يتناول معظم المراقبين الدوليين الذين يسعون لفهم الأحداث الأخيرة في غرب أفريقيا الموضوع من زاوية قديمة تعود لحقبة الحرب الباردة؛ فباستثناء الأزمات الإنسانية الكبرى فإن الأحداث الوحيدة التي تحظى باهتمام كبير في القارة السمراء هي التنافس بين القوى الخارجية العظمى.

بهذا الرأي استهل الكاتب الصحفي والأكاديمي الأميركي هوارد دبليو فرينش مقالا تحليليا بمجلة "فورين بوليسي" حول تأثير الانقلاب الذي شهدته النيجر قبل أسبوعين، وما تلاه من تداعياته على منطقة الساحل؛ إذ يشير إلى أنها تمثل لحظة تحول جيوسياسية حقيقية في السياسة البينية بالقارة ومكانة القوى الخارجية فيها.

ويقول فرينش إن الاهتمام بالقارة السمراء ظل على مدى عقود مُنصبا على التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على النفوذ في دول القارة.

وفي الآونة الأخيرة، خلال الفترة التي شهدت تعزيز بكين مكانتها في أفريقيا، أصبحت قضايا القارة تُتناول من زاوية صراع المصالح بين الولايات المتحدة والصين.

سؤال ثابت

وبعد الانقلاب الذي شهدته النيجر -كما يقول فرينش- خرج علينا الكُتّاب بتحليلات متسرّعة حول معركة متأرجحة بين واشنطن وموسكو في منطقة الساحل الأفريقي، مع إضافة تفاصيل تتعلق بمرتزقة مجموعة فاغنر الروسية الغامضة وزيها المعروف.

ويرى أنه رغم تعاقب السنين، فإن السؤال الرئيسي الذي يُطرح في العالم الغني عندما تحدث تغييرات سياسية في أفريقيا ثابت لا يتغير أبدا؛ وهو كيف سيهدد صعود الحكومة الاستبدادية الأخيرة نفوذ وقوة الولايات المتحدة والغرب في المنطقة؟

كما يرى أن القوى العظمى لم تقدم شيئا لأفريقيا، ولا تسعى لمساعدتها في حل أزماتها الاقتصادية، وأن اهتمام الولايات المتحدة منصب على حث بلدان القارة السمراء على الالتزام بالحكم الديمقراطي من دون تقديم معونة تذكر في هذا الإطار، في حين ينصب اهتمامها الحقيقي على محاربة الجماعات المتطرفة في بلدان الساحل.

ويوضح أن معظم الحديث عما يجري في أفريقيا من زاوية تأثيره على نفوذ ومصالح القوى الخارجية في المنطقة هو ضجيج لا أهمية له في الواقع، وهو يمنع الجهات الخارجية، بل يمنع الأفارقة أنفسهم في كثير من الأحيان، من رؤية التداعيات المهمة للأحداث المتعلقة بانقلاب النيجر.


"الحروب تصنع الدول"

ما حدث في الحقيقة قد لا يكون حدثا مثيرا كما هي الحال في القمم الدولية أو العناوين العريضة حول التنافس بين القوى العظمى، ومع ذلك فإن البعد السياسي الأهم في أزمة النيجر هذه كما هي الحال في العديد من الأزمات التي شهدتها القارة السمراء مؤخرا؛ هو أنها حول السياسات الأفريقية بشكل مباشر لا عن علاقتها بالقوى الخارجية.

ويقول فرينش إن انقلاب النيجر مثّل لحظة تحول جيوسياسي حقيقي للأفارقة أصبحت فيه الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين أقل أهمية على الفور من الأفارقة أنفسهم. ويتجلى ذلك بوضوح في الدور الذي لعبته نيجيريا في الأزمة حتى الآن، التي تُعدُّ أكبر دولة في المنطقة ويتزعم رئيسها بولا تينوبو المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهي أهم منظمة سياسية واقتصادية في غرب أفريقيا.

فقد أصر الرئيس النيجيري وإيكواس على استعادة حكم رئيس النيجر المخلوع واستعادة نظامها الديمقراطي.

ويرى الكاتب أن الأفارقة يشقون طريقهم للإمساك بزمام الأمور في منطقة الساحل؛ وهو ما قد يعيق بعض الأمور، لكنه من الضروري لمستقبل المنطقة ومستقبل أفريقيا قاطبة أن يتولى الأفارقة مسؤولية عملياتهم الخاصة، وأن يضعوا قوانينهم الداخلية الخاصة، وحل مشاكلهم الدبلوماسية والعسكرية بأنفسهم عندما يحتاجون إلى ذلك.

