الأولويات الاقتصادية من منظور كامالا هاريس
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
الآن وقد أصبحت استطلاعات الرأي تشير إلى أن فرصة كامالا هاريس للفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الشهر المقبل لا تقل عن 50%، تبرز إلى الصدارة تساؤلات حول أجندة سياستها الاقتصادية. بطبيعة الحال، يعتمد قسم كبير من الأمر أيضا على نتائج التصويت على المناصب المحلية الأدنى. إذا فاز الديمقراطيون بالبيت الأبيض ومجلسي الكونجرس، فسوف يتمكنون من تنفيذ السياسات المالية بأغلبية بسيطة (من خلال ما يسمى بعملية تسوية الميزانية).
خلافا لذلك، من الواضح أن إدارة هاريس ستكون مُـقَـيَّـدة. عندما خاضت هاريس (لفترة وجيزة) سباق الرئاسة في عام 2019، كانت مقترحاتها الاقتصادية تقع بوضوح على يسار الحزب الديمقراطي. فقد دعمت، بين أمور أخرى، الرعاية الصحية الشاملة الممولة من الدولة، وإلغاء تجريم عبور الحدود بشكل غير قانوني، و«صفقة خضراء جديدة» بقيمة 10 تريليونات دولار لمعالجة تغير المناخ، وحظر التكسير الهيدروليكي. الآن، تخوض هاريس الانتخابات الرئاسية على منصة أكثر وسطية تتضمن دعم قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير)، وإن كان مع بعض التحريفات الجديدة مثل تحديد سقف لسعر الأنسولين وتوسيع سلطة الحكومة في التفاوض على أسعار الأدوية في إطار برنامج الرعاية الطبية لكبار السِـن (Medicare) والرعاية الطبية للفقراء (Medicaid). وهي تُـحابي أيضا الصفقة الثنائية الحزبية الأخيرة لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة غير الشرعية، والتي نجح خصمها دونالد ترامب في إقناع الجمهوريين بتجاوزها لأسباب انتخابية، وتقبل التكسير الهيدروليكي، وتدعم الإنفاق الأخضر الأكثر محدودية (تريليون دولار) في إطار قانون خفض التضخم. (الواقع أنها لم تذكر تغير المناخ إلا قليلا في خطاباتها). برغم أن كثيرا من مقترحات هاريس الأخرى تظل غامضة، فإنها تبدو وكأنها تمثل استمرارا لسياسات الرئيس جو بايدن الاقتصادية. فهي تدعم الجهود الرامية إلى إعادة التصنيع إلى الداخل وخلق «اقتصاد الفرصة» في ظل نمو أكثر شمولا. وهي لن تتورع عن السماح بتدخل الدولة، وخاصة بالاستعانة بالسياسات الصناعية لدعم القطاعات الاقتصادية وتكنولوجيات المستقبل. وسوف تحاول كبح جماح قوة الشركات الاحتكارية الكبرى من خلال التنظيم. وفي السياسة المالية، تقترح هاريس تحديد سقف لتكلفة رعاية الأطفال بنسبة 7% من دخل الأسرة (وهذا يعني تقديم إعانات دعم)، وإحياء الائتمان الضريبي للأطفال، ومنح إعفاء ضريبي بقيمة 25 ألف دولار لمشتري المنازل لأول مرة. ولأن هذه التدابير قد تزيد الطلب والأسعار، فإنها تخطط أيضا لزيادة المعروض من الإسكان بتكاليف مُـيَـسَّـرة. كما أنها تعتزم تقديم بعض الإعفاءات الضريبية الجديدة للشركات الصغيرة، وتمديد التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب لصالح الأسر التي تكسب أقل من 400 ألف دولار سنويا. لتغطية تكاليف هذه السياسات، تعتزم هاريس رفع معدل ضريبة الشركات من 21% إلى 28%، ورفع الضرائب المفروضة على فاحشي الثراء (أولئك الذين يبلغ معدلهم الهامشي الأعلى حاليا 39%)، واستكشاف إمكانية فرض ضريبة على مكاسب رأس المال غير المحققة. وأخيرا، هي لا تخطط لإصلاح برامج الاستحقاق مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية لكبار السن. في المجمل، تشير تقديرات لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة إلى أن تكلفة مقترحات هاريس ستكون 3.5 تريليون دولار على مدار عقد من الزمن، في حين تبلغ تكلفة مقترحات ترامب 7.5 تريليون دولار ما لم تُـفـرَض ضرائب أخرى (مثل الرسوم الجمركية). أما عن سياسات هاريس التجارية، فسوف تكون مشابهة