تأمُلات
كمال الهِدَي
. إبان هبتي ٢٠١٣ و٢٠١٥ وقبل ثورة ديسمبر المؤودة ظللت أدعو مع (قلة) غيري الشباب لأن يعتمدوا على أنفسهم ويصعدوا القيادات الكفؤة من وسطهم حتى يكونوا على أهبة الإستعداد متى ما أُنجزت ثورة كاملة، لكن لا حياة لمن نادينا.
. فقد ضحى الكثير من شباب الوطن بأغلى ما عندهم، لكنهم للأسف توقفوا عند منتصف الطريق (كعادة سودانية مألوفة) وأنتظروا غيرهم أملاً في أن يكملوا لهم ما قدموا الغالي والنفيس من أجله.
. وعن نفسي ما كنت أتعشم فيمن تخطوا الخمسين خيراً في هذا البلد ولذلك كان الرهان علي الشباب.
. وإبان فترة الإعتصام، وبعد أن تأكد بأن حليمة عائدة لعادتها القديمة، وأن شباب الوطن سلموا أمرهم للكبار الذين ما رأينا منهم سوى الخنوع والتلاعب بمصائر الناس، حينها منيت النفس بأن يقتدي بعض زعماء أحزابنا بأفضل وأصدق زعيمين أفريقيين (نيلسون مانديلا وبول كاغامي) ويكفوا عن أساليبهم القديمة تقديراً لتضحيات أولئك الشباب، لكنهم لم يفعلوا.
. والمؤسف أن الشعب أيضاً لم يساعد نفسه وظل حبيساً لعواطف وتهريج إعلامي وتطبيل لأشخاص بعينهم لم نر منهم أكثر من معسول العبارات حتى وقع ما كنا نتحسب له.
. ما أعادني لهذا الموضوع ولفكرة المقال الكامل التي توقفت عنها بسبب ظروف هذه الحرب اللعينة هو أنني تفاجأت في مدينة كيغالي بإنعدام الحركة صبيحة اليوم السبت، وبعد السؤال أدركت أن لديهم عطلة رسمية ما بين الثامنة إلى الحادية عشرة صباحاً.
. ففي هذا اليوم والمناسبة التي يسمونها
( Umuganda)
التي تصادف يوم السبت من آخر كل شهر، في هذا اليوم ينتظم كافة أفراد الشعب الرواندي ممن تخطوا الثامنة عشرة في حملات نظافة بكافة المدن والقرى الرواندية.
. وقتها وجدت إجابة للسؤال الذي كثيراً ما دار بذهني " البلد دي كيف نظيفة بالشكل ده".
. وبالطبع لا يعود سر نظافة مدينة كيغالي المُخضرة لهذا السبب وحده.
. فثلاث ساعات في نهاية كل شهر لا يمكن أن تكفي لتنظيف مدينة أياً كان حجمها، وهو عمل مستمر تقوم به الجهات المعنية على مدار الساعة.
. لكن النظام السليم والقيادات الكفؤة الواعية والعملية تربي شعوبها على حب الوطن وعكس ذلك بالأفعال لا عبر العبارات الرنانة وأغنيات جدودنا زمان.
. فالمواطن الذي يبذل مجهوداً في تنظيف مدن وقرى بلده لابد أن يحرص علي المحافظة علي هذه المدن والقرى نظيفة.
. ولكم أن تتخيلوا الفرق بيننا وبينهم، فقد ظللنا حتى قبل هذه الحرب اللعينة نحيا ونأكل ونتنزه وسط أكوام القمامة بعاصمتنا التي كانت مدينة في منتهى النظافة والجمال في أوقات مضت.
. فلنقارن حالنا بأهل رواندا التي شهدت حرباً أهلية طاحنة لم تنته قبل قرون، بل إستمرت حتى العام ١٩٩٤.
لكنهم وجدوا القيادة المسئولة بعد ذلك العام ولذلك بدأ بلدهم مرحلة البناء والتعمير حتى وصلوا ما هم عليه اليوم وصاروا أكثر البلدان الأفريقية استقراراً وآماناً خلال فترة زمنية قصيرة للغاية.
. أما نحن فحتى بعد النجاح الجزئي لثورة ديسمبر وتشكيل حكومة د. حمدوك لم نتجه للبناء والتعمير، بل تفرغنا للحديث والجدل وغمر الوسائط بعبارات (شكراً حمدوك) غاضين الطرف شعباَ وقيادة لما كان يُحاك للثورة.
. والقائد (المؤسس المفترض) نفسه تفرغ للكلام أكثر من تفرغه للعمل وحين كنا نتساءل: ماذا فعلت حكومة حمدوك لشباب الوطن، هل وفرت لهم المشاريع الإنتاجية حتى تستغل طاقاتهم خير إستغلال، حين كنا نطرح مثل هذه الأسئلة ظللنا نسمع عبارات التعاطف مع حكومة متهاونة جُل وزرائها كانوا من ضعيفي الشخصيات والقدرات وكان طبيعياً أن تضيع أعظم ثورة شهدها السودان.
. لا ننكر بالطبع حجم التآمر الذي واجهته حكومة الثورة، لكنه تآمر كان متوقعاً ولو أن حكومة دكتور حمدوك تعاملت بالصرامة والجدية اللازمة لتمكنت من تحجيم المخربين والمتآمرين.
