والأمان والسلام والإسلام والاعتدال والحياد والأعراف والعادات والتقاليد وحسن التعامل والتسامح، حيث إن الأعراف والتقاليد لدى العُماني أقوى من أي قانون؛ الأمر الذي جعلها محل ثقة وتقدير واحترام العالم أجمع دون استثناء.
ومع ذلك؛ فالرأي مفتوح للجميع، وسقف الحرية مرتفع بحكم القانون العُماني. ولقد لفت انتباهي الانطباع الذي خرج به المشاركون في معرض مسقط الدولي للكتاب من زوار ومؤلفين وناشرين؛ حيث عبّروا عن الحرية التي وجدوها؛ فهناك الكثير من الكتب التي يُمنع نشرها في العديد من الدول وجدت حريتها في عُمان تنتظرها، وأكدوا أن في عُمان مجالًا رحبًا للرأي والرأي الآخر، وأفقًا للرأي الواسع، كما أشاروا إلى حفظ الحقوق واحترام وتقدير الآخرين.
لقد وجدوا التطبيق الفعلي لعدم مصادرة الفكر؛ بل حمايته وتهيئة الجو المناسب له، فقد قالها السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -: "إننا لا نصادر الفكر.. أبدًا"، وأتت النهضة المتجددة لتؤكد على استمرارها ونموها وتوسعها؛ فأضحت عُمان بلا منازع محل تقدير ومركز تسامح وموقعًا لثقة الجميع.
المعروف أن الودق هو المطر الذي يُنهي الجفاف ويحيي الأرض، وفي السياق الأدبي أو الثقافي يُستخدم كرمز للخير والسلام، وعندما نقول إنه يطفئ الحروب، فهو تعبير مجازي عن دور عُمان التاريخيّ في إخماد النزاعات بالحكمة والدبلوماسية، كما فعلت عبر تاريخها في الوساطة بين الأطراف المتنازعة.
إن سلطنة عُمان معروفة بسياسة الاعتدال والحوار؛ سواء كان ذلك في محيطها الخليجي أو العربي أو على المستوى الدولي، مما جعلها صانعة للسلام بامتياز. وهكذا فإن الودق العُماني ليس مجرد مطر مادي، وإنما هو إشارة للغيث الأخلاقي في البوتقة السياسية الذي تقدمه عُمان لتهدئة الصراعات ومسبباتها ووأد الفتنة في مهدها.
لقد وقفت السلطنة كعادتها الدائمة والثابتة والراسخة على الحياد؛ فلم تقطع العلاقات مع جمهورية مصر العربية إبان اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك الحياد في اتفاقيات مدريد وأوسلو ووادي عربة، وبقيت محايدة في الحرب العراقية الإيرانية، ولم تتدخل في الحروب التي تستعر هنا وهناك من حينٍ لآخر؛ فلم تتدخل في حرب ليبيا، ولا الصومال، ولا اليمن، ولا السودان؛ بل أغلقت أجواءها أمام الاستخدام العسكري لأي من الطرفين المتنازعين.
وقد كانت الوسيط لإطلاق عدد كبير من المحتجزين للعديد من الدول، كما إنها كانت وسيط الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وحاليًا تقوم بالوساطة ذاتها بين أمريكا وإيران للوصول إلى اتفاقية ثابتة وملزمة ومحكمة.
ومؤخرًا تدخلت السلطنة لإطفاء الحرب الملتهبة بين أمريكا واليمن، والتوصل للاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهي حرب بالغة في التعقيد، لكن الدبلوماسية العُمانية المعهودة كان لها التأثير السلس الذي يتواصل مع الفرقاء برقة النسيم، وعذوبة الودق، وشذى الياسمين.
كل ذلك بهدوء ودون صخب إعلامي أو ضجيج القنوات الفضائية أو جعجعة الحناجر، كعادتها عُمان تبتعد عن المنّ والأذى.
إن الطائر الميمون الذي يقلّ المقام السامي لحضرة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بين العديد من عواصم العالم بين الحين والآخر، إنما يحمل على جناحيه غصن الزيتون ومرتكزاته وأهدافه، هو نشر السلام والتسامح؛ فعُمان تلتقي ولا تودع، وتجمع ولا تفرّق، وتلمّ ولا تشتّت، وتمُدّ يد السلام والوئام والتسامح والأُلفة للجميع.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.