تماما لسياسات بايدن، حتى برغم أنها تحدثت قليلا عن الصين على هامش الحملة الانتخابية. فسوف تستمر تدابير «إزالة المخاطر» ــ ولكن ليس الانفصال ــ في قطاعات استراتيجية مثل المعادن الـحَـرِجة، والعناصر الأرضية النادرة، والتكنولوجيا الخضراء، والتكنولوجيا الفائقة، فضلا عن العقوبات والقيود المفروضة على الصادرات من أشباه الموصلات وغير ذلك من المدخلات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وصفت إدارة بايدن نهجها بأنه أشبه بخلق ساحة صغيرة يحيط بها سياج مرتفع، وربما تعمل هاريس على توسيع الساحة. وبالتالي، ستظل الرسوم الجمركية ــ مثل الضريبة بنسبة 100% على المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين ــ قائمة، وسوف تزداد القيود المفروضة على الاستثمار المباشر الأجنبي الموجه إلى الصين والقادم منها إحكاما، وسوف يُـعـتَـمَـد عدد كبير من المقترحات المقدمة من لجنة مجلس النواب المشتركة بشأن الصين. لكن على عكس ترامب، لن تفرض هاريس رسوما جمركية على الأصدقاء والحلفاء ولن تسعى إلى فرض تعريفات جمركية شاملة على كل السلع الصينية. بل ستلاحق منافسة استراتيجية مُدارة مع الصين، بدلا من سياسة الاحتواء الكامل أو الانفصال. وقد تشجع هاريس الحلفاء من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) على إنفاق ما لا يقل عن 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع (الواقع أن 23 من أصل 32 دولة تفعل ذلك بالفعل)، وسوف تدعم التحالفات، والمعاهدات الأمنية المتعددة الأطراف مثل الرباعية وAUKUS، والعلاقات الثنائية مع شركاء مهمين مثل الهند والفلبين. كما سَـتُـبـقي على أمريكا في اتفاقية باريس للمناخ وتحاول تعزيز جهودها للحد من الانبعاثات والتعجيل بالتحول الأخضر. مع ذلك، مثلها كمثل بايدن، لن تحاول هاريس الانضمام إلى خليفة الشراكة عبر المحيط الهادئ، حتى برغم أن كثيرين من الخبراء الاستراتيجيين يعتقدون أن «التحول إلى آسيا» يحتاج إلى ساق اقتصادية يقف عليها. وفي حين تحافظ على سياسة سعر الصرف المرنة التي تنتهجها أمريكا، فقد تكون أكثر ميلا إلى التهديد بوصم بعض البلدان بالتلاعب بالعملة. على ذات المنوال، ستستمر في السماح باستخدام الدولار الأمريكي كسلاح من أسلحة الأمن القومي (من خلال العقوبات الأولية والثانوية). لكنها من المفترض أيضا أن تكون حكيمة بالقدر الذي يجعلها تلاحق سياسات مصممة للحفاظ على مكانة الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية. وعلى هذا فإن سياسات هاريس المالية، والتجارية، والمناخية، وفي التعامل مع الهجرة والعُـملة والصين ستكون مختلفة تماما عن سياسات خصمها. فمن المرجح أن تكون أجندة ترامب أشد ميلا إلى إحداث التضخم، وخفض النمو الاقتصادي (من خلال التعريفات الجمركية، وخفض قيمة العملة، وفرض القيود على الهجرة)، وتضخيم الميزانية. لكن الأسواق لم تضع في الحسبان الضرر الذي قد يلحقه ترامب بالاقتصاد والأسواق. ربما تعمل الحكومة المنقسمة على تقييده. وقد يعمل مستشاروه السياسيون الأكثر اعتدالا أو انضباط السوق على تخفيف مواقفه السياسية الأكثر تطرفا. ومع ذلك، فإن الاختيار في أعلى ورقة الاقتراع شديد الوضوح. نورييل روبيني أستاذ فخري للاقتصاد في كلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك خدمة بروجيكت سنديكيت |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
النيجيرية شيماماندا أديتشي.. معنى أن تكون صاحب بشرة ملوّنة
الشتات الإفريقي في الولايات المتحدة من وجهة نظر نسوية، هو محور “جمع الأحلام”، للكاتبة النيجيرية الأميركية شيماماندا نغوزي أديتشي، التي تتناول العلاقات بين الأميركيين من أصول أفريقية، والأفارقة المهاجرين في أوروبا، انطلاقاً من حكايات النساء في عالمها.