وختم الكاتب الصحفي الأميركي مقاله بتأكيد أن الدول الأفريقية لن تتمتع بسيادة تذكر، ولن يكون لها دور يذكر ما لم تمسك بزمام الأمور؛ فتصبح الحاكم والحارس لمنطقتها. واستشهد بمقولة مشهورة في العلوم السياسية للمنظّر الاجتماعي الراحل تشارلز تيلي "إن الحروب تصنع الدول".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة القارة السمراء فی أفریقیا

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية يشارك افتراضيًا في المنتدى الأفريقي رفيع المستوى الثالث للتعاون جنوب-جنوب

نيابةً عن الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، شارك الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة، بشكل افتراضي في الجلسة الثانية من المنتدى الإفريقي رفيع المستوى الثالث للتعاون جنوب - جنوب والتعاون الثلاثي من أجل التنمية المستدامة، الذي تستضيفه سيراليون خلال الفترة من ٧ إلى ٩ مايو ٢٠٢٥.

وخلال الجلسة المعنونة «إمكانات القارة الإفريقية بصفتها فاعلاً مؤثراً ومستقبل الحوكمة العالمية: البريكس، مجموعة العشرين ومجموعة السبع+»، أعرب الوزير عبد العاطي عن تقديره للآلية الأفريقية لمراجعة النظراء «APRM» على جهودها المقدرة في ترسيخ الحوكمة الرشيدة وتعزيزها في القارة الأفريقية.

وأبرز وزير الخارجية أن النظام الدولي الراهن يشهد مرحلة دقيقة ومفصلية على ضوء التوترات الجيوسياسية والاقتصادية المتصاعدة وتفاقم التحديات العالمية غير المسبوقة، مما يؤكد على الحاجة الملحّة إلى تعزيز آليات التعاون الدولي، والنظام الدولي متعدد الأطراف من أجل التصدي لتلك التحديات العابرة للحدود بفاعلية وشمولية.

ولفت إلى أن القارة الإفريقية تزخر بإمكانات بشرية وثروات طبيعية وموارد اقتصادية واعدة، بما يؤهلها لأن تضطلع بدور محوري في النظام العالمي الجديد، وأن تساهم بفاعلية في صياغة مستقبل الحوكمة العالمية، مؤكداً على أحقية الدول الإفريقية في أن تحظى بتمثيل عادل ومتوازن داخل مؤسسات صنع القرار الاقتصادي العالمي.

ومن هذا المنطلق، شدد الوزير عبد العاطي على أهمية مشاركة القارة الإفريقية في اجتماعات مجموعة العشرين لما يمثله ذلك من فرصة هامة لإعلاء مصالح القارة وأولوياتها الاستراتيجية، وخاصة فيما يتعلق بإصلاح الهيكل المالي العالمي، والتصدي لأزمة الديون، وضمان الوصول المنصف إلى مصادر التمويل، مضيفاً بأن اعتماد الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين اعتبارًا من عام ٢٠٢٣ يمثل خطوة تاريخية تعكس المكانة المتنامية للقارة على الساحة الدولية.

وأضاف بأن الرئاسة الجنوب أفريقية الحالية لمجموعة العشرين تمثل فرصة فريدة لتعزيز صوت الدول النامية، لاسيّما دول القارة الإفريقية، وتثبيت أولويات القارة ضمن جدول أعمال المجموعة ومخرجاتها، مؤكداً في هذا الصدد علي دعم مصر الكامل لرئاسة جنوب إفريقيا للمجموعة ولمحاور عملها.

واختتم الوزير عبد العاطي كلمته بالتأكيد على أهمية أن تحظي القارة بالمكانة التي تستحقها كفاعل رئيسي ومؤثر في صنع القرار العالمي، وبما يمكنها من الاسهام بفعالية في تشكيل معالم النظام الدولي الجديد، من خلال تعزيز تمثيلها في المؤسسات الدولية، وتوسيع نطاق مشاركتها الفعلية في عمليات الحوكمة وصياغة السياسات الدولية.

اقرأ أيضاًوزير الخارجية: مصر تتعاون مع الجبل الأسود في عدة قطاعات أهمها الطاقة الجديدة

وزير الخارجية: الاتفاق على تدشين خط ملاحي بحري بين مصر والجبل الأسود

وزير الخارجية يبحث هاتفيًا مع مستشار الرئيس الأمريكي المساعي المشتركة لتحقيق السلام

مقالات مشابهة

  • حزب المصريين: الشراكة المصرية الإماراتية نقطة تحول نحو صناعة خضراء تنافسية
  • وزير الخارجية القطري يبعث رسالة خطية إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي
  • وزير جنوب أفريقي: السرقة تبقى سرقة ويجب إعادة الآثار فورا
  • وزير الخارجية يشارك افتراضيًا في المنتدى الأفريقي رفيع المستوى الثالث للتعاون جنوب-جنوب
  • الشيباني: زيارة الشرع لفرنسا "نقطة تحول" بالنسبة إلى سوريا
  • وزير الخارجية يجري اتصالًا هاتفيًا بوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية
  • سمو وزير الخارجية يجري اتصالًا هاتفيًا بوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية
  • ميناء الفاو الكبير : نقطة تحول في النقل البحري أم أحلام وردية؟
  • شرطة أبوظبي: نقطة تحول مهمة في تاريخ الدولة
  • منسق شؤون الطلاب الأفارقة بجامعة القاهرة: نعمل على التفاهم والتقارب بين الطلبة