. لكن المؤسف أن حكومة الثورة ضمت العديد من المسئولين (الهينين) الذين ما كانوا يجرأون على الحسم، إبتداءً بوزارة الإعلام الأهم في مثل تلك المراحل وإنتهاءً بوزارة الخارجية وما بينهما.
. نحن شعب إتكالي يريد من البعض أن يضحوا نيابة عنه وهذا لا يجوز.
. حتى في الكورة ننتظر من أشخاص بعينهم أن يدفعوا المال لتسيير العمل في أنديتنا الكبيرة.
. وإن إنتقدت أحد هؤلاء الإداريين لن تجد من يستمع لك لأن الغالبية لا تريد أن تكتسب عضوية أنديتها وتساهم مادياً في تسيير النشاط.
. والعجيب سرعة الفصاحة وتريد عبارات " الهلال سيد البلد" و" المريخ الزعيم".
. كيف تكون السيادة والزعامة وأنديتنا طوع بنان شلة هنا وهناك لأنهم يصرفون عليها!
. شفتوا كيف نحن بس فالحين في الشعارات و(النضم)!
. تريد لناديك أن يكون سيداً او زعيماً حقيقياً فهذا يبدأ بإستقلالية هذا النادي عن جيوب الأفراد، وإلا يصبح مؤسسة صغيرة لا تستحق الإحترام.
. لكننا نحترم هذه المؤسسات ونعظمها (قولاً) لأننا صرنا عبيداً للمال، هذه هي الحقيقة المرة.
. وما ذكرته أعلاه ينسحب على بقية أوجه حياتنا فكيف سنبني هذا السودان حتى لو توقفت هذه الحرب اللعينة غداً!!
. وأختم بالسؤال: إنتو يا من تتوهمون أن لدينا قادة وزعماء كاغامي ده ما سمعتو بيهو؟!
kamalalhidai@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هل تستقيل صاحبة المعالي.. وزيرة “اللا فعل”؟!
هل تستقيل وزيرة المرأة من الحكومة التي لم تُوحّد إلا خيباتنا؟.. حكومة فشلت في جمع الليبيين، لكنها نجحت في جمع الصفقات، وتوطين الفساد، وفتح أبواب التطبيع على مصراعيها.
ما تُسمى “وحدة ووطنية” استبدلت الانتماء بالمساومة، والسيادة بالعمالة، والأمل بالخداع. حكومة تخطط لصفقة لتهجير الفلسطينيين وتوطين المهاجرين، وتبيع الوطن مقابل البقاء على الكرسي.
لم تجبر ضرر مظلوم، ولم تُنصف أرملة، ولا مهجرة، ولا مغتصبة.
حكومة لا تحكم شعبًا، بل تستهلكه… حكومة الشعارات المملة والمظاهر المصطنعة، والعناوين البراقة التي تخفي خيانة وطنية صريحة.
فهل تستقيل وزيرة المرأة؟!
التي لم تكن يومًا صوتًا للنساء، بل صورة على هامش حكومة تصنع الواجهة وتخفي المأساة.
وزيرة اختارت الاحتفال بدل المواجهة، والفلاتر بدل الحقيقة، والمنشورات بدل المواقف.
نريد وزيرة تكتب قانونًا يحمي النساء، لا منشورًا يهددهن.
نريد من تُشهِر الموقف لا من تُشهِر قانون الجرائم الإلكترونية في وجه كل من تنتقدها.
نريد وزيرة تُطبق القانون على الظالم، لا من تُجنّده لحماية صورتها من النقد.
لا نحتاج لوزيرة نصف وقتها في مصحات التجميل ونصفه الآخر في عواصم المؤتمرات.
نحتاج من تزور الأحياء المنسية، وتسمع لأنين الأرامل والمهمشات، لا من تملأ الصفحة الرسمية للوزارة بصورها المنمقة وكلماتها المكررة.
كيف تمثلنا وزيرة صمتت حين اقتُحمت غرف نوم النساء، وسُرقت خصوصياتهن، وهُجّرن من بيوتهن؟ ولم نسمع منها حتى بيان استنكار.
أين كانت حين زُوّجت فتاة من مغتصبها؟ حين صار التحرش قاعدة لا استثناء؟
أين كانت حين بكت أم ليبية على أطفالها وهي تبيع جسدها لتطعمهم؟
لا حياة في وزارة لا تنطق حين تُذل النساء.
ولا شرف لمن تُصمّ أذنيها عن صرخة من طُردن من بيوتهن وسُحقت كرامتهن تحت أقدام التسلط والخذلان.
نحن لا نطالب باستقالتها.. نحن نُنذر.
استقيلي بشرف.. قبل أن تُسقطكِ الليبيات بعار.
انسحبي الآن.. قبل أن نكتب في التاريخ أن “وزيرة المرأة” كانت عنوانًا للخداع، وواجهة لحكومة باعت النساء وباعت الوطن.
القياديات الليبيات إذا غضبن.. قلبن العروش.
وإن سكتن اليوم، فغدًا يصنعن زلزالًا لا ينجو منه أحد.
استقيلي.. أو انتظري السقوط.
ولا عزاء لمن تزيّنت بالسلطة.. وخذلت النساء وخانت الوطن.الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.