ولدت الكاتبة في مدينة نسُكا عام 1977، وهي المدينة نفسها التي عاشت فيها بمنزل كان يسكنه الكاتب النيجيري الشهير شينوا أتشيبي، فتأثرت به أدبياً. ثم انتقلت بعدها للدراسة في الولايات المتحدة، وحصلت على ماجستير في الكتابة الإبداعية، وفي الدراسات الإفريقية.
الرواية صدرت باللغة الإنجليزية والفرنسية عن (دار غاليمار) في مارس 2025، ولقيت اهتماماً واسعاً، وذلك بعد 12 عاماً من إصدار الكاتبة رواية “أمريكانا”، التي عرفت نجاحاً باهراً حينها، وخصوصاً أن الكاتبة تتمتع بنظرة نقدية ثاقبة، تجاه واقع ذوي البشرة الملوّنة في أميركا والعالم، وخصوصاً النساء منهم.
أربع نساء وأربع حكايات
تتبع الرواية مصير 4 شابّات إفريقيات في “أدغال” أميركا الحضرية. شيا، الشخصية الرئيسة، وهي نيجيرية من عائلة ثرية تحلم بالكتابة، وتنشر مقالات عن أدب السفر. خلال فترة الجائحة، تبدأ بجمع أحلامها المتعلقة بقصصها العاطفية.
زيكورا، صديقة شيا، محامية تحلم باستعادة أب ابنها، الذي أجبرت على تربيته بمفردها.
كتاب جمع الأحلام – gallimard.fr
أما أوميليغور، فهي ابنة عم شيا، سليلة أكاديميين نيجيريين، جمعت ثروة كبيرة من عملها في مصرف، يراكم أمواله أساساً من طريق الفساد والتهرّب الضريبي، وهي لا تفتأ تسأل عن معنى الحياة. عادت إلى نيجيريا، وحاولت مساعدة النساء النيجيريات من خلال أموال البنك.
أما كادياتو، فتدور حولها سرديات الرواية وتلتقي عندها، التقت بها شيا خلال إقامة لها في واشنطن، في الفندق الذي كانت تعمل فيه. وصارت تقيم باستمرار في منزل شيا كمكلفة بالخدمة.
شخصية كادياتو مستوحاة من نوفيساتو ديالو، المرأة الغينية التي كانت في قلب الحدث الشهير، عندما اعتقل مدير صندوق النقد الدولي سابقاً، بعد اتهامه باعتداء جنسي عليها.
بخصوص هذا الحدث الذي تابعه العالم، أوردت الكاتبة في نهاية الرواية أنها تناولته، “لأن تلك القصة لامست نقاطاً عدّة حساسة في الحياة الأميركية المعاصرة: السلطة، والاعتداء الجنسي، النوع الاجتماعي، والهجرة والعرق”.
تهمة البشرة الملونة
كانت مسألة العرق أساسية في تحديد الكثير من ملابسات الأحداث في الرواية، كانعكاس لما يعتمل في مجتمع متعدّد الإثنيات، وخصوصاً من هم من أصحاب الجذور الإفريقية. لكن الكاتبة لا تقع في فخ الإشارة المباشرة أو التركيز على التاريخ المرير والسيء للعبودية، بقدر ما تنقّب في آثارها المستمرة إلى يومنا هذا، على حيوات شخصياتها بشكل يجعله أبلغ تأثيراً.
في خضم زخم السرد، تستعيد الكاتبة اضطرار كل من له بشرة سوداء في أميركا وأوروبا، إلى إعلان حسن نواياه، وتبرير وجوده في أماكن معينة. على غرار زيكورا المحامية الناجحة، التي اضطرت إلى التكيّف مع واقع، أنها المرأة الوحيدة ذات البشرة الملوّنة في مكان عملها بوزارة العدل”.
كذلك شيا، البطلة، التي تجد نفسها دائماً في موقف الشك، بسبب الثروة التي تملكها عائلتها، والتي تسمح لها بالعيش الرغيد. حدّثها صديقها عن شخص أميركي يناضل كي تحصل عائلة إفريقية مهاجرة على أوراق إقامة، واصفاً إياها بعائلة إفريقية حقيقية، ليس كعائلتك، فتعقّب عليه قائلة :” كأن الثراء جعل منا أفارقة غير أصليين، أفارقة مشكوك في نقائهم”.
يقول بشيء من المزاح :”هل تعلمون أن أجداد شيا باعوا على الأرجح أجدادي؟ إنها وريثة ثروة قديمة تعود لقرون. على هذا الساحل من غرب إفريقيا، لم يكونوا يبيعون للناس البيض فواكه النخيل فقط”.
