جاءت زيارة وزير الخارجيَّة الأميركي (أنتوني بلينكن) قَبل فترة إلى بكين، بعد تأجيل طال واستطال، إثْر ما أسمته واشنطن واقعة «منطاد التجسُّس الصيني» الذي دخل أجواءها، قَبل نَحْوِ ستَّة شهور مضت، وتحديدًا في شباط/فبراير 2023، وما استتبعه من تصعيد إعلامي مُتبادل واتِّهامات، بل وتسخين عسكري أميركي في بحر الصين ومضيق تايوان قرب الشواطئ السياديَّة لجمهوريَّة الصين الشَّعبيَّة.
فقَدْ بدأ وزير الخارجيَّة الأميركي، أنتوني بلينكن، محادثات في الصين الشَّعبيَّة، وهي الزيارة الأعلى مستوى لدبلوماسي أميركي منذ نَحْوِ خمس سنوات للصين الشَّعبيَّة. وبجدول أعمال كان زاخمًا بالملفات والعناوين، حيث تُشدِّد بكين على الخطوات التي اتَّخذتها على الصعيد الدبلوماسي لتعزيز موقفها الرافض لمنطق القوَّة الأميركي التي تستعرض حالها في بحر الصين والعلاقات العسكريَّة التسليحيَّة (التحالفيَّة) مع تايوان، وتزويد الأخيرة بالعتاد المُتطوِّر في مواجهة بكين، خصوصًا سلاح الطيران والصواريخ.
وفي الحقيقة، إنَّ المسائل الخلافيَّة بَيْنَ بكين وواشنطن عميقة ومتعدِّدة ولها أكثر من وجْه: اقتصاديَّة، تجارية، عسكريَّة، أمنيَّة، صراعات قوى دوليَّة…إلخ. وتلخّص الصراع الدائر في الخريطة الدوليَّة، بَيْنَ عالَم ينحو نَحْوَ القطبيَّة المُتعدِّدة، وبَيْنَ مَن يدافع عن القطبيَّة الأحاديَّة. ولا ننسى في هذا المقام الصراع الاقتصادي والتجاري بَيْنَ واشنطن وبكين، والحديث المتواتر عن التَّخلِّي الصيني والروسي التَّدريجي عن الدولار، وتوقيع الصين الشَّعبيَّة والسعوديَّة على أربع وثلاثين اتفاقيَّة، بقيمة حوالي ثلاثين مليار دولار، في قِطاعات التكنولوجيا والطاقة المُتجدِّدة والزراعة والعقارات والتعدين والسِّياحة والرعاية الصحيَّة، فضلًا عن صفقة استثمارات بقيمة عشرة مليارات دولار، كذلك الحال مع طهران، حيث تعتمد بكين، وباعتبارها ثاني مُستهلك للطاقة الأحفوريَّة في العالَم على النفط الإيراني والسعودي بشكلٍ أساسي، وعلى الغاز الروسي.
وبالإجمال، ينظر الجانبان الصيني والأميركي إلى الزيارة التي تمَّت لوزير الخارجيَّة الأميركي على أنَّها خطوة، لا يُمكِن اعتبارها قادرة على إحداث أيِّ خرق حقيقي وجدِّي في مسار العلاقات بَيْنَ بكين وموسكو، لكنَّها تُرطب الأجواء نسبيًّا، وقَدْ تمهِّد لزيارات مسؤولين آخرين، تكُونُ ذات أهمِّية أكبر، وتحديدًا لعقد قمَّة طال انتظارها بَيْنَ الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره الصيني الرئيس القوي (شي جين بينج).
أخيرًا، إنَّ عدَّة أطراف دوليَّة مؤثِّرة في جنوب شرق آسيا، وعلى مقربة من الواقع الجيوسياسي في تلك المنطقة، تتوجَّس في شأن ما يجري بشأن الوضع المتوتِّر بشأن مسألة تايوان وبحر الصين الجنوبي، وتسعى لخلق فاعليَّة أكثر نجاعة في بناء قنوات اتِّصال بَيْنَ بكين وواشنطن لنزع فتيل التوتُّرات الحاليَّة في منطقة بحر الصين الجنوبي، التي قَدْ تتصاعد خلال أيِّ أزمة محتملة، ومن جملتها ما يجري بَيْنَ السُّفن البحريَّة الأميركيَّة (العسكريَّة) والطائرات في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي. فيما الاتِّهامات الأميركيَّة تطول بكين، ومِنها أنَّها باتتْ تمتلك «قاعدة تجسُّس» أنشأتها في كوبا، تقول واشنطن بأنَّ تلك القاعدة تسمح لبكين بالقدرة على مراقبة الاتِّصالات على امتداد جنوب شرق الولايات المُتَّحدة.
إنَّ سياسة بكين تتَّسم بالدبلوماسيَّة الهادئة، التي تتجنَّب عمليَّة «المكابشة» في المواجهة، لكنَّها طويلة النَّفْس، بل وقاسية حتى بنعومتها.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
ali.badwan60@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ة الأمیرکی بحر الصین
إقرأ أيضاً:
رغم الرسوم الجمركية.. تايوان تسعى لتعزيز التعاون الأمني والتجاري مع واشنطن
أكد كونغ مينغ هسين، الأمين العام للسلطة التنفيذية في تايوان أن بلاده تسعى إلى تعزيز علاقاتها الأمنية والتجارية مع الولايات المتحدة، على الرغم من القلق الذي أثارته الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخيرًا على السلع التايوانية.
وأوضح في تصريح لوكالة "فرانس برس"، أن الرسوم الجمركية أثارت مخاوف لدى مجتمع الأعمال التايواني، مضيفًا: "رأينا العالم أجمع يعرب عن قلقه إزاء قضية الرسوم، ورئيسنا لاي تشينغ تي عقد عشرات اللقاءات مع رؤساء شركات كبرى، ما يعكس القلق البالغ من تداعيات هذه الإجراءات".واشنطن الحليف الأمني لتايوانوتعد واشنطن الحليف الأمني الرئيسي للجزيرة، التي تواجه تهديدًا مستمرًا من الصين التي تعد تايوان جزءًا من أراضيها.
أخبار متعلقة موعد توقيع ترامب أمر خفض أسعار الأدوية في الولايات المتحدةزلزال بقوة 5.6 درجة يضرب مدينة شيشانغ جنوب غرب الصينكما تعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأهم لتايوان، حيث تستقبل نحو 60% من صادراتها، والتي تتركز بشكل رئيسي في أشباه الموصلات، المكوّن الأساسي للصناعات الحديثة، من السيارات والأسلحة إلى أجهزة الحواسيب العملاقة والتلفزيونات.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الرسوم الجمركية أثارت مخاوف لدى مجتمع الأعمال التايواني - متداولة
وكانت الولايات المتحدة فرضت الشهر الماضي رسومًا جمركية على جميع شركائها التجاريين، بمن فيهم تايوان، قبل أن تعلّق تطبيقها لمدة 90 يومًا.تعاون في الأمن والتكنولوجياوخلال زيارة إلى العاصمة الأمريكية واشنطن للمشاركة في قمة استثمارية، اقترح المسؤول التايواني تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في مجالي الأمن والتكنولوجيا، قائلًا: "يمكننا إجراء أبحاث وتطوير مشترك في مجال الطائرات المسيرة، على سبيل المثال".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة تملك تكنولوجيا متقدمة، فيما تتمتع تايوان بقدرة عالية على الإنتاج الكمي لهذا النوع من المنتجات، ما يفتح المجال لتعاون مثمر يسهم في تعزيز أمننا الصناعي".