تؤثر تلك التفاصيل بقوة في مسار الرواية، حين يتعلق الأمر بالإفريقي المهاجر، أما الأميركي ذو البشرة الملوّنة، فلون جواز سفره الأزرق يعوّض لون بشرته وييسّر له كل المسالك في العالم.
تقارن الكاتبة هذه الحالة مع حالة الملونين الفرنسيين، فتكتب “أن هؤلاء بشرتهم رمادية، كما لو أن الاحتقار الودي الذي تكنّه فرنسا لمواطنيها السود، شكّل طبقة رماد فوق جلودهم [..] هم يبدون رماديين وباهتين”.
تضيف: “يعامل الفرنسيون المواطنين الملوّنين وكأنهم قمامة، لكن إن كنتَ أميركي من أصل إفريقي، فالأمر يُحتمل نوعاً ما”.
العنصرية كمنظومة مقنّعة
ترفض الكاتبة التعامل مع العنصرية كحدث معزول. بل تربطها ببنية متكاملة تمارس هيمنتها بشكل رمزي في طريقة التعامل، التي تظهر عبر الإعلام والنظام القضائي والوعي الجمعي. وهو ما أبرزته أساساً من خلال بطلتها كادياتو، الخادمة الغينية التي تجد نفسها محكومة ليس فقط بواقعة الاعتداء، بل بأسلاك خفية من التحيّز والعنف الرمزي.
لم يعاقب الرجل الأبيض المتهم، بل تمّ إسقاط القضية عنه لأن دفاعه كان قوياً، بنىاه على ضعف موقف الضحية المحكومة بشتى الظروف غير المساندة.
إنها مثال للمهاجرين الأفارقة في أميركا، الذين لا حول لهم ولا قوة، المُجبَرين على الانضباط مع واقع لا يتفق مع حياة وتقاليد سابقة، تسود فيها المعتقدات المختلفة وسلطة الذكورة على الأنوثة، إلى جانب العنصرية المقنّعة.
تتطرّق الكاتبة إلى الإرث الاستعماري الذي ما زال يحكم نظرة الغرب إلى الأجساد الملوّنة، وخصوصاً منها أجساد النساء. ولهذا تعتبر مآل قضية كادياتو خطأ يجب تصحيحه، عن طريق الإبداع الروائي، بكتابة سردية مختلفة، كي “نوازن كفّة القص، فالقصص تموت وتُمحى من الذاكرة الجمعية فقط، لأنها لم تُروَ”.
تضيف: لا يجب أن ينتصر سرد واحد فقط، لأن السرديات الأخرى تم إسكاتها، الأدب يحافظ على الإيمان، ويعيد سرد القصة كتذكرة، كشهادة، كتوثيق”.
نظرت وسائل الإعلام العالمية إلى كادياتو ليس كإنسانة، بل كجسد يمكن التلاعب به، وامرأة مجرّدة من كل شيء، في محكمة كل ما فيها غريب عنها، حيث يتحدث أميركيون غرباء بسرعة، ويوردون اسمها على ألسنتهم، فيفتتون حكايتها إلى قطع صغيرة بسكين، يمزقونها ويدعون النسور إلى الوليمة، بينما هي ممددة هناك، ما تزال على قيد الحياة، وجراحها مكشوفة أمام أنظار الجميع”.
من خلال ذلك، تؤكد أديتشي النيجيرية، أنها صوت أدبي معاصر بارز، نسجت في روايتها سرداً إنسانياً موجعاً، تعيد فيه الاعتبار للنساء الإفريقيات المنسيات في زوايا العالم الواقع تحت سيطرة العولمة، وتلقي الضوء بجرأة على أشكال العنصرية الصريحة والمقنّعة. وهي فعلت ذلك في إطار قصص حب عاطفية، مليئة بالتفاصيل المشوّقة المكتوبة بأسلوب أدبي جميل.
كتبت أديتشي روايتها هذه، كرد فعل عن الحزن العميق الذي ألمّ بها، عقب وفاة والدتها، قائلة:: “مات والدي فجأة عام 2020، وكان أول أستاذ إحصاء في نيجيريا، ثم تلقيت الصدمة الثانية بوفاة والدتي بعد أشهر عام 2021”.
تضيف: “كنت منهارة تماماً، ولم يكن أمامي خيار إلا إعادة إحياء الخيال. هكذا بدأت كتابة “جمع بالأحلام” ولم أدرك السبب،إلا عندما شارفت على إنهائه، فصرخت: “يا إلهي، إنه عن أمي”. إنها كتابة من داخل الذات، ضد الوجع الكبير.
مبارك حسني – الدار البيضاء – الشرق للأخبار
إنضم لقناة النيلين على واتساب